الشيخ سفيان بن سالم درامي

*

اسمه ونسبه:
هو خادم العلم والدين العلامة الفقيه الشيخ سفيان بن سالم بن فودي زيد بن سالم قوب بن فودي بكر الكبير درامي بن محمد خوله بن محمد كات بن هارون قوب بن محمد سيره بن محمود جاخكي بن محمد تفاسيره بن سليمان القُونْجُورِي الجِلاني الأزهري. وينتمي إلى قبيلة السُونِيكِه (مَرَكَا أو سَرَكُولِه) المعروفة بأصالتها وثقافتها، من أسرة درامي سامي الأسرة المشهورة بالعلم والصلاح والخير. وتمتدّ جذور هذه الأسرة إلى مدينة (قونجورو) المعروفة بـ (دوغوبا) أي البلد العظيم والتي اشتهرت بالعلوم الإسلامية عبر القرون وبأضرحة الأولياء الاثني عشر والمتواجدة في غرب البلاد غَيْر بعيد عن كايس، والتي كانت منافسة لـ (تومبوكتو) و(جِنِّهْ) في شرق البلاد. ولقد صاحب جدَّه المجاهدَ الفقيهَ فودي زيدَ درامي وقام مع أخيه المجاهد الشهيد الشيخ محمد الأمين درامي، رحمهم الله تعالى، بالدَّور البارز أثناء جهادهم ضد الاستعمار الفرنسي بين (1886 ـ 1887).

* مولده:
ولد في مدينة جلاني في إقليم كايس بجمهورية مالي بغرب إفريقيا، حوالي 1932م، في عائلة معروفة بالدين والعلم والصلاح والخير والاستقامة.

* نشأته:
نشأ خادم العلم والدين العلامة الفقيه الشيخ سفيان بن سالم درامي رحمه الله تعالى وقدس‏ الله سره في بيت معروف بخدمة الدين والعلم والصلاح والخير والاستقامة ونشأ نشأة علمية منذ طفولته وأخذ في الانكباب على العلوم الشرعية واللغويّة، فقد درس القرآن العظيم ورَتَّلَه على يد والده الشيخ فودي سالم بن زيد درامي، كما كان ذلك عادته مع أبنائه في سن مبكرة جدّا، ثم علمه والده مبادئ العلوم الدينية ثم عكف على الاغتراف من بحور العلم فحفظ عدداً من المتون في مختلف العلوم ثم اتجه إلى طلب العلم.

* رحلاته لطلب العلم:
وإذا أراد الله شيئاً هيّأ له أسبابه فشاء القدر الإلهي الذي لا يُرَدُّ أن تزول العقبة الرئيسَةُ الكأداء عن طريق الشيخ فيصفوَ قلبه ويرتاحَ ضميره ومن يتوكَّلْ على الله فهو حَسْبُه. خلال تِلْك الفترة، ولم يعد أمام الشيخ ما يكدّر صفوه، اِرتحل من جلاني قاصداً جامعَ الأزهر الشريف بمصر. ولم يكتف بعلماء بلدته وما جاورها بل جال في أنحاء مالي وإفريقيا من غربها إلى شرقها بجسمه وهاجر بقلبه وضميره وأَسلم وجهه لله ومَن أحسنُ ديناً ممن أَسلم وجهه لله؟! حتى وصل إلى جامع الأزهر الشريف بجمهورية مصر العربية وفي ذلك رحلات عديدة لاقى فيها الْمَشاقَّ والمصاعب، وفي تلك الرحلة العلمية قصص وعبر. وتخرّج من الأزهر "بشهادة العالمية" في العلوم الشرعية واللغة العربية.

* عودته إلى وطنه:
وعاد الشيخ سفيان بن سالم درامي رحمه الله تعالى وقدس‏ الله سره إلى وطنه مالي في سنة 1953م فقد كان الجهاد الأكبر ينتظره: جهاد نثر الدين وإعلاء كلمة الله تعالى وكان أمر الله قدراً مقدوراً. فبدأ من فوره مهمته التعليمية بمدينة باماكو عاصمة جمهورية مالي ليله ونهاره (ما أسألكم عليه أجرًا إن أجري إلاّ على الله تعالى) واستمر يعمل في سبيل الحق جاهداً مخلصاً متفانياً غير مبال بالعراقيل والعوائق، يعلّم ويُرشد ويربّي ويذكّر ويدعو، لا يأمر إلا وقد ائتمر ولا ينهى إلا وقد انتهى ولا يزجر إلا وقد اِنزجر فأصبح ملء الأسماع وملء الأنظار، حديثَ الركب وموضوعَ الأسمار، على مجلسه ينْهال المتعلمون وإلى لقائه يعطش الصادقون وبفعاله ونضاله يقتدي المخلصون المجاهدون حتى صار يُشار إليه بالأيدي والبنان ويُقصد وتُشدُّ الرحال إليه من جميع أقطار إفريقيا. ولكن الليالي يلِدْن كل عجيبة فقد تلقى الشيخ كل المكائد بفضل الله عز وجلّ وعونه وبصدره الفولاذي الذي كانت تتكسر عليه سهام العدوان وتتحطم عليه بنادق الطغيان ووقاية الله تعالى تُغني عن كل مضاعفات من الدروع فتدخَّل الأحباء وتلاميذ الشيخ لحمايته والدفاع عنه وردّ الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيراً ففشلت محاولات الأعداء وباءوا بالخسران ومَن ينصُرْه الله فلا غالب له وكان الله على كل شيء قديراً. وظل الشيخ يناضل ويكافح لا يخاف في الله لومة لائم ولا خشية ظالم (فلا تخافوهم وخافوني إن كنتم مؤمنين رجال صَدَقوا ما عهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً.)

* تأسيـسه للمدرسة :
وأخيرا استقرّ في العاصمة باماكو وأسس بها مدرسة عربية إسلامية لتعليم أبناء المسلمين بتاريخ : 25/رجب /1379 هـ الموافق 24 /1/ 1960م سماها (مدرسة الهلال الإفريقي) تفاؤلاً بقول الشاعر:
إنَّ الْهِلالَ إذا رَأَيْتَ نُمُوَّهُ * أَيْقَنْتَ أَنْ سَيَصِيرُ بدراً كاملاً
وبعد سنوات من الافتتاح ازداد الإقبال على هذا النوع من التعليم في داخل البلاد وخارجها فأنشأ لها فروعا سماها عندئذ (مدارس الهلال الإسلامية). ونمت المدرسة وتطورت على مرِّ الأيام وتوافدَ عليها طلبة العلم من داخل القطر ومن الأقطار المجاورة وصارَ لها فروع في داخل مالي وخارجها. وماتزال تُؤْتِي أُكْلها كل حين بإذن ربها والحمد لله رب العالمين (وكان حقّاً على الله نصرُ المؤمنين.)
ولقد تخرجت وما تَزَالُ تتخرج من مدارس الهلال الإسلامية وفروعها كلَّ عام جماعات مثقفة بالثقافة الإسلامية الصحيحة والصافية خاليةً من كل تطرّف وغُلُوٍّ وانغلاق وجمود، أثّرتْ ومازَالتْ تؤثّر في صالح الدعوة الإسلامية والعلم والبشرية في جميع أقطار العالم بكل جُهُودِها وتُشارك بفعالية في تصعيدها وتنميتها إذْ تدعو إلى الحق وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة (وجادلهم بالتي هِي أحسن.)

* نشاطاته العلمية والدعوية:
لقد شارك سماحته ببحوث في عدة مؤتمرات ومناسبات إسلامية في البلدان العربية والإسلامية المختلفة إذْ قام سماحته برحلات دعوية وتفقدية لأحوال المسلمين في بعض بلدان غرب إفريقيا وفي أوربا مِثْل السنغال وموريتانيا وغينيا وساحل العاج وسيراليون وليبيريا وبوركينا فاسو وفرنسا فألقى المحاضرات والدروس الدينية بين الجاليات الإسلامية في تلك البلاد .
كما شارك سماحته عام 1968م، بمهرجان مسجد سيدي مران لمدينة عنّابة الجزائريّة، بِبَحثٍ عُنْوَانُه (الجزائر المسلمة)، ذكر فيه بعض المساجد التي زارها في مدينة الجزائر، كان الاستعمار الفرنسي قد حوّلها إلى كنائس.
وشارك سماحته في المؤتمر السابع لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر في القاهرة عام 1973م ألقى فيه بحثا تحت عنوان (الدعوة الإسلامية كيف نوجّهها في جهادنا المعاصر). وكان التلفزيون المصري قد أجرى له مُقابَلَةً بَثَّها خِلالَ ذَلِكَ.
وأرسل سماحته إلى المؤتمر الثامن لمجمع البحوث الإسلامية عام 1973م بحثا عنوانهُ: (الدين عامل أساسي في تقدم المجتمع).
وكان المغفور له بإذن الله بين الوفد المختار لمرافقة ضيفي الدولة الكريمين فضيلة الشيخ السبيل إمام وخطيب المسجد الحرام وفضيلة الشيخ عبد العزيز بن صالح إمام وخطيب المسجد النبوي عام زيارتهما لِمَالي .
وقام بعديد من الرحلات التربوية والثقافية إلى بعض البلدان العربية وخاصة دول الخليج والديار المقدسة لأداء فريضة الحج والعمرة.

* تصنيفه وآثاره:
لم يقتصر نشاط الشيخ سفيان بن سالم درامي رحمه الله تعالى وقدس‏ الله سره على الدرس والوعظ والإرشاد والأعمال الخيرية فحسب. فكما ناضل باللسان كذلك كافح بالبنان فلم يُغفل جانب التأليف بل جمعه إلى التعليم وإصلاح عقائد الناس وأخلاقهم فألف وأفاد وأجاد في كل مشاكل المجتمع والبيئة والدعوة. ومن هذه المؤلفات ما أتيح له البقاء والخلود متداوَلاً بين الناس ومنها ما لم يَحْظَ بذلك وإليك بعضٌ منها:
ـ "تذكرة الإخوان بهداية الحديث والقرآن": مطبوع في القاهرة.
ـ "الإسلام ومبادئ الأخلاق": مطبوع في القاهرة ثم الدوحة ثم الرباط .
ـ "منهل الصفا في سيرة المصطفى": مخطوط.

* أدبه وخلقه:
وكان الشيخ سفيان بن سالم درامي قدس‏ الله سره ورعا متواضعا صابراً عابداً خاشعاً ذا مروءة فذّة وشهامة نادرة، كثير الذكر، يشتغل بالعلم والذكر معاً، زاهدا طيب السريرة، لا يكاد يجد له وقتا إلا وشغله بقراءة القرآن والتنقيب في متون الكتب. كان ساطع الدليل، حكيما، يضع الأمور في مواضعها، ذا همة عالية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة حتى هابه أهل البدع والْمُشبِّهَة والضَّلال والْجَهَلة وحسدوه لكن الله يدافع عن الذين آمنوا ومن ينصره الله فلا غالب له وكان الله على كل شيء قديراً. رحم الله فقيدنا الغالي وأسكنه فسيح جنانه وألهمنا الصبر والسلوان بعده. قال الله تعالى: " أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ ‏آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ ‏الْعَظِيمُ (64) " سورة يونس.

* انتقاله إلى الرفيق الأعلى:
لقد انتقل شيخنا ووالدنا ومربينا إلى رحمة الله تعالى متوضّئاً شهيداً على حبّ الله تعالى وحبّ رسوله وحبّ آله وعباد الله الصالحين وذلك فَجْرَ الثلاثاء في باماكو، 14 صفر 1430هـ الموافق: 10 / 02 / 2009م؛ تغمد الله تعالى فقيدنا الغالي بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصِّدِّيقين والشهداء والصالحين وحسُن أولئك رفيقا وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان " إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ". سورة البقرة، آية 156.

مواضيعك متميزة و قد اضفت للمنتدى الحيوية و النشاط
لا تحرمين بالجديد

شكرا على تفاعلك وإلى لقاء قريب بمشيئة الله.

وفيك.