الصبريفتح لك باب من ابواب الجنة اْدخلوا
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
الصبريفتح لك باب من ابواب الجنة اْدخلوا
الحمد لله خالق المصائب والمصاعب، والأفراح والأتراح، والبلاء والشفاء، والدواء والداء، وبسط الأرض ورفع السماء. وصلى الله على سيدنا محمد عدد الصديقين والمؤمنين والأولياء.
أما بعد، فقد قال عزّ وجلّ في القرءان الكريم {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتابٍ من قبل أن نبرأها} (سورة الحديد/22)، وقال عز وجل {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} (سورة الزمر/10) وقال تعالى: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنَّا لله وإنا إليه راجعون} (سورة البقرة/156). وقال جل شأنه :{يا أيها الذين ءامنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن اللهَ مع الصابرين} (سورة البقرة/153).
وقد قال معلم الناس الخير أفصحُ خلق الله وأعلمهم رسولُ الله محمد عليه الصلاة والسلام :"عجبًا لأمر المؤمن إنّ أمره كلَّه له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له" رواه مسلم. وقد قال عليه الصلاة والسلام :"وما أُعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر" متفق عليه. وقال عليه الصلاة والسلام :"والصبر ضياء" رواه مسلم. وقد روى البخاري أن سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم قال :"من يرد الله به خيرًا يُصِب منه" وقد ورد في الحديث الشريف الذي رواه الترمذي وحسّنه أن نبينا الأكرم عليه الصلاة والسلام قال:"إنّ عِظم الجزاء مع عِظَم البلاء، وإنّ الله تعالى إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السُّخط".
اعلم وفقنا الله وإياك أن هذه الدنيا دار البلاء والمصائب، لا تدوم لأحد ولا تصفو لأحد وكلنا معرّضون فيها للبلاء والمصائب كفقد الأحبة ومن يعزّ علينا، أو فقْد مالنا أو أعضائنا، أو نصاب بأمراض في أجسادنا، فما علينا إلا التسليم لله والرضا بقضاء الله والصبر على المصاب. ولعلاج فقدِ عزيز أو حبيب ثمانية أشياء:
أحدها: أن يعلم أنّ القدَر سبق بذلك. أي قُدّرَ ذلك في الأزل، بدليل قوله تعالى {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها}، ومعنى {إلا في كتاب} أي مكتوبة في اللوح المحفوظ من قبل خلْقها وإيجادها.
الثاني: العلم القطعي بأن الدنيا دار ابتلاء وكروب لا يرجى منها راحة، قال الشاعر:
وما استَغربَتْ عيني فراقًا رأيتُهُ * ولا أعلمتني غيرَ ما القلب عالِمُهُ
الثالث: العلم بأنَّ الجزع مصيبة ثانية.
الرابع: أن يقدّر وجود مصيبة أكبر من مصيبة كمن له ولدان ذهب أحدهما.
الخامس: النظر إلى حال من ابتلي بهذا البلاء فإنّ التأسي فيه راحة عظيمة.
السادس: النظر في حال من ابتلي بأكثر من هذا البلاء فيهون عليه هذا، وهذا رجل من التابعين (والتابعي هو من التقى بالصحابة ولم يلتقِ بالرسول، وهو مؤمن ومات على الإيمان) أصابت رجليه الآكلة (أي الغرغرينا) فقطعت ووقع ابنه عن السطح فمات، فما اعترض على الله بل رضي بقضاءِ الله وسلَّم أمرَه إلى الله وقال بعد أن لم يدَعْ ورده تلك الليلة:
لعمري ما أهويت كفي لريبةٍ * ولا نقلتني نحو فاحشة رجلي
ولا قادني سمعي ولا بصري لها * ولا دلني رأيي عليها ولا عقلي
السابع: رجاء الخلف إن كان ممن يصلح عنه الخلف كالولد والزوجة، فقد روي أنه قيل للقمان: ماتت زوجتك. فقال: تجدد فراشي.
الثامن: طلب الأجر بحمل أعباء الصبر، فلينظر في فضائل الصبر وثواب الصابرين وسيرتهم في صبرهم، وأن يرقى إلى مقام الرضا فهو الغاية.
فينبغي أن يكون الصبر في أول الصدمة، ففي الصحيحين أنَّ رسول الله عليه الصلاة والسلام قال :"الصبر عند الصدمة الأولى"، وينبغي أن يحتسب عند الله تعالى ما أُخذ منه ويوقن بحسن الجزاء وذلك يهوّن الصبر، ومن علامات الصبر الكف عن تمزيق الثياب، أو لطم خد، وحبس اللسان عن اعتراض وتسخط. قال بعض الحكماء: العاقل يفعل في أول يوم من أيام المصيبة ما يفعله الجاهل بعد خمسة أيام.
ثواب الصابر على فقد الأولاد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنساء :"ما منكنَّ امرأة يموت لها ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابًا من النار". فقالت امرأة: يا رسول الله اثنين؟ فقال رسول الله :"واثنين". رواه البخاري والنسائي.
وروى مسلم وأحمد رحمهما الله أنَّ ابنين لابن حسان توفيا، فقال لأبي هريرة :"سمعت من رسول الله حديثًا تحدثناه تطيب أنفسنا عن موتانا؟ قال: نعم، صغارهم دعاميصُ الجنّة، يلقى أحدهم أباه، أو قال أبويه، فيأخذ بناصية ثوبه أو بيده، كما ءاخذ أنا بِصَنِفَةِ ثوبك (أي طرفه)، ولا يفارقه حتى يدخل الجنة. والدعموص دويبة تسبح في الماء لا تفارقه، والمعنى أنّ هذا الصغير في الجنة لا يفارقها.
ذكر أخبار جماعة من الصابرين والراضين
لما طُعن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه جعل يقول والدماء تسيل على لحيته {لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنتُ من الظالمين} اللهم إني أستعين بك عليهم، وأستعين بك على جميع أموري، وأسألك الصبر على ما ابتليتني.
وقد ورد في الحديث الشريف أنه مات ولد لأبي طلحة من أم سليم فقالت لأهلها: لا تحدثوا أبا طلحة بابنه، حتى أكون أنا أحدثه، قال فجاء، فقربت إليه عشاء فأكل وشرب ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك، فوقع بها فلما رأت أنه قد شبع، وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أنّ قومًا أعاروا عاريتهم أهل بيت، وطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا، فقالت: فاحتسب ابنك.
فانظر رحمك الله إلى هذا الصبر الجميل وإلى هذه النفوس الراضية المطمئنة التي رضيت بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا، ولا تنس قوله تعالى {ومن يؤمن بالله يهد قلبه} (سورة التغابن/11) وقد قال علقمة في قوله تعالى هذا :"هي المصيبة تصيب الرَّجُل، فيعلم أنها من عند الله عزّ وجل فيسلّم لها ويرضى".
وهذا سيدنا عمران بن حصين يكنى "أبا نجيد" من كبار الصحابة، أسلم قديمًا وغزا مع رسول الله غزوات ولم يزل في بلاد قومه ثم تحول إلى البصرة فنزلها ومرض بها، فسُقي بطنه، أي حصل فيه الماء الأصفر فبقي ثلاثين سنة على سرير مثقوب. فصبر لله صبرًا جميلاً. قال محمد بن سيرين: ما قدم البصرة أحد من أصحاب رسول الله يُفضَّل على عمران بن حصين رضي الله عنه. وروي أنّ مطرفًا مات ولده عبد الله فخرج على قومه في ثياب حسنة، وقد ادّهن فغضبوا وقالوا: يموت عبد الله ثم يخرج في ثياب مثل هذه مدهنًا، قال: أفأستكين لها، لقد وعدني ربي تبارك وتعالى عليها ثلاث خصال، لكلُّ خصلة منها أحب إليّ من الدنيا كلها، قال الله عزّ وجلّ {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون أولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}.
خذلان خلق كثير عند موت أحبابهم
قال ابن الجوزي رحمه الله :"وقد خذل خلق كثير عند موت أحبابهم، فمنهم من خرق ثوبه، ومنهم من لطم، ومنهم من اعترض، ولقد رأيت رجلاً كبيرًا قارب الثمانين، وكان يحافظ على الجماعة، فمات ولد لابنته، فقال :"ما ينبغي لأحد أن يدعو فإنّه لا يستجيب" ثم قال :"إنّ الله يعاندنا، فما يترك لنا ولدًا"، فعلمت أنَّ صلواته وفعله للخير عادة، لأنه لا ينشأ عن معرفة وإيمان". فانظر إلى كفرٍ صدر بعد سنين طويلة من حضوره الجماعة بزعمه. حمانا الله من الضلال والخذلان والكفر وأهل الكفر والضلال.
المصيبات المختصة بذات الإنسان
اعلم وفقنا الله وإياك أنّ جمهور الناس إذا طرقهم المرض اشتغلوا تارة بالجزع منه والشكوى، وتارة بالتداوي، إلى أن يشتد فيشغلهم اشتداده عن الالتفات إلى المصالح من وصية، أو فعل خير أو تأهب للموت، فكم له من ذنوب لا يتوب منها، أو عنده وديعة لا يردها، أو عليه دين، أو زكاة، أو في ذمته ظلامة لا يخطر له تداركها، وإنما حزنه على فراق الدنيا، إذ لا همة له سواها، وربما أفاق فأوصى بجور. فينبغي للمتيقظ أن يتأهب في حال صحته، قبل هجوم المرض، فربما ضاق الوقت عن العمل. قال رسول الله عليه الصلاة والسلام :"لا يزال البلاء بالمؤمن أو المؤمنة في جسده وفي ماله وفي ولده حتى يلقى الله، وما عليه من خطيئة".
وإنّ تشديد البلاء يختص بالأخيار لقوله عليه الصلاة والسلام :"أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسب دينه" رواه أحمد والترمذي.
ومنها: أن ينظر بعين بصيرته وعقله ويذكر عظمة الله الذي يبتلي، ثم يوقن أنه لا يملك لنفسه شيئًا، وإنّ مالك الملك العزيز الحكيم يفعل ما يشاء. ومنها: أن يعلم أن هذا الواقع، وقع بتقدير الله وإرادته. فيجب أن يرضى بما قدّر الله وشاء، لأن الله لا يُسئل عما يفعل وهم يسألون. ومنها: أن يقول لنفسه إنما هي ساعة ثم كأن لم يكن ما كان، وليتذكر أمراضًا جرت عليه، فبالغت في ألمه ثم ذهبت كأن لم يكن، وإنما الاعتبار بالعواقب ومن تأمّل العاقبة هان عليه البلاء.
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام :"يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال يا ابن ءادم: هل رأيت خيرًا قطّ، هل مرّ بك نعيم قط؟ فيقول: لا والله يا ربّ. ويؤتى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة فيصبغ صبغة في الجنة فيقال له: يا ابن ءادم هل رأيت بؤسًا قطّ، هل مرّ بك شدّة قط؟ فيقول: لا والله ما مرّ بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط" رواه مسلم.
ومنها أن يتفكر في الانتقال إلى نعيم الجنة الذي لا انقطاع له. ومنها: تذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: يُنادى أهل الجنة :"إنّ لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدا، وإنّ لكم أن تَصِحّوا فلا تسقموا أبدا، وإنّ لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا".
جعلنا الله من الصابرين على البلاء، الشاكرين على النعماء الراضين بالقضاء والحمد لله رب العالمين.
http://www.nabanews.net/photo/09-05-06-1148849758.jpg
fleur- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 24/12/2009
العـــــمـــــر : 54
عـــدد المساهمـــات : 540
الـمــــــــــــزاج : جيد جدا
مواضيع مماثلة
» من ابواب التوبة
» ذنب قد يدخلك الجنة !!!!
» تذكر الجنة
» ஓ♥♡ღ◦˚أدنى أهل الجنة منزلة ° .. ஓ♥♡ღ◦˚°
» طيور الجنة/ثوب الفرح...
» ذنب قد يدخلك الجنة !!!!
» تذكر الجنة
» ஓ♥♡ღ◦˚أدنى أهل الجنة منزلة ° .. ஓ♥♡ღ◦˚°
» طيور الجنة/ثوب الفرح...
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 08 فبراير 2016, 19:32 من طرف أبو إلياس
» الله هو الغنيُّ المطلق والخلق فقراء محتاجون إليه
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:29 من طرف أبو إلياس
» صفة من صفات أهل الإسلام
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:27 من طرف أبو إلياس
» آداب الإنترنت: فنون المعاتبة .. ومعالجة الأخطاء
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:26 من طرف أبو إلياس
» مركز اللغات بجامعة المدينة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 18:35 من طرف أبو إلياس
» مجلة جامعة المدينة العالمية المحكمة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 00:34 من طرف Nassima Tlemcen
» aidez-moi vite svp
الثلاثاء 12 يناير 2016, 16:30 من طرف أبو إلياس
» حوليات وزارة التربية 2012 في العلوم الطبيعية
الجمعة 04 ديسمبر 2015, 13:04 من طرف lynda2013
» لمـــــــــــــــــــاذا تبـــــــكي النّســـــــــــــــــــاء
الأربعاء 18 نوفمبر 2015, 18:46 من طرف أبو إلياس