تطوّر الأرض

تَطَوُّرُ الأرْض

فالرَّضْراض والْحَصى أصلها حجارة تتكسّر مع الجِبال بالاِنْصِداع والاِنْصِدام ثمّ يكثُر عليها جَرْي الماء وهُبُوب الرّياح. ويدوم احْتِكاكُها فَتَبْلى ويأخُذ البِلى فِيها من جهة زواياها وحُرُوفها حتّى يذهب بها فيُدَمْلِكَها. وإنّ الفُتات الّتي تتميّز عنها هي الرّمال ثمّ التُّراب. وعندما اجتمع ذلك الرّضراض في مَسايِل الأَوْدِية حتّى انْكَبَسَت بِها، وتَخَلَّلتها الرّمال والتُّراب فانْعَجَنَتْ بها وانْدفنت فيها وعَلَتْها السُّيول، ثمّ صارت في القَرار والعُمق بعد أن كانت على الأرض – أقول عندما حصل ذلك تحجَّر الرّضْراض والحَصى وقَسا وعاد سِيرتَه الأولى. وهكذا فإن وجدنا جبلا مُتجبِّلا من هذه الحجارة المُلْس، علمنا تكوُّنه على ما وصفْناه وإن تردَّد سافِلا مرّة وعاليا أخرى. فالجبال الشّامخة إذا أصلها رضراض ملْس مختلف الألوان والأحجام، مؤتلف بالطِّين والرّمل المتحجِّرين عليه. وكلّ تلك الأحوال بالضّرورة ذواتُ أَزْمان مَديدة غير مَضْبوطة الْكَمِّيَّة وتحت تغيير غير معلومة الْكَيْفِيَّة. [...]
وينتُج عن التّغيُّرات الْجِيُولُوجِيّة انتِقال العُمْران من مَوْضِع إلى آخر، فتخِفّ مَوَاضِع وتغُور، وتُزْهر أخرى وتَطِيب، وتنحسِر أبحار عن مَوَاضِع وتطْغى على أخرى بعيدة عنها في أَزْمِنة إن كانت قَبْل كَوْن النّاس في العالم فغيْر مَعْلُومة، وإن كانت بعده فغير مَحفوظة لأنّ الأخبار تنقطِع إذا طال عليها الأمَد، وخاصّة في الأشياء الّتي تتكوّن جزءا بعد جُزء فلا يفطِن إليها إلاّ الآحاد والْخَواصُّ.
[...]
ومن التّغيُّرات الجِيُولُوجِيَّة المعروفة انحِسار البِحار عن مواضِع وظهور الْيابِسة في مكانها وطُغْيانها على مَواضِع أخرى تتحوّل إلى بحار. ويتخلَّف عن البِحار الْمُنْحَسِرة أصْداف وبقايا الْحيوانات الّتي كانت تعيش فيها. فهذه بادِية العرب كانت بحْرا فانْكَبَس حتّى إنّ آثار ذلك ظاهرة عند حفر الآبار والحِياض بها. فإنّنا نجِد فيها أحْجارا إذا كُسِرت كانت مشتمِلة على أصداف ووَدَع وما يُسَمَّى بِآذان السّمك، إمّا باقِيةً فيها على حالها وإمّا بالِية قد تلاشَت وبقي مكانَها خلاء فتشكَّل بشَكْلها. ونحن نجِد مثلَ ذلك أيضا على ساحل بحر الْخَزَر (قَزْوِين) وفي الْمفازة الرَّمْليّة الّتي بين جُرْجان وخُوارِزْم وفي أرض مِصْر وبطائحِ البصْرة الّتي تحوّل إليها نهْر دِجْلة فأغْرَقها."

الْبَيْرُوني (من مقدِّمة كتابه: "تحديد نهايات الأماكن لتَصْحيح مسافات الْمَساكن")


البَيْرُونِي: هو أبو الرَّيْحان محمّد بن أحمد. ولد سنة 326 ه -973م في بَلدة تُسَمَّى "كات" بظاهِر خُوارِزم ومات بها سنة 440ه. وهذه البلدة في أوزباكِستان اليوم وقد سمِّيت في العصر الحديث "بَيْرُون" تخليدا لذِكْراه.
اهتمّ بعِلم التّاريخ والطّبّ والْفَلَك والرِّياضِيّات والطّبيعِيّات، وبلغت مؤلَّفاته أكثر من 120 كتابا.

، هذا كثير!...

لا شكر على واجب.
أهلا وسهلا بكم.

عفوا.