التّعليم في الجزائر
4 مشترك
منتديات بني ورثيلان التعليمية :: المكتبــــــــةالأدبيــــــــة والثقافيــــــــة :: همسات ثقافيـــة
صفحة 1 من اصل 1
التّعليم في الجزائر
التّعليم في الجزائر
1- في مدرسة "الكُولِيجْ"
هذه رواية شفاهيّة لأحد سكّان حمّام قَرْقُور وكان ضمن القلائل الّذين درسوا بمدرسة "الكُولِيجْ" كما كانت تُسَمَّى وقتها وبقيت المنطقة تُسَمَّى بهذا الاسم إلى الْيَوم.
يقول السّيّد:
"كنّا ندرس القرآن في الجامع ونبدأ تعلّم الكتابة العربيّة وقراءتها بين سنّ الرّابعة وحتّى السّابعة ثمّ نلتحق بِ"الُكولِيجْ" الّذي يدرّس فيه معلّم فرنسيّ بالفرنسيّة. وكان من هؤلاء العنصريُّ المتعصّب الّذي يمنع حتّى الحديث بيننا بالعربيّة لدرجة أنّه، أحيانا، يبثّ بيننا جاسوسا منّا يبلغه عمّن تجرّأ هتْك حرمة الفرنسيّة. وأحيانا، يكون المعلّم أكثر تسامحا فيتغاضى عن "هفواتنا" في لفظة أو إشارة فنعتبره الكرمَ والحِلم يدِبَّان على الأرض.
آنذاك، وهو « La medressa »ننتقل إلى الدّراسة بالمعهد المسمّى « La sixième » بعد الحصول على شهادة
، ولم تكن متاحة إلاّ لذي مال وجاه وما أقلّهم بيننا!« Franco-musulmane » المدرسة العربيّة/ الفرنسيّة
أمّا البنات، فلا أذكر أكثر من ثلاث أو أربع دخلن الأطوار الأولى من التّعليم ثمّ انقطعن.
وعموما لم يكن النّاس يحبّذون تعليم البنات حتّى وإن كانت العربيّةَ في الجامع. فقد حكت قريبتي –وهي فوق السّبعين من العمر- أنّها وأترابها كنّ يدرسن في الجامع وتعلّمت رسم الحروف والبسملة فرمت لها والدتها اللّوح والقلم وهدّدتها إن لم تبادر إلى الجبل وإحضار الحطب كلّ صباح. أمّا الأخرى فقالت: "لمّا تعلّمت خطّ بعض الكلمات، أسرعتُ إلى "سيّدي" –تقصد أباها- مسرورة وسألته كيف أكتب رسالة إلى "سيّدي فلان" -تقصد أخاها بفرنسا- فثارت ثائرته ومنعني من الخروج بل من التّعلّم لأنّني فكّرت في الرّسائل."
ما أسوأ نيّاتهم! لكنّ جدّي لأنّي سلك غير هذا المسلك. فقد علّم الصّبيان والبنات وكنّ شابّات داخل المنسج (وراء النَّوْل) واللّوح أمامهنّ، يحفظن القرآن ويطالعن الكتب الّتي ملأت حجرة والدهنّ الّذي كان من الأسر المعروفة بتقديرها للعلم وطلاّبه. إذ كانت هذه الأسر تعيّن معلّما لأبنائها، يدرّس لهم القرآن في غرفة تُخصّص لهذا الغرض، ويكون مدخلها عادة خارج مسكن الأسرة، كما يُستقبل فيها الطّلاّب أيّا كانوا. وتتحمّل الأسرة مطعمهم ومبيتهم مع أبناء البيت إلى أن يُنهوا تعليمهم. وتتكفّل بمسكن المعلّم أيضا مع أسرته. وله بستانه الخاصّ ويحدّد له مقدار من المحصول عوْلَ سنة من الحبوب، وله كسوته كلّ سنة، ولا عمل له إلاّ تدريس القرآن وتهذيب الطّلبة.
وهناك أسر تعيّن لأبنائها مدرّسا للّغة الفرنسيّة، وعادةً تكون عائلاتِ القوّاد والإداريّين الّذين يسكنون ،« Le certifica » الأرياف. ويكون هؤلاء المعلّمون ممّن لا يسعفهم الحظّ في الحصول على شهادة
فيخلَّفون للمناصب الشّاغرة إذ ترسلهم السّلطات المسؤولة إلى المناطق النّائيّة والجبليّة حيث لا يرضى الفرنسيّون بالوظيفة هناك.
وللأمانة أنقل لكم هذه الشّهادة عن مدرّس فرنسيّ اسمه "بَتِيجا" قيل إنّ مدرسة "الكُولِيج" بنيت خِصِّيصا له، حيث أنهى خدمته العسكريّة وبدأ التّدريس بها لأبناء حمّام قرقور، حوالي 1900م. وتخرّج منهم المحاميّ والأستاذ وغيرهما من الوظائف السّامية الّتي لم يكن للسّكّان عهد بمثلها. وتؤكّد الشّهادة على حبّه الشّديد لتلاميذه ولأهل البلدة وإخلاصه لهم. فلم يكن يرفض دعواتهم بمناسبة وبغير مناسبة. يجالسهم في المقاهي ويهتمّ بأمورهم حتّى غنّه تزوّج من إحدى نساء الضّواحي. ولمّا توُفِّيت، تزوّج بأرملة أمّ ولدين ربّاهما كأحسن ما يكون وزوّجهما. قال محدّثنا لمّا سألناه عن قبولها الارتباط به إنّه كان يردّد الشّهادتين على مسمعه ومات ودُفن هنا في بوقاعة.
وأخيرا، لا ننسَ مدارس الآباء البيض في المدن الكبرى إذ، حسب محدّثي، لم تكن تختلف عن التّعليم الرّسميّ الفرنسيّ في شيء. واستمرّ العمل فيها حتّى السّتّينيّات لمّا قرّرت حكومة الاستقلال توحيد مناهج التّعليم فتوقّفت الدّروس بها ليحُلَّ محلّها التّعليم الوطنيّ"
2- في رحاب معهد ابن باديس
وهذه شهادة لحد الطّلبة القدامى في معهد ابن باديس بقسنطينة بقيت محفوظة لأزيد من أربعة عقود، نقلتها كما جاءت لعلّ فيها ما يفيد:
"كان لي ابن عمّ –هو الأستاذ شربال سي عبد الرّحمن – وكان تلميذا بالمدرسة العربيّة/الفرنسيّة بقسنطينة. وكان يزوّدنا، عندما يعود في العطلة الصّيفيّة إلى مسقِط رأسه، حمّام قَرْقُور، بدروس نحويّة وصرفيّة وفقهيّة ودينيّة. وكان في دراسته، متفوّقا على زملائه وأقرانه بقسنطينة. وقد زادني بتلك الدّروس، شوقا وحماسا للذّهاب إلى معهد ابن باديس بقسنطينة. وقبل هذا الوقت بالذّات، كنت حفظت القرآن حفظا جيّدا، فطلبت من أي أن يسمح لي بالذّهاب إلى معهد الأستاذ الإمام بقسنطينة، فوافق أبي وفرح وكان فرحي وسروري أكثر. وفي الحين، بدأت أحضّر بعض الكتب والملابس وكلّ ما يحتاجه التّلميذ لأنّ السّنة الدّراسيّة قد قربت وكانت هذه السّنة على ما أظنّ هي سنة 1933م. ولمّا أتممت وحضّرت جميع ما يحتاجه التّلميذ، سافرت على قسنطينة قبل الدّراسة بأيّام. فوجدت بعض الإخوان والزّملاء فاكترينا بيتا وبقينا نترقّب فتح المعهد. ولمّا حضر أكثر التّلاميذ، بدأت الدّروس. وكان الجامع الأخضر هو مقام الشّيخ عبد الحميد، وكانت له مقصورة وكانت جميع دروسه بهذا المسجد.
غير أنّ دروس التّاريخ كانت ممنوعة عليه منعا باتّا من السّلطة الفرنسيّة، ومع هذا فقد كان يلقيها سرّا وفي وقت ومكان هما غير وقت ومكان الصّلاة، بعد أن يأمر بإغلاق باب المسجد. وكانت مساجد أخرى مثل جامع سيّدي بومعزة وبه حجرة كبيرة للدّراسة وبه كذلك بيوت للنّوم لأنّه كان مسجدا كبيرا. وكان مسجد آخر يقال له سيّدي قمّوش وهو مُلك لأبيه الشّيخ مصطفى. وكانت تُقرأ فيه الدّروس اللّيليّة وفيه بعض البيوت للنّوم. وكان الشّيخ الفضيل الورثيلانيّ –رحمه الله- له حجرة هنا في هذا المسجد ينام فيها، وكان رجل آخر يقال له سي يونس كانت له حجرة كذلك وهو يخيط البرانس والملابس. وكان هو المسؤول على جميع التّلاميذ القادمين من ناحية بوقاعة وقنزات وبني ورثيلان ونواحي سطيف.
وكان جامع آخر يقال له سيّدي ميمون وهو بعيد هن جامع الأخضر. وكان الشّيخ العبّاس بَالْمُولود، أخو الشّيخ الهاشميّ العالم الكبير من قنزات، يعطينا دروسا في الفقه من رسالة أبي زيد القيرواني.
وكانت جماعة من تلامذة الشّيخ عبد الحميد بن باديس يقال لها "طبقة السّعداء" –الّذين أتمّوا دراستهم- ومنهم الشّيخ الفضيل الورثيلانيّ والشّيخ عيسى الدّرّاجيّ وابن عمّه الشّيخ محمّد الدّرّاجيّ (ولقبهما هو ابن يحيي) والشّيخ بلقاسم الزّغدانيّ والشّيخ عبد المجيد حِيرش والشّيخ الجيلاليّ الأصناميّ والشّيخ بوكوشة والشّيخ عمر دَرْدُور وغيرهم. فمنهم من ذهب إلى بلاده وفتح مدرسة حرّة ومنهم من بقي في قسنطينة لإعانة الشّيخ ابن باديس وإعطاء دروس في جميع الموادّ. أمّا التّلاميذ الفقراء الّذين لا يقدرون على الكراء، فكانت بعض المساكن كالمأوى – وهو مكان كبير ومتّسع قريبا من محطّة القطار- يسكنون فيه بدون أجرة.
وكذلك مسجد بو معزة فهو صالح للدّراسة والسّكن. وكانت هناك مخبزة خاصّة للتّلاميذ الفقراء الّذين لا يقدرون على شراء الخبز فيذهبون إلى هذه المخبزة ويأخذون الخبز مجّانا. كما أنّ هناك بعض العائلات في قسنطينة يعاونون بعض التّلاميذ في المسكن وفي الكل جزاهم الله خيرا.
وكنت أنا مع زملائي في السّنة الأولى لنا كتاب (...) في النّحو، وفي الفقه كتاب (...) وكتاب الرّسالة لأبي زيد القيروانيّ، وكانت لنا دروس عند الشّيخ الإمام ابن باديس في الدّين والأخلاق، من آيات قرآنيّة وأحاديث نبويّة. وكان كلّ تلميذ له كرّاس يكتب فيه ما يمليه علينا الشّيخ عبد المجيد حيرش والشّيخ عيسى الدّرّاجيّ. وكذلك لنا دروس ليليّة في مسجد سيّدي قمّوش. كذلك كان الشّيخ العبّاس بَلمولود، أخو الشّيخ الهاشميّ القَنْزاتي العالم الكبير، يعطينا دروسا في الفقه بمسجد سيّدي ميمون وهو بعيد عن الجامع الأخضر. وكان للشّيخ الإمام عبد الحميد بن باديس درس في تفسير القرآن وكان عامّا لجميع النّاس ووقته بعد صلاة العشاء.
وفي سنة 1937م، صدر نداء يقول: "من كان قادرا على الذّهاب إلى تلمسان ليشارك في تدشين دار الحديث فليتفضّل. وقد لبّى جمع غفير هذا النّداء رغم أنّ السّفر كان بعيدا جدّا. وكان اليوم الّذي كنّا نتأهّب فيه للذّهاب إلى تلمسان يوما مشهودا. وكان السّفر مساء من ساحة مسجد كتشّاوة بالجزائر الّذي كان كنيسة. كان السّفر في الحافلة وكان قبل الغروب. لم أعد أذكر كم كان هناك من حافلة: سبعة أم ثمانية أم اكثر أم أقلّ؛ فتقدّمت الحافلة الأولى فامتلأت ثمّ الثّانية ثمّ الثّالثة ومن حظّي أنّي كنت في الحافلة الأولى.
ولمّا وصلنا إلى البليدة، نزلنا من جميع الحافلات وصلّينا المغرب ثمّ رجع كلّ واحد منّا إلى مكانه وحافلته.
أمّا الفجر فقد صلّيناه على ما أذكر في غَلِيزان ورجعنا إلى الحافلة. ثمّ بدأنا السّفر مرّة ثانية على بركة الله وعونه وعندما كنّا في الحافلة، كان الأستاذ الشّيخ أحمد بوشمال (وهو من جمعيّة العلماء وفي إدارة الشّيخ عبد الحميد بقسنطينة) يلقّننا شعرا مثل:
نحن الشّباب لنا الغد ومجده المخلّد
الدّين في قلوبنا والمّور في عيوننا
إلخ...ونحن جميعا نعيده ونكرّره بصوت عال ومرتفع حتّى وصلنا صباحا إلى مدينة تلمسان وكانت السّاعة نشير إلى التّاسعة والنّصف أو العاشرة صباحا فاسترحنا قليلا ثمّ ذهبنا جميعا إلى محطّة القطار لأنّ الشّيخ عبد الحميد بن باديس لم يقدم معنا في الحافلة."
زينة بهلول (قرية حمّام قرقور)
1- في مدرسة "الكُولِيجْ"
هذه رواية شفاهيّة لأحد سكّان حمّام قَرْقُور وكان ضمن القلائل الّذين درسوا بمدرسة "الكُولِيجْ" كما كانت تُسَمَّى وقتها وبقيت المنطقة تُسَمَّى بهذا الاسم إلى الْيَوم.
يقول السّيّد:
"كنّا ندرس القرآن في الجامع ونبدأ تعلّم الكتابة العربيّة وقراءتها بين سنّ الرّابعة وحتّى السّابعة ثمّ نلتحق بِ"الُكولِيجْ" الّذي يدرّس فيه معلّم فرنسيّ بالفرنسيّة. وكان من هؤلاء العنصريُّ المتعصّب الّذي يمنع حتّى الحديث بيننا بالعربيّة لدرجة أنّه، أحيانا، يبثّ بيننا جاسوسا منّا يبلغه عمّن تجرّأ هتْك حرمة الفرنسيّة. وأحيانا، يكون المعلّم أكثر تسامحا فيتغاضى عن "هفواتنا" في لفظة أو إشارة فنعتبره الكرمَ والحِلم يدِبَّان على الأرض.
آنذاك، وهو « La medressa »ننتقل إلى الدّراسة بالمعهد المسمّى « La sixième » بعد الحصول على شهادة
، ولم تكن متاحة إلاّ لذي مال وجاه وما أقلّهم بيننا!« Franco-musulmane » المدرسة العربيّة/ الفرنسيّة
أمّا البنات، فلا أذكر أكثر من ثلاث أو أربع دخلن الأطوار الأولى من التّعليم ثمّ انقطعن.
وعموما لم يكن النّاس يحبّذون تعليم البنات حتّى وإن كانت العربيّةَ في الجامع. فقد حكت قريبتي –وهي فوق السّبعين من العمر- أنّها وأترابها كنّ يدرسن في الجامع وتعلّمت رسم الحروف والبسملة فرمت لها والدتها اللّوح والقلم وهدّدتها إن لم تبادر إلى الجبل وإحضار الحطب كلّ صباح. أمّا الأخرى فقالت: "لمّا تعلّمت خطّ بعض الكلمات، أسرعتُ إلى "سيّدي" –تقصد أباها- مسرورة وسألته كيف أكتب رسالة إلى "سيّدي فلان" -تقصد أخاها بفرنسا- فثارت ثائرته ومنعني من الخروج بل من التّعلّم لأنّني فكّرت في الرّسائل."
ما أسوأ نيّاتهم! لكنّ جدّي لأنّي سلك غير هذا المسلك. فقد علّم الصّبيان والبنات وكنّ شابّات داخل المنسج (وراء النَّوْل) واللّوح أمامهنّ، يحفظن القرآن ويطالعن الكتب الّتي ملأت حجرة والدهنّ الّذي كان من الأسر المعروفة بتقديرها للعلم وطلاّبه. إذ كانت هذه الأسر تعيّن معلّما لأبنائها، يدرّس لهم القرآن في غرفة تُخصّص لهذا الغرض، ويكون مدخلها عادة خارج مسكن الأسرة، كما يُستقبل فيها الطّلاّب أيّا كانوا. وتتحمّل الأسرة مطعمهم ومبيتهم مع أبناء البيت إلى أن يُنهوا تعليمهم. وتتكفّل بمسكن المعلّم أيضا مع أسرته. وله بستانه الخاصّ ويحدّد له مقدار من المحصول عوْلَ سنة من الحبوب، وله كسوته كلّ سنة، ولا عمل له إلاّ تدريس القرآن وتهذيب الطّلبة.
وهناك أسر تعيّن لأبنائها مدرّسا للّغة الفرنسيّة، وعادةً تكون عائلاتِ القوّاد والإداريّين الّذين يسكنون ،« Le certifica » الأرياف. ويكون هؤلاء المعلّمون ممّن لا يسعفهم الحظّ في الحصول على شهادة
فيخلَّفون للمناصب الشّاغرة إذ ترسلهم السّلطات المسؤولة إلى المناطق النّائيّة والجبليّة حيث لا يرضى الفرنسيّون بالوظيفة هناك.
وللأمانة أنقل لكم هذه الشّهادة عن مدرّس فرنسيّ اسمه "بَتِيجا" قيل إنّ مدرسة "الكُولِيج" بنيت خِصِّيصا له، حيث أنهى خدمته العسكريّة وبدأ التّدريس بها لأبناء حمّام قرقور، حوالي 1900م. وتخرّج منهم المحاميّ والأستاذ وغيرهما من الوظائف السّامية الّتي لم يكن للسّكّان عهد بمثلها. وتؤكّد الشّهادة على حبّه الشّديد لتلاميذه ولأهل البلدة وإخلاصه لهم. فلم يكن يرفض دعواتهم بمناسبة وبغير مناسبة. يجالسهم في المقاهي ويهتمّ بأمورهم حتّى غنّه تزوّج من إحدى نساء الضّواحي. ولمّا توُفِّيت، تزوّج بأرملة أمّ ولدين ربّاهما كأحسن ما يكون وزوّجهما. قال محدّثنا لمّا سألناه عن قبولها الارتباط به إنّه كان يردّد الشّهادتين على مسمعه ومات ودُفن هنا في بوقاعة.
وأخيرا، لا ننسَ مدارس الآباء البيض في المدن الكبرى إذ، حسب محدّثي، لم تكن تختلف عن التّعليم الرّسميّ الفرنسيّ في شيء. واستمرّ العمل فيها حتّى السّتّينيّات لمّا قرّرت حكومة الاستقلال توحيد مناهج التّعليم فتوقّفت الدّروس بها ليحُلَّ محلّها التّعليم الوطنيّ"
2- في رحاب معهد ابن باديس
وهذه شهادة لحد الطّلبة القدامى في معهد ابن باديس بقسنطينة بقيت محفوظة لأزيد من أربعة عقود، نقلتها كما جاءت لعلّ فيها ما يفيد:
"كان لي ابن عمّ –هو الأستاذ شربال سي عبد الرّحمن – وكان تلميذا بالمدرسة العربيّة/الفرنسيّة بقسنطينة. وكان يزوّدنا، عندما يعود في العطلة الصّيفيّة إلى مسقِط رأسه، حمّام قَرْقُور، بدروس نحويّة وصرفيّة وفقهيّة ودينيّة. وكان في دراسته، متفوّقا على زملائه وأقرانه بقسنطينة. وقد زادني بتلك الدّروس، شوقا وحماسا للذّهاب إلى معهد ابن باديس بقسنطينة. وقبل هذا الوقت بالذّات، كنت حفظت القرآن حفظا جيّدا، فطلبت من أي أن يسمح لي بالذّهاب إلى معهد الأستاذ الإمام بقسنطينة، فوافق أبي وفرح وكان فرحي وسروري أكثر. وفي الحين، بدأت أحضّر بعض الكتب والملابس وكلّ ما يحتاجه التّلميذ لأنّ السّنة الدّراسيّة قد قربت وكانت هذه السّنة على ما أظنّ هي سنة 1933م. ولمّا أتممت وحضّرت جميع ما يحتاجه التّلميذ، سافرت على قسنطينة قبل الدّراسة بأيّام. فوجدت بعض الإخوان والزّملاء فاكترينا بيتا وبقينا نترقّب فتح المعهد. ولمّا حضر أكثر التّلاميذ، بدأت الدّروس. وكان الجامع الأخضر هو مقام الشّيخ عبد الحميد، وكانت له مقصورة وكانت جميع دروسه بهذا المسجد.
غير أنّ دروس التّاريخ كانت ممنوعة عليه منعا باتّا من السّلطة الفرنسيّة، ومع هذا فقد كان يلقيها سرّا وفي وقت ومكان هما غير وقت ومكان الصّلاة، بعد أن يأمر بإغلاق باب المسجد. وكانت مساجد أخرى مثل جامع سيّدي بومعزة وبه حجرة كبيرة للدّراسة وبه كذلك بيوت للنّوم لأنّه كان مسجدا كبيرا. وكان مسجد آخر يقال له سيّدي قمّوش وهو مُلك لأبيه الشّيخ مصطفى. وكانت تُقرأ فيه الدّروس اللّيليّة وفيه بعض البيوت للنّوم. وكان الشّيخ الفضيل الورثيلانيّ –رحمه الله- له حجرة هنا في هذا المسجد ينام فيها، وكان رجل آخر يقال له سي يونس كانت له حجرة كذلك وهو يخيط البرانس والملابس. وكان هو المسؤول على جميع التّلاميذ القادمين من ناحية بوقاعة وقنزات وبني ورثيلان ونواحي سطيف.
وكان جامع آخر يقال له سيّدي ميمون وهو بعيد هن جامع الأخضر. وكان الشّيخ العبّاس بَالْمُولود، أخو الشّيخ الهاشميّ العالم الكبير من قنزات، يعطينا دروسا في الفقه من رسالة أبي زيد القيرواني.
وكانت جماعة من تلامذة الشّيخ عبد الحميد بن باديس يقال لها "طبقة السّعداء" –الّذين أتمّوا دراستهم- ومنهم الشّيخ الفضيل الورثيلانيّ والشّيخ عيسى الدّرّاجيّ وابن عمّه الشّيخ محمّد الدّرّاجيّ (ولقبهما هو ابن يحيي) والشّيخ بلقاسم الزّغدانيّ والشّيخ عبد المجيد حِيرش والشّيخ الجيلاليّ الأصناميّ والشّيخ بوكوشة والشّيخ عمر دَرْدُور وغيرهم. فمنهم من ذهب إلى بلاده وفتح مدرسة حرّة ومنهم من بقي في قسنطينة لإعانة الشّيخ ابن باديس وإعطاء دروس في جميع الموادّ. أمّا التّلاميذ الفقراء الّذين لا يقدرون على الكراء، فكانت بعض المساكن كالمأوى – وهو مكان كبير ومتّسع قريبا من محطّة القطار- يسكنون فيه بدون أجرة.
وكذلك مسجد بو معزة فهو صالح للدّراسة والسّكن. وكانت هناك مخبزة خاصّة للتّلاميذ الفقراء الّذين لا يقدرون على شراء الخبز فيذهبون إلى هذه المخبزة ويأخذون الخبز مجّانا. كما أنّ هناك بعض العائلات في قسنطينة يعاونون بعض التّلاميذ في المسكن وفي الكل جزاهم الله خيرا.
وكنت أنا مع زملائي في السّنة الأولى لنا كتاب (...) في النّحو، وفي الفقه كتاب (...) وكتاب الرّسالة لأبي زيد القيروانيّ، وكانت لنا دروس عند الشّيخ الإمام ابن باديس في الدّين والأخلاق، من آيات قرآنيّة وأحاديث نبويّة. وكان كلّ تلميذ له كرّاس يكتب فيه ما يمليه علينا الشّيخ عبد المجيد حيرش والشّيخ عيسى الدّرّاجيّ. وكذلك لنا دروس ليليّة في مسجد سيّدي قمّوش. كذلك كان الشّيخ العبّاس بَلمولود، أخو الشّيخ الهاشميّ القَنْزاتي العالم الكبير، يعطينا دروسا في الفقه بمسجد سيّدي ميمون وهو بعيد عن الجامع الأخضر. وكان للشّيخ الإمام عبد الحميد بن باديس درس في تفسير القرآن وكان عامّا لجميع النّاس ووقته بعد صلاة العشاء.
وفي سنة 1937م، صدر نداء يقول: "من كان قادرا على الذّهاب إلى تلمسان ليشارك في تدشين دار الحديث فليتفضّل. وقد لبّى جمع غفير هذا النّداء رغم أنّ السّفر كان بعيدا جدّا. وكان اليوم الّذي كنّا نتأهّب فيه للذّهاب إلى تلمسان يوما مشهودا. وكان السّفر مساء من ساحة مسجد كتشّاوة بالجزائر الّذي كان كنيسة. كان السّفر في الحافلة وكان قبل الغروب. لم أعد أذكر كم كان هناك من حافلة: سبعة أم ثمانية أم اكثر أم أقلّ؛ فتقدّمت الحافلة الأولى فامتلأت ثمّ الثّانية ثمّ الثّالثة ومن حظّي أنّي كنت في الحافلة الأولى.
ولمّا وصلنا إلى البليدة، نزلنا من جميع الحافلات وصلّينا المغرب ثمّ رجع كلّ واحد منّا إلى مكانه وحافلته.
أمّا الفجر فقد صلّيناه على ما أذكر في غَلِيزان ورجعنا إلى الحافلة. ثمّ بدأنا السّفر مرّة ثانية على بركة الله وعونه وعندما كنّا في الحافلة، كان الأستاذ الشّيخ أحمد بوشمال (وهو من جمعيّة العلماء وفي إدارة الشّيخ عبد الحميد بقسنطينة) يلقّننا شعرا مثل:
نحن الشّباب لنا الغد ومجده المخلّد
الدّين في قلوبنا والمّور في عيوننا
إلخ...ونحن جميعا نعيده ونكرّره بصوت عال ومرتفع حتّى وصلنا صباحا إلى مدينة تلمسان وكانت السّاعة نشير إلى التّاسعة والنّصف أو العاشرة صباحا فاسترحنا قليلا ثمّ ذهبنا جميعا إلى محطّة القطار لأنّ الشّيخ عبد الحميد بن باديس لم يقدم معنا في الحافلة."
زينة بهلول (قرية حمّام قرقور)
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
رد: التّعليم في الجزائر
موضوع جيد و لكن لم افهم معنى كلمة ''الكوليج''
aissa.b- عضو برونزي
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 19/11/2010
العـــــمـــــر : 29
عـــدد المساهمـــات : 885
الـمــــــــــــزاج : هادىء
رد: التّعليم في الجزائر
" الكوليج" لفظة فرنسيّة تعني "المتوسّطة" أو "المعهد" أيضا:
Collège
وناس حمّام قرقور وما جاورها ما يزالون يدعون المدرسة بهذا الاسم.
Collège
وناس حمّام قرقور وما جاورها ما يزالون يدعون المدرسة بهذا الاسم.
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
رد: التّعليم في الجزائر
[/b][/color][ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
[color=green] [b]على هذه الباقة التاريخية ما اروعها حقيقة تحفة و شهادات حية تعليمية تاريخية جميلة
[color=green] [b]على هذه الباقة التاريخية ما اروعها حقيقة تحفة و شهادات حية تعليمية تاريخية جميلة
عدل سابقا من قبل saber 2004 في السبت 11 ديسمبر 2010, 22:38 عدل 1 مرات
رد: التّعليم في الجزائر
بل كلّ السّعادة لي.
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
مواضيع مماثلة
» الجزائر 1- تنزانيا 1 المنتخب الجزائر يفقد آخر حظوظه في التأهل لكأس أمم افريقيا 2012
» التّعليم في مواجهة الإسلاموفوبيا في الغرب
» الامتحـان التّجريبي لشهادة التّعليم المتوسط في مادة اللغة العربيّة
» الجزائر العاصمة
» صوّت و شجّع المنتخب الجزائري.
» التّعليم في مواجهة الإسلاموفوبيا في الغرب
» الامتحـان التّجريبي لشهادة التّعليم المتوسط في مادة اللغة العربيّة
» الجزائر العاصمة
» صوّت و شجّع المنتخب الجزائري.
منتديات بني ورثيلان التعليمية :: المكتبــــــــةالأدبيــــــــة والثقافيــــــــة :: همسات ثقافيـــة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 08 فبراير 2016, 19:32 من طرف أبو إلياس
» الله هو الغنيُّ المطلق والخلق فقراء محتاجون إليه
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:29 من طرف أبو إلياس
» صفة من صفات أهل الإسلام
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:27 من طرف أبو إلياس
» آداب الإنترنت: فنون المعاتبة .. ومعالجة الأخطاء
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:26 من طرف أبو إلياس
» مركز اللغات بجامعة المدينة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 18:35 من طرف أبو إلياس
» مجلة جامعة المدينة العالمية المحكمة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 00:34 من طرف Nassima Tlemcen
» aidez-moi vite svp
الثلاثاء 12 يناير 2016, 16:30 من طرف أبو إلياس
» حوليات وزارة التربية 2012 في العلوم الطبيعية
الجمعة 04 ديسمبر 2015, 13:04 من طرف lynda2013
» لمـــــــــــــــــــاذا تبـــــــكي النّســـــــــــــــــــاء
الأربعاء 18 نوفمبر 2015, 18:46 من طرف أبو إلياس