منتديات بني ورثيلان التعليمية
عائشة أُمّ الأَرْمِدَة 339101
عائشة أُمّ الأَرْمِدَة 543305
في منتديــات بني ورثيـــلان التعليميــــة.

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بالدخول إذا كنت عضوا معنا
أو التسجيل إن كنتَ زائرا و ترغب في الانضمام إلى أسرتنا
سنتشرف كثيرًا بتسجيلك . شكرًا
الإدارة
عائشة أُمّ الأَرْمِدَة 583860
عائشة أُمّ الأَرْمِدَة 588542



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات بني ورثيلان التعليمية
عائشة أُمّ الأَرْمِدَة 339101
عائشة أُمّ الأَرْمِدَة 543305
في منتديــات بني ورثيـــلان التعليميــــة.

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بالدخول إذا كنت عضوا معنا
أو التسجيل إن كنتَ زائرا و ترغب في الانضمام إلى أسرتنا
سنتشرف كثيرًا بتسجيلك . شكرًا
الإدارة
عائشة أُمّ الأَرْمِدَة 583860
عائشة أُمّ الأَرْمِدَة 588542

منتديات بني ورثيلان التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

عائشة أُمّ الأَرْمِدَة

5 مشترك

اذهب الى الأسفل

جيد عائشة أُمّ الأَرْمِدَة

مُساهمة من طرف نجمة سيّدأحمد الأحد 06 فبراير 2011, 16:17

عَائِشَةُ أُمُّ الأَرْمِدَةِ

قَالَتْ جَدَّتِي:
- آ مَا شَا هُو، كَلامُكِ يَزْكُو حَتَّى يَصِيرَ كَالتُّفَّاحِ الْحُلْو!
زَعَمُوا أَنَّ بَعْضَ السَّلاَطِينِ دَعَا إِلَى الْمُنافَسَةِ أَهْلَ بَلْدَتِهِ وَإِذِ اجْتَمَعَ الْقَوْمُ جُلُّهُمْ فِي قَصْرِهِ، نَبَذَ إلَيْهِمْ بِلُغْزٍ يَقُولُ:
- حَاجَيْتُكُمْ لَوْلاَ هُمَا مَا جِئْتُكُمْ، عَنْ شَجَرَةٍ عَدَدُ أَعْرَافِهَا اِثْنَا عَشَرَ، تَلِدُ خَمْسَ بَلُّوطَاتٍ، مِنْهَا ثَلاَثٌ سَوْدَاءُ وَاثْنَتَانِ بَيْضَاوَانِ فَمَا هِيَ؟
وَوَعَدَ السُّلْطَانُ بِهَدِيَّةٍ سَنِيَّةٍ كُلَّ مَنْ يَحُلُّ الأُحْجِيَةَ الْعَصِيبَةَ فَبَاتَتِ الْوُفُودُ تَتَسابَقُ إِلَى الْبَلاَطِ تَرُومُ الْمُكَافَأَةَ وَلَكِنَّهَا حَائِرَةٌ فِي كُنْهِ اللُّغْزِ، بَعِيدَةٌ عَنْ فَهْمِهِ، عَاجِزَةٌ عَنْ تَفْسِيرِهِ فَضَرَبَ لَهَا السُّلْطَانُ الْمَوْعِدَ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الأُسْبُوعِ التَّالِي.
وَكَانَ بَيْنَ الْخَلْقِ رَجُلٌ فَقِيرٌ، أَبْلَهُ، لاَ بَاعَ لَهُ وَلاَ حَوْلَ، يَسْكُنُ بَعْضَ الأَكْوَاخِ الْمُتَطَرِّفَةِ فِي أَحْوَازِ الْمَدِينَةِ. وَكَانَتْ لَهُ صَبِيَّةٌ اسْمُهَا عَائِشَةُ تَقْضِي سَحَابَةَ يَوْمِهَا تَلْعَبُ بِالرَّمَادِ فَلَقَّبُوهَا: " عَائِشَةَ أُمَّ الأَرْمِدَةِ".
وَقَدْ سَمِعَتِ الصَّبِيَّةُ أَبَاهَا صَبِيحةَ الْمَوْعِدِ الْمَضْرُوبِ يُدَاوِلُ اللُّغْزَ بِصَوْتٍ عَالٍ، يُقَلِّبُهُ عَلَى وُجُوهِهِ فِي انِشِغَالٍ فَدَنَتْ مِنْهُ وَبَادَرَتْهُ:
- أَلاَ أَنْصَتَّ إِلَيَّ أَبَتِ فَأَنْبِسَ إِلَيْكَ بِالْحَلِّ إذاً يُكْرِمُكَ السُّلْطَانُ؟
فَنَهَرَهَا الأَبُ ضَجِراً:
- اُسْكُتِي يَا بَلْهَاءُ!…أَفَكُنْتِ أَنْتِ الَّتِي سَتَحُلِّينَ مُعْظِلَةَ الْمَمْلَكَةِ حَتَّى أُتِيحَ لَكِ بِالْكَلاَمِ؟… خَلِّي عَنِّي وَانْسَلِخِي إِلَى شُغْلِكِ!
تَغَافَلَتِ الصَّبِيَّةُ وَقَالَتْ:
- فَإِنِّي أَقُولُ لَكَ يَا أَبَتِ وَعِ... أَمَّا الشَّجَرَةُ فَالسَّنَةُ الْقَمَرِيَّةُ وَالاِثْنَا عَشَرَ عُرْفاً هِيَ أَشْهُرُ الْعَامِ الْوَاحِدِ إِذَا دَارَ دَوْرَتَهُ الْكَامِلَةَ وَالْبَلُّوطَاتُ الْخَمْسُ يُشِرْنَ إِلَى أَوْقَاتِ الصَّلاَةِ الْمَفْرُوضَةِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. أَمَّا الْبَيْضَاوَانِ مِنْهَا فَهِي الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ وَأَمَّا السَّوْدَاءُ فَهِيَ الْفَجْرُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ.
تَعَجَّبَ الأَبُ مِنْ نَبَاهَةِ عَائِشَةَ أُمِّ الأَرْمِدَةِ وَقَبَضَ عَلَى دَبُّوسِهِ فِي جُنُونٍ ثُمَّ هَرْوَلَ إِلَى الْبَلاَطِ يَعْرِضُ الْجَوَابَ عَلَى الرَّأْيِ الْعَالِي ذِي الْجِنَابِ الْمُفَدَّى.
وَلَئِنْ هُوَ لَمْ يَرْقَ بَيْنَ الْمَجَالِسِ فَوْقَ الْمَرْتَبَةِ الدَّنِيَّةِ أَوْ مَهْماً تَدَافَعَتْهُ النَّاسُ وَتَجَاذَفَتْهُ سَاخِرَةً، هَازِئَةً فَإِنَّهُ، مَعَ ذَلِكَ، أَبْلَغَ صَوْتَهُ صَاحِبَ الْعَرْشِ وَأَلْقَى إِلَيْهِ بِالْجَوَابِ.
لَمْ يَكُنْ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَرُوقُ مَوْلاَنَا السُّلْطَانَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّخْصُ الْمُنْكَمِشُ نُورُ وَجْهِهِ، الْمُنْطَفِئَةُ أَضْوَاءُ عَيْنَيْهِ كَأَضْوَاءِ حَيَاتِهِ، عَلَى ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنَ النَّبَاهَةِ فَيَأْتِيَ بِالْجَوَابِ الْفَاصِلِ فِي أُحْجِيَةِ الزَّمَانِ فَكَشَّرَ عَنْ أَنْيَابِهِ وَزَمْجَرَ فِي وَجْهِ الأَبْلَهِ الْمِسْكِينِ وَقَالَ لَهُ:
- تَحَدَّثْ أَيُّها الْغَبِيُّ الْمَيْؤُوسُ مِنْهُ!…فَإنَّكَ لاَ تَكُونُ صَاحِبَ الْجَوَابِ الْمُنْتَظَرِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ أَمْرٌ لأَنَّكَ لَسْتَ بِالْكَيِّسِ الْمُحَنَّكِ فَتَفُضَّ بَكَارَةَ السِّرِّ، وَإِلاَّ فَمَا الَّذِي مَنَعَكَ عَنِ الْعُلُوِّ بِهِمَّتِكَ فَوَقَ ذِي الدَّنَاسَةِ الَّتِي عَمَّتْ حَوَالَيْكَ وَجَعَلَتْكَ أَقْذَرَ مَخْلُوقٍ فِي النَّظَرِ؟
إِنَّ الْعَقْلَ - وَلَوْ كَانَ يَسِيراً- شَأْنُهُ أَنْ يُعْلِيَ مِنْ هِمَّةِ الْخَامِلِ وَبِوُسْعِهِ أَنْ يَرْفَعَهُ فَوْقَ أَعْلَى الْمَرْتَبَاتِ عِوَضَ الْتِصَاقِهِ بِالدَّنَايَا عَلَى هَتِهِ الصِّفَاتِ الَّتِي عَرَضْتَ لاَ تَسْتَحِي، وَقَدْ شَهِدَتْ لَكَ الْمَخْلُوقَاتُ بِالْهَوَانِ وَالاِنْكِسَارِ لِسُوءِ الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ فَمَا الَّذِي أَنَابَكَ الآنَ حَتَّى فَلَتَتْ إِلَيْكَ الْحِيلَةُ وَنَفَذْتَ إِلَى مَكْنُونِ الأَسْرَارِ؟…قُلْ وَلاَ تَكْذِبْنِي وَإِلاَّ قَطَعْتُ لِسَانَكَ!
اِرْتَعَدَتْ فَرَائِصُ الْمَغْبُونِ عِنْدَ سَمَاعِ السُّلْطَانِ يُهَدِّدُهُ وَتَمْتَمَ رَعْشَانَ:
- لاَ شَيْءَ ذَا بَالٍ يَا حَضْرَةَ الْمُبَجَّلِ وَكُلُّ مَا فِي الْمَوْضُوعِ أَنَّ صَبِيَّةً لِي سَمِعَتْنِي أُقَلِّبُ الأُحْجِيَةَ بَيْنَ شَفَتَيَّ الْيَابِسَتَيْنِ، أَلْتَمِسُ بَعْضَ الرَّدِّ وَهُوَ يَنْفِرُ مِنِّي، فَأَلْقَتْ إِلَيَّ بِالْجَوَابِ الَّذِي سَمِعَهُ مِنِّي مَوْلاَيَ ثُمَّ إنَِّهَا دَفَعَتْ بِي إِلَى حَضْرَتِكُمُ الْمَرْمُوقَةِ عَلَّنِي أَكْسِبُ الْهَدِيَّةَ السَّنِيَّةَ فأُدْخِلَ بَعْضَ الْفَرْحَةِ عَلَى عَائِلَتِي التَّعِيسَةِ… أَمَّا فَإِنْ كَانَ فِي الأَمْرِ حَرَجٌ فَلاَ دَاعِيَ يَا سَعَادَةَ الْجَلاَلَةِ إِلَى أَنْ تُلَطِّخُوا أَيْدِيَكُمْ بِشَخْصِي فَتَصِلُونِي بِالْجَائِزَةِ وَإِنِّي، بَعْدَ إذْنِكَ، مُتَنازِلٌ عَنْهَا.
قَالَهَا الْمِسْكِينُ وَقَدْ أَصَابَهُ بَعْضُ الدَّوَّارِ جَزَاءَ خَوْفِهِ، وَمِنْ ثِقَلِ الْمَكَانِ أَحَسَّ كَأَنَّ دُبُرَهُ قَدْ تَبَلَّلَ بِبَعْضِ السَّائِلِ الَّذِي تَسَرَّبَ مِنْهُ بِدُونِ إِذْنٍ فَزَادَهُ سَفَهاً عَلَى سَفَهٍ وَاضْطِرَاباً عَلَى اضْطِرَابٍ.
فَقَالَ السُّلْطَانُ:
- فَإِنِّي أَطْلُبُكَ ابْنَتَكَ هَتِهِ فَزَوِّجْنِيهَا!
عِنْدَئِذٍ، دَنِفَ الْمِسْكِينُ وَقَالَ وَقَدْ صَفَّرَتْ أُذُنَاهُ:
- أُوهٍ مَوْلايَ…بَخٍ بخٍ…أُوهٍ…إِنْ تِلْكَ إِلاَّ أُمَّ اغْذَانَ …وَإِنَّهَا تَقْضِي وَضَحَ نَهارِهَا تَلْعَبُ فِي الأَرْمِدَةِ وَبَقَايَا النِّيرَانِ…وَحَاشَا أَنْ يُدَنِّسَ مِثْلُكَ حَوَاشِيَهِ بِمِثْلِ تِلْكَ الْعُفُونَةِ وَإِنِّي لأَسْتَحِي حَتَّى أَنْ أَتَمَثَّلَ الْمَنْظَرَ خَيَالاً…
فَقَاطَعَهُ الْمَلِكُ وَقَالَ مُحْتَدّاً:
- فَإِنِّي أَشَاءُ وَقَدْ أَمَرْتُ وَإِنَّهُ لاَ رَادَّ لأَمْرِي إِذَا جَاءَ!
وَأَنْفَذَ بَعْدَئِذٍ وَفْداً إِلَى دَارِ عَائِشَةَ يَخْطُبُهَا كَمَا يَقْتَضِيهِ الْعُرْفُ وَحَسْبَمَا تَشْتَرِطُهُ التَّقَالِيدُ فَاصْطَفَى مِنْ بَيْنِ مُقَرَّبِيهِ نَفَراً مِنَ الأَعْيَانِ الْمَوْسُومِينَ، حَمَّلَهُمْ بِالْقَمْحِ وَالْمَالِ وَالزُّبْدَةِ وَكَلَّفَهُمْ بِالْمَهَمَّةِ.
فَانْطَلَقُوا صَوْبَ الدَّشْرَةِ الصَّغِيرَةِ، خَلْفَ تِلْكَ الرَّبْوَةِ الَّتِي اعْتَادَ بُسَطَاءُ النَّاسِ أَنْ يَحْرِقُوا عَلَيْهَا قُمَامَاتِهِمْ.
وَفِي بَعْضِ تِلْكَ الْحَارَاتِ الْكَرِيهَةِ أَلْفَوْا بَيْتَ عَائِشَةَ… أَلْفَوْهُ كُوخاً بَلِيداً، مُظْلِماً، تَتَبَخَّرُ مِنْهُ رَائِحَةُ الْعَفَنِ فِي "الدّائِنِينِ" فَفَتَحُوا بَابَهُ الْخَشَبِيَّ الَّذِي تَآكَلَتْهُ الأَرَضَةُ وَدَاسُوا عَلَى قُلُوبِهِمْ يُرْغِمُونَ أَنْفُسَهُمْ عَلَى الْوُلُوجِ.
[عَلَى أَنَّ صَوْتاً مَا، اِنْبَعَثَ مِنَ الْغُرْفَةِ أَعْلَى الدَّارِ وَقَالَ لَهُمْ:
- اُتْرُكُوا أَرْجُلَكُمْ خَارِجاً!
صُدِمَ الْمَلأُ فِي عُقُولِهِمْ ثُمَّ احْتَارُوا كَيْفَ يَتَصَرَّفُونَ وَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فِي دَهْشَةٍ كُلٌّ يَسْتَفْسِرُ زَمِيلَهُ كُنْهَ مَا سَمِعَ. عَلَى أَنَّهُمْ سُرْعانَ مَا تَبَيَّنُوا أَنَّ صَاحِبةَ الصَّوْتِ هِيَ "عَائِشَةُ أُمُّ الأَرْمِدَةِ" عَيْنُهَا فَتَنَحْنَحَ كَبِيرُهُمْ وَقَالَ لَهَا بِلَهْجَةٍ مُصْطَنَعَةٍ:
- فَانْطَلِقِي يَا صَبِيَّةُ خَفِيفَةً وَأَحْضِرِي لَنَا أَبَاكِ فَنَحْنُ ضُيُوفٌ مِنْ عِنْدِ جِنَابِ السُّلْطَانِ وَلَقَدْ قَصَدْنَاهُ فِي أَمْرٍ خَطِيرٍ…خَطِيرٍ جِدّاً يَا صَبِيّةُ…
قَالَتِ الْعِفْرِيتَةُ:
- فَإِنَّ أَبِي غَائِبٌ وَإِنَّهُ ذَهَبَ يَصْطادُ الْمَاءَ فِي الْمَاءِ.
خَزَرَ بَعْضُ الرِّجَالِ بَعْضاً وَصَارَتْ عَيْنُ الْوَزِيرِ تَغْمِزُ وَحْدَها كَأنَّ بِهَا حَشَرَةً ثُمَّ إِنَّهُ عَدَّلَ عَمَامَتَهُ الضَّخْمَةَ قَبْلَ أَنْ تَسْقُطَ عَنْ رَأْسِهِ الصَّغِيرِ وَأَرْدَفَ:
- فَادْعِي أُمَّكِ خَفِيفَةً فَنَحْنُ ضُيُوفٌ مِنْ عِنْدِ جِنَابِ السُّلْطَانِ وَلَقَدْ قَصَدْنَاهَا فِي أَمْرٍ خَطِيرٍ…خَطِيرٍ جِدّاً يَا صَبِيَّةُ!
قَالَتِ الْبِنْتُ وَيَدُهَا تَلْعَبُ بِحَفْنَةٍ مِنَ الرَّمَادِ:
- أَمَّا أُمِّي فَرَاحَتْ تَرَى مَا لَمْ تَكُنْ قَدْ رَأَتْ قَطُّ!
غَمَزَتْ عَيْنُ الْوَزِيرِ بِخِفَّةٍ أَكْثَرَ وَحَكَّ بَعْضُ مُرَافِقِيهِ نَاظِرَهُ فِي حُمْقٍ ثُمَّ إِنَّ الْحَاجِبَ وَضَعَ يَدَيْهِ الصَّغِيرَتَيْنِ عَلَى كِرْشِهِ الْعَظِيمَةِ وَقَالَ بِصَوْتِهِ الرَّقِيقِ:
- وَأَخُوكِ يَا بِنْتِي؟
قَالَتْ فِي خُبْثٍ وَيَدَاهَا لاَ تَكُفَّانِ تُلاَعِبَانِ حَفْنَةَ الرَّمَادِ:
- كُنْتُ أَوَدُّ أَنْ يُقابِلَ أَخِي ضُيُوفَ جِنَابِ السُّلْطانِ الَّذِينَ قَصَدُوهُ فِي أَمْرٍ خَطِيٍر…خَطِيرٍ جِدّاً يَا صَبِيَّةُ…أُوهٍ…عَفْواً…زَلَّةُ لِسَانٍ…وَلَكِنَّ أَخِي غَيْرُ مَوْجُودٍ…ذَهَبَ يَضْرِبُ فيُضْرَبَ…
ثُمَّ فِي قَفْزَةٍ، صَارَتْ فِي الْغُرْفَةِ مِنْ جَدِيدٍ. عِنْدَئِذٍ، اِرْتَبَكَ الْقَوْمُ وَأُطْبِقَ عَلَى حَضْرَةِ الْوَزِيرِ وَلَمَّا لَمْ يَفْهَمُوا لِكَلاَمِهَا مَعْنىً ضَجِرُوا وَعَزَمُوا عَلَى الرَّحِيلِ. لَكِنَّهُمْ مَا كَادُوا يُوَلُّونَ الأَعْقَابَ، يَجُرُّونَ ذُيُولَهُمْ فِي زَبْلِ الْبَقَرِ وَبَعَرِ الْغَنَمِ حَتَّى بَلَغَهُمْ صَوْتُهَا الْمَاكِرُ يَقُولُ:
-إِذَا رَأَيْتُمْ جَلاَلَتَهُ فَأَخْبِرُوهُ بِأَنَّهُ يَنْقُصُ شِبْرٌ فِي النُّجُومِ وَشِبْرٌ فِي الأَرْضِ وَشِبْرٌ فِي الْبَحْرِ. ]
أَدْبَرَ النَّفَرُ بَعْدَ أَنْ كَادَتْ تَطِيرُ عُقُولُهُمْ وَوَلَّوْا وَالْغَمُّ يَقْهَرُهُمْ وَقَدْ رَأَوْا مِنْ عَائِشَةَ مَا تَتَفَجَّرُ لَهُ الْعُرُوقُ. وَلَمَّا اسْتَأْذَنُوا عَلَى الْمَلِكِ دَخَلُوا إيوَانَهُ وَجَعَلُوا يُخْبِرُونَهُ بِمَا سَمِعُوا مِنَ الْفَتَاةِ اللَّعُوبِ وَكَيْفَ أَنَّهَا عَامَلَتْهُمْ دُونَ مَا يُناسِبُ مَقامَهُمْ.
وانْبَرَوْا يُفَنِّدُونَ رَغْبَتَهُ فِي الزَّوَاجِ مِنْ "أُمِّ الأَرْمِدَةِ" وَيُسَوِّدُونَهَا فِي مُقلَتَيْهِ مُتَيَقِّنِينَ مِنْ أَنَّهُ سيُوَلِّي عَنْهَا إِلَى غَيْرِ رَجْعَةٍ.
قَالُوا:
- مَا كَادَتْ تَطَأُ أَقْدَامُنَا كُوخَهُمْ حَتَّى أَلْفَيْنَاهَا تُحَدِّثُنَا مِنْ عُلُوِّهِ آمِرَةً: "دَعُوا أَرْجُلَكُمْ خارِجاً"…مَا ذَلِكَ الْهُرَاءُ ؟…مَا ذَلِكَ الْهُرَاءُ؟…وَهَلْ يُعْقَلُ يَا سَيِّدَ السَّادَاتِ أَنْ نَلِجَ إِلَيْهَا مُتَخَلِّينَ عَنْ أَرْجُلِنَا، مُكْتَفِينَ بِسِيقَانِنَا؟…إِنَّهُ تَاللهِ هَبَلٌ فِي الْبِنْتِ مِنْ هَبَلِ أَبِيهَا!
قَالَ الْمَلِكُ:
- تَبّاً لَكُمْ!…إِنَّمَا دَعَتْكُمْ إِلَى تَرْكِ نِعَالِكُمْ بِالْوَصِيدِ حَتَّى لاَ تُعَفِّرُوا طَهَارَةَ الْمَكَانِ…أَمْ حَسِبْتُمْ بَيْتَهَا لاَ يَسْتَحِقُّ الاِحْتِرَامَ ذَاتَهُ الَّذِي تُحِيطُونَ بِهِ دِيَارَ بَعْضِكُمُ الْبَعْضِ؟…إِيْ!…صَحِيحٌ…إِنَّ بَيْتَهُمْ بَيْتُ "حَالَةٍ وَدَائنِينَ " فَأَنَّى تَأْتِيهِمُ الطَّهارةُ أَوْ تَكُونُ؟
قَالُوا مُرْتَبِكِينَ:
- فَإِنَّا سَأَلْنَاهَا عَنْ أَبِيهَا فَقَالَتْ: "ذَهَبَ يَصْطَادُ الْمَاءَ فِي الْمَاءِ"…وَهَلْ يُعْقَلُ أَنْ يُصْطَادَ سَائِلٌ فِي سَائِلٍ؟ بَلْ كُلُّهُ تَخْرِيفٌ فِي هُتْرٍ وَرَدَا مِنْ فَتَاةٍ تَهْذِي فِي وَضَحِ النَّهَارِ.
قَالَ الْمَلِكُ:
- بَلْ يُعْقَلُ وَاللهِ وَإِنَّمَا أَنْتُمُ الْهَاذُونَ الَّذِينَ خَرِفَتْ أَخْلاَدُهُمْ قَبْلَ الأَوَانِ! وَإِنَّ الْمَرْءَ انْصَرَفَ يَصْطَادُ السَّمَكَ فِي النَّهْرِ وَلَكِنَّكُمْ لَمْ تَكُونُوا بِالْحِنْكَةِ الْكَافِيَةِ فَتَفْهَمُوا أَلْغَازَ الْبَيَانِ!
قَالُوا:
- فَإِنَّا طَلَبْنَا أُمَّهَا وَكَانَ رَدُّهَا اسْتِهْتَاراً لاَ يَلِيقُ بِسِتَّاتِ الْمُلْكِ. قَالَتْ: "اِتَّجَهَتْ تَنْظُرْ مَا لَمْ تَنْظُرْهُ قَطُّ"…فَبِاللهِ عَلَيْكَ يَا مَوْلايَ، ألَيْسَ هَذَا كَلاَمَ مَجَانِينَ؟
قَالَ السُّلْطَانُ مُتَأَفِّفاً:
- وَيْحَكُمْ!…وَكَيْفَ لاَ يَصِحُّ أَنْ تَنْظُرَ الْمَرْأَةُ مَا لَمْ تَنْظُرْهُ قَطُّ؟ ألَيْسَتِ الْقَابِلَةَ الَّتِي تُسَاعِدُ الْحَوَامِلَ عَلَى النِّفَاسِ؟ وَإذاً تَكُونَ بِمِهْنَتِهَا أَوَّلَ مَنْ يَرَى الْمَوْلُودَ الَّذِي يَجِيءُ إِلَى النُّورِ!
قَالُوا:
- وَمَاذَا عَنْ أَخِيهَا الَّذِي رَاحَ يَضرِبُ فَيُضْرَبَ؟
قَالَ:
- شَأْنُهُ شَأْنُ كُلِّ الصِّبْيَةِ الَّذِينَ يَتَوَجَّهُونَ صَوْبَ الْمَلاَعِبِ، يَزُجُّونَ الْكُرَاتِ بِأَقْدَامِهِمْ رَكْلاً وَبَطّاً فَتَخْبِطُهُمُ الْكُرَاتُ تَمَاماً كَمَا فَعَلُوا بِهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ. وَلَكِنَّكُمْ قَوْمٌ لاَ يَتَفَطَّنُونَ!
وَجَمَ الأَعْيانُ وَأَمْسَكُوا عَنِ الْحَدِيثِ وَطُمِسَ تَمْيِيزُهُمْ فَلَمْ يُدْرِكُوا أَيَّهُمَا أَذْكَى: أَعَائِشةُ أَمِ السُّلْطانُ؟…أَمَّا فَإِنَّ صَوْتَهُ الْمُبَجَّلَ هَزَّهُمْ مِنْ سُبَاتِهِمْ وَجَاءَ يَسْتَدْرِجُهُمْ كَرَّةً أُخْرَى:
- وَهَلْ قَالَتْ لَكُمْ غَيْرَ هَذَا؟
قَالُوا:
- أَوْصَتْنَا بِأَنْ نُبْلِغَ جَلاَلَتَكَ الْمُفَدَّاةَ بِأَنَّهُ يَنْقُصُ شِبْرٌ فِي النُّجُومِ وَشِبْرٌ فِي الأَرْضِ وَشِبْرٌ فِي الْبَحْرِ.
صَاحَ السُّلْطَانُ وَقَدْ جَحَظَتْ عَيْنَاهُ وَارْبَدَّ لَوْنُهُ:
- الْوَيْلُ لَكُمْ يَا بَنِي الْ…إِنَّكُمْ وَاللهِ سَرَقْتُمْ بَعْضاً مِنَ الْمَالِ الَّذِي اسْتَأْمَنْتُكُمْ عَلَيْهِ وَغَصَبْتُمْ جُزْءاً مِنَ الْقَمْحِ الَّذِي أَوْدَعْتُهُ عِنْدَكُمْ هَدِيَّةً لَهَا وَاسْتَحْوَذْتُمْ عَلَى قِسْطٍ مِنْ تِلْكَ الزُّبْدَةِ الَّتِي حَمَّلْتُكُمْ!
فَالنُّجُومُ هِيَ الدَّرَاهِمُ وَالأَرْضُ هِيَ الْحَبُّ وَالْبَحْرُ هُوَ الْحَلِيبُ الَّذِي تُسْتَخْرَجُ مِنْهُ الزُّبْدَةُ…وَهَاأَنْتُمْ قَدْ كُشِفْتُمْ بِسُوءِ فِعْلِكُمْ وَفُضِحْتُمْ فِي قِلَّةِ حَيَائِكُمْ وَأُمْسِكْتُمْ بِعِوَجِ سُلُوكِكُمْ فَإِنْ أَنْتُمْ فَعَلْتُمْ كَذَا بِتِلْكَ الْهَدِيَّةِ الْيَسِيرَةِ الَّتِي زَفَفْتُ إِلَى تِلْكَ الأُسْرَةِ الْفَقِيرَةِ فَكَيْفَ شَأُنُكُمْ بِأَمْوالِ هَتِهِ الأُمَّةِ وَخَزِينَةِ الْمُسْلِمِينَ؟…
ثُمَّ ضَرَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَدَعَا بِصَوْتٍ ارْتَجَّتْ لَهُ أَرْجَاءُ الْقَصْرِ:
- أَيُّهَا الْحَاجِبُ!…اِقْبِضْ على هؤلاء اللُّؤَمَاءِ وَزُجَّ بِهِمْ فِي غَياهِبِ السِّجْنِ عَلَّهُمْ يَتَأَدَّبُونَ…فَمَا فَائِدَةٌ مِنْ وُزَرَاءَ لاَ يَعْرِفُونَ لِلأَمَانَةِ حُرْمَةً وَلاَ يُقَدِّرُونَ لِلْعَقْلِ وَزْناً!
ثُمَّ تَمَّتْ مَرَاسِمُ الزَّوَاجِ وَزُفَّتْ "عَائِشَةُ أُمُّ الأُرْمِدَةِ" إِلَى حَضْرَةِ السُّلْطَانِ وَعَاشَ الاِثْنَانِ فِي الْقَصْرِ الْعَظِيمِ عِيشَةَ الرَّغَدِ وَالتَّرَفِ، يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا الْوِدَادُ وَيَعُمُّ بَلْدَتَهُمَا السَّلاَمُ.
ثُمَّ اتُّفِقَ أَنْ عَقَدَ الْمَلِكُ مَجْلِسَ الْقَضَاءِ الَّذِي يُصَرِّفُ فِيهِ مَظَالِمَ الرَّعِيَّةِ وَإِذَا بِمُسْلِمٍ يَمْثُلُ بَيْنَ يَدَيْهِ يَشْتَكِي مِنْ يَهُودِيٍّ فَقَالَ:
-مَوْلايَ قَاضِيَ الْقُضَاةِ وَالْقَابِضَ عَلَى زِمَامِ الْعَدَالَةِ بِالْقِسْطِ! جِئْتُكَ شَاكِياً وَرَجَوْتُكَ شَافِياً وَإِنِّي مُغْتَمٌّ مِنْ يَهُودِيٍّ سَرَقَ مِنِّي بَغْلَتِي وَإِنِّي أَبْغِي، بِرَزانَتِكَ وَمَا أُوتِيتَ مِنْ سُلْطَانٍ، أَنْ تَرُدَّ عَلَيَّ مَالِي.
قَالَ الْمَلِكُ:
- اِصْبِرْ لِنَتَبَيَّنَ الْحُجَّةَ!
ثُمَّ اسْتَدْعَى الْيَهُودِيَّ وَاسْتَقْصَاهُ فِي الْقَضِيَّةِ فَقَالَ:
- هَذِهِ بَغْلَتِي وَهَذَا صَغِيرُهَا قَدْ وَضَعَتْهُ مِنْ أَيّامٍ قَلاَئِلَ وَهُوَ كَمَا تَرَى مُسْتَأْنِسٌ بِي مِثْلَمَا هُوَ لاَصِقٌ بِأُمِّهِ. فَلَوْ أَنَّ الْبَغْلَةَ لَمْ تَكُنْ لِي فَكَيْفَ يُمْكِنُ لِلْجَحْشِ الصَّغِيرِ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِي بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ وَيَتْبَعَ أُمَّهُ كَمَا تُشَاهِدُونَ؟…مَا مِنْ سَبَبٍ فِي ذَلِكَ سِوَى لِكَوْنِهِمَا مُتَعَوِّدَيْنِ عَلَيَّ وَقَدِ اِقْتَنَيْتُهُمَا بِمَالِي الْخَالِصِ وَرِزْقِي الْحُرِّ وَهَذَا الرَّجُلُ إِزَاءَكَ كَاذِبٌ يَا سَيِّدِي.
وَكَانَ الْيَهُودِيُّ قَدْ رَتَّبَ طَلْسَماً لِلْجَحْشِ فَلَزِمَ الْبَغْلَةَ حَيْثُمَا سَرَحَتْ لاَ يُفارِقُهَا فَالْتَفَتَ السُّلْطَانُ إِلَى الْمُسْلِمِ يَنْتَظِرُ مِنْهُ حُجَّتَهُ فَقَالَ:
- بَعْدَ إِذْنِكَ سَيِّدِي فَإِنَّ هَذَا الْيَهُودِيَّ مُدَاهِنٌ وَمِنَ الشُّطَّارِ وَقَدْ رَتَّبَ لِلْجَحْشِ حِرْزاً فِيهِ طَلاَسِمُ غَرِيبَةٌ يَعْرِفُ آلُ قَوْمِهِ أَسْرَارَهَا فَسَحَرَ الْجَحْشَ الصَّغِيرَ الَّذِي تَبِعَ الدَّابَّةَ عَلَى أَنَّهَا أُمُّهُ. أَمَّا فَإِنَّهَا لِي يَا مَوْلاَيَ!
لَكِنَّ صَاحِبَ الْجَلاَلَةِ حَكَمَ لِلْيَهُودِيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ وَصَرَفَهُمَا فَغَدَا الرَّجُلُ يَنْدُبُ حَظَّهُ وَجَلَسَ تَحْتَ نَافِذَةِ عَائِشَةَ يَنْتَحِبُ فَبَلَغَ صَوْتُهُ مَخْدَعَهَا فَهَفَتْ إِلَى لِقَاءِ الْمَغْبُونِ وَإِذَا بِهَا تُلْقِي إِلَيْهِ بِحَجَرٍ تَنْدَهُ عَلَيْهِ. ثُمَّ إِنَّهَا اسْتَفْسَرَتْهُ عَنْ عِلَّةِ بُكَائِهِ وَسَبَبِ حُزْنِهِ وَنَكَدِهِ فَوَصَفَ لَهَا الشَّخْصُ الْغَرِيبُ مَسْأَلَتَهُ فَقَالَتْ لَهُ تَنْظُرُ إِلَيْهِ نَظْرَتَهَا الْمَاكِرَةَ:
- فَأَصِخْ إِلَيَّ أَيُّهَا الْغَرِيبُ أَنْصَحْكَ وَافْعَلْ مَا أُوصِيكَ بِهِ…عُدْ إِلَى مَوْلاكَ وَقُلْ لَهُ كَذَا وَكَذَا…
فَقَفَلَ الرَّجُلُ الْمَخْدُوعُ إِلَى مَجْلِسِ السُّلْطَانِ وَقَالَ لَهُ:
-يَا سُلْطَانَ الزَّمَانِ وَكَامِلَ الأَنَامِ بَعْدَ النَّبِيِّ الْمُصْطَفَى عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلاَمُ!…اِعْلَمْ أَنَّنِي غَرَسْتُ شَتْلَةً عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ ثُمَّ بَقِيتُ أَرْعَاهَا وَأَسْقِيهَا حَتَّى كَبُرَتْ وَاسْتَوَتْ وَلَمَّا آنَ الأَوَانُ فَآكُلَ ثِمَارَهَا، نَدَرَ إِلَيْهَا الْحُوتُ مِنَ الْبَحْرِ وَأَكَلَهَا قَبْلَ أَنْ أَسْتَمْتِعَ بِمَا بَذَلْتُ فِيهَا مِنْ جَهْدٍ فَقَصَدْتُكَ أَدَّعِي عَلَى سَاكِنِ الْبَحْرِ عَسَى أَنْ تَقْتَصَّ لِي مِنْهُ فَمَاذَا قُلْتَ؟
فَزَمْجَرَ بِهِ السُّلْطَانُ وَقَالَ:
- وَيْحَكَ أَيُّهَا النَّذْلُ!…أَتَسْخَرُ بِي أَمْ هُوَ هُزْءٌ بِمَوْلاَكَ وَلِيِّ نِعْمَتِكَ؟…وَإِلاَّ فَكَيْفَ يُمْكِنُ لِلْحُوتِ أَنْ يَخْرُجَ مِنَ الْمَاءِ فَيَأْكُلَ الْعُشْبَ عَلَى ضِفَافِ الْيَمِّ؟…هَذَا لاَ يَكُونُ أَبَداً!…
عِنْدَئِذٍ، اِغْتَنَمَهَا الْمُسْلِمُ فُرْصَةً وَقَالَ فِي هُدُوءٍ:
- فَإِنْ كَانَ هَذَا لاَ يُمْكِنُ فَكَيْفَ يَجُوزُ لِلْبَغْلِ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَغِيرٌ؟
فَاتَّعَظَ الْمَلِكُ وَأَدْرَكَ أَنَّ الْفَخَّ إِنَّمَا نَصَبَتْهُ لَهُ زَوْجُهُ الأَفْعَى فَانْتَبَهَ إِلَى شُؤُونِهِ يَقْضِيها سَاعِياً ثُمَّ دَلَفَ إِلَى زَوْجِهِ وَفِي خِدْرِهَا قَالَ لَهَا بِلَهْجَةٍ آمِرَةٍ:
- اِجْمَعِي أَشْياءَكِ يَا عَائِشَةُ وَارْحَلِي عَنْ هَذَا الْقَصْرِ فِي الْحِينِ! وَإِنِّي مُعْفِيكِ فَاحْمِلِي مَا بَدَا لَكِ وَكُلَّ حَاجَةٍ أَعْجَبَتْكِ بَيْنَ أَفْنِيَتِهِ عَلَى أَنْ تُغادِرِي لِلتُّوِّ!
قَالَتْ عَائِشَةُ تَفْتَعِلُ الاِضْطِرَابَ:
- وَلِمَ هَذَا الأمْرُ يَا مَوْلايَ؟
قَالَ وَقَدْ أَعْطَاهَا بِالْقَفَا، تُلاَعِبُ يَدَاهُ بِعَصَبِيَّةٍ مِسْبَحَةً خَلْفَ ظَهْرِهِ:
-إِنَّهُ لاَ يُطَاقُ يَا عَائِشَةُ أَنْ أُعْطِيَ الشَّرْعَ فِي الْمَحْكَمَةِ فَتَنْسَخِيهِ فِي خِدْرِكِ. وَعَلَيْهِ فَلاَ غَرْوَ مِنْ ذَهَابِكِ وَإِنَّ هَذَا آخِرُ مَا بَيْنَنَا.
قَالَتْ عَائِشَةُ مُطَأْطِئَةً:
- حَسَنٌ يَا مَوْلايَ… سَمْعاً وَطَاعَةً!
ثُمَّ إِنَّهَا أَرْسَلَتْ إِلَى نَقِيبِ النَّجَّارِينَ فَأَمَرَتْهُ أَنْ يَصْنَعَ لَهَا صُنْدُوقاً عَلَى شَكْلِ تَابُوتٍ. وَبَعْدَ أَنْ لَفَّتْ أَشْيَاءَها فِي رُزْمَةٍ، سَقَتِ السُّلْطَانَ بُنْجاً وَأَلْقَتْ بِهِ فِي التَّابُوتِ ثُمَّ أَحْكَمَتْ إِغْلاَقَهُ وَدَعَتْ غِلْمَانَهَا فَحَمَلُوهُ إِلَى كُوخِ أَبِيهَا.
وَلَمَّا انْتَهَى مَفْعُولُ "السِّكْرَانِ" وَأَفَاقَ الْمَلِكُ فَأَبْصَرَ عَائِشَةَ إِلَى جَانِبِهِ، اِنْتَفَضَ مُزَمْجِراً وَقَالَ:
- مَا هَذَا يَا حَمْقَاءُ؟…أَلَمْ آمُرْكِ بِحَزْمِ أَمْتِعَتِكِ ثُمَّ الرَّحِيلِ؟…أَرَاكِ قَدْ عَصَيْتِنِي كَرَّةً أُخْرَى وَلَمْ تَمْتَثِلِي!…أَلَنْ تَكُفِّي عَنْ عِنَادِكِ يَا مَاكِرَةُ أَمْ لأُعَاقِبَنَّكِ شَرَّ عِقَابٍ إذاً تَكُونِينَ عِبْرَةً لِغَيْرِكِ مِمَّنْ يَشُقُّ عَصَا الطَّاعَةِ عَلَيَّ؟
قَالَتِ الْعِفْرِيتَةُ "أُمُّ الأَرْمِدَةِ" بِدَلاَلٍ وَذَكَاءٍ:
- بَلَى يَا شَاهِنْشَاهَ الزَّمَانِ... فَقَدْ جَمَعْتُ حَوَائِجِي وَغَادَرْتُ قَصْرَكَ الْمُحَصَّنَ كَمَا أَرَدْتَ بِالضَّبْطِ. أَمَّا فَإِنَّكَ قُلْتَ لِي أَيْضاً: "خُذِي مَا بَدَا لَكِ وَأَعْجَبَكِ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ وَاحْتَفِظِي بِهِ عَلَى أَنَّهُ مَالُكِ الْحَلاَلُ مَا طَابَ لَكِ".
وَإِنِّي قَدْ أَجَلْتُ النَّظَرَ فِي أَرْجَائِهِ فَلَمْ أَجِدْ غَيْرَكَ شَيْئاً يَطِيبُ لِي فَحَمَلْتُكَ وَهَاأَنْتَ مَعِي فِي كُوخِ وَالِدِي…وَحَاشَاكَ يَا مَوْلايَ أَنْ تَكُونَ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ الْعَهْدَ وَلاَ يُوفُونَ بِالْوَعْدِ… أَوْ إِذَا أَعْطَوْا اِسْتَرَدُّوا مَا وَهَبُوا… وَعَلَى ذَلِكَ فَأَنتَ لِي وَكَانَ الأَمْرُ مَقْضِيّاً.
قَالَ السُّلْطَانُ يَنْفُضُ الْغُبَارَ عَنْ بُرْنُسِهِ الأَحْمَرِ الْمُطَرَّزِ بِوَرْدِ الذَّهَبِ:
- اِنْهَضِي يَا عِفْرِيتَةُ…اِنْهَضِي…اِلْتَحِفِي وَاتْبَعِينِي إِلَى الْبَيْتِ…ثُمَّ هَاأَنَا ذَا أَقُولُهَا لَكِ هَا…
[ وَأَشَارَ بِسَبَّابَتِهِ يُهَدِّدُ]…اُصْمُتِي كُلِّيَّةً وَإِنِّي لاَ أُحِبُّ سَمَاعَ صَوْتِكِ وَإِلاَّ كَتَمْتُ أَنْفَاسَكِ فَأَخْلُصَ مِنْكِ هَنِيّاً!…
طَأْطَأَتْ عَائِشَةُ وَقَالَتْ بَيْنَمَا يَدَاهَا تُلاَعِبَانِ حَفْنَةً مِنَ الرَّمَادِ:
- سَمْعاً وَطَاعَةً يَا مَوْلايَ…وَإِنِّي سَأَصْمُتُ كُلِّيَّةً وَإِلاَّ كَتَمْتَ أَنْفَاسِي فَتَخْلُصَ مِنِّي هَنِيّاً!

نجمة سيّد أحمد (حكايات جدّتي)

نجمة سيّدأحمد
عضو مميز
عضو مميز

الجـــنـــس : انثى
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

جيد رد: عائشة أُمّ الأَرْمِدَة

مُساهمة من طرف الهادية الأحد 06 فبراير 2011, 16:56

الحكمة والعبرة من حكايات جدتي ,,,, كم هي رائعة ,,,بارك الله فيك يا نجمة المنتدى المضيئة

الهادية
عضو مشارك
عضو مشارك

الجـــنـــس : انثى
تاريخ التسجيل : 28/01/2011
العـــــمـــــر : 60
عـــدد المساهمـــات : 62
الـمــــــــــــزاج : الحمد لله

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

جيد رد: عائشة أُمّ الأَرْمِدَة

مُساهمة من طرف نجمة سيّدأحمد الأحد 06 فبراير 2011, 18:17

عفوك أَيَّتها الأخت الطّيّبة.

نجمة سيّدأحمد
عضو مميز
عضو مميز

الجـــنـــس : انثى
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

جيد رد: عائشة أُمّ الأَرْمِدَة

مُساهمة من طرف aissa.b الأحد 06 فبراير 2011, 18:35

jazak انها رائعة rosrouge
aissa.b
aissa.b
عضو برونزي
عضو برونزي

الجـــنـــس : ذكر
تاريخ التسجيل : 19/11/2010
العـــــمـــــر : 29
عـــدد المساهمـــات : 885
الـمــــــــــــزاج : هادىء

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

جيد رد: عائشة أُمّ الأَرْمِدَة

مُساهمة من طرف نجمة سيّدأحمد الأحد 06 فبراير 2011, 18:37

Neutral الوردة الحمراء يا عيسى.

نجمة سيّدأحمد
عضو مميز
عضو مميز

الجـــنـــس : انثى
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

جيد رد: عائشة أُمّ الأَرْمِدَة

مُساهمة من طرف عاشق الجنه الأحد 06 فبراير 2011, 19:43

العافية
ouvre
etoilbrille rosrouge etoilbrille
barak allaho
عاشق الجنه
عاشق الجنه
عضو فضي
عضو فضي

الجـــنـــس : ذكر
تاريخ التسجيل : 27/03/2010
عـــدد المساهمـــات : 1234

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

جيد رد: عائشة أُمّ الأَرْمِدَة

مُساهمة من طرف أبو إلياس الأحد 06 فبراير 2011, 21:16

حكاية مميّزة أنرتِ بها المنتدى
barak allaho

أبو إلياس
المديــــر العــــام
المديــــر العــــام

الجـــنـــس : ذكر
تاريخ التسجيل : 25/06/2009
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 3913
الـمــــــــــــزاج : منفعل

https://morchid.yoo7.com

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

جيد رد: عائشة أُمّ الأَرْمِدَة

مُساهمة من طرف نجمة سيّدأحمد الأحد 06 فبراير 2011, 22:10

زادكم الله نورا جميعا. ممتنّة لكم اهتمامكم وتشجيعكم.

Cool

نجمة سيّدأحمد
عضو مميز
عضو مميز

الجـــنـــس : انثى
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أوقات الصلاة للجزائر العاصمة وضواحيها
اختر لغة المنتدى من هنا
----------------------------------------------------------------------------