خَرّاطة (بلدة في الشّرق الجزائريّ)
5 مشترك
منتديات بني ورثيلان التعليمية :: القســــــــــم العـــــــــــــــــــام :: إبداعات الأعضاء و إصداراتهم
صفحة 1 من اصل 1
خَرّاطة (بلدة في الشّرق الجزائريّ)
خَرّاطة
[right]أجْمَلُ ما في خَرَّاطَةَ سَدُّها الْعَظِيمُ. أَوْ لَعَلَّها جِبالُها الْمُخْتَنِقَةُ في ضِيق. أَوْ رُبَّما أَجْمَلُ مِنْ هَذا وذاكَ مناظِرُها الْخَلاَّبَةُ بِدُونِ اعْتِدال... لا أدري في الْواقعِ، فاعْذُرُونِي من فَضْلِكُمْ! تلك حَيْرةُ الطّرب أخذتْ بمَجامِعِ عَقْلِي وما الْعاشِقُ بِمَعْذُول...
إلاَّ أنَّ جمالَ سَدِّها عَرَضِيٌّ فانٍ لأنَّهُ أَشَدُّ ما يَبْزُغُ في وَقْتِ الأَصِيل؛ عِنْدَما تَنْتَشِرُ حُمْرَةُ الْغُرُوبِ على خُضْرَةِ الْمِياهِ فَتَنْكَشِفَ على سَطْحِهِ بُقَعٌ فاتِرَةُ اللَّوْنِ وأَخْرَى أَغْمَقُ مُشَلْشَلَةٌ كُلُّها بِالذَّهَب.
ولا أُخْفِي عَلَيْكِمُ أنَّ مِياهَ السَّدِّ، مَهْماً تَبْهَرُنِي وتَشُدُّنِي. إلاَّ أنَّها، في الْحِينِ ذاتِهِ، تُخِيفُنِي، تُرْعِبُنِي لأَنَّها بِالآخِرِ دَوَّامَةٌ قَوِيَّةٌ تَحْمِلُ الْمَوْتَ في كُلِّ شِبْرٍ مِنْ أَجْزَائِها؛ مَوْتٌ بِدُونِ قَبْرٍ، أنا الّتي أُوثِرُهُ عَلى الأَرْضِ، في فِراشِي، كَأَجْبَنِ النَّاس!
جِبالُها أَيْضاً آيَةٌ في الْحُسْنِ، فَذَّةٌ، أَخَّاذَةٌ، رائعَةٌ بِأَلْوَانِها الْمَمْتَزِجَةِ، الْمَتَداخلَةِ، تَتَلاعَبُ بِها أَشِعَّةُ الشَّمْسِ ونَسَماتُ الأَثِيرِ فَتَتَبَدَّلُ كَقَوْسِ قُزَح. زادَها رَوْنَقاً أَشْجَارُ السَّرْوِ الدَّائمَةُ الْخُضْرَةِ الّتي نَبَتَتْ عَلى قِمَمِها، دَكْنَاءَ كَالْبُرْقُعِ يُخْفِي صُخُورَها.
وبِها شَلاَّلٌ يَشُدُّ الأَنْفاسَ، تَتَقَطَّعُ لَدَيْهِ الشَّهقاتُ افْتِتاناً بِرُؤْيَةِ لُجَيْنِهِ يَتَدَفَّقُ في صَخَبٍ، تُرافِقُهُ مُوسِيقا كحِسِّ الْبِدَرِ لَمَّا تُغَطِّي سَبائكُهُ سَفْحَ الْوَادِي السَّحِيق.
ومع ذلك فإنّ نَفْسِي تَسْتَدِيرُ مائلَةً عَنْ ذَلِكَ الرَّسْمِ الإلَهِيِّ الْكَامِلِ، لأَنَّ لَوْحاً تَذْكارِيّاً ضُرِبَ عالِياً عَلى صَدْرِ أَحَدِ الأَطْوَادِ الذَّاهِبَةِ أَوْتادُها عَمِيقاً في الأَرْضِ، الثَّابِتَةِ قِلاعُها أَكِيداً في خَرَّاطَةَ، قَدْ نُقِشَتْ عَلَيْهِ حُرُوفٌ مِنَ الصَّخْرِ: هُنَا سَقَطَ خَمْسَةٌ وأَرْبَعُونَ أَلْفاً مِنَ الشُّهَدَاءِ فِي الثَّامِنِ مْنِ مَايُو خَمْسَةٍ وأَرْبَعِينَ تِسْعِمِئَةٍ وأَلْفٍ (1945م).
تَنْظُرُ عَيْنايَ في شِعابِ الْمَكانِ وأَتَخَيَّلُ عِظَامَ الْمَوْتَى نَخِرَةً تَتَنَاثَرُ هُنَا وهُنَاكَ تَحْتَ الْغِشاوَةِ الرَّقِيقَةِ مِنَ الْعُشْبِ، وأَنَّهُ يَكْفِي نَبْشُها بِظُفْرِ السَّبَّابَةِ حَتَّى تَعُودَ إلى الظُّهُورِ مُنادِيَةً بِالْحَقِّ، مُطالِبَةً بِمُجازَاةِ سَفَّاحِينَ ما يَزَالُونَ يَسْعَوْنَ طُلَقاءَ، بَلْ وتُقَدَّمُ لَهُمُ الشَّعائرُ تَكْرِيماً لَتارِيخِهِمِ الْعامِرِ بِفِعالٍ غُمِرَتْ ولَمْ تُغْمَرْ، لأنَّ الإجْرامَ في حَقِّ الشُّعُوبِ دَلالاتُهُ تَتَفاوَتُ ولأَنَّ الْمَوْتَ بَيْنَ بَنِي آدَمَ فِيهِ تَفاضُل...يَبْدُو أَنَّهُ بَيْنَهُمْ خِلافٌ، لِبَعْضِهِمْ أَلِيمٌ ولِبَعْضِهِمِ الآخَرِ دَأَبٌ يُعادُ مُسَلْسَلُهُ بِاسْتِمْرار...
يَتَقَزَّزُ بَدَنِي وأَفِرُّ مِنَ الرُّؤْيَا باحِثَةً عَنْ شَيْءٍ آخَرَ يَسْتَهْوِي النَّظَرَ ويُغْرِي بِالْوُجُودِ...أَجَلْ، أَفِرُّ مِنَ الْحُرُوفِ الْمَنْقُوشَةِ في الصَّخْرِ إلى شَيْءٍ ما يُمْتِعُ الْبَصَرَ. كلاَّ ما أَهْرُبُ مِنْ رِيحِ الشُّهَداءِ بَيْنَ الْفِجاج، وهُمْ في مَحَلِّهِمْ ذلك منَ الْهَضابِ، في قِطْعَةٍ مِن الْفِرْدَوْس. لَكِنَّ الشُّهَداءَ في الْجَنَّةِ (أَحْياءٌ يُرْزَقُونَ)، وهُمْ في خَرَّاطَةَ، أَشْلاءٌ لَمْ تُسَقْ قُبُورَها فَدُسْتُ عَلَيْها. في الْجَنَّةِ شُهَدَاءُ يَنْعَمُونَ بِظِلِّ بارئِهِمْ لأَنَّهُمْ شَرَوْهُ أَنْفُسَهُمْ، وفي خَرَّاطَةَ مَدْفَنٌ كَأَنَّهُ الْقَلِيبُ لأَنَّ رائحَةَ الْمَواقِدِ تَحْرِقُ الْجُثَثَ، ما تَزَالُ تُسَمِّمُ الأَجْوَاءَ ولَوْ سَتَرَها عِطْرُ الصَّنَوْبَرِ ومُخْتَلِفِ الشَّجَر.
أَفِرُّ مِنَ اللَّوْحِ في الْحَجَرِ لأَنَّهُ تَذْكارٌ ثَقِيلٌ عَلى الْفَؤادِ والْخَاطِرِ. كلاَّ ما أَفِرُّ مِنْ ماضِيَّ لأنَّ "مَنْ لا ماضِيَ لَهُ، لا مُسْتَقْبَلَ لَهُ" كَمَا يَقُولُ الْمَثَلُ الصِّينِيُّ، والصِّينُ شَعْبٌ حَكِيمٌ مُنْذُ الأَزَل. إنَّما أَفِرُّ مِنْ ماضٍ لَمْ يَتِمَّ؛ مِنْ كِتَابٍ طُوِيَتْ دَفَّتاهُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَغَ مِنْ تَأْلِيفِهِ فَتَشَبَّثْتُ بِحاضِرِي لَمَّا تَشاءَمْتُ مِنْ مُسْتَقْبَلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ. تَشَبَّثْتُ بِحاضِرِي أُعانِدُ الأَيَّامَ الّتي تَتَدافَعُنِي، تَتَداسَرُنِي مِنْ خَلْف. أَخْشَى مِنَ الأَيَّامِ الّتي تَجْذِبُنِي، تُجَرْجِرُنِي مِنْ عَقائصِ شَعْرِي إلى مَجْهُولٍ لا أَسْتَسِيغُهُ لأَنَّنِي لا أَتَصَوَّرُهُ. كَيْفَ أَهْفُو إلى مُسْتَقْبَلٍ لَمْ يَتِمَّ تارِيخُهُ؟
أَتَشَبَّثُ بِحاضِرِي ولَوْ لِلَحْظَةٍ...ولَوْ رَغْماً عَنِّي...لأَنَّ في حَاضِرِي شَيْئاً يَمْحُو الْكَوَابِيسَ كَأَنَّهُ حُلْمٌ لَذِيذٌ مَعَ أَنَّهُ حَقِيقِيٌّ. في خَرَّاطَةَ وَاقِعٌ مَرٌّ وَوَاقِعٌ حُلْوٌ. في خَرَّاطَةَ مَاضٍ أَسْوَدُ أَحْمَرُ، وَحاضِرٌ بِكُلِّ الأَلْوَانِ مُزَرْكَشٌ جَمِيلٌ. وفي خَرَّاطَةَ أَشْياءُ لَمْ تُقَلْ فَتَرَكْتُها إلى ما لا يَسْتَحِقُّ التَّفْكِير لأنَّ تِلْكَ مَوْضَةَ الْعَصْر وأنا ابْنَةُ عَصْرِي مُتَفَتِّحَةٌ تَقَدُّمِيَّةٌ.
أَجْهَلُ ماهِيَةَ هَذا الشَّيْءَ ولَكِنِّي أَشْعُرُ بِهِ قَرِيباً، وَشِيكاً...يَحْدُونِي، يَخْفِرُنِي مِنْ كُلِّ ناحِيَةٍ...ما عَسَى أَنْ يَكُونَ هَذا السِّحْرُ الّذِي يَجْذِبُنِي إلى أَرْضِ خَرَّاطَةَ، ويَشُدُّنِي إلَيْها كَالْمِغْناطِيس؟ أَنْتَظِرُ في كُلِّ سانِحَةٍ أَنْ يَنْكَشِفَ بَيْنَ يَدَيَّ فَتَتِمَّ الْمُتْعَةُ.
هل حَدَسْتَ يا قارِئِي العَزِيزَ؟ لا أَظُنُّكَ قد فَعَلْتَ اللَّهُمَّ سِوَى إذا كُنْتَ قَدْ زُرْتَ بِلادَ خَرَّاطَةَ مِثْلِي، عِنْدئذٍ، فأنتَ السَّعِيدُ!
أَجَلْتُ النَّظَرَ حَوْلِي فإذا بِي غَيْرُ وَحِيدَةٍ أتَوَجَّسُ شَيْئاً ما!...السَّيَّاراتُ أَيْضاً قَدْ تَسَلْسَلَتْ خَلْفِي وعلى جانِبَيَّ في طَابُورٍ طَوِيلٍ شَكْلُها شَكْلُ مَنْ يَنْتَظِرُ الْجَمارِكَ...بل واتَّكَأَ بَعْضُ الرُّكَّابِ على بابِ سَيَّارَتِهِ أو حَطَّ قَدَماً على السُّورِ الْوَطِيءِ الْمُشْرِفِ على الْجُرْفِ يَتَفَرَّجُ على الْواجِهَةِ الْمُقابِلَةِ ويُدَقِّقُ النَّظَرَ بَيْنَ الصُّخورِ والأَشْجَارِ. أمَّا ذَلِكَ فَقَدْ آثَرَ الْمُكُوثَ داخِلَ سَيَّارَتِهِ، يَدَاهُ عَلى مِقْوَدِها، على أُهْبَةِ الانْطِلاقِ بِمُجَرَّدِ الإحْساسِ بِالْخَطَرِ. إلاَّ أَنَّ فُضُولَهُ مَنَعَ دُونَهُ ودُونَ إغْلاقِ الْبابِ فَوَضعَ رِجْلاً على الأَسْفَلْتِ يُصارِعُ نَفْساً تُرِيدُ الْوُلُوجَ.
فَجْأَةً! لَمَحْتُ الْوُجُوهَ تَنْبَسِطُ بِابْتِساماتٍ عَرِيضَةٍ، وسَمِعْتُ الصِّبْيَةَ يَضِجُّونَ بِضَحْكاتٍ فَرِحَةٍ ويَضْرِبُونَ أَيْدِيَهُمُ الصَّغِيرَةَ بِابْتِهاجٍ وانْفِعالٍ. فَأَدْرَكْتُ أَنَّ الّذي كُنْتُ أَتَوَقَّعُ حُدُوثَهُ قَدْ حَلَّ، ونَظَرْتُ إلى حَيْثُ تَنْظُرُ النَّاسُ، فَإذا بِعَشَراتِ الْقِرَدَةِ تَنْبَلِجُ إلَيْنا سافِرَةً مِنَ الْغاباتِ الْمُخْتَبِئَةِ وَراءَ الْهَضَباتِ، وشَيْئاً فَشَيْئاً، تَتَسَلَّقُ الْفِجاجَ عابِرَةً نَحْوَنا الأَسْوَارَ.
مِنْها الصَّغِيرَةُ جِدّاً بِشَكْلٍ مُضْحِكٍ، تُحَرِّكُ رَأْسَها بِسُرْعَةٍ نَحْوَ كُلِّ الْجِهاتِ ثُمَّ تُجْفِلُ مِنَّا بِخِفَّةٍ إلى أَعْماقِ الْكافِ. ومِنْها الْمُتَوَسِّطَةُ تَقِفُ عَنْ قُرْبٍ مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ الاِقْتِرابِ والاِبْتِعادِ، مُقَلِّبَةً الأَمْرَ عَلَى وُجُوهِهِ، ذاكِرَةً عِظاتِ حُكَمائها، مُسْتَعْرِضَةً تَقارِيرَهُمْ في عَلاقاتِها بِالأُدَماء...
نَدْعُوها بِإشاراتٍ مِنْ أَيْدِينا ولَكِنَّ أَعْيُنَها الْوَاسِعَةَ تَنْظُرُ إلَيْنَا في شُرُودٍ أَحْياناً، ومُحَدِّقَةً أُخْرَى، جاسَّةً نَبْضَنا، سابِرَةً نِيَّاتِنا أنَحْنُ أَهْل للثِّقَةِ أَمْ لَسْنا...هُناكَ عَلى بُعْدِ أَمْتارٍ، عَبَّأَتْ أُنْثَى صَغِيرَها على ظَهْرِها، تَقْطَعُ الطَّرِيقَ الْمُعَبَّدَ بِسُرْعَةٍ وتَتَسَلَّقُ الْجُرْفَ بِنَشاطٍ وَتَتَفَرَّجُ عَلَيْنا مِنْهُ بِأَمانٍ، مُلَقِّنَةً ابْنَها أَنَّ اللهَ قَدْ خَلَقَ أَجْناساً أُخْرَى غَيْرَها، تَتَشَاطَرُها رِحابَ الأرْض، تُدِيرُ عَلاقاتِهم بِها قَوَانِينُ جِيرَةٍ ومع ذَلِكَ فَيَنْبَغِي الاِحْتِياطُ لِها لأَنَّ "مَنْ خافَ سَلِمَ"!
ولأَوَّلِ مَرَّةٍ، بَدَوْنا نَحْنُ الْحَيَوَانَاتِ في حَدِيقَةٍ مَحْبُوسِينَ، والْقِرَدَةُ هُمُ السَّوَّاحُ يَتَفَرَّجُونَ عَلَيْنا: بَعْضُهُمْ اسْتِجْماماً وبَعْضُهُمْ اهْتِماماً.
لِلْقِرَدَةِ الْكَبِيرَةِ قاماتُ الرِّجَالِ. وَقَفَتْ إزاءَ سَيَّاراتِنا لا تَخْشَى شَيْئاً، بَلِ الْتَصَقَتْ بِها، شَأْنُها شَأْنُ مَوَظَّفِي الْجَمَارِكِ، تَنْظُرُ إلَيْنا بِاعْتَدادٍ ثُمَّ تَمُدُّ إلَيْنا أَيْدِيَها طَالِبَةً مِنَّا الْمُكُوسَ ومَراسِيمَ الْعُبُورِ...
إنَّ أَحَداً لا يَمُرُّ مِنْ مُنْعَرَجاتِ خَرَّاطَةَ إلاَّ ودَفَعَ الْجِزْيَةَ لِجَمَارِكِ الْقِرَدِةِ. ثُمَّ إنَّ أَحداً لا يُفَكِّرُ في التَّوَجُّهِ إلى كِيفانِها ولوْ عابِرَ سَبِيلٍ إلاَّ وتَحَصَّنَ بِزَادٍ فِيهِ سَهْمٌ وَافِرٌ لِحِيَواناتِ الْجِبالِ.
في الْوَاقِعِ، جَمَارِكُ خَرَّاطَةَ لَيْسَتْ بِالصَّعْبَةِ الْمَدَلَّلَةِ. وإنَّها لَتَأْكُلُ أَيَّ شَيْءٍ وأَيُّ شَيْءٍ يُرْضِيها. كأنَّ شَعْبَ الْقِرَدَةِ يَسِيرُ على قَوْلِنَا الْمَأْثُورِ : "الْحَجَرَةُ مِنْ يَدِ الْحَبِيبِ تُفَّاحَةٌ"! ومَعَ ذَلِكَ، فَإنِّي أَشُكُّ أَنْ تَقْبَلَ تِلْكَ الْقِرَدَةُ الْعَظِيمَةُ حَجَرَةً ضَرِيبَةَ عُبُورٍ. بل أتَوَقَّعُها مَنْتَقِمَةً للإهانَةِ بِأَنْ تَقِذِفَهُ إلى رأْسِ مُمازِحِها فَتَشُجَّهُ. أَلَيْسَ قَوْمُ الْقِرَدَةِ أَهْلَ حُنْقٍ وثَأْر؟...
على كُلِّ حالٍ، إنَّ الْجَمَارِكَ هؤلاء مِنْ صِنْفٍ خاصٍّ!...فإنْ كانَتِ الدَّوَاوِينُ في كُلِّ الْبِلادِ تَعْرِضُ مَنْظَراً مُؤْسِفاً مُنَفِّراً قََرِفاً فإنَّ جَمَارِكَ الْقِرَدَةِ تَسْلِيَةٌ لِنَاظِرِيها.
ومِنَ الْعِبادِ مَنْ يَذْهَبُ إلى خَرَّاطَةَ، دافِعاً الْجِزْيَةَ والْخَرَاجَ، إلاَّ بِدَاسِرِ التَّفَرُّجِ عَلى تِلْكَ الأَقَلِّيَّةِ مِنَ الْمُوَاطِنِينَ في جُمُهُورِيَّتِهِمِ الْمُسْتَقِلَّةِ.
لا ضَيْرَ إنِ اشْتَرَطَ الْقِرَدَةُ مَكْساً لِلْعُبُورِ!...ألَيْسَ مِنْ حَقِّ تِلْكَ الْحَيَوَانَاتِ الْمُسالِمَةِ الْغَذاءُ؟ ثمَّ إنَّ عَوْلَها بَسِيطٌ رَخِيصٌ يُحِبُّ الأَطْفالُ أَنْ يُقَدِّمُوهُ لَها على شَكْلِ تُفَّاحٍ ومَوْزٍ وفُسْتُقِ عَبِيدٍ وخُبْزٍ وحَلْوَى وكُلِّ ما هُوَ لَذِيذٌ وتَبْقَى نَكْهَتُهُ مُطَوَّلاً تَحْتَ اللِّسانِ، وعلى طُولِ الْحَنْجَرَةِ إلى الْبُلْعُومِ.
والْحَقُّ أَنَّ الْقِرَدَةَ أًَهْلُ فَضْلٍ وصِدْقٍ ويُوفُونَ بِالْعَهْدِ، كَمَا أَنَّهُمْ يَقْنَعُونَ بِالْقَلِيلِ. فَبِمُجَرَّدِ ما تُدْفَعُ لَهُمْ مَراسِيمُ الْمُرُورِ، مَهْماً ضَؤُلَتْ، حَتَّى يَسْمَحُوا لِلسَّيّارَةِ بِالاِنْطِلاقِ ويَفْسَحُوا لَهَا السَّبِيلَ. وأَمَّا وإنْ عانَدَ صاحِبُها ورَفَضَ الدَّفْعَ، فَإنَّهُ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ثَلاثاً لا مَرَّ ثُمَّ الْوَيْلُ لَهُ!...
لنْ تُسِيءَ إلَيْهِ الْقِرَدَةُ بِشَيْءٍ، ولنْ تُعَنِّفَ شَخْصَهُ الْكَرِيمَ، ولَكِنَّها لَنْ تُفْرَجَ لَهُ السَّبِيلَ، ولَتْمِضِي واضِعَةً كَفَّيْها على مُقَدَّمَةِ سَيَّارَتِهِ تَنْظُرُ إلَيْهِ شَزِرَةً صابِرَةً إلى أَنْ يَدْفَعَ ما عَلَيْهِ. مِثْلُهُ مِثْلُ كُلِّ النَّاسِ. لا غَمْزَ ولا تَلْمِيحَ في دِيوانِ خَرَّاطَةَ... لا عادِيَ ولا مَعْدُوَّ إيْ بِالله!
مُنْذُ مَتَى سَكَنَتْ تِلْكَ الْقِرَدَةُ الظَّرِيفَةُ جِبالَ خَرَّاطَةَ؟ لا أَحَدَ يَعْرِفُ. ورُبَّما سَكَنَتْها مُنْذُ الأَزَلِ، مُنْذُ أَنْ عَرَفَتْ هَذِهِ الْبُقْعَةُ مِنَ الأَرْضِ الْحَياةَ، مُنْذُ أَنْ دَبَّتْ فِيها خَلايا الْكائنِ الْحَيِّ. وبَيْنِي وبَيْنَكُمْ، لا أَدْرِي مَنِ الأَسْبَقُ إلى الظُّهُورِ عَلى هَتِهِ الأَرْضِ أَهُو الْقِرْدُ أَمِ الإنْسانُ؟!...
إنَّا في خَرَّاطَةَ لا نَتَساءَلُ عَمَّنْ أَنْسَلَ الآخَرَ فإنَّ ذَلِكَ سُؤالاً لا يَسُوغُنا تَصَوُّرُهُ. أَيُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَنَا وبَيْنَ شَعْبِ الْقِرَدَةِ صِلَةُ رَحِمٍ؟!...يا لَلْمَهْزَلَةِ! دَعُونِي أَضْحَكْ بَعْضَ ضَحْكٍ ثُمَّ أُوَاصِلِ الْحَدِيثَ مَعَكُمْ. أَوَ يَزْعُمُ بَعْضُهُمْ أنَّ الإنْسانَ نَزَلَ مِنَ الْقِرْدِ فَتَكُونَ إحْدَى تِلْكَ الْحَيَوَاناتِ الْمُضْحِكَةِ الّتي أُحِبُّ الْتِقاطَ الصُّوَرِ مَعَها في مَخانِقِ الْهِضابِ وأُداعِبَها مُتَبَسِّطَةً، جَدَّتِي وعَمَّتِي؟!...إلى ذَلِكَ الْحَدِّ لَمْ تَبْلُغْ مَوَدَّتُنا فَنَحْنُ قَوْمٌ نُحْسِنُ الْمُعاشَرَةَ ونُقَدِّرُ الْجِوَارَ، على أَنَّ كُلاًّ مِنّا يَنْفَرِدُ بِقَبِيلَتِهِ الّتي لا يَجُوزُ لَها الاِخْتِلاطُ أَبَداً بِأَفْرادِ غَيْرِها. وإنَّهُ لَمَثْلَبَةٌ وعارٌ أنْ يُزْعَمَ حَتَّى مُجْرَّدُ زَعْمٍ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ قَوْمَيْنا أَدْنَى نَسَبٍ أَوْ قَطْرَةُ دَمٍ.
كلاَّ وأَبدا! إنَّا في خَرَّاطَةَ لا نَتَساءَلُ عَمَّنْ أَنْسَلَ الآخَرَ وإنَّا قَدْ خَلَّيْنا ذَلِكَ لأَصْحَابِ الْفَلْسَفاتِ والسُّفَسْطَائِيَّاتِ ولْيَتَخَبَّطُوا فِي مَجَاسِّ الاُخْطُبُوطِ الّذي افْتَعَلُوا.
لَكِنَّ الْقِرَدَةَ ولا شَكَّ بَقايَا مِنْ الأَدْغالِ الإفْرِيقِيَّةِ الّتي كانَتْ تَعُمُّ كُلَّ الْقارَّةِ إلى زَمَنٍ قَرِيبٍ قَبْلَ أَنْ تَنْحَسِرَ وتَنْكَمِشَ. أَمَا قُتِلَ الأَسَدُ الأَخِيرُ على أَرْضِ الْجَزَائِرِ في الثَّلاثِينِيَّاتِ على يَدِ مُعَمِّرٍ فِرَنْسِيٍّ؟ وجَدَّتِي ما تَزَالُ تَذْكُرُ أَنَّ سِباعاً كانَتْ تَحُومُ في قَرْيَتِها مِنْ بِلادِ الْقَبائلِ في الْهِضابِ الْعُلْيا، وأَنَّ الْفَلاَّحِينَ كانُوا يَخْشَوْنَها بِاللَّيْلِ ولَهُمْ عَنْها حِكَايَات.
ورُبَّما أَيْضاً وُجِدَ ذَلِكَ الشَّعْبُ الْمُسالِمُ بِهَتِهِ الْبِقاعِ مِنْ غابِرِ الْخَلِيقَةِ فَحَضَرَ الْحُرُوبَ الّتي كانَتْ بَيْنَ فُرُوعِ الْجِنِّ الْكافِرَةِ وإبْلِيسَ؟... ولَعَلَّها أَيْضاً خُلِقَتْ هُنَا مَعَ غَيْرِها مِنَ الْحَيَوَاناتِ لِتِتَفَرَّجَ عَلى سَيِّدِنا آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلامُ- وزَوْجِهِ يُكَوِّنانِ أَنْفُسَهُما ويَبْنِيانِ حَضارَتَهُمَا ويَرْتَقِيَانِ سُلَّمَ التَّطَوُّرِ فَمَيَّزَتْ كَيْفَ يَعْلُو ذَوُو الْعَقْلِ دَرَجاتٍ بَعْدَ أَنْ هَبَطُوا مِنَ الْجَنَّةِ وكَيْفَ اسْتَحَقُّوا الْخِلافَةَ وكَيْفَ غَمَتُوا، بَعْدَ ذَلِكَ، الأَمانَةَ فانْحَدَرُوا إلى أَسْفَلِ الْحَضِيضِ.
عَلى كُلٍّ، مَهْماً تَكُنِ النَّظَرِيَّاتُ، فإنَّ لِقِرَدِةِ خرَّاطَةَ تارِيخاً أَيضاً يَتَوَاتَرُهُ النَّاسُ؛ فَهَلْ يَتَوَاتَرُهُ الْقِرَدَةُ أَيْضاً عَنْ أَجْدَادِهِمْ؟ اللهُ أَعْلَمُ!...تِلْكَ نُقْطَةُ الْتِقاءٍ وتَقاطُعٍ أُخْرَى بَيْنَ الْقِرَدَةِ والإنْسانِ في خَرَّاطَةَ، نُقْطَةُ التَّسْجِيلِ والتَّدْوِينِ والرِّوَايَةِ، نُقْطَةُ الْفِكْرِ والتَّارِيخِ لَمْ نَنْحَنِ عَلَيْها كُلِّيَّةً بَعْدُ؛ فَقُدَّامَنَا أَنْ نَنْحَنِيَ على تَارِيخِنا وفِكْرِنا نَحْنُ قَبْلاً؛ ولَمَّا تَحَقَّقَ بِالاِسْتِقْراءِ أَنَّ الإنْسانَ وَحْدَهُ قادِرٌ عَلى حِفْظِ كَلامِ الأَجْدَادِ، تَأَكَّدَتْ مَرَّةً أُخْرَى إمْرَتُهُ وأَوْلَوِيَّتُهُ بِالْخِلافَةِ.
إلاَّ أَنَّهُ يُحْكَى عنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ، عنِ الْوَقْتِ الّذي لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ فِيهِ الْجَزَائرِيُّونَ السَّيَّاراتِ، الْوَقْتِ الّذي كانُوا يُسافِرُونَ فِيهِ على الدَّوَابِّ والْهَائشاتِ ويَقْطَعُونَ الأَمْيالَ على الأَقْدَامِ، أنَّ رَجُلاً بائعَ شاشِيَّاتٍ كانَ يَمْشي مُنْفَرِداً، قافِلاً مِنْ بِلادِ الْقَبائلِ صَوْبَ بَعْضِ الْبَلْدَاتِ يُصَرِّفْ سِلْعَتَهُ. ثُمَّ إنَّهُ بَلَغَ كِيفانَ خَرَّاطَةَ فَجَلَسَ عَلى رَصِيفِ الدَّرْبِ يَسْتَعْفِ بَعْضَ اسْتِعْفاءٍ. وَوَضَعَ شاشِياتِهِ جانِباً فَاسْتَلْقَى غَيْرَ بَعِيدٍ، بَيْنَ ذِراعَيْ النَّوْمِ. فَجْأَةً، هاهِيَ ذِي الْقِرَدَةُ تَسْطُو عَلى بِضاعَتِهِ الْمِسْكِينِ وتَخْتَطِفُ مِنْهُ الْشَّاشِياتِ فَتَهْرُبُ بِها إلى شِعافِ الأَشْجارِ كَالْبَرْقِ.
حَمْلَقَ فِيها الْبائعُ فَزِعاً وحاوَلَ بِكُلِّ ما تَيَسَّرَ لَهُ مِنَ الطُّرُقِ اسْتِرْدادَ مالِهِ فَما وُفِّقَ فَحارَ في أَمْرِهِ وطالَ تَخْمِينُهُ. كَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يَتَخَلَّى عَنْ رَأْسِ مالِهِ مَهْماً زَهِدَ ثُمَّ إنَّ الْفِرارَ قُدَّامَ قَبِيلَةِ قُطَّاعِ الطُّرُقِ هُؤُلاءِ - مَهْماً كَثُرَ عَدَدُهُمْ وانْفَرَدَ هُوَ بِشَخْصِهِ الأَعْزَلِ- هُوَ بِالآخِرِ جُبْنٌ وعارٌ عَلى فَصِيلَةِ بَنِي الإنْسانِ طُرّاً...أَوَ يُمِدُّ القِرَدَةَ فُرْصَةَ السُّخْرِيَةِ على أَجْيالٍ مِنْ بَنِي جِنْسِهِ، بِطُرافَةٍ يَرْوِيها كِبارُهُمْ على صِغارِهِمْ؟...يا للَعارِ! يا لَعَيْبٍ يَطْلِيهِ شارِبَيْهِ فما يَتَبَقَّى لَهُ سِوى حَلْقِهِما ورُبَّما اللِّحْيَةِ أَيْضاً!!...
لَقَدْ أَنْفَقَ الْمِسْكِينُ كُلَّ مالِهِ فِيما سَلَبَهُ أُولئكَ السُّرَّاقُ وإنَّ فِعْلَةَ الْقِرَدَةِ مَعَهُ خَسارَةٌ سَتُثْقِلُ جَيْبَهُ على امْتِدادِ السَّنَةِ. ونَظَرَ الْمَغْبُونُ إلى ساكِنِي الشَّجَرِ يَتَوَسَّلُ فَأَلْفاها قَدْ تَقَلْنَسَتْ شاشِياتِهِ فَبَدا شَكْلُها إلى مَوْقِفِهِ أَكْثَرَ بَلادَةً مِنَ الْمَعْقُولِ.
ومَعَ ذَلِكَ، فإنَّ هَيْئَتَها الْمُضْحِكَةَ أَوْحَتْ لِلرَّجُلِ بِالْخَلاصِ وفَتَحَتْ لَهُ بابَ الْفَرَجِ بحِيلَةٍ عَنَّتْ لَهُ فَجْأَةً كَالْمِصْباحٍ يُنِيرُ دِهْلِيزاً مُظْلِماً. نزَعَ التَّاجِرُ شاشِيَتَهُ مِنْ عَلى رأْسِهِ وبَصَقَ عَلَيْها ثمَّ رَماها أرْضاً بِاشْمِئْزَازٍ. وكَمَا تَوَقَّعْتُمْ طَبْعاً، خَلَعَتْ جَمِيعُ القِرَدَةِ قُلَنْسُوَاتِها عَنْ رؤوسِها المُحْتَرَمَةِ وبَصَقَتْ عَلَيْها قَبْلَ أَنْ تَرْمِيَها بِنُفُورٍ. فَهَرْوَلَ التَّاجِرُ إلَيْها يَتَصَبَّبُ عَرَقاً ثُمَّ جَمَعَ تَلابِيبَهُ وفَرَّ مِنْ تِلْكَ الْبُقْعَةِ الْمَشْؤُومَةِ لا يَلْوِي على شَيْءٍ.
إنَّ تِلْكَ الْقَبِيلَةَ مِنَ الْقِرَدَةِ كانتْ ولا شَكَّ مُتَخَلِّفَةً ما تَزَالُ تَعِيشُ في عَهْدِ السَّبْيِ والْغَزْوِ. أَمَّا أَحْفادُها مِنْ قِرَدَتِنا الّذينَ سُعِدْنا بِالتَّعَرُّفِ إلَيْهِمْ، فإنَّهُمْ قَوْمٌ مُتَقَدِّمُونَ مُتَحَضِّرُونَ، عَرَفُوا أَنَّ خَيْرَ الْوَسائلِ لِلْغُنْمِ لَيْسَ بِالسَّطْوِ على الْمَارَّةِ، فَسَلْبِهِمْ قَبْلَ الْفِرارِ إلى أَعْلَى الْقِمَمِ، ولَكِنْ بِضَرْبِ الضَّرائبِ على الْمُسافِرِينَ والرُّسُومِ على الْمارَّةِ فَالْوُقُوفِ لَهُمْ وَسْطَ الطُّرُقاتِ يَمْنَعُونَ الْعُبُورَ. تَماماً كَمَا تَفْعَلُ هَذِهِ الْبُلْدانُ الرَّاقِيَةُ الّتي بَلَغْنا، تَخْتَلِسُ منَ النّاسِ قَانُونِيَّاً ثَمَنَ الْمُرُورِ مِنْ طَرِيقِ اللهِ، ثُمَّ تَعُودُ الْقِرَدَةُ إلى مَلاجِئِها وأَوْكارِها، وقَدْ تَمَيَّزَتْ بِمِيزَةِ الْحَضارَةِ الّتي عَلَّمَها إيَّاها بَنُو الإنْسان!
مَنْظَرُ تِلْكَ الْحَيَواناتِ اللَّطِيفَةِ زَجَّ بِي في لُجَّةٍ مِنَ التَّفْكِيرِ ما أَدْرَكْتُ لَها مَغْزًى...كَمْ مُدَّةً دامَ هَوَسِي؟...لا يُهِمُّ...إنَّما الّذي اسْتَخْلَصْتُهُ مِنْ تَخْرِيفِي بَيْنَ وِهادِ خَرَّاطَةَ، أَنَّ بَيْنَ الْقِرَدَةِ والإنْسانِ فَرْقاً جَوْهَرِيّاً فَحْوَاهُ أَنَّ الْقِرَدَةَ تَعْتاشُ بِما تَأْخُذُهُ مِنَ الْمَارَّةِ، وأَمَّا الإنْسانُ فاللهُ وَحْدَهُ يَعْلَمُ ما يَفْعَلُهُ بِالأَمْوَالِ الّتي يَجْمَعُها في مُخْتَلِفِ الْمُناسَباتِ. لَعَلَّهُ يَشْتَرِيها أَسْلِحَةً ثُمَّ يُثِيرُ بِها الْحُرُوبَ؟!
(وإذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائكَةِ إنِّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّمَاءَ ونَحْنُ نُسَبِّحُ لَكَ ونُقَدِّسُ لَكَ قالَ إنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ.)
إلاَّ أنَّ جمالَ سَدِّها عَرَضِيٌّ فانٍ لأنَّهُ أَشَدُّ ما يَبْزُغُ في وَقْتِ الأَصِيل؛ عِنْدَما تَنْتَشِرُ حُمْرَةُ الْغُرُوبِ على خُضْرَةِ الْمِياهِ فَتَنْكَشِفَ على سَطْحِهِ بُقَعٌ فاتِرَةُ اللَّوْنِ وأَخْرَى أَغْمَقُ مُشَلْشَلَةٌ كُلُّها بِالذَّهَب.
ولا أُخْفِي عَلَيْكِمُ أنَّ مِياهَ السَّدِّ، مَهْماً تَبْهَرُنِي وتَشُدُّنِي. إلاَّ أنَّها، في الْحِينِ ذاتِهِ، تُخِيفُنِي، تُرْعِبُنِي لأَنَّها بِالآخِرِ دَوَّامَةٌ قَوِيَّةٌ تَحْمِلُ الْمَوْتَ في كُلِّ شِبْرٍ مِنْ أَجْزَائِها؛ مَوْتٌ بِدُونِ قَبْرٍ، أنا الّتي أُوثِرُهُ عَلى الأَرْضِ، في فِراشِي، كَأَجْبَنِ النَّاس!
جِبالُها أَيْضاً آيَةٌ في الْحُسْنِ، فَذَّةٌ، أَخَّاذَةٌ، رائعَةٌ بِأَلْوَانِها الْمَمْتَزِجَةِ، الْمَتَداخلَةِ، تَتَلاعَبُ بِها أَشِعَّةُ الشَّمْسِ ونَسَماتُ الأَثِيرِ فَتَتَبَدَّلُ كَقَوْسِ قُزَح. زادَها رَوْنَقاً أَشْجَارُ السَّرْوِ الدَّائمَةُ الْخُضْرَةِ الّتي نَبَتَتْ عَلى قِمَمِها، دَكْنَاءَ كَالْبُرْقُعِ يُخْفِي صُخُورَها.
وبِها شَلاَّلٌ يَشُدُّ الأَنْفاسَ، تَتَقَطَّعُ لَدَيْهِ الشَّهقاتُ افْتِتاناً بِرُؤْيَةِ لُجَيْنِهِ يَتَدَفَّقُ في صَخَبٍ، تُرافِقُهُ مُوسِيقا كحِسِّ الْبِدَرِ لَمَّا تُغَطِّي سَبائكُهُ سَفْحَ الْوَادِي السَّحِيق.
ومع ذلك فإنّ نَفْسِي تَسْتَدِيرُ مائلَةً عَنْ ذَلِكَ الرَّسْمِ الإلَهِيِّ الْكَامِلِ، لأَنَّ لَوْحاً تَذْكارِيّاً ضُرِبَ عالِياً عَلى صَدْرِ أَحَدِ الأَطْوَادِ الذَّاهِبَةِ أَوْتادُها عَمِيقاً في الأَرْضِ، الثَّابِتَةِ قِلاعُها أَكِيداً في خَرَّاطَةَ، قَدْ نُقِشَتْ عَلَيْهِ حُرُوفٌ مِنَ الصَّخْرِ: هُنَا سَقَطَ خَمْسَةٌ وأَرْبَعُونَ أَلْفاً مِنَ الشُّهَدَاءِ فِي الثَّامِنِ مْنِ مَايُو خَمْسَةٍ وأَرْبَعِينَ تِسْعِمِئَةٍ وأَلْفٍ (1945م).
تَنْظُرُ عَيْنايَ في شِعابِ الْمَكانِ وأَتَخَيَّلُ عِظَامَ الْمَوْتَى نَخِرَةً تَتَنَاثَرُ هُنَا وهُنَاكَ تَحْتَ الْغِشاوَةِ الرَّقِيقَةِ مِنَ الْعُشْبِ، وأَنَّهُ يَكْفِي نَبْشُها بِظُفْرِ السَّبَّابَةِ حَتَّى تَعُودَ إلى الظُّهُورِ مُنادِيَةً بِالْحَقِّ، مُطالِبَةً بِمُجازَاةِ سَفَّاحِينَ ما يَزَالُونَ يَسْعَوْنَ طُلَقاءَ، بَلْ وتُقَدَّمُ لَهُمُ الشَّعائرُ تَكْرِيماً لَتارِيخِهِمِ الْعامِرِ بِفِعالٍ غُمِرَتْ ولَمْ تُغْمَرْ، لأنَّ الإجْرامَ في حَقِّ الشُّعُوبِ دَلالاتُهُ تَتَفاوَتُ ولأَنَّ الْمَوْتَ بَيْنَ بَنِي آدَمَ فِيهِ تَفاضُل...يَبْدُو أَنَّهُ بَيْنَهُمْ خِلافٌ، لِبَعْضِهِمْ أَلِيمٌ ولِبَعْضِهِمِ الآخَرِ دَأَبٌ يُعادُ مُسَلْسَلُهُ بِاسْتِمْرار...
يَتَقَزَّزُ بَدَنِي وأَفِرُّ مِنَ الرُّؤْيَا باحِثَةً عَنْ شَيْءٍ آخَرَ يَسْتَهْوِي النَّظَرَ ويُغْرِي بِالْوُجُودِ...أَجَلْ، أَفِرُّ مِنَ الْحُرُوفِ الْمَنْقُوشَةِ في الصَّخْرِ إلى شَيْءٍ ما يُمْتِعُ الْبَصَرَ. كلاَّ ما أَهْرُبُ مِنْ رِيحِ الشُّهَداءِ بَيْنَ الْفِجاج، وهُمْ في مَحَلِّهِمْ ذلك منَ الْهَضابِ، في قِطْعَةٍ مِن الْفِرْدَوْس. لَكِنَّ الشُّهَداءَ في الْجَنَّةِ (أَحْياءٌ يُرْزَقُونَ)، وهُمْ في خَرَّاطَةَ، أَشْلاءٌ لَمْ تُسَقْ قُبُورَها فَدُسْتُ عَلَيْها. في الْجَنَّةِ شُهَدَاءُ يَنْعَمُونَ بِظِلِّ بارئِهِمْ لأَنَّهُمْ شَرَوْهُ أَنْفُسَهُمْ، وفي خَرَّاطَةَ مَدْفَنٌ كَأَنَّهُ الْقَلِيبُ لأَنَّ رائحَةَ الْمَواقِدِ تَحْرِقُ الْجُثَثَ، ما تَزَالُ تُسَمِّمُ الأَجْوَاءَ ولَوْ سَتَرَها عِطْرُ الصَّنَوْبَرِ ومُخْتَلِفِ الشَّجَر.
أَفِرُّ مِنَ اللَّوْحِ في الْحَجَرِ لأَنَّهُ تَذْكارٌ ثَقِيلٌ عَلى الْفَؤادِ والْخَاطِرِ. كلاَّ ما أَفِرُّ مِنْ ماضِيَّ لأنَّ "مَنْ لا ماضِيَ لَهُ، لا مُسْتَقْبَلَ لَهُ" كَمَا يَقُولُ الْمَثَلُ الصِّينِيُّ، والصِّينُ شَعْبٌ حَكِيمٌ مُنْذُ الأَزَل. إنَّما أَفِرُّ مِنْ ماضٍ لَمْ يَتِمَّ؛ مِنْ كِتَابٍ طُوِيَتْ دَفَّتاهُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَغَ مِنْ تَأْلِيفِهِ فَتَشَبَّثْتُ بِحاضِرِي لَمَّا تَشاءَمْتُ مِنْ مُسْتَقْبَلٍ غَيْرِ مَضْمُونٍ. تَشَبَّثْتُ بِحاضِرِي أُعانِدُ الأَيَّامَ الّتي تَتَدافَعُنِي، تَتَداسَرُنِي مِنْ خَلْف. أَخْشَى مِنَ الأَيَّامِ الّتي تَجْذِبُنِي، تُجَرْجِرُنِي مِنْ عَقائصِ شَعْرِي إلى مَجْهُولٍ لا أَسْتَسِيغُهُ لأَنَّنِي لا أَتَصَوَّرُهُ. كَيْفَ أَهْفُو إلى مُسْتَقْبَلٍ لَمْ يَتِمَّ تارِيخُهُ؟
أَتَشَبَّثُ بِحاضِرِي ولَوْ لِلَحْظَةٍ...ولَوْ رَغْماً عَنِّي...لأَنَّ في حَاضِرِي شَيْئاً يَمْحُو الْكَوَابِيسَ كَأَنَّهُ حُلْمٌ لَذِيذٌ مَعَ أَنَّهُ حَقِيقِيٌّ. في خَرَّاطَةَ وَاقِعٌ مَرٌّ وَوَاقِعٌ حُلْوٌ. في خَرَّاطَةَ مَاضٍ أَسْوَدُ أَحْمَرُ، وَحاضِرٌ بِكُلِّ الأَلْوَانِ مُزَرْكَشٌ جَمِيلٌ. وفي خَرَّاطَةَ أَشْياءُ لَمْ تُقَلْ فَتَرَكْتُها إلى ما لا يَسْتَحِقُّ التَّفْكِير لأنَّ تِلْكَ مَوْضَةَ الْعَصْر وأنا ابْنَةُ عَصْرِي مُتَفَتِّحَةٌ تَقَدُّمِيَّةٌ.
أَجْهَلُ ماهِيَةَ هَذا الشَّيْءَ ولَكِنِّي أَشْعُرُ بِهِ قَرِيباً، وَشِيكاً...يَحْدُونِي، يَخْفِرُنِي مِنْ كُلِّ ناحِيَةٍ...ما عَسَى أَنْ يَكُونَ هَذا السِّحْرُ الّذِي يَجْذِبُنِي إلى أَرْضِ خَرَّاطَةَ، ويَشُدُّنِي إلَيْها كَالْمِغْناطِيس؟ أَنْتَظِرُ في كُلِّ سانِحَةٍ أَنْ يَنْكَشِفَ بَيْنَ يَدَيَّ فَتَتِمَّ الْمُتْعَةُ.
هل حَدَسْتَ يا قارِئِي العَزِيزَ؟ لا أَظُنُّكَ قد فَعَلْتَ اللَّهُمَّ سِوَى إذا كُنْتَ قَدْ زُرْتَ بِلادَ خَرَّاطَةَ مِثْلِي، عِنْدئذٍ، فأنتَ السَّعِيدُ!
أَجَلْتُ النَّظَرَ حَوْلِي فإذا بِي غَيْرُ وَحِيدَةٍ أتَوَجَّسُ شَيْئاً ما!...السَّيَّاراتُ أَيْضاً قَدْ تَسَلْسَلَتْ خَلْفِي وعلى جانِبَيَّ في طَابُورٍ طَوِيلٍ شَكْلُها شَكْلُ مَنْ يَنْتَظِرُ الْجَمارِكَ...بل واتَّكَأَ بَعْضُ الرُّكَّابِ على بابِ سَيَّارَتِهِ أو حَطَّ قَدَماً على السُّورِ الْوَطِيءِ الْمُشْرِفِ على الْجُرْفِ يَتَفَرَّجُ على الْواجِهَةِ الْمُقابِلَةِ ويُدَقِّقُ النَّظَرَ بَيْنَ الصُّخورِ والأَشْجَارِ. أمَّا ذَلِكَ فَقَدْ آثَرَ الْمُكُوثَ داخِلَ سَيَّارَتِهِ، يَدَاهُ عَلى مِقْوَدِها، على أُهْبَةِ الانْطِلاقِ بِمُجَرَّدِ الإحْساسِ بِالْخَطَرِ. إلاَّ أَنَّ فُضُولَهُ مَنَعَ دُونَهُ ودُونَ إغْلاقِ الْبابِ فَوَضعَ رِجْلاً على الأَسْفَلْتِ يُصارِعُ نَفْساً تُرِيدُ الْوُلُوجَ.
فَجْأَةً! لَمَحْتُ الْوُجُوهَ تَنْبَسِطُ بِابْتِساماتٍ عَرِيضَةٍ، وسَمِعْتُ الصِّبْيَةَ يَضِجُّونَ بِضَحْكاتٍ فَرِحَةٍ ويَضْرِبُونَ أَيْدِيَهُمُ الصَّغِيرَةَ بِابْتِهاجٍ وانْفِعالٍ. فَأَدْرَكْتُ أَنَّ الّذي كُنْتُ أَتَوَقَّعُ حُدُوثَهُ قَدْ حَلَّ، ونَظَرْتُ إلى حَيْثُ تَنْظُرُ النَّاسُ، فَإذا بِعَشَراتِ الْقِرَدَةِ تَنْبَلِجُ إلَيْنا سافِرَةً مِنَ الْغاباتِ الْمُخْتَبِئَةِ وَراءَ الْهَضَباتِ، وشَيْئاً فَشَيْئاً، تَتَسَلَّقُ الْفِجاجَ عابِرَةً نَحْوَنا الأَسْوَارَ.
مِنْها الصَّغِيرَةُ جِدّاً بِشَكْلٍ مُضْحِكٍ، تُحَرِّكُ رَأْسَها بِسُرْعَةٍ نَحْوَ كُلِّ الْجِهاتِ ثُمَّ تُجْفِلُ مِنَّا بِخِفَّةٍ إلى أَعْماقِ الْكافِ. ومِنْها الْمُتَوَسِّطَةُ تَقِفُ عَنْ قُرْبٍ مُتَرَدِّدَةً بَيْنَ الاِقْتِرابِ والاِبْتِعادِ، مُقَلِّبَةً الأَمْرَ عَلَى وُجُوهِهِ، ذاكِرَةً عِظاتِ حُكَمائها، مُسْتَعْرِضَةً تَقارِيرَهُمْ في عَلاقاتِها بِالأُدَماء...
نَدْعُوها بِإشاراتٍ مِنْ أَيْدِينا ولَكِنَّ أَعْيُنَها الْوَاسِعَةَ تَنْظُرُ إلَيْنَا في شُرُودٍ أَحْياناً، ومُحَدِّقَةً أُخْرَى، جاسَّةً نَبْضَنا، سابِرَةً نِيَّاتِنا أنَحْنُ أَهْل للثِّقَةِ أَمْ لَسْنا...هُناكَ عَلى بُعْدِ أَمْتارٍ، عَبَّأَتْ أُنْثَى صَغِيرَها على ظَهْرِها، تَقْطَعُ الطَّرِيقَ الْمُعَبَّدَ بِسُرْعَةٍ وتَتَسَلَّقُ الْجُرْفَ بِنَشاطٍ وَتَتَفَرَّجُ عَلَيْنا مِنْهُ بِأَمانٍ، مُلَقِّنَةً ابْنَها أَنَّ اللهَ قَدْ خَلَقَ أَجْناساً أُخْرَى غَيْرَها، تَتَشَاطَرُها رِحابَ الأرْض، تُدِيرُ عَلاقاتِهم بِها قَوَانِينُ جِيرَةٍ ومع ذَلِكَ فَيَنْبَغِي الاِحْتِياطُ لِها لأَنَّ "مَنْ خافَ سَلِمَ"!
ولأَوَّلِ مَرَّةٍ، بَدَوْنا نَحْنُ الْحَيَوَانَاتِ في حَدِيقَةٍ مَحْبُوسِينَ، والْقِرَدَةُ هُمُ السَّوَّاحُ يَتَفَرَّجُونَ عَلَيْنا: بَعْضُهُمْ اسْتِجْماماً وبَعْضُهُمْ اهْتِماماً.
لِلْقِرَدَةِ الْكَبِيرَةِ قاماتُ الرِّجَالِ. وَقَفَتْ إزاءَ سَيَّاراتِنا لا تَخْشَى شَيْئاً، بَلِ الْتَصَقَتْ بِها، شَأْنُها شَأْنُ مَوَظَّفِي الْجَمَارِكِ، تَنْظُرُ إلَيْنا بِاعْتَدادٍ ثُمَّ تَمُدُّ إلَيْنا أَيْدِيَها طَالِبَةً مِنَّا الْمُكُوسَ ومَراسِيمَ الْعُبُورِ...
إنَّ أَحَداً لا يَمُرُّ مِنْ مُنْعَرَجاتِ خَرَّاطَةَ إلاَّ ودَفَعَ الْجِزْيَةَ لِجَمَارِكِ الْقِرَدِةِ. ثُمَّ إنَّ أَحداً لا يُفَكِّرُ في التَّوَجُّهِ إلى كِيفانِها ولوْ عابِرَ سَبِيلٍ إلاَّ وتَحَصَّنَ بِزَادٍ فِيهِ سَهْمٌ وَافِرٌ لِحِيَواناتِ الْجِبالِ.
في الْوَاقِعِ، جَمَارِكُ خَرَّاطَةَ لَيْسَتْ بِالصَّعْبَةِ الْمَدَلَّلَةِ. وإنَّها لَتَأْكُلُ أَيَّ شَيْءٍ وأَيُّ شَيْءٍ يُرْضِيها. كأنَّ شَعْبَ الْقِرَدَةِ يَسِيرُ على قَوْلِنَا الْمَأْثُورِ : "الْحَجَرَةُ مِنْ يَدِ الْحَبِيبِ تُفَّاحَةٌ"! ومَعَ ذَلِكَ، فَإنِّي أَشُكُّ أَنْ تَقْبَلَ تِلْكَ الْقِرَدَةُ الْعَظِيمَةُ حَجَرَةً ضَرِيبَةَ عُبُورٍ. بل أتَوَقَّعُها مَنْتَقِمَةً للإهانَةِ بِأَنْ تَقِذِفَهُ إلى رأْسِ مُمازِحِها فَتَشُجَّهُ. أَلَيْسَ قَوْمُ الْقِرَدَةِ أَهْلَ حُنْقٍ وثَأْر؟...
على كُلِّ حالٍ، إنَّ الْجَمَارِكَ هؤلاء مِنْ صِنْفٍ خاصٍّ!...فإنْ كانَتِ الدَّوَاوِينُ في كُلِّ الْبِلادِ تَعْرِضُ مَنْظَراً مُؤْسِفاً مُنَفِّراً قََرِفاً فإنَّ جَمَارِكَ الْقِرَدَةِ تَسْلِيَةٌ لِنَاظِرِيها.
ومِنَ الْعِبادِ مَنْ يَذْهَبُ إلى خَرَّاطَةَ، دافِعاً الْجِزْيَةَ والْخَرَاجَ، إلاَّ بِدَاسِرِ التَّفَرُّجِ عَلى تِلْكَ الأَقَلِّيَّةِ مِنَ الْمُوَاطِنِينَ في جُمُهُورِيَّتِهِمِ الْمُسْتَقِلَّةِ.
لا ضَيْرَ إنِ اشْتَرَطَ الْقِرَدَةُ مَكْساً لِلْعُبُورِ!...ألَيْسَ مِنْ حَقِّ تِلْكَ الْحَيَوَانَاتِ الْمُسالِمَةِ الْغَذاءُ؟ ثمَّ إنَّ عَوْلَها بَسِيطٌ رَخِيصٌ يُحِبُّ الأَطْفالُ أَنْ يُقَدِّمُوهُ لَها على شَكْلِ تُفَّاحٍ ومَوْزٍ وفُسْتُقِ عَبِيدٍ وخُبْزٍ وحَلْوَى وكُلِّ ما هُوَ لَذِيذٌ وتَبْقَى نَكْهَتُهُ مُطَوَّلاً تَحْتَ اللِّسانِ، وعلى طُولِ الْحَنْجَرَةِ إلى الْبُلْعُومِ.
والْحَقُّ أَنَّ الْقِرَدَةَ أًَهْلُ فَضْلٍ وصِدْقٍ ويُوفُونَ بِالْعَهْدِ، كَمَا أَنَّهُمْ يَقْنَعُونَ بِالْقَلِيلِ. فَبِمُجَرَّدِ ما تُدْفَعُ لَهُمْ مَراسِيمُ الْمُرُورِ، مَهْماً ضَؤُلَتْ، حَتَّى يَسْمَحُوا لِلسَّيّارَةِ بِالاِنْطِلاقِ ويَفْسَحُوا لَهَا السَّبِيلَ. وأَمَّا وإنْ عانَدَ صاحِبُها ورَفَضَ الدَّفْعَ، فَإنَّهُ بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ثَلاثاً لا مَرَّ ثُمَّ الْوَيْلُ لَهُ!...
لنْ تُسِيءَ إلَيْهِ الْقِرَدَةُ بِشَيْءٍ، ولنْ تُعَنِّفَ شَخْصَهُ الْكَرِيمَ، ولَكِنَّها لَنْ تُفْرَجَ لَهُ السَّبِيلَ، ولَتْمِضِي واضِعَةً كَفَّيْها على مُقَدَّمَةِ سَيَّارَتِهِ تَنْظُرُ إلَيْهِ شَزِرَةً صابِرَةً إلى أَنْ يَدْفَعَ ما عَلَيْهِ. مِثْلُهُ مِثْلُ كُلِّ النَّاسِ. لا غَمْزَ ولا تَلْمِيحَ في دِيوانِ خَرَّاطَةَ... لا عادِيَ ولا مَعْدُوَّ إيْ بِالله!
مُنْذُ مَتَى سَكَنَتْ تِلْكَ الْقِرَدَةُ الظَّرِيفَةُ جِبالَ خَرَّاطَةَ؟ لا أَحَدَ يَعْرِفُ. ورُبَّما سَكَنَتْها مُنْذُ الأَزَلِ، مُنْذُ أَنْ عَرَفَتْ هَذِهِ الْبُقْعَةُ مِنَ الأَرْضِ الْحَياةَ، مُنْذُ أَنْ دَبَّتْ فِيها خَلايا الْكائنِ الْحَيِّ. وبَيْنِي وبَيْنَكُمْ، لا أَدْرِي مَنِ الأَسْبَقُ إلى الظُّهُورِ عَلى هَتِهِ الأَرْضِ أَهُو الْقِرْدُ أَمِ الإنْسانُ؟!...
إنَّا في خَرَّاطَةَ لا نَتَساءَلُ عَمَّنْ أَنْسَلَ الآخَرَ فإنَّ ذَلِكَ سُؤالاً لا يَسُوغُنا تَصَوُّرُهُ. أَيُعْقَلُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَنَا وبَيْنَ شَعْبِ الْقِرَدَةِ صِلَةُ رَحِمٍ؟!...يا لَلْمَهْزَلَةِ! دَعُونِي أَضْحَكْ بَعْضَ ضَحْكٍ ثُمَّ أُوَاصِلِ الْحَدِيثَ مَعَكُمْ. أَوَ يَزْعُمُ بَعْضُهُمْ أنَّ الإنْسانَ نَزَلَ مِنَ الْقِرْدِ فَتَكُونَ إحْدَى تِلْكَ الْحَيَوَاناتِ الْمُضْحِكَةِ الّتي أُحِبُّ الْتِقاطَ الصُّوَرِ مَعَها في مَخانِقِ الْهِضابِ وأُداعِبَها مُتَبَسِّطَةً، جَدَّتِي وعَمَّتِي؟!...إلى ذَلِكَ الْحَدِّ لَمْ تَبْلُغْ مَوَدَّتُنا فَنَحْنُ قَوْمٌ نُحْسِنُ الْمُعاشَرَةَ ونُقَدِّرُ الْجِوَارَ، على أَنَّ كُلاًّ مِنّا يَنْفَرِدُ بِقَبِيلَتِهِ الّتي لا يَجُوزُ لَها الاِخْتِلاطُ أَبَداً بِأَفْرادِ غَيْرِها. وإنَّهُ لَمَثْلَبَةٌ وعارٌ أنْ يُزْعَمَ حَتَّى مُجْرَّدُ زَعْمٍ أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ قَوْمَيْنا أَدْنَى نَسَبٍ أَوْ قَطْرَةُ دَمٍ.
كلاَّ وأَبدا! إنَّا في خَرَّاطَةَ لا نَتَساءَلُ عَمَّنْ أَنْسَلَ الآخَرَ وإنَّا قَدْ خَلَّيْنا ذَلِكَ لأَصْحَابِ الْفَلْسَفاتِ والسُّفَسْطَائِيَّاتِ ولْيَتَخَبَّطُوا فِي مَجَاسِّ الاُخْطُبُوطِ الّذي افْتَعَلُوا.
لَكِنَّ الْقِرَدَةَ ولا شَكَّ بَقايَا مِنْ الأَدْغالِ الإفْرِيقِيَّةِ الّتي كانَتْ تَعُمُّ كُلَّ الْقارَّةِ إلى زَمَنٍ قَرِيبٍ قَبْلَ أَنْ تَنْحَسِرَ وتَنْكَمِشَ. أَمَا قُتِلَ الأَسَدُ الأَخِيرُ على أَرْضِ الْجَزَائِرِ في الثَّلاثِينِيَّاتِ على يَدِ مُعَمِّرٍ فِرَنْسِيٍّ؟ وجَدَّتِي ما تَزَالُ تَذْكُرُ أَنَّ سِباعاً كانَتْ تَحُومُ في قَرْيَتِها مِنْ بِلادِ الْقَبائلِ في الْهِضابِ الْعُلْيا، وأَنَّ الْفَلاَّحِينَ كانُوا يَخْشَوْنَها بِاللَّيْلِ ولَهُمْ عَنْها حِكَايَات.
ورُبَّما أَيْضاً وُجِدَ ذَلِكَ الشَّعْبُ الْمُسالِمُ بِهَتِهِ الْبِقاعِ مِنْ غابِرِ الْخَلِيقَةِ فَحَضَرَ الْحُرُوبَ الّتي كانَتْ بَيْنَ فُرُوعِ الْجِنِّ الْكافِرَةِ وإبْلِيسَ؟... ولَعَلَّها أَيْضاً خُلِقَتْ هُنَا مَعَ غَيْرِها مِنَ الْحَيَوَاناتِ لِتِتَفَرَّجَ عَلى سَيِّدِنا آدَمَ -عَلَيْهِ السَّلامُ- وزَوْجِهِ يُكَوِّنانِ أَنْفُسَهُما ويَبْنِيانِ حَضارَتَهُمَا ويَرْتَقِيَانِ سُلَّمَ التَّطَوُّرِ فَمَيَّزَتْ كَيْفَ يَعْلُو ذَوُو الْعَقْلِ دَرَجاتٍ بَعْدَ أَنْ هَبَطُوا مِنَ الْجَنَّةِ وكَيْفَ اسْتَحَقُّوا الْخِلافَةَ وكَيْفَ غَمَتُوا، بَعْدَ ذَلِكَ، الأَمانَةَ فانْحَدَرُوا إلى أَسْفَلِ الْحَضِيضِ.
عَلى كُلٍّ، مَهْماً تَكُنِ النَّظَرِيَّاتُ، فإنَّ لِقِرَدِةِ خرَّاطَةَ تارِيخاً أَيضاً يَتَوَاتَرُهُ النَّاسُ؛ فَهَلْ يَتَوَاتَرُهُ الْقِرَدَةُ أَيْضاً عَنْ أَجْدَادِهِمْ؟ اللهُ أَعْلَمُ!...تِلْكَ نُقْطَةُ الْتِقاءٍ وتَقاطُعٍ أُخْرَى بَيْنَ الْقِرَدَةِ والإنْسانِ في خَرَّاطَةَ، نُقْطَةُ التَّسْجِيلِ والتَّدْوِينِ والرِّوَايَةِ، نُقْطَةُ الْفِكْرِ والتَّارِيخِ لَمْ نَنْحَنِ عَلَيْها كُلِّيَّةً بَعْدُ؛ فَقُدَّامَنَا أَنْ نَنْحَنِيَ على تَارِيخِنا وفِكْرِنا نَحْنُ قَبْلاً؛ ولَمَّا تَحَقَّقَ بِالاِسْتِقْراءِ أَنَّ الإنْسانَ وَحْدَهُ قادِرٌ عَلى حِفْظِ كَلامِ الأَجْدَادِ، تَأَكَّدَتْ مَرَّةً أُخْرَى إمْرَتُهُ وأَوْلَوِيَّتُهُ بِالْخِلافَةِ.
إلاَّ أَنَّهُ يُحْكَى عنْ قَدِيمِ الزَّمَانِ، عنِ الْوَقْتِ الّذي لَمْ يَكُنْ يَعْرِفُ فِيهِ الْجَزَائرِيُّونَ السَّيَّاراتِ، الْوَقْتِ الّذي كانُوا يُسافِرُونَ فِيهِ على الدَّوَابِّ والْهَائشاتِ ويَقْطَعُونَ الأَمْيالَ على الأَقْدَامِ، أنَّ رَجُلاً بائعَ شاشِيَّاتٍ كانَ يَمْشي مُنْفَرِداً، قافِلاً مِنْ بِلادِ الْقَبائلِ صَوْبَ بَعْضِ الْبَلْدَاتِ يُصَرِّفْ سِلْعَتَهُ. ثُمَّ إنَّهُ بَلَغَ كِيفانَ خَرَّاطَةَ فَجَلَسَ عَلى رَصِيفِ الدَّرْبِ يَسْتَعْفِ بَعْضَ اسْتِعْفاءٍ. وَوَضَعَ شاشِياتِهِ جانِباً فَاسْتَلْقَى غَيْرَ بَعِيدٍ، بَيْنَ ذِراعَيْ النَّوْمِ. فَجْأَةً، هاهِيَ ذِي الْقِرَدَةُ تَسْطُو عَلى بِضاعَتِهِ الْمِسْكِينِ وتَخْتَطِفُ مِنْهُ الْشَّاشِياتِ فَتَهْرُبُ بِها إلى شِعافِ الأَشْجارِ كَالْبَرْقِ.
حَمْلَقَ فِيها الْبائعُ فَزِعاً وحاوَلَ بِكُلِّ ما تَيَسَّرَ لَهُ مِنَ الطُّرُقِ اسْتِرْدادَ مالِهِ فَما وُفِّقَ فَحارَ في أَمْرِهِ وطالَ تَخْمِينُهُ. كَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يَتَخَلَّى عَنْ رَأْسِ مالِهِ مَهْماً زَهِدَ ثُمَّ إنَّ الْفِرارَ قُدَّامَ قَبِيلَةِ قُطَّاعِ الطُّرُقِ هُؤُلاءِ - مَهْماً كَثُرَ عَدَدُهُمْ وانْفَرَدَ هُوَ بِشَخْصِهِ الأَعْزَلِ- هُوَ بِالآخِرِ جُبْنٌ وعارٌ عَلى فَصِيلَةِ بَنِي الإنْسانِ طُرّاً...أَوَ يُمِدُّ القِرَدَةَ فُرْصَةَ السُّخْرِيَةِ على أَجْيالٍ مِنْ بَنِي جِنْسِهِ، بِطُرافَةٍ يَرْوِيها كِبارُهُمْ على صِغارِهِمْ؟...يا للَعارِ! يا لَعَيْبٍ يَطْلِيهِ شارِبَيْهِ فما يَتَبَقَّى لَهُ سِوى حَلْقِهِما ورُبَّما اللِّحْيَةِ أَيْضاً!!...
لَقَدْ أَنْفَقَ الْمِسْكِينُ كُلَّ مالِهِ فِيما سَلَبَهُ أُولئكَ السُّرَّاقُ وإنَّ فِعْلَةَ الْقِرَدَةِ مَعَهُ خَسارَةٌ سَتُثْقِلُ جَيْبَهُ على امْتِدادِ السَّنَةِ. ونَظَرَ الْمَغْبُونُ إلى ساكِنِي الشَّجَرِ يَتَوَسَّلُ فَأَلْفاها قَدْ تَقَلْنَسَتْ شاشِياتِهِ فَبَدا شَكْلُها إلى مَوْقِفِهِ أَكْثَرَ بَلادَةً مِنَ الْمَعْقُولِ.
ومَعَ ذَلِكَ، فإنَّ هَيْئَتَها الْمُضْحِكَةَ أَوْحَتْ لِلرَّجُلِ بِالْخَلاصِ وفَتَحَتْ لَهُ بابَ الْفَرَجِ بحِيلَةٍ عَنَّتْ لَهُ فَجْأَةً كَالْمِصْباحٍ يُنِيرُ دِهْلِيزاً مُظْلِماً. نزَعَ التَّاجِرُ شاشِيَتَهُ مِنْ عَلى رأْسِهِ وبَصَقَ عَلَيْها ثمَّ رَماها أرْضاً بِاشْمِئْزَازٍ. وكَمَا تَوَقَّعْتُمْ طَبْعاً، خَلَعَتْ جَمِيعُ القِرَدَةِ قُلَنْسُوَاتِها عَنْ رؤوسِها المُحْتَرَمَةِ وبَصَقَتْ عَلَيْها قَبْلَ أَنْ تَرْمِيَها بِنُفُورٍ. فَهَرْوَلَ التَّاجِرُ إلَيْها يَتَصَبَّبُ عَرَقاً ثُمَّ جَمَعَ تَلابِيبَهُ وفَرَّ مِنْ تِلْكَ الْبُقْعَةِ الْمَشْؤُومَةِ لا يَلْوِي على شَيْءٍ.
إنَّ تِلْكَ الْقَبِيلَةَ مِنَ الْقِرَدَةِ كانتْ ولا شَكَّ مُتَخَلِّفَةً ما تَزَالُ تَعِيشُ في عَهْدِ السَّبْيِ والْغَزْوِ. أَمَّا أَحْفادُها مِنْ قِرَدَتِنا الّذينَ سُعِدْنا بِالتَّعَرُّفِ إلَيْهِمْ، فإنَّهُمْ قَوْمٌ مُتَقَدِّمُونَ مُتَحَضِّرُونَ، عَرَفُوا أَنَّ خَيْرَ الْوَسائلِ لِلْغُنْمِ لَيْسَ بِالسَّطْوِ على الْمَارَّةِ، فَسَلْبِهِمْ قَبْلَ الْفِرارِ إلى أَعْلَى الْقِمَمِ، ولَكِنْ بِضَرْبِ الضَّرائبِ على الْمُسافِرِينَ والرُّسُومِ على الْمارَّةِ فَالْوُقُوفِ لَهُمْ وَسْطَ الطُّرُقاتِ يَمْنَعُونَ الْعُبُورَ. تَماماً كَمَا تَفْعَلُ هَذِهِ الْبُلْدانُ الرَّاقِيَةُ الّتي بَلَغْنا، تَخْتَلِسُ منَ النّاسِ قَانُونِيَّاً ثَمَنَ الْمُرُورِ مِنْ طَرِيقِ اللهِ، ثُمَّ تَعُودُ الْقِرَدَةُ إلى مَلاجِئِها وأَوْكارِها، وقَدْ تَمَيَّزَتْ بِمِيزَةِ الْحَضارَةِ الّتي عَلَّمَها إيَّاها بَنُو الإنْسان!
مَنْظَرُ تِلْكَ الْحَيَواناتِ اللَّطِيفَةِ زَجَّ بِي في لُجَّةٍ مِنَ التَّفْكِيرِ ما أَدْرَكْتُ لَها مَغْزًى...كَمْ مُدَّةً دامَ هَوَسِي؟...لا يُهِمُّ...إنَّما الّذي اسْتَخْلَصْتُهُ مِنْ تَخْرِيفِي بَيْنَ وِهادِ خَرَّاطَةَ، أَنَّ بَيْنَ الْقِرَدَةِ والإنْسانِ فَرْقاً جَوْهَرِيّاً فَحْوَاهُ أَنَّ الْقِرَدَةَ تَعْتاشُ بِما تَأْخُذُهُ مِنَ الْمَارَّةِ، وأَمَّا الإنْسانُ فاللهُ وَحْدَهُ يَعْلَمُ ما يَفْعَلُهُ بِالأَمْوَالِ الّتي يَجْمَعُها في مُخْتَلِفِ الْمُناسَباتِ. لَعَلَّهُ يَشْتَرِيها أَسْلِحَةً ثُمَّ يُثِيرُ بِها الْحُرُوبَ؟!
(وإذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائكَةِ إنِّي جاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّمَاءَ ونَحْنُ نُسَبِّحُ لَكَ ونُقَدِّسُ لَكَ قالَ إنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ.)
نجمة سيّد أحمد (في قبب بني مِزْغِنّا)
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
رد: خَرّاطة (بلدة في الشّرق الجزائريّ)
صدقت ، خراطة مدينة جميلة المناظر لو لقيت العناية لتصبح أحد
أقطاب السياحة في بلادنا ، لكن مع الأسف السياحة عندنا
حبر على ورق !
أقطاب السياحة في بلادنا ، لكن مع الأسف السياحة عندنا
حبر على ورق !
رد: خَرّاطة (بلدة في الشّرق الجزائريّ)
على قولك، حال التّعاسة والإهمال نفسها في كلّ مناطق الوطن مع أنّ الله شهيد أنّ لنا ما نتباهى به لو قُيِّمَ.
على أنّ المثل الشّعبيّ يقول: "واشْ خُصَّكْ آالعَرْيانْ؟
-خَصْنِي الْخَاتَمْ آمُولايْ!"
على أنّ المثل الشّعبيّ يقول: "واشْ خُصَّكْ آالعَرْيانْ؟
-خَصْنِي الْخَاتَمْ آمُولايْ!"
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
aissa.b- عضو برونزي
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 19/11/2010
العـــــمـــــر : 29
عـــدد المساهمـــات : 885
الـمــــــــــــزاج : هادىء
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
عاشق الجنه- عضو فضي
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 27/03/2010
عـــدد المساهمـــات : 1234
رد: خَرّاطة (بلدة في الشّرق الجزائريّ)
ولك الشّكر على الاهتمام والوردة الجميلة.
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
رد: خَرّاطة (بلدة في الشّرق الجزائريّ)
دائما لي عضد ويمين مؤزِّرة يا صابر. أزّرك الله يوم الضّيق يا أخي. ثمّ لي زمن لم أشهد ذلك الشّلال الرّائع وتلك المختنقات الجبليّة فبارك الله فيك ولك منّي ألف شكر عطر.
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
رد: خَرّاطة (بلدة في الشّرق الجزائريّ)
ممتنّة لك.
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
منتديات بني ورثيلان التعليمية :: القســــــــــم العـــــــــــــــــــام :: إبداعات الأعضاء و إصداراتهم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 08 فبراير 2016, 19:32 من طرف أبو إلياس
» الله هو الغنيُّ المطلق والخلق فقراء محتاجون إليه
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:29 من طرف أبو إلياس
» صفة من صفات أهل الإسلام
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:27 من طرف أبو إلياس
» آداب الإنترنت: فنون المعاتبة .. ومعالجة الأخطاء
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:26 من طرف أبو إلياس
» مركز اللغات بجامعة المدينة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 18:35 من طرف أبو إلياس
» مجلة جامعة المدينة العالمية المحكمة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 00:34 من طرف Nassima Tlemcen
» aidez-moi vite svp
الثلاثاء 12 يناير 2016, 16:30 من طرف أبو إلياس
» حوليات وزارة التربية 2012 في العلوم الطبيعية
الجمعة 04 ديسمبر 2015, 13:04 من طرف lynda2013
» لمـــــــــــــــــــاذا تبـــــــكي النّســـــــــــــــــــاء
الأربعاء 18 نوفمبر 2015, 18:46 من طرف أبو إلياس