فيمن يسخر من العقر

فِيمَنْ يَسْخَرُ مِنَ الْعُقْرِ

ها رُورُو يا رُورُو!
الْمَرْأةُ الّتي لا تَلِدُ،
قَرَارُها تُطَلَّقُ!
مَثَلٌ قَبائلِيٌّ قَدِيمٌ

قَالَتْ جَدَّتِي:
-لَمْ أَكُنْ سَاعَتَئِذٍ سِوَى صَبِيَّةٍ صَغِيرَةٍ غِرَّةٍ نَيِّئةِ الْعُودِ ومَعَ ذَلِكَ فَلاَ زِلْتُ أَذْكُرُ خُطُوطَ "يامِنَةَ الْبَرْباشِيَّةِ" كَمَا لَوْ كانَتْ قُدَّامِيَ الآنَ.
كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَخْلِطَ إِلَى بَيْتِهَا فَأَنْظُرَ إِلَيْهَا تَنْسُجُ الْحُيَّاكَ والْبَرَانِسَ وكانَتْ تحُِبُّ أَنْ أُؤَانِسَهَا فِي وَحْدَتِهَا وقَدْ خُرِمَتِ الطِّفْلَ والْوَلَدَ.
فَيَامِنَةُ كانَتْ عَاقِراً وكانَ يَزِيدُ عَلَى ثِقَلِ هَمِّهَا أَنْ يَسْخَرَ زَوْجُهَا مِنْهَا ومِنْ عُقْرِهَا. ألَمْ تَكُنْ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ كَالشَّكْوَةِ الْجَافَّةِ لاَ تَصْلُحُ لِشَيْءٍ؟… أَلَمْ تَكُنْ فَماً يُغَذِّيهِ وجَوْفاً يَمْلأُهُ سُدًى؟…
ودَامَتِ الْحَالُ عَلَى تِلْكَ الْوَتِيرَةِ مَا شاءَ اللهُ ويَامِنَةُ لاَ تَقُولُ شَيْئاً ولاَ تَشْتَكِي إِلَى زَوْجِهَا بِبِنْتِ شَفَةٍ بَلْ صابِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا مُتَبَتِّلَةٌ.
ثُمَّ إِنَّ "يَامِنَةَ البَرْباشِيَّةَ" غَابَتْ خَلْفَ نَوْلِهَا كَعَادَتِها. وبَيْنَمَا رُكْبَتَاهَا تُهَزْهِزانِ بِاسْتِمْرَارٍ شَيْئاً مَا تَتَخَيَّلُهُ…وبَيْنَمَا صَوْتُها يُهَدْهِدُ بِحُنُوٍّ… أَخَذَتْ تَنْسُجُ حَنْبَلاً نَقَشَتْ بَيْنَ خُطُوطِهِ صُوَرَ أَطْفَالٍ وطِفْلاتٍ مَنْ يَرَهُمْ يَحْسِبْهُمْ حَقِيقِيِّينَ.
جَعَلَتْ لِلأَطْفَالِ شَاشِيَّاتٍ وغَنَادِرَ وأَلْبَسَتِ الْبَنَاتِ جُبَّاتٍ مُفَصَّلَةً ومِحْرَمَاتٍ فبَدَوْا كَأَنَّهُمْ سيَنْفَصِلونَ عَنِ الْحَائِكِ فَيَدِبُّوا فِي الْبَيْتِ ويَمْلأُوا الأَرْجَاءَ بِضَجِيجِ وصَخَبِ الصِّبْيَانِ.
وعِنْدَ الْمَغْرِبِ، دَخَلَ زَوْجُهَا بَيْتَهُ قَافِلاً مِنْ حَقْلِهِ كَعَادَتِهِ بَعْدَ كُلِّ أَصِيلٍ وأَلْقَى بِلَحْظِهِ إِلَى المِنْسَجِ الَّذِي يُقابِلُ بَابَ الْغُرْفَةِ فدُهِشَ لِمَنْظَرِ أُولَئِكَ الأَوْلاَدِ يَرْنُونَ إِلَيْهِ بِوُجُوهِهِمِ الْمَلِيحَةِ يَكَادُ الْمَرْءُ يَقْضِمُهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ جِفَافٌ لا رُوحَ بِهِمْ.
أَطْرَقَ الرَّجُلُ هُنَيْهَةً مُتَلَعْثِماً ثُمَّ طَأْطَأَ هامَتَهُ الْعَظِيمَةَ، الْفَارِغَةَ حَيَاءً وقَدِ اتَّعَظَ وفَهِمَ مَا كَانَتْ تَرْمِي إِلَيْهِ يامِنَةُ.
أَدْرَكَ أَنَّ النَّسْلَ لَمْ يَكُنْ بِيَدِ يامِنَةَ ولاَ بِيَدِ امْرَأَةٍ غَيْرِهَا وكُشِفَ لَهُ أَنَّ يَامِنَةَ تَتَعَذَّبُ مِنِ امْتِنَاعِ الْوَلَدِ مِثْلَ عَذَابِهِ ورُبَّمَا أَكْثَرَ… فَهُوَ بِإِمْكانِهِ الاِسْتِعَاضَةُ عَنْهَا بِامْرَأَةٍ غَيْرِهَا أَمَّا هِيَ فَلَنْ تَذُوقَ أَبَداً لَذَّةَ الضُّنَى.
وبَانَ لَهُ أَنَّهُ لَوْ كانَ بِيَدِ يَامِنَةَ أَنْ تَنْفُخَ فِي تِلْكَ الرُّسُومِ الرُّوحَ فَتُحْيِيَهَا وتَقُومَ ذُرِّيَّةً تَدْعُوهُ أَبَاهَا لَمَا بَخِلَتْ عَلَيْهِ؛ إِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ شَأْنِ الْخَالِقِ وَحْدَهُ يُصَوِّرُ ويُحْيِي وَوَحْدَهُ يَهَبُ الْحَيَاةَ فِي بُطُونِ النِّسَاءِ أَوْ لاَ يَخْلُقُ، ومَعَ ذَلِكَ فَلاَ لَوْمَ عَلَيْهِ - عَزَّ وجَلَّ - فِيمَا شَاءَ وقَدَّرَ سُبْحانَهُ فَكَيْفَ يَكُونُ اللَّوْمُ عَلَيْهَا؟!
صَمَتَ كَالْبَلِيدِ غَابَ عَنِ الدُّنْيَا لَحْظَةً وفَغَرَ فَاهُ ثُمَّ إِنَّهُ آبَ إِلَى رُشْدِهِ واسْتَغْفَرَ رَبَّهُ واسْتَسْمَحَ زَوْجَهُ فَسَمَحَتْ لَهُ وعَاشَا بَعْدَ ذَلِكَ يَحْتَرِمُ بَعْضُهُمَا بَعْضاً، لا يَهْزَأُ هَذَا مِنْ ذَاكَ.

نجمة سيّذ أحمد
(حكايات جدّتي)