مالك بن أنس
5 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
مالك بن أنس
الإِمَامُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ
كَانَ الدَّاخِلُ إْلَى الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ فِي مُنْتَصَفِ الْقَرْنِ الثَّانِي الْهَجْرِيِّ يَرَى رَجُلاً طَوَّالاً، جَمِيلَ الثِّيَابِ، جَلِيلَ الْمَنْظَرِ، فِيهِ مَهَابَةٌ وَلَهُ وَقَارٌ، يجْلِسُ فِي أَكْبَرِ حَلَقَةٍ عِلْمِيَّةٍ فِي ذَلِكَ التَّارِيخِ. ذَلِكَ الرَّجُلُ هُوَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ. فَقَدْ آتَاهُ اللهُ تَعَالَى بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ والْجِسْمِ والْخُلُقِ وقَدِ اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ دَرْسُهُ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللهِ (ص) وهُوَ ثَالِثُ الْمَسَاجِدِ الَّتِي تُشَدُّ إِلَيْهَا الرِّحَالُ، واخْتَارَ أَنْ يَكُونَ مَوْضِعُ جُلُوسِهِ الْمَكَانَ الَّذِي كَانَ يَجْلِسُ فِيهِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (ض).
وقَدْ تَحَدَّثَ أَهْلُ الْمَدَائِنِ والأَمْصَارِ بِاسْمِ مَالِكٍ وكَانَتْ فَتَاوِيهِ تَنْتَشِرُ وتُذَاكَرُ فِي مِصْرَ والشَّامِ وبِلاَدِ الْمَغْرِبِ كُلِّهَا وكانَ فِي الأَنْدَلُسِ الإِمَامَ الَّذِي لاَ يُذْكَرُ بِجِوَارِهِ إِمَامٌ وقَدْ كَانَ لَهُ سُلْطَانٌ فِي الْمَدِينَةِ يَصِلُ إِلَى سُلْطَانِ الْوُلاَّةِ بِهَا.
إِنَّ تِلْكَ الْمَكَانَةَ مَا جَاءَتْهُ عَفْواً بَلْ لَهَا أَسْبَابٌ مِنْ نَشْأَتِهِ ومِنْ جُهُودِهِ ومِنْ شُيُوخِهِ ومِنْ شَخْصِهِ ثُمَّ مَا أَفَاضَ عَلَى النَّاسِ مِنْ عِلْمٍ غَزِيرٍ واسْتِنْبَاطٍ فِقْهِيٍّ سَلِيمٍ وإِدْرَاكٍ لِمَصَالِحِ النَّاسِ وعِلْمٍ بِالْقُرْآنِ والسُّنَّةِ.
وُلْدَ إِمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ سَنَةَ 93هـ وكَانَ أَهْلُ بَيْتِهِ يَهْتَمُّونَ بِحَدِيثِ الرَّسُولِ (ص) وأَخْبَارِ الصَّحَابَةِ وفَتَاوِيهِمْ وبِهَذَا يَتَّضِحُ أَنَّ مَالِكاً (ض) قَدْ وُلِدَ فِي أُسْرَةٍ اشْتُهِرَتْ بِالرِّوَايَةِ وكَانَ الْفِقْهُ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ مُخْتَلِطاً بِالْحَدِيثِ. وقَدِ اتَّجَهَ الإِمَامُ مَالِكٌ بَعْدَ أَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ وبَعْدَ أَنْ تَعَمَّقَ فِي الْعَرَبِيَّةِ إِلَى طَلَبِ عِلْمِ الرِّوَايَةِ ومَعَ عِلْمِ الرِّوَايَةِ الْفِقْهِ.
وقَدْ كَانَتِ الْبِيئَةُ الْعامَّةُ كَبِيئَتِهِ الْخَاصَّةِ تُوَجِّهُهُ نَحْوَ الْمَعْرِفَةِ وطَلَبِ الرِّوَايَةِ. فَقَدْ وُلِدَ وعَاشَ بِمَدِينَةِ الرَّسُولِ (ص) وهِيَ عاصِمَةُ الدَّوْلَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ (ض). وكَانَ بِهَا فِي عَهْدِ عُمَرَ أَكْثَرُ فَقَهَاءِ الصَّحَابَةِ، كَمَا قَصَدَها التَّابِعُونَ الَّذِينَ كَانُوا يُرِيدُونَ فِقْهَ الصَّحَابَةِ. ولَقَدْ كَانَ لِلْمَدِينَةِ تِلْكَ الْمَنْزِلَةُ الْعِلْمِيَّةُ فِي الْعَهْدِ الأُمْوِيِّ وكَانَتْ مَهْدَ السُّنَنِ والْفَتَاوَى الْمَأْثُورَةِ.
هَذِهِ هِيَ الْبِيئَةُ الَّتِي عَاشَ فِيهَا مَالِكٌ وتِلْكَ أُسْرَتُهُ وكُلٌّ مِنْهُمَا تَحُثُّهُ عَلَى الدَّرْسِ والْعِلْمِ وشَيْءٌ ثَالِْثٌ أَيْضاً وهُوَ أُمُّهُ. فَقَدْ كَانَتْ تُشْرِفُ عَلَى تَوْجِيهِ مَالِكٍ وكَانَتْ تَخْتَارُ لَهُ شُيُوخَهُ وتُخْبِرُهُ بِمَا يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِيَنَالَ مِنْ كُلِّ شَيْخٍ خَيْرَ مَا عِنْدَهُ.
اِتَّجَهَ مَالِكٌ إِلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وقَدْ كانَ مَعْرُوفاً بِالْوَقَارِ والاِتِّزَانِ ، وقَدْ مَرَّ وهُوَ صَغِيرٌ بِأَحَدِ شُيُوخِهِ فَوَجَدَهُ يُقَدِّمُ دَرْساً فِي أَحَادِيثِ النَّبِيِّ (ص) وكَانَ الْمَكَانُ ضيِّقَاً فَلَمْ يَجْلِسْ ولَمْ يَسْتَمِعْ، ولَمَّا قَابَلَهُ شَيْخُهُ بَعْدَ ذَلِكَ سَأَلَهُ عَاتِباً: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تَجْلِسَ إِلَيَّ؟" فَقَالَ مَالِكٌ: "كَانَ الْمَكَانُ ضَيِّقاً فَكَرِهْتُ أَنْ أَكْتُبَ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ (ص) وأَنَا قَائمٌ." وقَدْ دَرَسَ عَلَى شُيُوخٍ كَثِيرِينَ مِنْهُمْ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ (ص).
بَعْدَ أَنْ أَلَمَّ مَالِكٌ بِعِلْمِ أَهْلِ عَصْرِهِ واطْمَأَنَّ إِلَى مَقْدِرَتِهِ الْعِلْمِيَّةِ اِتَّجَهَ إِلَى التَّدْرِيسِ وكَانَ يُقَسِّمُ دُرُوسَهُ إِلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدِهِمَا لِرِوَايَةِ الْحَدِيثِ والثَّانِي لِلْفِقْهِ ويُسَمِّيهِ "الْمَسَائِلَ". وكَانَ فِي دَرْسِهِ يَبْتَعِدُ عَنِ الْغُلُوِّ. وقَدْ قَالَ بَعْضُ تَلاَمِيذِهِ: "كَانَ إِذَا جَلَسَ مَعَنَا كَأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنَّا، يَتَبَسَّطُ مَعَنَا فِي الْحَدِيثِ فَإِذَا أَخَذَ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ (ص) تَهَيَّبْنَا كَلاَمَهُ كَأَنَّنَا مَا عَرَفْنَاهُ ولاَ عَرَفَنَا." وكَانَ إِذَا حَدَّثَ تَوَضَّأَ ولَبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ ولَمَّا مَرِضَ انْتَقَلَ درْسُهُ إِلَى بَيْتِهِ وقَدِ اسْتَمَرَّ دَرْسُهُ نَحْواً مِنْ خَمِسِينَ سَنَةً.
عَاشَ مَالِكٌ فِي عَصْرِ الْفِتَنِ وقَدِ اعْتَزَلَ الْقَائِمِينَ بِهَا ولَمْ يَخُضْ فِيهَا وقَدْ رَأَى فِتَناً كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ. وقَدْ أَدْرَكَ أَنَّ الأَجْدَرَ بِالْمُؤْمِنِ فِي هَذِهِ الْفِتَنِ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى سَيْفِهِ ويَدُقَّهُ ويَتَّجِهَ إِلَى زِرَاعَةِ الزَّرْعِ أَوْ رِعَايَةِ الْغَنَمِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَرْعٌ ولاَ ضَرْعٌ لَجَأَ إِلَى شِعَافِ الْجَبَلِ كَمَا قَرَّرَ النَّبِيُّ (ص). لَقَدِ ابْتَعَدَ مَالِكٌ عَنِ الْفِتَنِ واسْتَمَرَّ يَقُولُ الْحَقَائِقَ الدِّينِيَّةَ دُونَ أَنْ يَتَأَثَّرَ بِرَأْيِ الْحَاكِمِ أَوِ الْخَارِجِينَ عَلَيْهِ وأَدَّى ذَلِكَ إِلَى ضَرْبِهِ بِالسِّيَاطِ وهُوَ شَيْخٌ وَقُورٌ.
كَانَ مَالِكٌ يَنْصَحُ الْحُكَّامَ وكَانُوا يَسْتَمِعُونَ إِلَيْهِ لأَنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً فِيمَا يَقُولُ وكَانَ يَخْشَى عَلَى الْحَكَّامِ الْمَدْحَ الْكَاذِبَ الَّذِي يَجِيءُ عَلَى أَلْسِنَةِ مَنْ يَعِيشُونَ حَوْلَهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَدْحَ يَجْعَلُ السَّيِّئَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ حسَناً.
وقَدْ صَاحَبَ ذَكَاءَ مَالِكٍ وعَبْقَرِيَّتَهُ فِي الْحِفْظِ وصَبْرَهُ إِخْلاَصٌ مُنِيرٌ. أَخْلَصَ فِي طَلَبِ الْحَقِيقَةِ وأَخْلَصَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ. كَانَ لإِخْلاَصِهِ لاَ يُحِبُّ الْعَجَلَةَ فِي الإِفْتَاءِ بَلْ يُؤْثِرُ التَّرَيُّثَ وكَانَ يَقُولُ أَحْيَاناً لِلسَّائلِ: "اِنْصَرِفْ حَتَّى أَنْظُرَ."ولإِخْلاَصِهِ لِلْكِتَابِ والسَّنَّةِ وخَوْفاً مِنَ الْخَطَإِ كَانَ لاَ يَقُولُ: "هَذَا حَلاَلٌ وهَذَا حَرَامٌ" إِذَا كَانَ الأَمْرُ يَعْتَمِدُ عَلَى الرَّأْيِ والاِجْتِهَادِ.
كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ الْجَدَلَ وقَدْ عَاشَ فِي عَصْرٍ كَثُرَتْ فِيهِ الْمُجَادَلاَتُ والْمُنَاظَرَاتُ فَكَانَتْ مُنَاظَرَاتٌ بَيْنَ أَهْلِ الْفِرَقِ الْمُخْتَلِفَةِ. وكَانَ مَالِكٌ يُرِيدُ أَنْ يُبْعِدَ الْفِقْهَ والْحَدِيثَ عَنِ الْجَدَلِ لأَنَّهُ عِلْمُ الْحَلاَلِ والْحَرَامِ وهُوَ يَقْتَضِي النَّظْرَةَ الشَّامِلَةَ لاَ النّظْرَةَ الْجُزْئِيَّةَ ويَرَى أَنَّ الْجَدَلَ يَجْعَلُ أَقْوَى النَّاسِ بَيَاناً أَغْلَبَ وأَسْبَقَ.
وقَدِ اخْتَصَّ اللهُ مَالِكاً بِصِفَةٍ لاَزَمَتْهُ وهِيَ الْمَهَابَةُ. وقَدْ هَابَهُ الْحُكَّامُ وكَانُوا يُحِسُّونَ بِالصِّغَرِ فِي حَضْرَتِهِ وقَدْ بَلَغَتْ هَيْبَتُهُ حَدّاً لَمْ يَبْلُغْهُ الْمُلُوكُ والْخُلَفَاءُ فَكَانَ الْمَهِيبَ مِنْ غَيْرِ سُلْطَانٍ.
عَاشَ مَالِكٌ عَزِيزاً فِي نَفْسِهِ، مُكَرَّماً عِنْدَ النَّاسِ حَتَّى جَاءَهُ أَجَلُهُ سَنَةَ 179هـ فَانْطَفَأَ نُورُ الْجِسْمِ ولَمْ يَنْطَفِئْ نُورُ الْعِلْمِ فَتَرَكَ عِلْماً نَافِعاً يُنْتَفَعُ بِهِ.
وقَدْ تَحَدَّثَ أَهْلُ الْمَدَائِنِ والأَمْصَارِ بِاسْمِ مَالِكٍ وكَانَتْ فَتَاوِيهِ تَنْتَشِرُ وتُذَاكَرُ فِي مِصْرَ والشَّامِ وبِلاَدِ الْمَغْرِبِ كُلِّهَا وكانَ فِي الأَنْدَلُسِ الإِمَامَ الَّذِي لاَ يُذْكَرُ بِجِوَارِهِ إِمَامٌ وقَدْ كَانَ لَهُ سُلْطَانٌ فِي الْمَدِينَةِ يَصِلُ إِلَى سُلْطَانِ الْوُلاَّةِ بِهَا.
إِنَّ تِلْكَ الْمَكَانَةَ مَا جَاءَتْهُ عَفْواً بَلْ لَهَا أَسْبَابٌ مِنْ نَشْأَتِهِ ومِنْ جُهُودِهِ ومِنْ شُيُوخِهِ ومِنْ شَخْصِهِ ثُمَّ مَا أَفَاضَ عَلَى النَّاسِ مِنْ عِلْمٍ غَزِيرٍ واسْتِنْبَاطٍ فِقْهِيٍّ سَلِيمٍ وإِدْرَاكٍ لِمَصَالِحِ النَّاسِ وعِلْمٍ بِالْقُرْآنِ والسُّنَّةِ.
وُلْدَ إِمَامُ دَارِ الْهِجْرَةِ سَنَةَ 93هـ وكَانَ أَهْلُ بَيْتِهِ يَهْتَمُّونَ بِحَدِيثِ الرَّسُولِ (ص) وأَخْبَارِ الصَّحَابَةِ وفَتَاوِيهِمْ وبِهَذَا يَتَّضِحُ أَنَّ مَالِكاً (ض) قَدْ وُلِدَ فِي أُسْرَةٍ اشْتُهِرَتْ بِالرِّوَايَةِ وكَانَ الْفِقْهُ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ مُخْتَلِطاً بِالْحَدِيثِ. وقَدِ اتَّجَهَ الإِمَامُ مَالِكٌ بَعْدَ أَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ وبَعْدَ أَنْ تَعَمَّقَ فِي الْعَرَبِيَّةِ إِلَى طَلَبِ عِلْمِ الرِّوَايَةِ ومَعَ عِلْمِ الرِّوَايَةِ الْفِقْهِ.
وقَدْ كَانَتِ الْبِيئَةُ الْعامَّةُ كَبِيئَتِهِ الْخَاصَّةِ تُوَجِّهُهُ نَحْوَ الْمَعْرِفَةِ وطَلَبِ الرِّوَايَةِ. فَقَدْ وُلِدَ وعَاشَ بِمَدِينَةِ الرَّسُولِ (ص) وهِيَ عاصِمَةُ الدَّوْلَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ فِي عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ (ض). وكَانَ بِهَا فِي عَهْدِ عُمَرَ أَكْثَرُ فَقَهَاءِ الصَّحَابَةِ، كَمَا قَصَدَها التَّابِعُونَ الَّذِينَ كَانُوا يُرِيدُونَ فِقْهَ الصَّحَابَةِ. ولَقَدْ كَانَ لِلْمَدِينَةِ تِلْكَ الْمَنْزِلَةُ الْعِلْمِيَّةُ فِي الْعَهْدِ الأُمْوِيِّ وكَانَتْ مَهْدَ السُّنَنِ والْفَتَاوَى الْمَأْثُورَةِ.
هَذِهِ هِيَ الْبِيئَةُ الَّتِي عَاشَ فِيهَا مَالِكٌ وتِلْكَ أُسْرَتُهُ وكُلٌّ مِنْهُمَا تَحُثُّهُ عَلَى الدَّرْسِ والْعِلْمِ وشَيْءٌ ثَالِْثٌ أَيْضاً وهُوَ أُمُّهُ. فَقَدْ كَانَتْ تُشْرِفُ عَلَى تَوْجِيهِ مَالِكٍ وكَانَتْ تَخْتَارُ لَهُ شُيُوخَهُ وتُخْبِرُهُ بِمَا يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِيَنَالَ مِنْ كُلِّ شَيْخٍ خَيْرَ مَا عِنْدَهُ.
اِتَّجَهَ مَالِكٌ إِلَى طَلَبِ الْعِلْمِ وقَدْ كانَ مَعْرُوفاً بِالْوَقَارِ والاِتِّزَانِ ، وقَدْ مَرَّ وهُوَ صَغِيرٌ بِأَحَدِ شُيُوخِهِ فَوَجَدَهُ يُقَدِّمُ دَرْساً فِي أَحَادِيثِ النَّبِيِّ (ص) وكَانَ الْمَكَانُ ضيِّقَاً فَلَمْ يَجْلِسْ ولَمْ يَسْتَمِعْ، ولَمَّا قَابَلَهُ شَيْخُهُ بَعْدَ ذَلِكَ سَأَلَهُ عَاتِباً: "مَا مَنَعَكَ أَنْ تَجْلِسَ إِلَيَّ؟" فَقَالَ مَالِكٌ: "كَانَ الْمَكَانُ ضَيِّقاً فَكَرِهْتُ أَنْ أَكْتُبَ حَدِيثَ رَسُولِ اللهِ (ص) وأَنَا قَائمٌ." وقَدْ دَرَسَ عَلَى شُيُوخٍ كَثِيرِينَ مِنْهُمْ بَعْضُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ (ص).
بَعْدَ أَنْ أَلَمَّ مَالِكٌ بِعِلْمِ أَهْلِ عَصْرِهِ واطْمَأَنَّ إِلَى مَقْدِرَتِهِ الْعِلْمِيَّةِ اِتَّجَهَ إِلَى التَّدْرِيسِ وكَانَ يُقَسِّمُ دُرُوسَهُ إِلَى قِسْمَيْنِ: أَحَدِهِمَا لِرِوَايَةِ الْحَدِيثِ والثَّانِي لِلْفِقْهِ ويُسَمِّيهِ "الْمَسَائِلَ". وكَانَ فِي دَرْسِهِ يَبْتَعِدُ عَنِ الْغُلُوِّ. وقَدْ قَالَ بَعْضُ تَلاَمِيذِهِ: "كَانَ إِذَا جَلَسَ مَعَنَا كَأَنَّهُ وَاحِدٌ مِنَّا، يَتَبَسَّطُ مَعَنَا فِي الْحَدِيثِ فَإِذَا أَخَذَ فِي حَدِيثِ رَسُولِ اللهِ (ص) تَهَيَّبْنَا كَلاَمَهُ كَأَنَّنَا مَا عَرَفْنَاهُ ولاَ عَرَفَنَا." وكَانَ إِذَا حَدَّثَ تَوَضَّأَ ولَبِسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ ولَمَّا مَرِضَ انْتَقَلَ درْسُهُ إِلَى بَيْتِهِ وقَدِ اسْتَمَرَّ دَرْسُهُ نَحْواً مِنْ خَمِسِينَ سَنَةً.
عَاشَ مَالِكٌ فِي عَصْرِ الْفِتَنِ وقَدِ اعْتَزَلَ الْقَائِمِينَ بِهَا ولَمْ يَخُضْ فِيهَا وقَدْ رَأَى فِتَناً كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ. وقَدْ أَدْرَكَ أَنَّ الأَجْدَرَ بِالْمُؤْمِنِ فِي هَذِهِ الْفِتَنِ أَنْ يَأْتِيَ إِلَى سَيْفِهِ ويَدُقَّهُ ويَتَّجِهَ إِلَى زِرَاعَةِ الزَّرْعِ أَوْ رِعَايَةِ الْغَنَمِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ زَرْعٌ ولاَ ضَرْعٌ لَجَأَ إِلَى شِعَافِ الْجَبَلِ كَمَا قَرَّرَ النَّبِيُّ (ص). لَقَدِ ابْتَعَدَ مَالِكٌ عَنِ الْفِتَنِ واسْتَمَرَّ يَقُولُ الْحَقَائِقَ الدِّينِيَّةَ دُونَ أَنْ يَتَأَثَّرَ بِرَأْيِ الْحَاكِمِ أَوِ الْخَارِجِينَ عَلَيْهِ وأَدَّى ذَلِكَ إِلَى ضَرْبِهِ بِالسِّيَاطِ وهُوَ شَيْخٌ وَقُورٌ.
كَانَ مَالِكٌ يَنْصَحُ الْحُكَّامَ وكَانُوا يَسْتَمِعُونَ إِلَيْهِ لأَنَّهُ كَانَ مُخْلِصاً فِيمَا يَقُولُ وكَانَ يَخْشَى عَلَى الْحَكَّامِ الْمَدْحَ الْكَاذِبَ الَّذِي يَجِيءُ عَلَى أَلْسِنَةِ مَنْ يَعِيشُونَ حَوْلَهُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ الْمَدْحَ يَجْعَلُ السَّيِّئَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ حسَناً.
وقَدْ صَاحَبَ ذَكَاءَ مَالِكٍ وعَبْقَرِيَّتَهُ فِي الْحِفْظِ وصَبْرَهُ إِخْلاَصٌ مُنِيرٌ. أَخْلَصَ فِي طَلَبِ الْحَقِيقَةِ وأَخْلَصَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ. كَانَ لإِخْلاَصِهِ لاَ يُحِبُّ الْعَجَلَةَ فِي الإِفْتَاءِ بَلْ يُؤْثِرُ التَّرَيُّثَ وكَانَ يَقُولُ أَحْيَاناً لِلسَّائلِ: "اِنْصَرِفْ حَتَّى أَنْظُرَ."ولإِخْلاَصِهِ لِلْكِتَابِ والسَّنَّةِ وخَوْفاً مِنَ الْخَطَإِ كَانَ لاَ يَقُولُ: "هَذَا حَلاَلٌ وهَذَا حَرَامٌ" إِذَا كَانَ الأَمْرُ يَعْتَمِدُ عَلَى الرَّأْيِ والاِجْتِهَادِ.
كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ الْجَدَلَ وقَدْ عَاشَ فِي عَصْرٍ كَثُرَتْ فِيهِ الْمُجَادَلاَتُ والْمُنَاظَرَاتُ فَكَانَتْ مُنَاظَرَاتٌ بَيْنَ أَهْلِ الْفِرَقِ الْمُخْتَلِفَةِ. وكَانَ مَالِكٌ يُرِيدُ أَنْ يُبْعِدَ الْفِقْهَ والْحَدِيثَ عَنِ الْجَدَلِ لأَنَّهُ عِلْمُ الْحَلاَلِ والْحَرَامِ وهُوَ يَقْتَضِي النَّظْرَةَ الشَّامِلَةَ لاَ النّظْرَةَ الْجُزْئِيَّةَ ويَرَى أَنَّ الْجَدَلَ يَجْعَلُ أَقْوَى النَّاسِ بَيَاناً أَغْلَبَ وأَسْبَقَ.
وقَدِ اخْتَصَّ اللهُ مَالِكاً بِصِفَةٍ لاَزَمَتْهُ وهِيَ الْمَهَابَةُ. وقَدْ هَابَهُ الْحُكَّامُ وكَانُوا يُحِسُّونَ بِالصِّغَرِ فِي حَضْرَتِهِ وقَدْ بَلَغَتْ هَيْبَتُهُ حَدّاً لَمْ يَبْلُغْهُ الْمُلُوكُ والْخُلَفَاءُ فَكَانَ الْمَهِيبَ مِنْ غَيْرِ سُلْطَانٍ.
عَاشَ مَالِكٌ عَزِيزاً فِي نَفْسِهِ، مُكَرَّماً عِنْدَ النَّاسِ حَتَّى جَاءَهُ أَجَلُهُ سَنَةَ 179هـ فَانْطَفَأَ نُورُ الْجِسْمِ ولَمْ يَنْطَفِئْ نُورُ الْعِلْمِ فَتَرَكَ عِلْماً نَافِعاً يُنْتَفَعُ بِهِ.
الشَّيخ محمّد أَبو زهرة (بتصرّف)
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
رد: مالك بن أنس
يا نجمة المنتدى المضيئة
الهادية- عضو مشارك
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 28/01/2011
العـــــمـــــر : 60
عـــدد المساهمـــات : 62
الـمــــــــــــزاج : الحمد لله
رد: مالك بن أنس
ما مروركما الطّيّب، دمتما صديقين وفيّيين إن شاء الله.
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
aissa.b- عضو برونزي
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 19/11/2010
العـــــمـــــر : 29
عـــدد المساهمـــات : 885
الـمــــــــــــزاج : هادىء
كمال- عضو فضي
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 10/06/2011
العـــــمـــــر : 29
عـــدد المساهمـــات : 1127
الـمــــــــــــزاج : دائما احسن
رد: مالك بن أنس
وإيّاك إن شاء الله.
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 08 فبراير 2016, 19:32 من طرف أبو إلياس
» الله هو الغنيُّ المطلق والخلق فقراء محتاجون إليه
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:29 من طرف أبو إلياس
» صفة من صفات أهل الإسلام
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:27 من طرف أبو إلياس
» آداب الإنترنت: فنون المعاتبة .. ومعالجة الأخطاء
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:26 من طرف أبو إلياس
» مركز اللغات بجامعة المدينة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 18:35 من طرف أبو إلياس
» مجلة جامعة المدينة العالمية المحكمة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 00:34 من طرف Nassima Tlemcen
» aidez-moi vite svp
الثلاثاء 12 يناير 2016, 16:30 من طرف أبو إلياس
» حوليات وزارة التربية 2012 في العلوم الطبيعية
الجمعة 04 ديسمبر 2015, 13:04 من طرف lynda2013
» لمـــــــــــــــــــاذا تبـــــــكي النّســـــــــــــــــــاء
الأربعاء 18 نوفمبر 2015, 18:46 من طرف أبو إلياس