سعليات ثامُقْرا
2 مشترك
منتديات بني ورثيلان التعليمية :: القســــــــــم العـــــــــــــــــــام :: إبداعات الأعضاء و إصداراتهم
صفحة 1 من اصل 1
سعليات ثامُقْرا
سِعْلَيَاتُ ثَامُقْرَا
قَالَتْ جَدَّتِي:
- آ مَا شَا هُو، كَلامُكِ يَزْكُو حَتَّى يَصِيرَ كَالتُّفَّاحِ الْحُلْو!
دَعِينِي أُحَدِّثْكِ اللَّيْلَةَ عَنْ سِعْلَيَاتِ "ثَامُقْرَا" . أُولَئِكَ اللَّوَاتِي كُنَّ يُقِمْنَ بِجَبَلِ "أُومَزَا" ويَعْمُرْنَ كُهُوفَهُ وغِيرَانَهُ الْكَثِيرَةَ فَبَاتَ الْجَبَلُ، مِن عُلُوِّهِ، حِصْناً لِلْوُحُوشِ والأَغْوَالِ.
بَاتَ الْجَبَلُ، مِنِ اِرْتِفَاعِهِ، يَحْجُبُ الآفَاقَ عَنِ النَّاسِ وَيَكْبِسُ أَمَانِيَهُمْ فَخَاطَبَهُ بَعْضُهُمْ رَاجِياً:
اِنْزِلْ يا جَبَلَ أُومَزَا
تَبِنِ الْكَعْبةُ الشَّرِيفَةُ!
وَإِنَّ الرَّاحِلِينَ إِلَى ذَلِكَ الْجَبَلِ يَدَّعُونَ بِأَنَّ الْمَرْءَ لاَ يَزَالُ شَعْرُهُ يَنْتَصِبُ فَوْقَ رَأْسِهِ خَشْيَةً وَهَلَعاً إِذَا مَا مَرَّ بِتِلْكَ الْفَجَوَاتِ الْعَظِيمَةِ.
لَقَدْ كُنَّ قَبِيلَةً بِرُمَّتِهَا تَعِيثُ فَسَاداً فِي الْغَنَمِ وَالْمَاشِيَةِ وَتُرْعِبُ الْقَرَوِيِّينَ وَالْفَلاَّحِينَ مِنْ آلِ تِلْكَ الدَّشْرَةِ الطَّيِّبِينَ بَلْ وَتَخْتَطِفُ صِغَارَهُمْ وَصِبْيَانَهُمْ تَلْتَهِمُهَا فَرَائِسَ نَيِّئَةً بِدُونِ شَفَقَةٍ.
وَمَلأَتِ الرَّهْبَةُ قُلُوبَ النَّاسِ فَلَمْ يَعْرِفُوا مِنْهَا خَلاَصاً إِلاَّ أَنْ يَتَوَجَّهُوا إِلَى السَّيِّدِ الصَّالِحِ يَحْيَى الْعِيذَلِيِّ فَيَسْتَعْدُوهُ عَلَيْهَا.
وَكَانَ النَّاسِكُ الْمُتَعَبِّدُ فَارِغاً لِسَاعَتِهِ مِنْ خَلْوَةٍ دَامَتْ سَبْعَ سِنِينَ فَمَثَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ بَاسِطِينَ شَكْوَاهُمْ، مُتَذَمِّرِينَ مِمَّا قَدْ نَغَّصَ عَلَيْهِمْ عَيْشَهُمْ وَاسْتَنْجَدُوا بِهِ.
وَعَدَهُمُ الشَّيْخُ الصَّالِحُ خَيْراً ثُمَّ اتَّكَلَ عَلَى رَبِّهِ وَيَمَّمَ شَطْرَ الطَّوْدِ الْمَهُولِ وَهُنَاكَ، بَيْنَ الأَحْرَاشِ، تَرَقَّبَ فِي صَبْرٍ خُرُوجَ الْغِيلاَنِ إِلَى الْبَرَارِي لِلصَّيْدِ وَلَمَّا غادَرَتْ جَحَافِلُهُنَّ، كُلُّها أَسْرَابٌ تَتَرامَقُ فِي فَظَاعَةٍ، اِنْطَلَقَ إِلَى إِحْدَى الْكُهُوفِ فَوَلَجَهَا فِي حَذَرٍ، يَقُورُ عَلَى غِرَارِ الْقِطَطَةِ تَنْتَصِبُ عَلَى أَقْدَامِهَا اللَّبَدِيَّةِ ثُمَّ، بِخِفَّةٍ، قَبَضَ عَلَى سِعْلَى صَغِيرَةٍ، غِرَّةٍ، كَانَتْ قَدْ تَخَلَّفَتْ فِي الْمَغَارَةِ.
وَبَعْدَ أَنْ رَبَطَهَا بِخَيْطٍ مِنَ الصُّوفِ، حَمَلَهَا إِلَى بَيْتِهِ وَمَكَثَ هَادِئاً يُمَارِسُ مَا اعْتَادَ مِنْ أَشْغَالٍ.
وَمَالَتْ شَمْسُ الأَصِيلِ إِلَى الأُفُولِ، حَمْراءَ بِلَوْنِ الدَّمِ، كَأَنَّهَا حَزِينَةٌ عَلَى مُفَارَقَةِ الْكَوْنِ. وَتَنَاطَحَتِ الأَغْوَالُ قَافِلَةً إِلَى جَبَلِ "أُومَزَا"، أَحْدَاقُهَا حَمْرَاءُ أَسَفاً عَلَى مَا خَلَّفَتْ بَيْنَ الأَحْرَاشِ مِنْ مَخْلُوقَاتٍ لَمْ يُسْعِفْهَا طُولُ النَّهَارِ فِي اقْتِنَاصِهَا.
وَبَيْنَمَا سَفْحُ الْجَبَلِ هَائِجٌ مَائِجٌ بِمَا حَمَلَ مِنْ فَظَاعَةٍ، دَلَفَتْ عَلُوقٌ إِلَى كَهْفِهَا فَأَلْفَتْ ابْنَتَهَا غَائِبَةً فَنَدَرَتْ إِلَى قَوْمِهَا وَنَثَرَتْ شَعْرَهَا وَانْبَرَتْ تَخْمِشُ خَدَّيْهَا الْمُشَعَّرَيْنِ بِأَظَافِرِهَا الطَّوِيلَةِ وَتُنَادِي بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ.
صَرَخَتْ وصَرَخَ صَدَاهَا تَرْتَجُّ لَهُ الْخَنَادِقُ وَالْكُهُوفُ:
- زَرْبُوطَهْ؟…زَرْبُوطَهْ!
وإذا بِزَرْبُوطَةَ تَرُدُّ عَلَيْهَا:
- زَرْبُوطَةُ مَرْبُوطَهْ!…زَرْبُوطَةُ مَرْبُوطهْ!…
وَكَذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَنَطَقَ أَحَدُ كِبَارِ الْوُحُوشِ وَكَانَ مُسِنّاً مُجَرِّباً فَقَالَ:
- اِسْمَعِي يَا أُخْتِي!…مَا تَكُونُ هَتِهِ الْفَعْلَةُ إِلاَّ مِنْ فِعَالِ سَيِّدِي يَحْيَى الْعِيذَلِيِّ!…لَوْلاَ تَوَجَّهْتِ إِلَيْهِ فَرَجَوْتِهِ؟
وَمَا كَادَ الْوَحْشُ يَنْبِسُ بِتِلْكَ الْكَلِمَاتِ حَتَّى انْطَلَقَتِ السِّعْلَى كَسَهْمِ الرُّمْحِ. وَفِي رَمْشَةِ عَيْنٍ، صَارَتْ فِي حَضْرَةِ الْوَلِيِّ الصَّالِحِ فَقَالَتْ بِصَوْتٍ يَرْتَعِشُ:
- سَيِّدِي!… أَطْلِقْ سَرَاحَ زَرْبُوطَةَ!…زَرْبُوطَةُ ابْنَتِي وَفِلْذَةُ كَبِدِي!
رَدَّ السَّيِّدُ:
- لاَ أُطْلِقُهَا!
فَأَلَحَّتِ الْغُولُ وكَرَّرَتْ:
- سَيِّدِي!…َأطْلِقْ سَراحَ زَرْبُوطَةَ ابْنَتِي!
فَرَاجَعَهَا الْحَكِيمُ وَقَالَ:
- كَلاَّ لنْ أُسَرِّحَهَا!
وَكَذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. عِنْدَئِذٍ أَدْرَكَتِ السِّعْلاَءُ أَنَّ الشَّيْخَ الْمُتَعبِّدَ إِنَّمَا يَبْغِي مِنْهَا مِيثَاقاً مَتِيناً فَعَاهَدَتْهُ فَوْراً قَائِلَةً:
- عاهَدْتُ ثَاقَّا لاَ بَقِيَ حَتَّى يُجَزَّ الثَّوْرُ مِنْ صُوفِهِ وَحَتَّى تَلِدَ الْبَغْلَةُ ابْنَتَهَا وَحَتَّى تَنْبُتَ الْمِلْحُ فِي الْكانُونِ.
أَمَّا فَهَلْ يُجَزُّ الثَّوْرُ الأَجْرَدُ الْعارِي؟…أَمْ هَلْ وَلَدَتْ أَبَداً بَغْلَةٌ ضُنَاهَا؟…أَمْ هَلْ تَنْبُتُ الْمِلْحُ فِي الأَرْضِ الْبَارِدَةِ حَتَّى تَنْبُتَ فِي الْكَانُونِ الْحَامِي؟
بَلْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهَا أَنَّهَا رَاحِلَةٌ مَعَ قَوْمِهَا إِلَى غَيْرِ رَجْعَةٍ؛ مُنْجَلُونَ عَنْ آخِرِهِمْ لاَ يَتَخَلَّفُ مِنْهُمْ فَرْدٌ. وَبِأَنَُّه لَنْ يُرَى لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ طَيْفٌ بِأُومَزَا وَلاَ فِي أَيَّةِ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَاياَ ثامُقْرَا الْمُحَرَّرَةِ.
عِنْدَئِذٍ، وَثِقَ الْسَّيِّدُ الْعِيذَلِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ اللِّقَاءَ هُوَ آخِرُ وُجُودٍ لِتِلْكَ الْوُحُوشِ فِي دَشْرَتِهِ وَأَنَّهَا إِلَى الأَبَدِ مُنْزَاحَةٌ عَنْهَا، حَامِلَةٌ شَرَّهَا مَعَهَا وَكَذَلِكَ حَلَّ رِبَاطَ زَرْبُوطَةَ فَلَحِقَتْ بِأُمِّهَا.
وَفِي الْغَدِ، مَعَ الْبُكْرَةِ، خَرَجَ أَهَالِي "ثامُقْرَا" بِالْبُنْدُقِيَّاتِ وَالطَّرَابِيلاَتِ يُفَتِّشُونَ جَمِيعُهُمْ عَنِ الأَغْوالِ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَعْثُرُوا لَهَا عَلَى أَثَرٍ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا وَقَدْ وَفَّيْنَ بِالنَّذْرِ.
وَتَقُولُ نَاسُ "أَوْلاَدِ سَيِّدِي عَلِيٍّ " إِنَّ سِعْلاَءَ لاَ تَزَالُ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ، وَإِنَّهَا تَقْطُنُ فِي وَادٍ مِنْ وِدْيَانِهِمْ، وَلَكِنَّهَا - حَسْبَمَا يَزْعُمُونَ - مُسَالِمَةٌ لاَ تُؤْذِي أَحَداً وَلاَ تَضُرُّ مَخْلُوقاً. دَأْبُهَا أَنَّهَا، إِذَا مَا سَمِعَتْ نَعْياً، خَرَجَتْ مُوَلْوِلَةً وَأَمَّا وَإِنْ اِسْتَبْشَرَتْ بِمَوْلِدٍ زَغْرَدَتْ. ورُغْمَ ذَلِكَ فَإِنَّ "أَوْلادَ سَيِّدِي عَلِيٍّ" يَسْمَعُونَهَا وَلاَ يَرَوْنَهَا الْبَتَّةَ.
قَالَتْ جَدَّتِي وَعَلاَمَاتُ الْجِدِّ عَلَى مُحَيَّاهَا:
- أَمَّا فَإِنِّي يَا بُنَيَّةُ مُتَسَائِلَةٌ فِي شَأْنِ سِعْلَيَاتِ "ثَامُقْرَا" مَا قَرَارُهُنَّ وَإِلَى أَيِّ صَوْبٍ رَدَدْنَ؟
- آ مَا شَا هُو، كَلامُكِ يَزْكُو حَتَّى يَصِيرَ كَالتُّفَّاحِ الْحُلْو!
دَعِينِي أُحَدِّثْكِ اللَّيْلَةَ عَنْ سِعْلَيَاتِ "ثَامُقْرَا" . أُولَئِكَ اللَّوَاتِي كُنَّ يُقِمْنَ بِجَبَلِ "أُومَزَا" ويَعْمُرْنَ كُهُوفَهُ وغِيرَانَهُ الْكَثِيرَةَ فَبَاتَ الْجَبَلُ، مِن عُلُوِّهِ، حِصْناً لِلْوُحُوشِ والأَغْوَالِ.
بَاتَ الْجَبَلُ، مِنِ اِرْتِفَاعِهِ، يَحْجُبُ الآفَاقَ عَنِ النَّاسِ وَيَكْبِسُ أَمَانِيَهُمْ فَخَاطَبَهُ بَعْضُهُمْ رَاجِياً:
اِنْزِلْ يا جَبَلَ أُومَزَا
تَبِنِ الْكَعْبةُ الشَّرِيفَةُ!
وَإِنَّ الرَّاحِلِينَ إِلَى ذَلِكَ الْجَبَلِ يَدَّعُونَ بِأَنَّ الْمَرْءَ لاَ يَزَالُ شَعْرُهُ يَنْتَصِبُ فَوْقَ رَأْسِهِ خَشْيَةً وَهَلَعاً إِذَا مَا مَرَّ بِتِلْكَ الْفَجَوَاتِ الْعَظِيمَةِ.
لَقَدْ كُنَّ قَبِيلَةً بِرُمَّتِهَا تَعِيثُ فَسَاداً فِي الْغَنَمِ وَالْمَاشِيَةِ وَتُرْعِبُ الْقَرَوِيِّينَ وَالْفَلاَّحِينَ مِنْ آلِ تِلْكَ الدَّشْرَةِ الطَّيِّبِينَ بَلْ وَتَخْتَطِفُ صِغَارَهُمْ وَصِبْيَانَهُمْ تَلْتَهِمُهَا فَرَائِسَ نَيِّئَةً بِدُونِ شَفَقَةٍ.
وَمَلأَتِ الرَّهْبَةُ قُلُوبَ النَّاسِ فَلَمْ يَعْرِفُوا مِنْهَا خَلاَصاً إِلاَّ أَنْ يَتَوَجَّهُوا إِلَى السَّيِّدِ الصَّالِحِ يَحْيَى الْعِيذَلِيِّ فَيَسْتَعْدُوهُ عَلَيْهَا.
وَكَانَ النَّاسِكُ الْمُتَعَبِّدُ فَارِغاً لِسَاعَتِهِ مِنْ خَلْوَةٍ دَامَتْ سَبْعَ سِنِينَ فَمَثَلُوا بَيْنَ يَدَيْهِ بَاسِطِينَ شَكْوَاهُمْ، مُتَذَمِّرِينَ مِمَّا قَدْ نَغَّصَ عَلَيْهِمْ عَيْشَهُمْ وَاسْتَنْجَدُوا بِهِ.
وَعَدَهُمُ الشَّيْخُ الصَّالِحُ خَيْراً ثُمَّ اتَّكَلَ عَلَى رَبِّهِ وَيَمَّمَ شَطْرَ الطَّوْدِ الْمَهُولِ وَهُنَاكَ، بَيْنَ الأَحْرَاشِ، تَرَقَّبَ فِي صَبْرٍ خُرُوجَ الْغِيلاَنِ إِلَى الْبَرَارِي لِلصَّيْدِ وَلَمَّا غادَرَتْ جَحَافِلُهُنَّ، كُلُّها أَسْرَابٌ تَتَرامَقُ فِي فَظَاعَةٍ، اِنْطَلَقَ إِلَى إِحْدَى الْكُهُوفِ فَوَلَجَهَا فِي حَذَرٍ، يَقُورُ عَلَى غِرَارِ الْقِطَطَةِ تَنْتَصِبُ عَلَى أَقْدَامِهَا اللَّبَدِيَّةِ ثُمَّ، بِخِفَّةٍ، قَبَضَ عَلَى سِعْلَى صَغِيرَةٍ، غِرَّةٍ، كَانَتْ قَدْ تَخَلَّفَتْ فِي الْمَغَارَةِ.
وَبَعْدَ أَنْ رَبَطَهَا بِخَيْطٍ مِنَ الصُّوفِ، حَمَلَهَا إِلَى بَيْتِهِ وَمَكَثَ هَادِئاً يُمَارِسُ مَا اعْتَادَ مِنْ أَشْغَالٍ.
وَمَالَتْ شَمْسُ الأَصِيلِ إِلَى الأُفُولِ، حَمْراءَ بِلَوْنِ الدَّمِ، كَأَنَّهَا حَزِينَةٌ عَلَى مُفَارَقَةِ الْكَوْنِ. وَتَنَاطَحَتِ الأَغْوَالُ قَافِلَةً إِلَى جَبَلِ "أُومَزَا"، أَحْدَاقُهَا حَمْرَاءُ أَسَفاً عَلَى مَا خَلَّفَتْ بَيْنَ الأَحْرَاشِ مِنْ مَخْلُوقَاتٍ لَمْ يُسْعِفْهَا طُولُ النَّهَارِ فِي اقْتِنَاصِهَا.
وَبَيْنَمَا سَفْحُ الْجَبَلِ هَائِجٌ مَائِجٌ بِمَا حَمَلَ مِنْ فَظَاعَةٍ، دَلَفَتْ عَلُوقٌ إِلَى كَهْفِهَا فَأَلْفَتْ ابْنَتَهَا غَائِبَةً فَنَدَرَتْ إِلَى قَوْمِهَا وَنَثَرَتْ شَعْرَهَا وَانْبَرَتْ تَخْمِشُ خَدَّيْهَا الْمُشَعَّرَيْنِ بِأَظَافِرِهَا الطَّوِيلَةِ وَتُنَادِي بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ.
صَرَخَتْ وصَرَخَ صَدَاهَا تَرْتَجُّ لَهُ الْخَنَادِقُ وَالْكُهُوفُ:
- زَرْبُوطَهْ؟…زَرْبُوطَهْ!
وإذا بِزَرْبُوطَةَ تَرُدُّ عَلَيْهَا:
- زَرْبُوطَةُ مَرْبُوطَهْ!…زَرْبُوطَةُ مَرْبُوطهْ!…
وَكَذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَنَطَقَ أَحَدُ كِبَارِ الْوُحُوشِ وَكَانَ مُسِنّاً مُجَرِّباً فَقَالَ:
- اِسْمَعِي يَا أُخْتِي!…مَا تَكُونُ هَتِهِ الْفَعْلَةُ إِلاَّ مِنْ فِعَالِ سَيِّدِي يَحْيَى الْعِيذَلِيِّ!…لَوْلاَ تَوَجَّهْتِ إِلَيْهِ فَرَجَوْتِهِ؟
وَمَا كَادَ الْوَحْشُ يَنْبِسُ بِتِلْكَ الْكَلِمَاتِ حَتَّى انْطَلَقَتِ السِّعْلَى كَسَهْمِ الرُّمْحِ. وَفِي رَمْشَةِ عَيْنٍ، صَارَتْ فِي حَضْرَةِ الْوَلِيِّ الصَّالِحِ فَقَالَتْ بِصَوْتٍ يَرْتَعِشُ:
- سَيِّدِي!… أَطْلِقْ سَرَاحَ زَرْبُوطَةَ!…زَرْبُوطَةُ ابْنَتِي وَفِلْذَةُ كَبِدِي!
رَدَّ السَّيِّدُ:
- لاَ أُطْلِقُهَا!
فَأَلَحَّتِ الْغُولُ وكَرَّرَتْ:
- سَيِّدِي!…َأطْلِقْ سَراحَ زَرْبُوطَةَ ابْنَتِي!
فَرَاجَعَهَا الْحَكِيمُ وَقَالَ:
- كَلاَّ لنْ أُسَرِّحَهَا!
وَكَذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. عِنْدَئِذٍ أَدْرَكَتِ السِّعْلاَءُ أَنَّ الشَّيْخَ الْمُتَعبِّدَ إِنَّمَا يَبْغِي مِنْهَا مِيثَاقاً مَتِيناً فَعَاهَدَتْهُ فَوْراً قَائِلَةً:
- عاهَدْتُ ثَاقَّا لاَ بَقِيَ حَتَّى يُجَزَّ الثَّوْرُ مِنْ صُوفِهِ وَحَتَّى تَلِدَ الْبَغْلَةُ ابْنَتَهَا وَحَتَّى تَنْبُتَ الْمِلْحُ فِي الْكانُونِ.
أَمَّا فَهَلْ يُجَزُّ الثَّوْرُ الأَجْرَدُ الْعارِي؟…أَمْ هَلْ وَلَدَتْ أَبَداً بَغْلَةٌ ضُنَاهَا؟…أَمْ هَلْ تَنْبُتُ الْمِلْحُ فِي الأَرْضِ الْبَارِدَةِ حَتَّى تَنْبُتَ فِي الْكَانُونِ الْحَامِي؟
بَلْ كَانَ مَعْنَى قَوْلِهَا أَنَّهَا رَاحِلَةٌ مَعَ قَوْمِهَا إِلَى غَيْرِ رَجْعَةٍ؛ مُنْجَلُونَ عَنْ آخِرِهِمْ لاَ يَتَخَلَّفُ مِنْهُمْ فَرْدٌ. وَبِأَنَُّه لَنْ يُرَى لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ طَيْفٌ بِأُومَزَا وَلاَ فِي أَيَّةِ زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَاياَ ثامُقْرَا الْمُحَرَّرَةِ.
عِنْدَئِذٍ، وَثِقَ الْسَّيِّدُ الْعِيذَلِيُّ بِأَنَّ ذَلِكَ اللِّقَاءَ هُوَ آخِرُ وُجُودٍ لِتِلْكَ الْوُحُوشِ فِي دَشْرَتِهِ وَأَنَّهَا إِلَى الأَبَدِ مُنْزَاحَةٌ عَنْهَا، حَامِلَةٌ شَرَّهَا مَعَهَا وَكَذَلِكَ حَلَّ رِبَاطَ زَرْبُوطَةَ فَلَحِقَتْ بِأُمِّهَا.
وَفِي الْغَدِ، مَعَ الْبُكْرَةِ، خَرَجَ أَهَالِي "ثامُقْرَا" بِالْبُنْدُقِيَّاتِ وَالطَّرَابِيلاَتِ يُفَتِّشُونَ جَمِيعُهُمْ عَنِ الأَغْوالِ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَعْثُرُوا لَهَا عَلَى أَثَرٍ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا وَقَدْ وَفَّيْنَ بِالنَّذْرِ.
وَتَقُولُ نَاسُ "أَوْلاَدِ سَيِّدِي عَلِيٍّ " إِنَّ سِعْلاَءَ لاَ تَزَالُ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ، وَإِنَّهَا تَقْطُنُ فِي وَادٍ مِنْ وِدْيَانِهِمْ، وَلَكِنَّهَا - حَسْبَمَا يَزْعُمُونَ - مُسَالِمَةٌ لاَ تُؤْذِي أَحَداً وَلاَ تَضُرُّ مَخْلُوقاً. دَأْبُهَا أَنَّهَا، إِذَا مَا سَمِعَتْ نَعْياً، خَرَجَتْ مُوَلْوِلَةً وَأَمَّا وَإِنْ اِسْتَبْشَرَتْ بِمَوْلِدٍ زَغْرَدَتْ. ورُغْمَ ذَلِكَ فَإِنَّ "أَوْلادَ سَيِّدِي عَلِيٍّ" يَسْمَعُونَهَا وَلاَ يَرَوْنَهَا الْبَتَّةَ.
قَالَتْ جَدَّتِي وَعَلاَمَاتُ الْجِدِّ عَلَى مُحَيَّاهَا:
- أَمَّا فَإِنِّي يَا بُنَيَّةُ مُتَسَائِلَةٌ فِي شَأْنِ سِعْلَيَاتِ "ثَامُقْرَا" مَا قَرَارُهُنَّ وَإِلَى أَيِّ صَوْبٍ رَدَدْنَ؟
نجمة سيّد أحمد
(حكايات جدّتي)
(حكايات جدّتي)
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
رد: سعليات ثامُقْرا
قصة جميلة و رائعة
aissa.b- عضو برونزي
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 19/11/2010
العـــــمـــــر : 29
عـــدد المساهمـــات : 885
الـمــــــــــــزاج : هادىء
منتديات بني ورثيلان التعليمية :: القســــــــــم العـــــــــــــــــــام :: إبداعات الأعضاء و إصداراتهم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 08 فبراير 2016, 19:32 من طرف أبو إلياس
» الله هو الغنيُّ المطلق والخلق فقراء محتاجون إليه
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:29 من طرف أبو إلياس
» صفة من صفات أهل الإسلام
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:27 من طرف أبو إلياس
» آداب الإنترنت: فنون المعاتبة .. ومعالجة الأخطاء
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:26 من طرف أبو إلياس
» مركز اللغات بجامعة المدينة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 18:35 من طرف أبو إلياس
» مجلة جامعة المدينة العالمية المحكمة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 00:34 من طرف Nassima Tlemcen
» aidez-moi vite svp
الثلاثاء 12 يناير 2016, 16:30 من طرف أبو إلياس
» حوليات وزارة التربية 2012 في العلوم الطبيعية
الجمعة 04 ديسمبر 2015, 13:04 من طرف lynda2013
» لمـــــــــــــــــــاذا تبـــــــكي النّســـــــــــــــــــاء
الأربعاء 18 نوفمبر 2015, 18:46 من طرف أبو إلياس