الملك والمجنون

الْمَلِكُ
وَالْمَجْنُونُ

حُكِيَ
أَنَّ بَعْضَ الْمُلُوكِ قَصَدَ التَّفَرُّجَ عَلى الْمَجَانِينِ فَلَمَّا دَخَلَ
عَلَيْهِمْ، رَأَى فِيهِمْ شَابّاً حَسَنَ الْهَيْئَةِ، نَظِيفَ الصُّورَةِ، يُرَى
عَلَيْهِ آثَارُ اللُّطْفِ وتَلُوحُ عَلَيْهِ عَلاَمَاتُ الْفِطْنَةِ.

فَدَنَا مِنْهُ وسَأَلَهُ مَسَائلَ فَأَجَابَهُ
عَنْ جَمِيعِهَا بِأَحْسَنِ جَوَابٍ فَتَعَجَّبَ مِنْهُ. ثُمَّ قَالَ
الْمَجْنُونُ:

-قَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ أَشْيَاءَ فَأَجَبْتُكَ
وإنِّي سَأَسْأَلُكَ سُؤَالاً وَاحِداً.

قَالَ: -ومَا هُوَ؟

قَالَ: -مَتَى يَجِدُ النَّائمُ لَذَّةَ
النَّوْمِ؟

فَفَكَّرَ الْمَلِكُ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ:

-يَجِدُ لَذَّةَ النَّوْمِ أَثْنَاءَ نَوْمِهِ.

فَقَالَ الْمَجْنُونُ:

-أَثْنَاءَ النَّوْمِ لَيْسَ لَهُ إحْسَاسٌ.

قَالَ الْمَلِكُ: -قَبْلَ الدُّخُولِ في
النَّوْمِ.

فَقَالَ الْمَجْنُونُ: -تُوجَدُ لَذَّتُهُ
وقَدِ انْقَضَى.

فَتَحَيَّرَ الْمَلِكُ وزَادَ إعْجَابُهُ
وقَالَ: -لَعَمْرِي إنَّ هَذَا لا يَحْصُلُ مِنْ عُقَلاَءَ كَثِيرِينَ. فَأَوْلَى
أَنْ يَكُونَ نَدِيمِي في مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ.

وَأَمَرَ أَنْ تُنْصَبَ لَهُ مَائِدَةٌ قُرْبَ
شُبَّاكِ الْمَجْنُونِ ثُمَّ اسْتَدْعَى بِالشَّرَابِ فَحَضَرَ فَتَنَاوَلَ
الْكَأْسَ وشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَ الْمَجْنُونَ فَقَالَ:

-أَيُّهَا الْمَلِكُ، أَنْتَ شَرِبْتَ هَذَا
لِتَصِيرَ مِثْلِي. فَأَنَا أَشْرَبُهُ لأَصِيرَ مِثْلَ مَنْ؟

فَانْتَصَحَ الْمَلِكُ بِكَلاَمِهِ ورَمَى
الْكَأْسَ مِنْ يَدِهِ وتَابَ مِنْ سَاعَتِهِ.

لِلأَتْلِيدِيّ
(بَتَصَرُّف)