حكاية "حسن البصريّ" لأختنا الهادية
3 مشترك
منتديات بني ورثيلان التعليمية :: القســــــــــم العـــــــــــــــــــام :: إبداعات الأعضاء و إصداراتهم
صفحة 1 من اصل 1
حكاية "حسن البصريّ" لأختنا الهادية
اِنْقَضَى عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ الْمَسْكَنِ الْمُتَوَاضِعِ قُرَابَةُ الشَّهْرِ لاَ يَرَى أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَيِّ وَلاَ مِنَ الْبَصْرَةِ زَوْجَ حَسَنٍ وَوَلَدَيْهِ إِشْفَاقاً عَلَيْهِمْ، وَكَانَتِ الْجِنِّيَّةُ أُخْتُهُ قَدْ سَلَّمَتْهُ رِيشَ الْحَمَامِ وَأَوْصَتْهُ:
-أَكِّدْ عَلَى أُمِّكَ فَتُخْفِيَهُ بِإِحْكَامٍ وَلاَ تَنْعَتَهُ لاِمْرَأَتِكَ أَبداً وَإِلاَّ حَصَلَ مَا لاَ تُحْمَدُ عُقْبَاهُ!
فَجَعَلاَهُ فِي زُجَاجَةِ بِلَّوْرٍ وَالزُّجَاجَةَ فِي عُلْبَةٍ فَالْعُلْبَةَ فِي بُرْمَةٍ ثُمَّ حَفَرَا فِي الْبُسْتَانِ، عِنْدَ جِذْعِ شَجَرَةٍ مَعْلُومَةٍ، حُفْرَةً عَمِيقَةً فَأَوْدَعَاهَا الأَمَانَةَ وَرَدَماها بِطَبَقَاتٍ مِنَ التَُّرابِ وَخَلَّيَا عَنْهَا.
وَمَاتَ شَهْرٌ آخَرُ فَعَزَمَ الْفَتَى عَلَى فِرَاقِ أُمِّهِ وَاللَّحَاقِ بِأَخَوَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَأَلَّبْنَ عَلَيْهِ فَلاَ يَجِدَ مِنْ شَرِّهِنَّ خَلاَصاً وَآثَرَتْ حُرْمَتُهُ الْمُكُوثَ عِنْدَ حَمَاتِهَا شَهْراً زِيَادَةً فَكَانَ لَهَا ذَلِكَ.
مَا إنْ وَلَّى حَسَنٌ حَتَّى شَرَعَتِ الْمَرْأةُ تُلِحُّ عَلَى الْعَجُوزِ كَيْ تَصْحَبَهَا إِلَى الْحَمَّامِ بَيْنَمَا تِلْكَ تَأْبَى عَلَيْهَا وَتَتَلَكَّأُ خَشْيَةً عَلَيْهَا مِنْ أَذَى النَّاسِ وَعَلَى نَفْسِهَا مِنْ حَسَنٍ…عَلَى أَنَّ "كَيْدَ النِّسَاءِ كَيْدٌ يَدُومُها" وَإِذَا الْكَنَّةُ تَتَمَكَّنُ مِنْ حَمَاتِهَا فَنَالَتْ أَرَبَهَا.
أَنْشَأَتِ النِّسْوَةُ يَنْظُرْنَ إِلَيْهَا حَيَارَى مِنْ ذَلِكَ الْجَمَالِ الْمُتَكَوِّمِ جُمْلَةً فِي مَخْلُوقَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَلِكَ كَانَتْ خَادِمُ هَارُونَ الرَّشِيدِ بيْنَ الْخَلْقِ تَتَفَرَّجُ عَلَيْهَا حَتَّى نَسِيَتْ نَفْسَهَا وَفَاتَهَا الأَوَانُ.
وَلَمَّا عَادَتْ إِلَى الْمَلِكَةِ مُتَأَخِّرَةً زَجَرَتْهَا زُبَيْدَةُ بِعُنْفٍ وَصَرَخَتْ فِي وَجْهِهَا:
-وَمَا أَخَّرَكِ يَا لَئِيمَةُ عَنْ وَاجِبَاتِكِ فِي هَذَا الْبَلاَطِ؟…أَمْ اِخْتَبَلْتِ فَعَدَدْتِ نَفْسَكِ مِنَ السَّيِّدَاتِ فِي هَذَا الْحَرِيمِ إِذاً تُقِيمِينَ حَيْثُ شِئْتِ كَمَا شِئْتِ؟…لأُعَذِّبَنَّكِ شَدِيدَ الْعِقَابِ أَوْ تَأْتِنَّنِي بِحُجَّةٍ مُقْنِعَةٍ…
نَكَّسَتِ الْجَارِيَةُ تَرْتَجِفُ حَتَّى غَاصَتْ أُذُنَاها بَيْنَ كَتِفَيْهَا الضَّعِيفَتَيْنِ ثُمَّ خَاطَبَتْ مَوْلاَتَهَا بَصَوْتٍ خَافِتٍ:
- "لاَلاَّ" …لَوِ اِتَّصَلْتِ بِالَّذِي كُشِفَ لِي لَعَذَرْتِنِي…
قَالَتْ زُبَيْدَةُ فِي غَضَبٍ:
- وَمَا الَّذِي انْبَلَجَ لأَمَةٍ رَخِيصَةٍ مِثْلِكِ وَلَمْ يَبْدُ لِسِتٍّ عَالِيَةٍ مِثْلِي؟
قَالَتِ الْجَارِيَةُ:
-رَأَيْتُ خَلْقاً خَارِقَ الْبَهَاءِ وَفِي سَنَا الحُسْنِ وَالزَّوَاقِ…رَأَيْتُ زَيْناً ما بَرَأَ اللهُ أَكْمَلَ مِنْهُ…كَأَنَّهُ جُبِلَ فِي طِينَةِ الْجَمَالِ عَيْنِهَا وَصُنِعَ قَالَباً ثُمَّ كُبَّ فِيهِ مَعْدِنُ الرَّوْنَقِ وَالْبَدِيعِ جُلُّهُ فَأَضْحَى صُورَةً لِلْمَلَكِ النَّوْرانِيِّ حَوْلَ العَرْشِ السَّمَاوِيِّ!
شَحُبَ لَوْنُ الْمَلِكَةِ فَاسْتَدْرَجَتْ مُكْفَهِّرةً، تَخْتَنِقُ:
-صَهْ يَا حَمْقَاءُ...كَفَى سَفْسَطَةً أَمْ كَيْفَ يُتَاحُ لِلْوُجودِ خَلْقٌ أَجْمَلُ مِنِّي؟
طَأْطَأتِ الْجَارِيَةُ رَأْسَهَا حَتَّى كَادَتْ شَفَتَاهَا تُلاَمِسَانِ بَلْغَتَهَا ثُمَّ تَأْتَأَتْ بِشَجَاعَةٍ:
- بَلَى مَوْلاَتِي…اِمْرَأَةُ حَسَنٍ الْبَصْرِيِّ!
فَصَفَّقَتْ زُبَيْدَةُ بَيْنَ يَدَيْها بِعُنْفٍ حَتَّى كادَتْ حِجَارَةُ خَوَاتِمِهَا تَطِيرُ ثُمَّ أَزْبَدَتْ:
- أَيُّها الْغِلْمانُ!... نَادُوا عَلَى سَيِّدِكُمْ وَوَلِيِّ نِعْمَتِكُمْ هَارُونَ الرَّشِيدِ وَلْيَحْضُرْ فِي جَنَاحِي حَالاً!
فأَقْبَلَ مُهَرْوِلاً يَسْبِقُهُ غُلاَمٌ زِنْجِيٌّ يُمْسِكُ لَهُ مِرْوَحَةً مِنْ رِيشِ النَّعَامِ، قَدْ صُنِعَتْ فِي بِلاَدِ السُّودَانِ، فَبَادَرَتْهُ الْمَلِكَةُ تَزْأرُ كلَبُؤةٍ فٍي قَفَصٍ:
-مُرْ فَتَحْضُرَ تِلْكَ الْمَرْأةُ فَوْراً وَإِلاَّ أَثَرْتُ قَوْمِي وَأَنْتَ أَدْرَى بِالْعاقِبةِ!…لاَ بُدَّ مِنْ لِقَائِهَا السَّاعَةَ!
نَظَرَ إِلَيْهَا يَنْتَفِضُ كَفَرْخِ الْجَوْزَلِ بَانَتْ عَنْهُ أُمُّهُ وَقَالَ لَهَا كَالْبَلِيدِ:
- عَلَى الْعَيْنِ وَالرَّأْسِ يَا حُلْوَتِي… لاَ تَغْضَبِي وَلاَ دَاعِيَ إِلَى إِثَارَةِ أَحَدٍ!…ولَكِنْ كَيْفَ السَبِيلُ؟
قَالَتْ بِلُؤمٍ:
- نَصْنَعُ "وَزِيعةً" !
وَسُرْعَانَ مَا اشْتَرَيَا بَقَرَاتٍ ثَلاَثاً أَوْ أَرْبَعاً نَحَرَاهَا وَوَزَّعَا لُحُومَهَا عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ حَضَراً وَمَدَراً، أَمَّا بَيْتُ حَسَنٍ فَأَرْسَلاَ إِلَيْهِ عِجْلاً كَامِلاً فَتَفَحَّصَتِ الْعَجُوزُ الْهَدِيَّةَ مَشْدُوهَةً وَقَالَتْ لِلرَّسُولِ:
- فَمَا الَّذِي حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَأْتِيَنِي بِهَذَا الْعِجْلِ كُلِّهِ وَلَيْسَ لَدَيَّ مَنْ يَأْكُلُهُ؟
أَجَابَ الرَّسُولُ غَيْرَ مُبَالٍ:
- يَأْكُلُهُ حَفِيدَاكِ وَأُمُّهُمَا!
ثمَّ غَمَزَها بِعَيْنٍ شَرِيكَةٍ فَأَجْفَلَتْ وَخَاصَمَتْ عَنِ نَفْسِها مُضْطَرِبَةً:
- مَا ذَا الْهَذَيَانُ يَا ابْنِي؟…وَهَلْ حَسَنٌ عِنْدِي أَمْ أَبْنَاءُهُ؟…إِنَّمَا حَسَنٌ غَائِبٌ وَأَنَا وَلِيَّةٌ وَحِيدَةٌ مُنْذُ زَمَنٍ…مَا ذَا التَّخْرِيفُ؟…خُذِ الْعِجْلَ يَا وَلَدِي وَاذْهَبْ بِهِ إِلَى مَطْرَحِهِ الأَوَّلِ!
أُسْقِطَ فِي يَدَيْ زُبَيِدَةَ فَتَلَمَّظَتْ ثُمَّ بَادَرَتْ هَارُونَ الرَّشِيدَ:
-فَأَقْبِلْ نُقِمْ عُرْساً نَدْعُو إِلَيهِ جَمِيعَ الْبَصْرِيِّينَ!
فَأَوْفَدَ السُّلْطَانُ الْبَرَّاحَ بَيْنَ سِكَكِ الْبَصْرَةِ وَأَحْيَائِهَا يُعْلِنُ فِي الْخَلْقِ أَنَّ زَفَافاً عَظِيماً سَيُقامُ فِي السَّرَايَا فَطَفِقَ يَصِيحُ:
-يَا أَهْلَ الْحَضَرِ وَالْمَدَر! يَا مَنْ يُخْبِرُكُم خَيْراً وَعَافِيَةً!…الْعُرْسُ غَداً فِي مَحْضَرِ السُّلْطَانِ وَالْكُلُّ مُكَلَّفٌ بِالتَّشْرِيفِ: كَبِيراً وَصَغِيراً، ذَكَراً وَأُنْثَى، غَنِيّاً وَفَقِيراً، لاَ يَتَخَلَّفَنَّ مِنْكُمْ أَحَدٌ!
فَاجْتَمَعَتِ النَّاسُ فِي الْجَوْسَقِ حَوْلَ اللُّحُومِ الْمَشْوِيَّاتِ وَالْمُفَكِّهَاتِ الطَّازِجَاتِ فَتَوَجَّهَتْ أُمُّ حَسَنٍ وَحْدَهَا إِِلَى الْحَفْلِ فَقَابَلَهَا هَارُونُ الرَّشِيدُ مُؤَنِّباً:
-وَبِأَيِّ حَقٍّ تَخْرُجِينَ عَنْ أَمْرِي وَتَشُقِّينَ عَلَيَّ عَصَا الطَّاعَةِ فتَتَمَتَّعِينَ بِعُرْسِنَا وَحْدَكِ؟…كَيْفَ تُخَلِّفِينَ كَنَّتَكِ وَقَدْ سَمِعْتِ دَعْوَةَ الْبَرَّاحِ؟
تَرَعْدَدَتْ عِظَامُ الْمَرْأَةِ وَكَانَتْ بَعْدُ مُفَكَّكَةَ الْمَفَاصِلِ فتَمْتَمَتْ:
-لَيْسَ لِي كَنَّةٌ يَا مَوْلايَ!
جَرْجَرَ هَارُونُ كَالْفَحْلِ الأَزْرَقِ وَزَأَرَ فِيهَا جَاحِظَ الْعَيْنَيْنِ:
-بَلْ هِيَ فِي دَارِكِ فَلاَ تَسْخَرِي مِنِّي وَإِلاَّ أَطَحْتُ بِرَأْسِكِ هَذَا الْمُقَمَّلِ!
فَانْقَلَبَتِ الْعَجُوزُ تَقْفِزُ كَطِفْلَةٍ تَرْكُضُ وَرَاءَ الْفَرَاشِ بَيْنَ الزُّهُورِ فَبَادَرَتِ الْفَتَاةَ:
-وَيْحِي!…إِنَّ السُّلْطَانَ يَأْمُرُكِ بِأَنْ تَحْضُرِي الْعُرْسَ الَّذِي عَلَتْ أَهَازِيجُهُ فِي السَّرَايَا فَوْراً!
اِمْتَثَلَتِ الْمَرْأةُ وَأَنْشَأَ هَارُونُ الرَّشِيدُ يُقِيمُ النِّسْوَةَ يَرْقُصْنَ الْوَاحِدَةَ تِلْوَ الأُخْرَى حَتَّى بَلَغَ الدَّوْرُ صَاحِبَتَنَا فَاعْتَذَرَتْ:
-مَا أُحْسِنُ الرَّقْصَ يَا سَيِّدِي!
زَمْجَرَ:
- إِلاَّ تَرْقُصِينَ أَوْ لأَحْتَزَّنَّ رَأْسَكِ عَنْ رَقَبَتِكِ!
فَوَقَفَتْ وَقَالَتْ:
- فَإنِّي لاَ أَرْقُصُ إِلاَّ بِرِيشِي!
قَالَ:
- وَأَيْنَ رِيشُكِ؟
قَالَتْ:
-عِنْدَ خَالَتِي…!
وَأَشَارَتْ فِي مَكْرٍ إِلَى حَمَاتِهَا فَأَمَرَهَا الْمَلِكُ:
-فأَعْطِيهَا رِيشَهَا!
تَلَجْلَجَتْ:
-وَمَا أَدْرَانِي بِمَكَانِهِ يَا سَيِّدِي؟
قَالَ:
-يَا إِمَّا تُعْطِينَهَا رِيشَهَا أَوْ أُعَاقِبَنَّكِ أَشَدَّ الْعِقَابِ فَتُمْسِكِي عَنْ تِلْكَ الْمُمَاطَلَةِ الْمُمِلَّةِ!
فَانْسَحَبَتِ الْعَجُوزُ مُضْطَرَّةً وَاسْتَخْرَجَتِ الزُّجَاجَةَ الَّتِي فِيهَا الرِّيشُ نَاوَلَتْهَا السُّلْطَانَ فَقَالَتِ الصَّبِيَّةُ قَبْلَ أَنْ تَرْتَدِيَهُ:
-لِيَكُنِ فِي عِلْمِ مَوْلايَ أَنَّ الْْعَادَةَ عِنْدَنَا أَنْ تَرْقُصَ الْمَرْأَةُ وَأَوْلاَدُهَا تَحْتَ إِبِطَيْهَا!
ثُمَّ إِنَّهَا تَلَفَّعَتْ بذَلِكَ الرِّيشِ فَتَحَوَّلَتْ إِلَى يَمَامَةٍ وَجَعَلَتِ الطِّفْلَ عَلَى الْيَمِينِ وَالطِّفْلَةَ عَلَى الْيَسَارِ وَدَارَتْ قَلِيلاً فِي الْقَاعَةِ تَحْتَ أَنْظَارٍ مَشْدُوهَةٍ ثُمَّ جَمَعَتْ طَاقَتَهَا فَانْطَلَقَتْ مُحَلِّقَةً فَوْقَ الرُّؤُوسِ.
عِنْدَئِذٍ، وَقَدْ بَلَغَ السُّلْطَانُ أَرَبَهُ، خَتَمَ الْمَحْضَرَ فَانْصَرَفَ الضُّيُوفُ وَشَعَرَتْ زُبَيْدَةُ أَنَّ جَنَاحَيْنِ مِنَ السَّعَادَةِ قَدْ نَبَتَا لَهَا الآنَ وَقَدِ اسْتَرْجَعَتْ نِقَابَتَهَا عَلَى ذَوَاتِ الْحُسْنِ وَالدَّلاَلِ فَطَارَتْ فِي سَمَاءِ الْبَصْرَةِ، فَوْقَ قِبَبِهَا وَمَسَاجِدِهَا مُغْتَبِطَةً.
وَجَرَّتْ أُمُّ حَسَنٍ ذُيُولَهَا مُتَرَاخِيَةً فَدَلَفَتْ إِلَى كُوخِهَا جَزِعَةً، مُنْكَسِرَةَ الْخَاطِرِ فَبَكَتْ حَتَّى أَرْمَدَتْ عَيْنَاهَا وَعَضَّتْ شَفَتَيْهَا حَتَّى سَلَخَتْهُمَا ثُمَّ خَطَرَ بِبَالِهَا أَنْ تَحْتَفِرَ قُبُوراً ثَلاَثَةً فِي بُسْتانِهَا فتَجْلِسَ عِنْدَهَا تَنُوحُ.
وَشَاءَتِ الأَقْدَارُ أَنْ يَدْخُلَ حَسَنٌ عَلَيْهَا فِي تِلْكَ الأَثْنَاءِ فَأَلْفَاهَا فِي حُزْنٍ شَدِيدٍ فَهُرِعَ إِلَيْهَا يَسْتَطْلِعُهَا بِلَهْفَةٍ وَقَالَ:
-فَدَتْكِ رُوحِي يَا أُمِّي… مَا شَأْنُكِ تَبْكِينَ؟…وَمَا جُلُوسُكِ بِهَذَا الْمَكَانِ؟…ثُمَّ أَيْنَ أَهْلِي وَصَغِيرَايَ؟…رَبَّاهُ كَأَنَّنِي أَرْتَابُ مِنْ شَيْءٍ مَشْؤُومٍ قَدْ حَدَثَ…
جَاوَبَتِ الْعَجُوزُ تَخْنُقُهَا الدُّمُوعُ:
-هُوَ ذَلِكَ يَا ابْنِي، إِيْ قُرَّةَ عَيْنِي…فَإِنَّ زَوْجَكَ وَابْنَيْكَ قَدْ تَوَفَّاهُمُ الأَجَلُ يَا كَبِدِي… !
اِرْتَعَشَ حَنْكُ حَسَنٍ وَامْتَقَعَ لَوْنُهُ فَجْأَةً كَأَنَّهُ يُفْرَغُ مِنْ دَمِهِ فِي دُلْوٍ ثُمَّ اسْتَفَاقَ مُسْتَفْهِماً:
- مَاتُوا؟…وَهَلْ يُمُوتونَ فَرْدَ مَرَّةٍ يَا أُمِّي؟…هَلْ هِيَ اللَّعْنَةُ؟…رَبَّاهُ! مَا لَهَذِهِ الدَّارِ قَدْ تَغَيَّرَتْ أَحْوَالُهَا فِي خِضَمِّ شَهْرٍ قَصِيرٍ؟
وكَأَنَّ الشَّكَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ بَغْتَةً فَنَبَشَ الْقُبُورَ فَإِذَا مَكَانَ الْمَوْتَى عَكَاكِيزُ مَدَّتْهَا الْعَجُوزُ عَلَى أَنَّهَا رِمَمٌ فَازْوَرَّ الْفَتَى كَفُّهُ عَلَى قَائِمِ الْمُهَنَّدِ وَجَعَلَ يَصْرُخُ فِي وَجْهِ أُمِّهِ، جَاحِظَ الْعَيْنَيْنِ، مَجْرُوحَ الْكَرَامَةِ:
- مَا هَذَا يَا أُمِّي؟…أَوَ بعْدَ أَنْ غَزَا الشَّيْبُ رَأْسَكِ وَابْيَضَّ مَفْرَقُكِ نَفَضْتِ عَنْهُ الْحِكْمَةَ
وَفَلَوْتِ الزُّهْدَ فَاسْتَعَضْتِ بِالْكَذِبِ؟…أَوَ بعْدَ ذَلِكَ اللِّقَاءِ الْقَصِيرِ أَفْرَغْتِ فُؤَادَكِ مِنِّي فجَعَلْتِ تَكِيدِينَنِي؟…ثُمَّ هَلْ يَسْخَرُ أَحَدٌ بِالْمَوْتِ؟…لَتَعْتَرِفِنَّ الآنَ بِالْحَقِيقَةِ كُلِّهَا أَوْ لأَبْتِرَنَّ مَا بَيْنَنَا مِنْ رَحِمٍ إِلَى غَيْرِ رَجْعَةٍ!
اِنْتَحَبَتِ الْعَجُوزُ وَآثَرَتْ أَنْ تَرْوِيَ عَلَيْهِ تَفَاصِيلَ السَّالِفَةِ حَتَّى اسْتَوْفَتْهَا. عِنْدَئِذٍ، سَأَلَهَا:
-وَهَلْ قَالَتْ لَكِ شَيْئاً قَبْلَ رَحِيلِهَا؟
هَزَّتِ الأُمُّ رَأْسَهَا وَقَالَتْ:
-أَجَلْ يَا وَلَدِي…قَالَتْ: " إِذَا كَانَ عَاشِقاً وَمَعْشُوقاً فَلْيَلْحَقْ بِي إِلَى بِلاَدِ الْوَاقْ وَاقْ"!
مَا عَتَمَتِ الْمَرْأةُ تَلْتَقِطُ أَنْفَاسَهَا حَتَّى كَانَ الْفَتَى قَدِ امْتَطَى مُهْرَهُ السِّحْرِيَّةَ وَأَدْرَكَ أَخَواتِهِ الْجِنِّيَّاتِ يَشْكُو إلَيْهِنَّ مَا أَلَمَّ بِهِ وَيَسْتَجْدِيهِنَّ عَلَى عَضَّةِ الزَّمانِ فَصَارَحَتْهُ الْكُبْرَى:
-لاَ بُدَّ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الآنَ مِنَ الصُّعُوبَةِ بِمَكَانٍ…وَلَوْ أَنَّكَ تَمُدُّ يَدَكَ إِلَى السَّمَاءِ فَتَلْمَسُ لِحَافَهَا الأَزْرَقَ كَذَلِكَ تُدْرِكُ زَوْجَكَ!…إِنَّمَا أُعْطِيكَ رِسَالَةً تُوصِلُهَا إِلىَ عَمِّهَا، فَإِذَا صِرْتَ عَلَى عَتَبَةِ بَابِهِ نَدَرَ إلَيْكَ وَصِيفٌ زِنْجِيٌّ شَدِيدٌ. أَلاَ فَانْتَبِهْ إِلَى مَلاَمِحِهِ جَيِّداً فَإِذَا رَأَيْتَهُ يَضْحَكُ لَكَ فَاطْمِئنَّ وَادْخُلْ بِأَمَانٍ، أَمَّا وَإِنْ بَدَا إِلَيْكَ مَفْقُوعاً، عَابِساً فَوَلِّ الأَدْبَارَ يا أَخِي وَلاَ تُلْوِ عَلَى شَيْءٍ!
فَتَوَكَّلَ حَسَنٌ عَلَى اللهِ وَيَمَّمَ شَطْرَ بِلاَدٍ بَعِيدَةٍ تَبْتَدِئُ حُدُودُهَا هُنَاكَ مَعَ الأَفُقِ. وَكَانَ كُلَّمَا قَطَعَ شَوْطاً، كُلَّمَا بَدَا لَهُ أَنَّ الْمَسَافَةَ تَتَمَطَّى أَشْوَاطاً حَتَّى اسْتَثْقَلَ الشَّطُونَ وَلَوْلاَ حُبُّهُ لأَهْلِهِ وَعِيَالِهِ لَتَخَلَّى عَنِ الْمَهَمَّةِ.
وَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ شَرِيدَ الأَفْكَارِ وَالْمَشَاعِرِ، عَنَّ لَهُ قَصْرٌ عَرَفَ مَعَالِمَهُ فَدَقَّ بَابَهُ فنَدَرَ إِلَيْهِ الزِّنْجِيُّ فَنَاوَلَهُ الرِّسَالَةَ وَلَّى بِهَا إِلَى سَيِّدِهِ عَمِّ الْبِنْتِ وسُرْعَانَ مَا آبَ يَضْحَكُ فَاطْمَأَنَّ فُؤَادُ حَسَنٍ وَوَلَجَ الْبِنَايَةَ فَاسْتُضِيفَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مُكَرَّماً ثُمَّ أَعْطَاهُ الْعَمُّ خِطَاباً آخَرَ لِشَقِيقِهِ وَأَوْصَاهُ مِثْلَ وَصِيَّةِ الْجِنِّيَّةِ فَانْطَلَقَ بِهَا حَسَنٌ وَمَشَى شُهُوراً قَبْلَ أَنْ يَخْلُصَ إِلَى مَسْكَنِهِ فَدَقَّ الْبَابَ الكَبِيرَ فَظَهَرَ لَهُ وَصِيفٌ زِنْجِيٌّ مَا فَتِئَ أَنْ غَابَ فِي دَهَالِيزِ الْجَوْسَقِ ثُمَّ رَجَعَ يَضْحَكُ فَتَبِعَهُ حَسَنٌ إِلَى جَوْفِ الْقَصْرِ بيْنَ أرْوِقَةٍ مِنَ الشَّمْعِ المُتَّقِدِ فَأُكْرِمَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ضِيَافَةً سَخِيَّةً وَأَعْطَاهُ صَاحِبُ الْمَكَانِ كِتَاباً آخَرَ لأَخِيهِ الثَّالِثِ فَانْصَرَفَ حَسَنٌ يَفْتِقُ مِصْراً وَيَرْتِقُ قُطْراً حَتَّى بَلَغَ الْمَضْرِبَ فَاسْتَقْبَلَهُ الزِّنْجِيُّ ضَاحِكاً وَتَمَتَّعَ بِأَيَادٍ ثَلاَثٍ قَبْلَ أَنْ يُنَاوِلَهُ الْعِفْرِيتُ مَكْتُوباً رَابِعاً وَيَقُولَ لَهُ:
-اُقْصُدْ عَمَّتَهَا أَمَّا أَنَا فَلاَ طَاقَةَ لِي عَلَى حَاجَتِكَ يَا ابْنَ آدَمَ!
فَزَفَرَ الرَّجُلُ زَفْرَةً عَمِيقَةً وَجَعَلَ يَرْصُفُ الْبُلْدَانَ كَأنَّهَا عَقِيقُ قِلاَدَةٍ حتَّى بَانَ لَهُ الْمَكَانُ آخِرَ الْمَطَافِ وَقَدْ تُخُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ بَلَغَ حَدَّ الْمَعْمُورَةِ وَأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ أَنْ تُوجَدَ أَرْضٌ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ وَصِيفَةٌ زِنْجِيَّةٌ أَمْسَكَتِ الْمَكْتُوبَ وَسُرْعَانَ مَا آبَتْ بِهِ تَضْحَكُ فَسَاقَتِ الْفَتَى إِلَى جِوَارِ الْعَمَّةِ فَأَلْفَاهَا خَلْقاً عَجِيباً: جِيدُهَا طَوِيلٌ مَا بَيْنَ ابْنِ آدَمَ وَالزَّرَافِ وَصَدْرُهَا مَرَّتَيْنِ كَصَدْرِ الإِنْسَانِ وَعَيْنَاهَا كَأَنَّهُمَا زُجَاجَتَانِ مُسْتَدِيرَتَانِ وَأَظْفَارُهَا طَوِيلةٌ مُشَحَّذَةٌ كَالْعَوَالِي وَشَعْرُهَا أَسْوَدُ كَالْفَحْمِ قَدْ ضَفَرَتْهُ إِلَى آلاَفِ الضَّفَائِرِ الرَّقِيقَةِ فَبَرَمَتْهَا دَوْلاَبَيْنِ حَوْلَ أُذُنَيْهَا الْمُنْفَصِلَتَيْنِ وَذِرَاعَاهَا طَوِيلَتَانِ إِلَى حَدِّ الرُّكْبَتَيْنِ فَعَقَلَتِ الرَّهْبَةُ لِسَانَ الْفَتَى لَكِنَّهَا أَكْرَمَتْهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَهَبْنَ بِوَجَلِهِ فَأَمْسَكَتْ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ:
-لَقَدِ اطَّلَعْتُ عَلَى خَطِّ أَخِي فِي أَرْضِ كَذَا الْمَحْرُوسَةِ… أَمَّا فَإِنَّ الأَمْرَ صَعْبٌ جِدّاً يَا آدَمِيُّ وَكُلُّهُ أَهْوَالٌ وَثُبُورٌ! وَإِنَّكَ سَوْفَ تَمُرُّ بِجَبَلٍ يَشْتَعِلُ نَاراً ثُمَّ بِجَبَلِ عَقَارِبَ فَبِجَبَلٍ مِنَ الثَّعَابِينِ…وَلَكِنَّنِي نَصَرْتُكَ بِزِيرٍ تَتَدَحْرَجُ فِيهِ وَإنْ شَاءَ اللهُ تُعَافَى!
فَشَكَرَ حَسَنٌ الْعَمَّةَ نَسِيبَتَهُ فَغَادَرَ مَمْلَكَتَهَا ثُمَّ إِنَّهُ اسْتَوَى فِي "الشِّبَالِيِّ" وَطَفِقَ يَتَكَوَّرُ حَتَّى حَبَسَ بِهِ حَدَّ طِفْلَيْنِ صَادَفَهُمَا يَتَشَاجَرَانِ عَلَى عُكَّازٍ وَشَاشِيَّةٍ فنَدَرَ إِلَيْهِمَا يَسْتَفْهِمُهُمَا:
-مَا بَالُكُمَا تَتَعَارَكَانِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؟…أَلاَ تَسْتَحِيَانِ فَتَتَهاوَشَا بِهَتِهِ الصُّورَةِ مَعَ أَنَّكُمَا غُلاَمَانِ بَالِغَانِ؟…أَلاَ وِئَامَ فِي هَتِهِ الدُّنْيَا حَتَّى بَيْنَ الإِخْوَةِ؟
قَالَ أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ بِاهْتِمَامٍ:
-فَإنَّكَ لَوْ ضَرَبْتَ الأَرْضَ بِهَذَا الْعُكَّازِ لَخَرَجَتْ إِلَيْكَ ثُكْنَةٌ مِنَ الْعَسْكَرِ تُحَارِبُ مَعَكَ. وَأَمَّا تِلْكَ الشَّاشِيَّةُ فَتُخْفِيكَ عَنِ الأَنْظَارِ!
حَكَّ حَسَنٌ ذَقْنَهُ بِتَحَايُلٍ وَبَادَرَ الطِّفْلَيْنِ:
- طَيِّب، فَهَاتِ يَا طِفْلُ الْعَصَا وَالشَّاشِيَةَ أَحْرُزْهُمَا وسَأَحْكُمُ بَيْنَكُمَا بِالْقِسْطِ!
ثُمَّ أَطْرَقَ وَأَضَافَ:
- أَنْصِتَا إليَّ…سَأُلْقِي إلَيْكُمَا بِحَجَرَيْنِ. مَنْ أَمْسَكَ مِنْكُمَا بِالْحَجَرِ الأَبْيَضِ غَنِمَ بِالْعُكَّازِ وَمَنْ شَدَّ الأَحْمَرَ رَبِحَ الشَّاشِيَّةَ!
وَأَلْقَى إِلَيْهِمَا بِالْحَصَاتَيْنِ وَبَيْنَما هُمَا يَتَسَابَقَانِ إِلَيْهِمَا مُتَدَافِعَيْنِ، تَقَلْنَسَ حَسَنٌ بِالطَّاقِيَةِ السِّحْرِيَّةِ وَاخْتَفَى تُوّاً كَالسَّرَابِ فَإِذَا عَادَ الصَّبِيَّانِ يَلْهَثَانِ مَا أَلْفَيَا سِوَى الْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ وَقَدْ خَدَعَهُمَا الْغَرِيبُ وَغَبَرَ فحَزِنَ الطِّفْلاَنِ وَقَالَ أَحَدُهُمَا مُتَأَوِّهاً:
-أَرَأَيْتَ يَا أَخِي؟ فَلَوْ أَنَّا اقْتَسَمْنَاهُمَا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ لَرَبِحَ كِلاَنَا وَلَكِنَّا جَشِعْنَا فَخَسِرْنَاهُمَا معاً وَوَقَعْنَا فِي شَرَكِ الأَجْنَبِيِّ كَمَا يَقَعُ الْفَأْرُ فِي الْمَصْيَدَةِ!
***
اِسْتَوَى حَسَنٌ فِي جَوْفِ الزِّيرِ وَطَفِقَ يَتَكَرْدَحُ مَلِيّاً حَتَّى جَازَ عَنْ جَبَلِ النَّارِ فَلَمْ يَمْسَسْهُ سُوءٌ فمَرَقَ مِنْ جَبَلِ الْعَقَارِبِ ثُمَّ الْحِنْشانِ، كُلُّ حَيَّةٍ كَالْوَادِي الْحَامِلِ وَلَكِنَّهُ نَفَذَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ سَالِماً. وَوَطِئَ أخِيراً بَرّاً يَنْتَهِي إِلَى جَبَلٍ يَبَابٍ، يَعْلُوهُ قَصْرٌ عَظِيمٌ، فَتَسَلَّقَهُ وَدَلَفَ إِلَى الْقَصَبَةِ مُخْتَفِياً تَحْتَ شَاشِيَتِهِ. وَهَاهُو ذَا يَغُوصُ بَيْنَ دَهَالِيزِهِ الْبَارِدَةِ، الصَّامِتَةِ كَأَنَّهَا مَتَاهَةٌ عَظِيمَةٌ حَتَّى سَلَكَ مَضِيقاً فَانْفَرَجَتْ قُدَّامَهُ بَاحَةٌ مَرْمَرِيَّةٌ فأََلْفى زَوْجَهُ وَوَلَدَيْهِ جَالِسِينِ عَلَى الآجُرِ الْبَارِدِ، مَرْبُوطِينِ إِلَى جِدَارٍ. وَكَانَتْ أُخْتُ زَوْجِهِ الْكُبْرَى تَضْرِبُهُمْ ضَرْباً مُبَرَّحاً عِنْدَ كُلِّ فُطُورٍ وَغَدَاءٍ أَوْ عَشَاءٍ كَأَنَّهَا وَحْشٌ مَجْرُوحُ الْقَلْبِ يَنْقَضُّ عَلَى قَاتِلِ صَغِيرِهِ.
غافَلَ حَسَنٌ نَفَراً مِنَ الْحُجَّابِ حَتَّى إِذَا صَادَفَ مِنْهُمْ غِرَّةً، خَلَعَ عَنْ رَأْسِهِ الطَّاقِيَةَ فَلَمَحَهُ ابْنُهُ فَصَاحَ:
-هَذَا أَبِي يَا أُمَّاهُ! إِنَّهُ وَاللهِ أَبَتِ!…
فَمَا كَادَتْ شَفَتَاهُ الصَّغِيرَتَانِ تَلْفِظَانِ آخِرَ حَرْفٍ حَتَّى أَقْبَلَتْ خَالَتُهُ تُهَرْوِلُ، فِي يَدِهَا قَضِيبٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَأَكَبَّتْ عَلَيْهِ تَضْرِبُهُ بِهِ وَتَشْتُمُهُ وَتَارَةً تُوسِعُ أُمَّهُ وَأُخْتَهُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضاً وَتَصِيحُ:
-أَمَا زِلْتَ تَحْلُمُ بِأَبِيكَ ذَلِكَ الْوَقِحِ يَا لَئِيمُ؟
لَمْ يَكُنْ أَنِينُ الصَّبِيِّ يَتَوَجَّعُ وَلاَ مَنْظَرُ الدَّمِ مِنْ جُرُوحِهِ يَتَدَفَّقُ لِيُثِيرَ الشَّفَقَةَ فِي أَحْشَاءِ ذَلِكَ الْمَارِدِ الْقَاسِي فَصَرَخَتِ الصَّبِيَّةُ:
- لِمَ تُعامِلِينَنَا كَذَا يَا خَالَةُ؟…أَلَسْنَا مِنْ لَحْمِكِ وَدَمِكِ؟
فَنَهَرَتْهَا الْجِنِّيَّةُ مَسْعُورَةً وَاللُّعَابُ يَتَطَايَرُ مِنْ بَيْنِ أَنْيَابِهَا:
- خَالَتُكِ تُخْلِيكِ! …مِنْ دَمِي وَلَحْمِي؟…كَلاَّ، وَرَبِّ الْجِنِّ مَا أَنْتُمَا إِلاَّ مِنَ الْقَذِرةِ شَتْلَةِ ذَلِكَ الآدَمِيِّ أَبِيكُمْ وَلَوْلاَ أَنَّ أُمَّكُمَا خَائِنَةٌ طَلَتْ بَنِي قَوْمِنَا وَعَشِيرَتَنَا الْعَارَ لَمَا جَرُؤْتِ الآنَ يَا خَبِيثَةُ فَتَطَاوَلْتِ عَلَيَّ…
ثُمَّ مَدَّتْ ذِرَاعَها عَالِياً فَوْقَ رَأْسِهَا حَتَّى كَادَ الإِبِطُ يَتَمَزَّقُ فَأَهْوَتْ تَصُبُّ عَلَيْهِمْ جَامَ غَضَبِهَا وَتُذِيقُهُمُ الْوَيْلَ وَالدَّمارَ لاَ تَكُفُّ.
شَعَرَتِ الأُمُّ كَأَنَّ أَحْشَاءَهَا تَتَمَزَّقُ، تُقْتَدُّ اقْتِدَاداً فَحَضَّتْ وَلَدَيْهَا عَلَى السُكُوتِ حَنُوناً، مُشْفِقَةً وهَمَسَتْ:
-اُسْكُتَا الآنَ يَا صَغِيرَيَّ وَصَبْرُكُمَا عَلَى اللهِ!
وَكَانَ لَهَا ذَلِكَ فكَفَّتِ الْحَيَّةُ الْمَسْعُورَةُ عَنْ تَعْذِيبِهِمْ وَسُرْعَانَ مَا جَذَبَ الظَّلاَمُ عَلَيْهِمْ لِحَافَهُ الْقَاتِمَ يَسْتُرُهُمْ… كَأَنَّ الظَّلامَ أَرْحَمُ بِهِمْ وَأَلْطَفُ مِنْ خَالَةٍ يَجْرِي فِي عُرُوقِهَا دَمُهُمْ فَخَيَّمَ الصَّمْتُ وَنَامَتِ الْكَائِنَاتُ طُرّاً فَانْبَلَجَ حَسَنٌ قُدَّامَ أَهْلِهِ كَالرُّؤْيَا الْمُضِيئَةِ أَوِ الطَّيْفِ المُحَرِّرِ فَسَأَلَ:
-هَلْ تَقْدِرُونَ عَلَى الْحِرَاكِ؟
زَفَرَتِ الْوَلِيَّةُ وَقَالَتْ مُكَفْكِفَةً دُمُوعَهَا بَيْنَمَا وَلَدَاهُ يَتَشَبَّثَانِ بِهِ هَازِجَيْنِ كَفِرَاخِ العَصَافِيرِ عَلَى أَفْنَانِ الرَّبِيعِ:
- وَأَخِيراً لَحِقْتَ بِبِلاَدِ الْوَاقْ وَاقْ يَا عَاشِقِي وَمَعْشُوقِي…مَعْذِرَةً يَا أَنْبَلَ الْفِتْيَانِ إِنَّمَا حَمَلَتْنِي كَرَامَةُ نَفْسِي وَنَخْوَةٌ فِيَّ فَاسْتَشْرَفْتُ عَلَيْكَ وَلَمَّا خَدَعَنِي بَعْضُ شَوْقٍ إِلَى رَبْعِي وَبَنِي مِلَّتي رُمْتُ رَحِماً وَوِدَاداً وَلَكِنَّنِي دَفَعْتُ الثَّمَنَ الآنَ غَالِياً فَلاَ تَلُمْنِي وَيَا لَيْتَنِي عُوقِبْتُ وَحْدِي عَلَى تَهَوُّرِي أَمَّا فَإِنَّ ذَيْنِكَ الحَمَلَيْنِ الْبَرِيئَيْنِ أَيْضاً…
ثُمَّ أَجْهَشَتْ بِالْبُكَاءِ الْحَارِّ فَمَالَ عَلَيْهَا حَسَنٌ يُلاَطِفُهَا بِحَنَانٍ وَسُرْعَانَ مَا أَرْكَبَهُمْ جَمِيعَهُمْ فِي الزِّيرِ فَرَاحُوا يَتَدَحْرَجُونَ، يَتَدَحْرَجُونَ حَتّى إِذَا ابْتَعَدُوا قَلِيلاً، جَعَلَ يَسْأَلُ بِقَلَقٍ:
-وَأَيْنَ صَارَتْ أُخْتُكِ؟
أَجَابَتْهُ بِاطْمِئْنَانٍ:
-إِنَّهَا مَا تَزَالُ نَائِمَةً!
عَاوَدَ:
-وَأَيْنَ صَارَتْ أُخْتُكِ؟
رَدَّتْ بِاهْتِمَامٍ:
-إِنَّهَا لِحِينِهَا مُسْتَيْقِظَةٌ!
فَاسْتَمَرَّ مُتَكَرْدِحاً زَمَناً ثُمَّ كَرَّرَ:
-وَأَيْنَ صَارَتْ أُخْتُكِ الآنَ؟
تَلَفَّظَتْ مُشْفِقةً:
- تَنَاوَلَتْ عِصْيَانَ الْحَدِيدِ وَأَضْرَمَتِ النَّارَ لِتَصْلاَهَا!
فَحَثَّ الشِّبَالِيَّ عَلَى التَّزَحْلُقِ أَسْرَعَ ثُمَّ كَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ:
-وَالآنَ أَيْنَ هِيَ؟
أَرْدَفَتْ مُرْتَعِشَةً:
- فَإِنَّهَا قَدْ حَمَلَتِ الْقُضْبَانَ وَلَحِقَتْ بِنَا تُبِيدُنَا!
فَضَرَبَ حَسَنٌ الْجَرَّةَ مِنْ جَوْفِهَا بِقَدَمَيْهِ كَأَنَّه يُطْلِقُ فِيهَا كُلَّ طَاقَتِهِ الْبَاطِنِيَّةِ فَثَارَتْ تَتَكَوَّرُ كَالشِّهَابِ يَحْرِقُ الأَجْوَاءَ وَقَدْ بدَتْ شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحِجَارَةِ عَلَى الطَّرِيقِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْمَرْأَةِ يَقُولُ:
-فأََيْنَ صَارَتِ الآنَ؟
قَالَتْ:
- لَمَّا دَخَلَتِ الدَّارَ تَلْتَمِسُنا وَلَمْ تَجِدْنَا كَدَّسَتْ جُيُوشَ الْمَرَدَةِ وَالأَشْبَاحِ تَتَقَفَّى آثَارَنَا!
فَنَدَرَ حَسَنٌ مِنَ الزِّيرِ وَضَرَبَ الأَرْضَ بِعَصَاهُ فَخَرَجَتْ ثُكْنَةٌ مِنَ الْجَيْشِ صَدَمَتْ جَيْشَ الْجِنِّيَّةِ الْقَبِيحَةِ تُبَارِزُهُ فَابْتَهَلَهَا الرَّجُلُ جَلَبَةً وَخَشَّ فِي الْجَرَّةِ مِنْ جَدِيدٍ وَابْتَعَدَ.
اِنْقَلَبَ آلُ الْجَرَّةِ طَوِيلاً قَبْلَ أَنْ يَمِيلَ حَسَنٌ عَلَى امْرَأَتِهِ وَيَسْتَعْلِمَ:
- وَأُخْتُكِ الآنَ أَيْنَ خَبَرُهَا؟
قَالَتْ تَتَأَسَّى:
-فَإِنَّ جَيْشَهَا غَلَبَ جَيْشَنَا!
فَنَدَرَ حَسَنٌ مَرَّةً أُخْرَى وَفَلَقَ الأَرْضَ بِعَصَاهُ فَخَرَجَ جَيْشٌ عَظِيمٌ مِنَ الْجِنِّ أَثْخَنَ فِي الْعَدُوِّ جِرَاحاً وَبَزَّ فَاغْتَنَمَ حُجُبَ النَّقْعِ وَلَجَبَةَ الصِّدَامِ وَبَرَّزَ بِزِيرِهِ بَعِيداً، بَعِيداً حَتَّى إِذَا بَدَا لَهُ الْمِشْوَارُ كَافِياً اِسْتَفْهَمَ مِنْ جَدِيدٍ:
-وَفِي أَيِّ طَوْرٍ أُخْتُكِ ذَا الْوَقَتَ؟
قَالَتْ:
-فَإِنَّ جَيْشَهَا بَزَّ جَيْشَنَا!
فَتَمَلَّصَ حَسَنٌ مِنْ مَرْكَبِهِ وَغَرَسَ عُكَّازَهُ فِي الثَّرَى مَرَّتَيْنِ مُتَتالِيَتَيْنِ فَبَرَزَ عَسْكَرَانِ رَهِيبَانِ وَلاَ جَيْشَيْ تَيْمُورَ وَالإِسْكَنْدَرِ فَانْدَفَعَا يَسْحَقَانِ جَيْشَ سِلْفَتِهِ وَبَيْنَمَا الدُّنْيَا فِي غَمْغَمَةٍ وَهَمْهَمَةٍ اِخْتَفى حَسَنٌ فِي الزِّيرِ وَجَعَلَ يَتَكَرْتَحُ حَتَّى ضَرَبَتْ زَوْجُهُ فِي يَدَيْها مُزَغْرِدَةً:
- فَإِنَّ جَيْشَنَا غَلَبَ يَا حَسَنُ!
اِسْتَمَرَّ حَسَنٌ يَقُودُ الشِّبَالِيَّ عَلَى طَرِيقِ النَّجَاةِ، يَجْرِفُ الأَتْرِبةَ تحْتَهُ جَرْفاً كَأَنَّه السَّيْلُ الْعَرِمُ ثُمَّ مَالَ عَلَى زَوْجِهِ:
- عَشَمِي أَنْ تَكُونَ قَدْ خَلَّتْ عَنَّا الآنَ!
قَالَتْ زَافِرَةً:
- يا حَسْرَةُ!…إِنَّمَا تَلْتَمِسُنَا بِإِلْحَاحٍ!
فَانْطَلَقَ حَسَنٌ يَرْكُلُ الْجَرَّةَ بِكَعْبَيْهِ كَأَنَّه يَحُثُّ دَابَّةً فَانْطَلَقَ الزِّيرُ كَالسَّهْمِ يَشُقُّ الشِّعَابَ تِلْوَ الشِّعَابِ حَتَّى تَجَاوَزَ جَبَلَ الثَّعَابِينِ ثُمَّ الْعَقَارِبِ فَالنَّارِ فَخَلَصَ إِلَى قَصْرِ الْعَمَّةِ فَدَهَمَ عَلَيْهَا كَمَا أَوْصَتْ فَفَرِحَتْ بِهِمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ طَرَحُوا أَثْنَاءَهَا وَصَبَ الْمُغَامَرَةِ ثُمَّ فَعَلُوا كَذَلِكَ مَعَ كُلٍّ مِنَ الأَعْمَامِ الثَّلاَثِ.
عِنْدَئِذٍ، أَقْلَعُوا إِلَى سَرَايَا الأَخَوَاتِ السَّبْعِ فَاسْتَقْبَلْنَهُمْ خَيْرَ اسْتِقْبَالٍ وَحَضَّرْنَ لَهُمُ الْحَمَّامَاتِ بِمَاءِ الْعِطْرِ وَالْيَاسَمِينِ يَغْتَسِلُوا مِنْ أَدْرَانِ الذُّلِّ وَيَتَخَلَّصُوا مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ فَنَبَذْنَ إِلَيْهِمْ أَشْهَى الأَطْبَاقِ فَشَبِعُوا بَعْدَ حِرْمَانٍ وَنَعِمُوا بَعْدَ ضَيْرٍ وَلَمْ يُغْفَلْ عَنِ الصَّغِيرَيْنِ فَاعْتُنِيَ بِهِمَا وَعُوِّضَا عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا فَقَداَ مِنْ بَرَاءَةِ الطُّفُولَةِ ثُمَّ اسْتَحْلَفُوا الزَّوْجَ فَوَعَدَتْ أَلاَّ تَخُونَ الْعَهْدَ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَداً.
وَبَيْنَمَا الْكُلُّ يَرْفُلُ فِي بَحْبُوحَةٍ، مَالَتِ الْكُبْرَى عَلَى أَخِيهَا وَطَفِقتْ تَنْصَحُهُ:
-مَهْماً يَكُنْ فَتِلْكَ أُمُّكَ يَا حَسَنُ وَلاَ طَفْرةَ مِنْ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهَا!
ازْوَرَّ حَسَنٌ فَاحْمَرَّتْ صُورَتُهُ من الْغَضَبِ وَصَاحَ:
- كَلاَّ!…أَبَداً!…مُحالٌ أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْهَا!
أَلَحَّتْ:
- وَلَكِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَإِنَّ الأُمُورَ قَدِ اسْتَوَتْ نِهَائِيَّاً فَلاَ مَفَرَّ مِنْ زِيَارَتِهَا وَحَرَامٌ أَنْ تُجَافِيَهَا!…بَلْ سَنُزُورُهَا جَمِيعاً!
فَأَرْخَى أَطْرَافَهُ كِنَايَةً عَنِ الاِسْتِسْلاَمِ فَانْبَرَيْنَ يُحَضِّرْنَ مِنْ كُلِّ النَّفَائِسِ أَغْلاَهَا وتَوَجَّهُوا أَجْمَعُهُمْ أَكْتَعُونَ إِلَى حَيِّهَا الْعَتِيقِ بِالْبَصْرَةِ فَصَادَفُوهَا تَبْكِي، تُعَانِي الْحَرَجَ وَالْحَيْفَ فَارْتَمَتْ عَلَيْهَا الْجِنِّيَّاتُ وَصِرْنَ يُهَدِّئْنَ مِنْ رَوْعِهَا وَيَعِدْنَهَا خَيْراً صَائِحَاتٍ:
- ولَّى الْهَمُّ الآنَ يَا خَالَةُ!…أَمَّا هَذَا فَابْنُكِ وَأَمَّا نَحْنُ فَبَناتُكِ وَأَمَّا هَارُونُ الرَّشِيدُ الْمُتَسَبِّبُ فِي كُلِّ هُمُومِكِ فَسَنَقْضِي عَلَيْهِ!
وَمَا إِنِ اسْتَيْقَظَ الْبَصْرِيُّونَ مَعَ نُضْرَةِ الإِشْرَاقِ حَتَّى وَجَدُوا الْمَكَانَ مُتَغَيِّراً وَكُوخَ الْعَجُوزِ أُمِّ حَسَنٍ مُخْتَفِياً وَقَدْ نَشَأَ مَكَانَهُ صَرْحٌ سَامِقٌ…أَصْبَحَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَفْرِكُونَ الأَعْيُنَ وَيَرْمِشُونَ ثُمَّ يَجْحَظُونَ فَيَسْألُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً:
- مَا الَّذِي حَدَثَ؟…هَلْ تَنْبُتُ الْجَوَاسِقُ فِي الْبَصْرةِ كَالغَرْسِ وَتَنْخَسِفُ الأَكْوَاخُ هَكَذَا بِنَقْرَةِ الأَصَابِعِ؟…وَأيْنَ أُمُّ حَسَنٍ؟…الْمَغْبُونَةُ…لَعَلَّ الأَرْضَ جَرَضَتْهَا أَيْضاً!؟
وَبَيْنَمَا الْخَلْقُ يَضْرِبُ أَخْمَاساً بِأَسْدَاسِ، لاَ يَعْقِلُونَ كَيْفَ يَصِيرُ ذَلِكَ بَيْنَ عَشِيَّةٍ وَضُحَاهَا، هَرْوَلَ الْحُرَّاسُ إِلَى السُّلْطَانِ يُنْبِئُونَهُ بِالأُعْجُوبَةِ فَطَارَ إِلَى ذَلِكَ الْبُرْجِ الْعَجِيبِ فَتَسَمَّرَ عِنْدَهُ فَاغِراً فَاهُ، مُقَلِّباً عَيْنَيْنِ زَائِغَتَيْنِ، مُتَحَيِّراً مِنْ ضَخَامَتِهِ وَحُسْنِ تَشْيِيدِهِ فَضَاقَتْ نَفْسُهُ إِذْ وَجَدَهُ أَجْمَلَ وَأَبْهَى مِنْ سَرَايَاهُ وَقَدْ كَانَ أَمْسِ أرْذَلَ مَضْرِبٍ بِالْبَصْرَةِ يَعَافُ الْحَمامُ أَنْ يُرَوِّثَ فِيهِ.
فَجَعَلَ يَجُولُ بَيْنَ أَجْنِحَتِهِ وَأَرْوِقَتِهِ، يَعْتَلِجُ الْغَيْرَةَ وَالْحَسَدَ فَإِذَا بِالْجِنِّيَّاتِ يُطْلِلْنَ عَلَيْهِ بَغْتَةً فنَسَفْنَ بِهِ فَمَاتَ وَعَاشَ حَسَنٌ سَعِيداً، هَانِئاً بَيْنَ أُمِّه وَزَوْجِهِ وبَنِيهِ وَأَخَواتِهِ.
خَتَمَ الْمَدَّاحُ قَالَ: أَنَا أُحْجِيَتِي أُحْجِيَةُ الْوَادِي الْوَادِي، أَنَا أُحَاجِيهَا أَوْلاَدَ الأَجْوَادِ!
-أَكِّدْ عَلَى أُمِّكَ فَتُخْفِيَهُ بِإِحْكَامٍ وَلاَ تَنْعَتَهُ لاِمْرَأَتِكَ أَبداً وَإِلاَّ حَصَلَ مَا لاَ تُحْمَدُ عُقْبَاهُ!
فَجَعَلاَهُ فِي زُجَاجَةِ بِلَّوْرٍ وَالزُّجَاجَةَ فِي عُلْبَةٍ فَالْعُلْبَةَ فِي بُرْمَةٍ ثُمَّ حَفَرَا فِي الْبُسْتَانِ، عِنْدَ جِذْعِ شَجَرَةٍ مَعْلُومَةٍ، حُفْرَةً عَمِيقَةً فَأَوْدَعَاهَا الأَمَانَةَ وَرَدَماها بِطَبَقَاتٍ مِنَ التَُّرابِ وَخَلَّيَا عَنْهَا.
وَمَاتَ شَهْرٌ آخَرُ فَعَزَمَ الْفَتَى عَلَى فِرَاقِ أُمِّهِ وَاللَّحَاقِ بِأَخَوَاتِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَأَلَّبْنَ عَلَيْهِ فَلاَ يَجِدَ مِنْ شَرِّهِنَّ خَلاَصاً وَآثَرَتْ حُرْمَتُهُ الْمُكُوثَ عِنْدَ حَمَاتِهَا شَهْراً زِيَادَةً فَكَانَ لَهَا ذَلِكَ.
مَا إنْ وَلَّى حَسَنٌ حَتَّى شَرَعَتِ الْمَرْأةُ تُلِحُّ عَلَى الْعَجُوزِ كَيْ تَصْحَبَهَا إِلَى الْحَمَّامِ بَيْنَمَا تِلْكَ تَأْبَى عَلَيْهَا وَتَتَلَكَّأُ خَشْيَةً عَلَيْهَا مِنْ أَذَى النَّاسِ وَعَلَى نَفْسِهَا مِنْ حَسَنٍ…عَلَى أَنَّ "كَيْدَ النِّسَاءِ كَيْدٌ يَدُومُها" وَإِذَا الْكَنَّةُ تَتَمَكَّنُ مِنْ حَمَاتِهَا فَنَالَتْ أَرَبَهَا.
أَنْشَأَتِ النِّسْوَةُ يَنْظُرْنَ إِلَيْهَا حَيَارَى مِنْ ذَلِكَ الْجَمَالِ الْمُتَكَوِّمِ جُمْلَةً فِي مَخْلُوقَةٍ وَاحِدَةٍ وَكَذَلِكَ كَانَتْ خَادِمُ هَارُونَ الرَّشِيدِ بيْنَ الْخَلْقِ تَتَفَرَّجُ عَلَيْهَا حَتَّى نَسِيَتْ نَفْسَهَا وَفَاتَهَا الأَوَانُ.
وَلَمَّا عَادَتْ إِلَى الْمَلِكَةِ مُتَأَخِّرَةً زَجَرَتْهَا زُبَيْدَةُ بِعُنْفٍ وَصَرَخَتْ فِي وَجْهِهَا:
-وَمَا أَخَّرَكِ يَا لَئِيمَةُ عَنْ وَاجِبَاتِكِ فِي هَذَا الْبَلاَطِ؟…أَمْ اِخْتَبَلْتِ فَعَدَدْتِ نَفْسَكِ مِنَ السَّيِّدَاتِ فِي هَذَا الْحَرِيمِ إِذاً تُقِيمِينَ حَيْثُ شِئْتِ كَمَا شِئْتِ؟…لأُعَذِّبَنَّكِ شَدِيدَ الْعِقَابِ أَوْ تَأْتِنَّنِي بِحُجَّةٍ مُقْنِعَةٍ…
نَكَّسَتِ الْجَارِيَةُ تَرْتَجِفُ حَتَّى غَاصَتْ أُذُنَاها بَيْنَ كَتِفَيْهَا الضَّعِيفَتَيْنِ ثُمَّ خَاطَبَتْ مَوْلاَتَهَا بَصَوْتٍ خَافِتٍ:
- "لاَلاَّ" …لَوِ اِتَّصَلْتِ بِالَّذِي كُشِفَ لِي لَعَذَرْتِنِي…
قَالَتْ زُبَيْدَةُ فِي غَضَبٍ:
- وَمَا الَّذِي انْبَلَجَ لأَمَةٍ رَخِيصَةٍ مِثْلِكِ وَلَمْ يَبْدُ لِسِتٍّ عَالِيَةٍ مِثْلِي؟
قَالَتِ الْجَارِيَةُ:
-رَأَيْتُ خَلْقاً خَارِقَ الْبَهَاءِ وَفِي سَنَا الحُسْنِ وَالزَّوَاقِ…رَأَيْتُ زَيْناً ما بَرَأَ اللهُ أَكْمَلَ مِنْهُ…كَأَنَّهُ جُبِلَ فِي طِينَةِ الْجَمَالِ عَيْنِهَا وَصُنِعَ قَالَباً ثُمَّ كُبَّ فِيهِ مَعْدِنُ الرَّوْنَقِ وَالْبَدِيعِ جُلُّهُ فَأَضْحَى صُورَةً لِلْمَلَكِ النَّوْرانِيِّ حَوْلَ العَرْشِ السَّمَاوِيِّ!
شَحُبَ لَوْنُ الْمَلِكَةِ فَاسْتَدْرَجَتْ مُكْفَهِّرةً، تَخْتَنِقُ:
-صَهْ يَا حَمْقَاءُ...كَفَى سَفْسَطَةً أَمْ كَيْفَ يُتَاحُ لِلْوُجودِ خَلْقٌ أَجْمَلُ مِنِّي؟
طَأْطَأتِ الْجَارِيَةُ رَأْسَهَا حَتَّى كَادَتْ شَفَتَاهَا تُلاَمِسَانِ بَلْغَتَهَا ثُمَّ تَأْتَأَتْ بِشَجَاعَةٍ:
- بَلَى مَوْلاَتِي…اِمْرَأَةُ حَسَنٍ الْبَصْرِيِّ!
فَصَفَّقَتْ زُبَيْدَةُ بَيْنَ يَدَيْها بِعُنْفٍ حَتَّى كادَتْ حِجَارَةُ خَوَاتِمِهَا تَطِيرُ ثُمَّ أَزْبَدَتْ:
- أَيُّها الْغِلْمانُ!... نَادُوا عَلَى سَيِّدِكُمْ وَوَلِيِّ نِعْمَتِكُمْ هَارُونَ الرَّشِيدِ وَلْيَحْضُرْ فِي جَنَاحِي حَالاً!
فأَقْبَلَ مُهَرْوِلاً يَسْبِقُهُ غُلاَمٌ زِنْجِيٌّ يُمْسِكُ لَهُ مِرْوَحَةً مِنْ رِيشِ النَّعَامِ، قَدْ صُنِعَتْ فِي بِلاَدِ السُّودَانِ، فَبَادَرَتْهُ الْمَلِكَةُ تَزْأرُ كلَبُؤةٍ فٍي قَفَصٍ:
-مُرْ فَتَحْضُرَ تِلْكَ الْمَرْأةُ فَوْراً وَإِلاَّ أَثَرْتُ قَوْمِي وَأَنْتَ أَدْرَى بِالْعاقِبةِ!…لاَ بُدَّ مِنْ لِقَائِهَا السَّاعَةَ!
نَظَرَ إِلَيْهَا يَنْتَفِضُ كَفَرْخِ الْجَوْزَلِ بَانَتْ عَنْهُ أُمُّهُ وَقَالَ لَهَا كَالْبَلِيدِ:
- عَلَى الْعَيْنِ وَالرَّأْسِ يَا حُلْوَتِي… لاَ تَغْضَبِي وَلاَ دَاعِيَ إِلَى إِثَارَةِ أَحَدٍ!…ولَكِنْ كَيْفَ السَبِيلُ؟
قَالَتْ بِلُؤمٍ:
- نَصْنَعُ "وَزِيعةً" !
وَسُرْعَانَ مَا اشْتَرَيَا بَقَرَاتٍ ثَلاَثاً أَوْ أَرْبَعاً نَحَرَاهَا وَوَزَّعَا لُحُومَهَا عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ حَضَراً وَمَدَراً، أَمَّا بَيْتُ حَسَنٍ فَأَرْسَلاَ إِلَيْهِ عِجْلاً كَامِلاً فَتَفَحَّصَتِ الْعَجُوزُ الْهَدِيَّةَ مَشْدُوهَةً وَقَالَتْ لِلرَّسُولِ:
- فَمَا الَّذِي حَمَلَكَ عَلَى أَنْ تَأْتِيَنِي بِهَذَا الْعِجْلِ كُلِّهِ وَلَيْسَ لَدَيَّ مَنْ يَأْكُلُهُ؟
أَجَابَ الرَّسُولُ غَيْرَ مُبَالٍ:
- يَأْكُلُهُ حَفِيدَاكِ وَأُمُّهُمَا!
ثمَّ غَمَزَها بِعَيْنٍ شَرِيكَةٍ فَأَجْفَلَتْ وَخَاصَمَتْ عَنِ نَفْسِها مُضْطَرِبَةً:
- مَا ذَا الْهَذَيَانُ يَا ابْنِي؟…وَهَلْ حَسَنٌ عِنْدِي أَمْ أَبْنَاءُهُ؟…إِنَّمَا حَسَنٌ غَائِبٌ وَأَنَا وَلِيَّةٌ وَحِيدَةٌ مُنْذُ زَمَنٍ…مَا ذَا التَّخْرِيفُ؟…خُذِ الْعِجْلَ يَا وَلَدِي وَاذْهَبْ بِهِ إِلَى مَطْرَحِهِ الأَوَّلِ!
أُسْقِطَ فِي يَدَيْ زُبَيِدَةَ فَتَلَمَّظَتْ ثُمَّ بَادَرَتْ هَارُونَ الرَّشِيدَ:
-فَأَقْبِلْ نُقِمْ عُرْساً نَدْعُو إِلَيهِ جَمِيعَ الْبَصْرِيِّينَ!
فَأَوْفَدَ السُّلْطَانُ الْبَرَّاحَ بَيْنَ سِكَكِ الْبَصْرَةِ وَأَحْيَائِهَا يُعْلِنُ فِي الْخَلْقِ أَنَّ زَفَافاً عَظِيماً سَيُقامُ فِي السَّرَايَا فَطَفِقَ يَصِيحُ:
-يَا أَهْلَ الْحَضَرِ وَالْمَدَر! يَا مَنْ يُخْبِرُكُم خَيْراً وَعَافِيَةً!…الْعُرْسُ غَداً فِي مَحْضَرِ السُّلْطَانِ وَالْكُلُّ مُكَلَّفٌ بِالتَّشْرِيفِ: كَبِيراً وَصَغِيراً، ذَكَراً وَأُنْثَى، غَنِيّاً وَفَقِيراً، لاَ يَتَخَلَّفَنَّ مِنْكُمْ أَحَدٌ!
فَاجْتَمَعَتِ النَّاسُ فِي الْجَوْسَقِ حَوْلَ اللُّحُومِ الْمَشْوِيَّاتِ وَالْمُفَكِّهَاتِ الطَّازِجَاتِ فَتَوَجَّهَتْ أُمُّ حَسَنٍ وَحْدَهَا إِِلَى الْحَفْلِ فَقَابَلَهَا هَارُونُ الرَّشِيدُ مُؤَنِّباً:
-وَبِأَيِّ حَقٍّ تَخْرُجِينَ عَنْ أَمْرِي وَتَشُقِّينَ عَلَيَّ عَصَا الطَّاعَةِ فتَتَمَتَّعِينَ بِعُرْسِنَا وَحْدَكِ؟…كَيْفَ تُخَلِّفِينَ كَنَّتَكِ وَقَدْ سَمِعْتِ دَعْوَةَ الْبَرَّاحِ؟
تَرَعْدَدَتْ عِظَامُ الْمَرْأَةِ وَكَانَتْ بَعْدُ مُفَكَّكَةَ الْمَفَاصِلِ فتَمْتَمَتْ:
-لَيْسَ لِي كَنَّةٌ يَا مَوْلايَ!
جَرْجَرَ هَارُونُ كَالْفَحْلِ الأَزْرَقِ وَزَأَرَ فِيهَا جَاحِظَ الْعَيْنَيْنِ:
-بَلْ هِيَ فِي دَارِكِ فَلاَ تَسْخَرِي مِنِّي وَإِلاَّ أَطَحْتُ بِرَأْسِكِ هَذَا الْمُقَمَّلِ!
فَانْقَلَبَتِ الْعَجُوزُ تَقْفِزُ كَطِفْلَةٍ تَرْكُضُ وَرَاءَ الْفَرَاشِ بَيْنَ الزُّهُورِ فَبَادَرَتِ الْفَتَاةَ:
-وَيْحِي!…إِنَّ السُّلْطَانَ يَأْمُرُكِ بِأَنْ تَحْضُرِي الْعُرْسَ الَّذِي عَلَتْ أَهَازِيجُهُ فِي السَّرَايَا فَوْراً!
اِمْتَثَلَتِ الْمَرْأةُ وَأَنْشَأَ هَارُونُ الرَّشِيدُ يُقِيمُ النِّسْوَةَ يَرْقُصْنَ الْوَاحِدَةَ تِلْوَ الأُخْرَى حَتَّى بَلَغَ الدَّوْرُ صَاحِبَتَنَا فَاعْتَذَرَتْ:
-مَا أُحْسِنُ الرَّقْصَ يَا سَيِّدِي!
زَمْجَرَ:
- إِلاَّ تَرْقُصِينَ أَوْ لأَحْتَزَّنَّ رَأْسَكِ عَنْ رَقَبَتِكِ!
فَوَقَفَتْ وَقَالَتْ:
- فَإنِّي لاَ أَرْقُصُ إِلاَّ بِرِيشِي!
قَالَ:
- وَأَيْنَ رِيشُكِ؟
قَالَتْ:
-عِنْدَ خَالَتِي…!
وَأَشَارَتْ فِي مَكْرٍ إِلَى حَمَاتِهَا فَأَمَرَهَا الْمَلِكُ:
-فأَعْطِيهَا رِيشَهَا!
تَلَجْلَجَتْ:
-وَمَا أَدْرَانِي بِمَكَانِهِ يَا سَيِّدِي؟
قَالَ:
-يَا إِمَّا تُعْطِينَهَا رِيشَهَا أَوْ أُعَاقِبَنَّكِ أَشَدَّ الْعِقَابِ فَتُمْسِكِي عَنْ تِلْكَ الْمُمَاطَلَةِ الْمُمِلَّةِ!
فَانْسَحَبَتِ الْعَجُوزُ مُضْطَرَّةً وَاسْتَخْرَجَتِ الزُّجَاجَةَ الَّتِي فِيهَا الرِّيشُ نَاوَلَتْهَا السُّلْطَانَ فَقَالَتِ الصَّبِيَّةُ قَبْلَ أَنْ تَرْتَدِيَهُ:
-لِيَكُنِ فِي عِلْمِ مَوْلايَ أَنَّ الْْعَادَةَ عِنْدَنَا أَنْ تَرْقُصَ الْمَرْأَةُ وَأَوْلاَدُهَا تَحْتَ إِبِطَيْهَا!
ثُمَّ إِنَّهَا تَلَفَّعَتْ بذَلِكَ الرِّيشِ فَتَحَوَّلَتْ إِلَى يَمَامَةٍ وَجَعَلَتِ الطِّفْلَ عَلَى الْيَمِينِ وَالطِّفْلَةَ عَلَى الْيَسَارِ وَدَارَتْ قَلِيلاً فِي الْقَاعَةِ تَحْتَ أَنْظَارٍ مَشْدُوهَةٍ ثُمَّ جَمَعَتْ طَاقَتَهَا فَانْطَلَقَتْ مُحَلِّقَةً فَوْقَ الرُّؤُوسِ.
عِنْدَئِذٍ، وَقَدْ بَلَغَ السُّلْطَانُ أَرَبَهُ، خَتَمَ الْمَحْضَرَ فَانْصَرَفَ الضُّيُوفُ وَشَعَرَتْ زُبَيْدَةُ أَنَّ جَنَاحَيْنِ مِنَ السَّعَادَةِ قَدْ نَبَتَا لَهَا الآنَ وَقَدِ اسْتَرْجَعَتْ نِقَابَتَهَا عَلَى ذَوَاتِ الْحُسْنِ وَالدَّلاَلِ فَطَارَتْ فِي سَمَاءِ الْبَصْرَةِ، فَوْقَ قِبَبِهَا وَمَسَاجِدِهَا مُغْتَبِطَةً.
وَجَرَّتْ أُمُّ حَسَنٍ ذُيُولَهَا مُتَرَاخِيَةً فَدَلَفَتْ إِلَى كُوخِهَا جَزِعَةً، مُنْكَسِرَةَ الْخَاطِرِ فَبَكَتْ حَتَّى أَرْمَدَتْ عَيْنَاهَا وَعَضَّتْ شَفَتَيْهَا حَتَّى سَلَخَتْهُمَا ثُمَّ خَطَرَ بِبَالِهَا أَنْ تَحْتَفِرَ قُبُوراً ثَلاَثَةً فِي بُسْتانِهَا فتَجْلِسَ عِنْدَهَا تَنُوحُ.
وَشَاءَتِ الأَقْدَارُ أَنْ يَدْخُلَ حَسَنٌ عَلَيْهَا فِي تِلْكَ الأَثْنَاءِ فَأَلْفَاهَا فِي حُزْنٍ شَدِيدٍ فَهُرِعَ إِلَيْهَا يَسْتَطْلِعُهَا بِلَهْفَةٍ وَقَالَ:
-فَدَتْكِ رُوحِي يَا أُمِّي… مَا شَأْنُكِ تَبْكِينَ؟…وَمَا جُلُوسُكِ بِهَذَا الْمَكَانِ؟…ثُمَّ أَيْنَ أَهْلِي وَصَغِيرَايَ؟…رَبَّاهُ كَأَنَّنِي أَرْتَابُ مِنْ شَيْءٍ مَشْؤُومٍ قَدْ حَدَثَ…
جَاوَبَتِ الْعَجُوزُ تَخْنُقُهَا الدُّمُوعُ:
-هُوَ ذَلِكَ يَا ابْنِي، إِيْ قُرَّةَ عَيْنِي…فَإِنَّ زَوْجَكَ وَابْنَيْكَ قَدْ تَوَفَّاهُمُ الأَجَلُ يَا كَبِدِي… !
اِرْتَعَشَ حَنْكُ حَسَنٍ وَامْتَقَعَ لَوْنُهُ فَجْأَةً كَأَنَّهُ يُفْرَغُ مِنْ دَمِهِ فِي دُلْوٍ ثُمَّ اسْتَفَاقَ مُسْتَفْهِماً:
- مَاتُوا؟…وَهَلْ يُمُوتونَ فَرْدَ مَرَّةٍ يَا أُمِّي؟…هَلْ هِيَ اللَّعْنَةُ؟…رَبَّاهُ! مَا لَهَذِهِ الدَّارِ قَدْ تَغَيَّرَتْ أَحْوَالُهَا فِي خِضَمِّ شَهْرٍ قَصِيرٍ؟
وكَأَنَّ الشَّكَّ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ بَغْتَةً فَنَبَشَ الْقُبُورَ فَإِذَا مَكَانَ الْمَوْتَى عَكَاكِيزُ مَدَّتْهَا الْعَجُوزُ عَلَى أَنَّهَا رِمَمٌ فَازْوَرَّ الْفَتَى كَفُّهُ عَلَى قَائِمِ الْمُهَنَّدِ وَجَعَلَ يَصْرُخُ فِي وَجْهِ أُمِّهِ، جَاحِظَ الْعَيْنَيْنِ، مَجْرُوحَ الْكَرَامَةِ:
- مَا هَذَا يَا أُمِّي؟…أَوَ بعْدَ أَنْ غَزَا الشَّيْبُ رَأْسَكِ وَابْيَضَّ مَفْرَقُكِ نَفَضْتِ عَنْهُ الْحِكْمَةَ
وَفَلَوْتِ الزُّهْدَ فَاسْتَعَضْتِ بِالْكَذِبِ؟…أَوَ بعْدَ ذَلِكَ اللِّقَاءِ الْقَصِيرِ أَفْرَغْتِ فُؤَادَكِ مِنِّي فجَعَلْتِ تَكِيدِينَنِي؟…ثُمَّ هَلْ يَسْخَرُ أَحَدٌ بِالْمَوْتِ؟…لَتَعْتَرِفِنَّ الآنَ بِالْحَقِيقَةِ كُلِّهَا أَوْ لأَبْتِرَنَّ مَا بَيْنَنَا مِنْ رَحِمٍ إِلَى غَيْرِ رَجْعَةٍ!
اِنْتَحَبَتِ الْعَجُوزُ وَآثَرَتْ أَنْ تَرْوِيَ عَلَيْهِ تَفَاصِيلَ السَّالِفَةِ حَتَّى اسْتَوْفَتْهَا. عِنْدَئِذٍ، سَأَلَهَا:
-وَهَلْ قَالَتْ لَكِ شَيْئاً قَبْلَ رَحِيلِهَا؟
هَزَّتِ الأُمُّ رَأْسَهَا وَقَالَتْ:
-أَجَلْ يَا وَلَدِي…قَالَتْ: " إِذَا كَانَ عَاشِقاً وَمَعْشُوقاً فَلْيَلْحَقْ بِي إِلَى بِلاَدِ الْوَاقْ وَاقْ"!
مَا عَتَمَتِ الْمَرْأةُ تَلْتَقِطُ أَنْفَاسَهَا حَتَّى كَانَ الْفَتَى قَدِ امْتَطَى مُهْرَهُ السِّحْرِيَّةَ وَأَدْرَكَ أَخَواتِهِ الْجِنِّيَّاتِ يَشْكُو إلَيْهِنَّ مَا أَلَمَّ بِهِ وَيَسْتَجْدِيهِنَّ عَلَى عَضَّةِ الزَّمانِ فَصَارَحَتْهُ الْكُبْرَى:
-لاَ بُدَّ أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الآنَ مِنَ الصُّعُوبَةِ بِمَكَانٍ…وَلَوْ أَنَّكَ تَمُدُّ يَدَكَ إِلَى السَّمَاءِ فَتَلْمَسُ لِحَافَهَا الأَزْرَقَ كَذَلِكَ تُدْرِكُ زَوْجَكَ!…إِنَّمَا أُعْطِيكَ رِسَالَةً تُوصِلُهَا إِلىَ عَمِّهَا، فَإِذَا صِرْتَ عَلَى عَتَبَةِ بَابِهِ نَدَرَ إلَيْكَ وَصِيفٌ زِنْجِيٌّ شَدِيدٌ. أَلاَ فَانْتَبِهْ إِلَى مَلاَمِحِهِ جَيِّداً فَإِذَا رَأَيْتَهُ يَضْحَكُ لَكَ فَاطْمِئنَّ وَادْخُلْ بِأَمَانٍ، أَمَّا وَإِنْ بَدَا إِلَيْكَ مَفْقُوعاً، عَابِساً فَوَلِّ الأَدْبَارَ يا أَخِي وَلاَ تُلْوِ عَلَى شَيْءٍ!
فَتَوَكَّلَ حَسَنٌ عَلَى اللهِ وَيَمَّمَ شَطْرَ بِلاَدٍ بَعِيدَةٍ تَبْتَدِئُ حُدُودُهَا هُنَاكَ مَعَ الأَفُقِ. وَكَانَ كُلَّمَا قَطَعَ شَوْطاً، كُلَّمَا بَدَا لَهُ أَنَّ الْمَسَافَةَ تَتَمَطَّى أَشْوَاطاً حَتَّى اسْتَثْقَلَ الشَّطُونَ وَلَوْلاَ حُبُّهُ لأَهْلِهِ وَعِيَالِهِ لَتَخَلَّى عَنِ الْمَهَمَّةِ.
وَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ شَرِيدَ الأَفْكَارِ وَالْمَشَاعِرِ، عَنَّ لَهُ قَصْرٌ عَرَفَ مَعَالِمَهُ فَدَقَّ بَابَهُ فنَدَرَ إِلَيْهِ الزِّنْجِيُّ فَنَاوَلَهُ الرِّسَالَةَ وَلَّى بِهَا إِلَى سَيِّدِهِ عَمِّ الْبِنْتِ وسُرْعَانَ مَا آبَ يَضْحَكُ فَاطْمَأَنَّ فُؤَادُ حَسَنٍ وَوَلَجَ الْبِنَايَةَ فَاسْتُضِيفَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ مُكَرَّماً ثُمَّ أَعْطَاهُ الْعَمُّ خِطَاباً آخَرَ لِشَقِيقِهِ وَأَوْصَاهُ مِثْلَ وَصِيَّةِ الْجِنِّيَّةِ فَانْطَلَقَ بِهَا حَسَنٌ وَمَشَى شُهُوراً قَبْلَ أَنْ يَخْلُصَ إِلَى مَسْكَنِهِ فَدَقَّ الْبَابَ الكَبِيرَ فَظَهَرَ لَهُ وَصِيفٌ زِنْجِيٌّ مَا فَتِئَ أَنْ غَابَ فِي دَهَالِيزِ الْجَوْسَقِ ثُمَّ رَجَعَ يَضْحَكُ فَتَبِعَهُ حَسَنٌ إِلَى جَوْفِ الْقَصْرِ بيْنَ أرْوِقَةٍ مِنَ الشَّمْعِ المُتَّقِدِ فَأُكْرِمَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ضِيَافَةً سَخِيَّةً وَأَعْطَاهُ صَاحِبُ الْمَكَانِ كِتَاباً آخَرَ لأَخِيهِ الثَّالِثِ فَانْصَرَفَ حَسَنٌ يَفْتِقُ مِصْراً وَيَرْتِقُ قُطْراً حَتَّى بَلَغَ الْمَضْرِبَ فَاسْتَقْبَلَهُ الزِّنْجِيُّ ضَاحِكاً وَتَمَتَّعَ بِأَيَادٍ ثَلاَثٍ قَبْلَ أَنْ يُنَاوِلَهُ الْعِفْرِيتُ مَكْتُوباً رَابِعاً وَيَقُولَ لَهُ:
-اُقْصُدْ عَمَّتَهَا أَمَّا أَنَا فَلاَ طَاقَةَ لِي عَلَى حَاجَتِكَ يَا ابْنَ آدَمَ!
فَزَفَرَ الرَّجُلُ زَفْرَةً عَمِيقَةً وَجَعَلَ يَرْصُفُ الْبُلْدَانَ كَأنَّهَا عَقِيقُ قِلاَدَةٍ حتَّى بَانَ لَهُ الْمَكَانُ آخِرَ الْمَطَافِ وَقَدْ تُخُيِّلَ إِلَيْهِ أَنَّهُ بَلَغَ حَدَّ الْمَعْمُورَةِ وَأَنَّهُ مُسْتَحِيلٌ أَنْ تُوجَدَ أَرْضٌ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَخَرَجَتْ إِلَيْهِ وَصِيفَةٌ زِنْجِيَّةٌ أَمْسَكَتِ الْمَكْتُوبَ وَسُرْعَانَ مَا آبَتْ بِهِ تَضْحَكُ فَسَاقَتِ الْفَتَى إِلَى جِوَارِ الْعَمَّةِ فَأَلْفَاهَا خَلْقاً عَجِيباً: جِيدُهَا طَوِيلٌ مَا بَيْنَ ابْنِ آدَمَ وَالزَّرَافِ وَصَدْرُهَا مَرَّتَيْنِ كَصَدْرِ الإِنْسَانِ وَعَيْنَاهَا كَأَنَّهُمَا زُجَاجَتَانِ مُسْتَدِيرَتَانِ وَأَظْفَارُهَا طَوِيلةٌ مُشَحَّذَةٌ كَالْعَوَالِي وَشَعْرُهَا أَسْوَدُ كَالْفَحْمِ قَدْ ضَفَرَتْهُ إِلَى آلاَفِ الضَّفَائِرِ الرَّقِيقَةِ فَبَرَمَتْهَا دَوْلاَبَيْنِ حَوْلَ أُذُنَيْهَا الْمُنْفَصِلَتَيْنِ وَذِرَاعَاهَا طَوِيلَتَانِ إِلَى حَدِّ الرُّكْبَتَيْنِ فَعَقَلَتِ الرَّهْبَةُ لِسَانَ الْفَتَى لَكِنَّهَا أَكْرَمَتْهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَهَبْنَ بِوَجَلِهِ فَأَمْسَكَتْ لَهُ هَذَا الْحَدِيثَ:
-لَقَدِ اطَّلَعْتُ عَلَى خَطِّ أَخِي فِي أَرْضِ كَذَا الْمَحْرُوسَةِ… أَمَّا فَإِنَّ الأَمْرَ صَعْبٌ جِدّاً يَا آدَمِيُّ وَكُلُّهُ أَهْوَالٌ وَثُبُورٌ! وَإِنَّكَ سَوْفَ تَمُرُّ بِجَبَلٍ يَشْتَعِلُ نَاراً ثُمَّ بِجَبَلِ عَقَارِبَ فَبِجَبَلٍ مِنَ الثَّعَابِينِ…وَلَكِنَّنِي نَصَرْتُكَ بِزِيرٍ تَتَدَحْرَجُ فِيهِ وَإنْ شَاءَ اللهُ تُعَافَى!
فَشَكَرَ حَسَنٌ الْعَمَّةَ نَسِيبَتَهُ فَغَادَرَ مَمْلَكَتَهَا ثُمَّ إِنَّهُ اسْتَوَى فِي "الشِّبَالِيِّ" وَطَفِقَ يَتَكَوَّرُ حَتَّى حَبَسَ بِهِ حَدَّ طِفْلَيْنِ صَادَفَهُمَا يَتَشَاجَرَانِ عَلَى عُكَّازٍ وَشَاشِيَّةٍ فنَدَرَ إِلَيْهِمَا يَسْتَفْهِمُهُمَا:
-مَا بَالُكُمَا تَتَعَارَكَانِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؟…أَلاَ تَسْتَحِيَانِ فَتَتَهاوَشَا بِهَتِهِ الصُّورَةِ مَعَ أَنَّكُمَا غُلاَمَانِ بَالِغَانِ؟…أَلاَ وِئَامَ فِي هَتِهِ الدُّنْيَا حَتَّى بَيْنَ الإِخْوَةِ؟
قَالَ أَحَدُ الْوَلَدَيْنِ بِاهْتِمَامٍ:
-فَإنَّكَ لَوْ ضَرَبْتَ الأَرْضَ بِهَذَا الْعُكَّازِ لَخَرَجَتْ إِلَيْكَ ثُكْنَةٌ مِنَ الْعَسْكَرِ تُحَارِبُ مَعَكَ. وَأَمَّا تِلْكَ الشَّاشِيَّةُ فَتُخْفِيكَ عَنِ الأَنْظَارِ!
حَكَّ حَسَنٌ ذَقْنَهُ بِتَحَايُلٍ وَبَادَرَ الطِّفْلَيْنِ:
- طَيِّب، فَهَاتِ يَا طِفْلُ الْعَصَا وَالشَّاشِيَةَ أَحْرُزْهُمَا وسَأَحْكُمُ بَيْنَكُمَا بِالْقِسْطِ!
ثُمَّ أَطْرَقَ وَأَضَافَ:
- أَنْصِتَا إليَّ…سَأُلْقِي إلَيْكُمَا بِحَجَرَيْنِ. مَنْ أَمْسَكَ مِنْكُمَا بِالْحَجَرِ الأَبْيَضِ غَنِمَ بِالْعُكَّازِ وَمَنْ شَدَّ الأَحْمَرَ رَبِحَ الشَّاشِيَّةَ!
وَأَلْقَى إِلَيْهِمَا بِالْحَصَاتَيْنِ وَبَيْنَما هُمَا يَتَسَابَقَانِ إِلَيْهِمَا مُتَدَافِعَيْنِ، تَقَلْنَسَ حَسَنٌ بِالطَّاقِيَةِ السِّحْرِيَّةِ وَاخْتَفَى تُوّاً كَالسَّرَابِ فَإِذَا عَادَ الصَّبِيَّانِ يَلْهَثَانِ مَا أَلْفَيَا سِوَى الْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ وَقَدْ خَدَعَهُمَا الْغَرِيبُ وَغَبَرَ فحَزِنَ الطِّفْلاَنِ وَقَالَ أَحَدُهُمَا مُتَأَوِّهاً:
-أَرَأَيْتَ يَا أَخِي؟ فَلَوْ أَنَّا اقْتَسَمْنَاهُمَا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ لَرَبِحَ كِلاَنَا وَلَكِنَّا جَشِعْنَا فَخَسِرْنَاهُمَا معاً وَوَقَعْنَا فِي شَرَكِ الأَجْنَبِيِّ كَمَا يَقَعُ الْفَأْرُ فِي الْمَصْيَدَةِ!
***
اِسْتَوَى حَسَنٌ فِي جَوْفِ الزِّيرِ وَطَفِقَ يَتَكَرْدَحُ مَلِيّاً حَتَّى جَازَ عَنْ جَبَلِ النَّارِ فَلَمْ يَمْسَسْهُ سُوءٌ فمَرَقَ مِنْ جَبَلِ الْعَقَارِبِ ثُمَّ الْحِنْشانِ، كُلُّ حَيَّةٍ كَالْوَادِي الْحَامِلِ وَلَكِنَّهُ نَفَذَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ سَالِماً. وَوَطِئَ أخِيراً بَرّاً يَنْتَهِي إِلَى جَبَلٍ يَبَابٍ، يَعْلُوهُ قَصْرٌ عَظِيمٌ، فَتَسَلَّقَهُ وَدَلَفَ إِلَى الْقَصَبَةِ مُخْتَفِياً تَحْتَ شَاشِيَتِهِ. وَهَاهُو ذَا يَغُوصُ بَيْنَ دَهَالِيزِهِ الْبَارِدَةِ، الصَّامِتَةِ كَأَنَّهَا مَتَاهَةٌ عَظِيمَةٌ حَتَّى سَلَكَ مَضِيقاً فَانْفَرَجَتْ قُدَّامَهُ بَاحَةٌ مَرْمَرِيَّةٌ فأََلْفى زَوْجَهُ وَوَلَدَيْهِ جَالِسِينِ عَلَى الآجُرِ الْبَارِدِ، مَرْبُوطِينِ إِلَى جِدَارٍ. وَكَانَتْ أُخْتُ زَوْجِهِ الْكُبْرَى تَضْرِبُهُمْ ضَرْباً مُبَرَّحاً عِنْدَ كُلِّ فُطُورٍ وَغَدَاءٍ أَوْ عَشَاءٍ كَأَنَّهَا وَحْشٌ مَجْرُوحُ الْقَلْبِ يَنْقَضُّ عَلَى قَاتِلِ صَغِيرِهِ.
غافَلَ حَسَنٌ نَفَراً مِنَ الْحُجَّابِ حَتَّى إِذَا صَادَفَ مِنْهُمْ غِرَّةً، خَلَعَ عَنْ رَأْسِهِ الطَّاقِيَةَ فَلَمَحَهُ ابْنُهُ فَصَاحَ:
-هَذَا أَبِي يَا أُمَّاهُ! إِنَّهُ وَاللهِ أَبَتِ!…
فَمَا كَادَتْ شَفَتَاهُ الصَّغِيرَتَانِ تَلْفِظَانِ آخِرَ حَرْفٍ حَتَّى أَقْبَلَتْ خَالَتُهُ تُهَرْوِلُ، فِي يَدِهَا قَضِيبٌ مِنْ حَدِيدٍ، فَأَكَبَّتْ عَلَيْهِ تَضْرِبُهُ بِهِ وَتَشْتُمُهُ وَتَارَةً تُوسِعُ أُمَّهُ وَأُخْتَهُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضاً وَتَصِيحُ:
-أَمَا زِلْتَ تَحْلُمُ بِأَبِيكَ ذَلِكَ الْوَقِحِ يَا لَئِيمُ؟
لَمْ يَكُنْ أَنِينُ الصَّبِيِّ يَتَوَجَّعُ وَلاَ مَنْظَرُ الدَّمِ مِنْ جُرُوحِهِ يَتَدَفَّقُ لِيُثِيرَ الشَّفَقَةَ فِي أَحْشَاءِ ذَلِكَ الْمَارِدِ الْقَاسِي فَصَرَخَتِ الصَّبِيَّةُ:
- لِمَ تُعامِلِينَنَا كَذَا يَا خَالَةُ؟…أَلَسْنَا مِنْ لَحْمِكِ وَدَمِكِ؟
فَنَهَرَتْهَا الْجِنِّيَّةُ مَسْعُورَةً وَاللُّعَابُ يَتَطَايَرُ مِنْ بَيْنِ أَنْيَابِهَا:
- خَالَتُكِ تُخْلِيكِ! …مِنْ دَمِي وَلَحْمِي؟…كَلاَّ، وَرَبِّ الْجِنِّ مَا أَنْتُمَا إِلاَّ مِنَ الْقَذِرةِ شَتْلَةِ ذَلِكَ الآدَمِيِّ أَبِيكُمْ وَلَوْلاَ أَنَّ أُمَّكُمَا خَائِنَةٌ طَلَتْ بَنِي قَوْمِنَا وَعَشِيرَتَنَا الْعَارَ لَمَا جَرُؤْتِ الآنَ يَا خَبِيثَةُ فَتَطَاوَلْتِ عَلَيَّ…
ثُمَّ مَدَّتْ ذِرَاعَها عَالِياً فَوْقَ رَأْسِهَا حَتَّى كَادَ الإِبِطُ يَتَمَزَّقُ فَأَهْوَتْ تَصُبُّ عَلَيْهِمْ جَامَ غَضَبِهَا وَتُذِيقُهُمُ الْوَيْلَ وَالدَّمارَ لاَ تَكُفُّ.
شَعَرَتِ الأُمُّ كَأَنَّ أَحْشَاءَهَا تَتَمَزَّقُ، تُقْتَدُّ اقْتِدَاداً فَحَضَّتْ وَلَدَيْهَا عَلَى السُكُوتِ حَنُوناً، مُشْفِقَةً وهَمَسَتْ:
-اُسْكُتَا الآنَ يَا صَغِيرَيَّ وَصَبْرُكُمَا عَلَى اللهِ!
وَكَانَ لَهَا ذَلِكَ فكَفَّتِ الْحَيَّةُ الْمَسْعُورَةُ عَنْ تَعْذِيبِهِمْ وَسُرْعَانَ مَا جَذَبَ الظَّلاَمُ عَلَيْهِمْ لِحَافَهُ الْقَاتِمَ يَسْتُرُهُمْ… كَأَنَّ الظَّلامَ أَرْحَمُ بِهِمْ وَأَلْطَفُ مِنْ خَالَةٍ يَجْرِي فِي عُرُوقِهَا دَمُهُمْ فَخَيَّمَ الصَّمْتُ وَنَامَتِ الْكَائِنَاتُ طُرّاً فَانْبَلَجَ حَسَنٌ قُدَّامَ أَهْلِهِ كَالرُّؤْيَا الْمُضِيئَةِ أَوِ الطَّيْفِ المُحَرِّرِ فَسَأَلَ:
-هَلْ تَقْدِرُونَ عَلَى الْحِرَاكِ؟
زَفَرَتِ الْوَلِيَّةُ وَقَالَتْ مُكَفْكِفَةً دُمُوعَهَا بَيْنَمَا وَلَدَاهُ يَتَشَبَّثَانِ بِهِ هَازِجَيْنِ كَفِرَاخِ العَصَافِيرِ عَلَى أَفْنَانِ الرَّبِيعِ:
- وَأَخِيراً لَحِقْتَ بِبِلاَدِ الْوَاقْ وَاقْ يَا عَاشِقِي وَمَعْشُوقِي…مَعْذِرَةً يَا أَنْبَلَ الْفِتْيَانِ إِنَّمَا حَمَلَتْنِي كَرَامَةُ نَفْسِي وَنَخْوَةٌ فِيَّ فَاسْتَشْرَفْتُ عَلَيْكَ وَلَمَّا خَدَعَنِي بَعْضُ شَوْقٍ إِلَى رَبْعِي وَبَنِي مِلَّتي رُمْتُ رَحِماً وَوِدَاداً وَلَكِنَّنِي دَفَعْتُ الثَّمَنَ الآنَ غَالِياً فَلاَ تَلُمْنِي وَيَا لَيْتَنِي عُوقِبْتُ وَحْدِي عَلَى تَهَوُّرِي أَمَّا فَإِنَّ ذَيْنِكَ الحَمَلَيْنِ الْبَرِيئَيْنِ أَيْضاً…
ثُمَّ أَجْهَشَتْ بِالْبُكَاءِ الْحَارِّ فَمَالَ عَلَيْهَا حَسَنٌ يُلاَطِفُهَا بِحَنَانٍ وَسُرْعَانَ مَا أَرْكَبَهُمْ جَمِيعَهُمْ فِي الزِّيرِ فَرَاحُوا يَتَدَحْرَجُونَ، يَتَدَحْرَجُونَ حَتّى إِذَا ابْتَعَدُوا قَلِيلاً، جَعَلَ يَسْأَلُ بِقَلَقٍ:
-وَأَيْنَ صَارَتْ أُخْتُكِ؟
أَجَابَتْهُ بِاطْمِئْنَانٍ:
-إِنَّهَا مَا تَزَالُ نَائِمَةً!
عَاوَدَ:
-وَأَيْنَ صَارَتْ أُخْتُكِ؟
رَدَّتْ بِاهْتِمَامٍ:
-إِنَّهَا لِحِينِهَا مُسْتَيْقِظَةٌ!
فَاسْتَمَرَّ مُتَكَرْدِحاً زَمَناً ثُمَّ كَرَّرَ:
-وَأَيْنَ صَارَتْ أُخْتُكِ الآنَ؟
تَلَفَّظَتْ مُشْفِقةً:
- تَنَاوَلَتْ عِصْيَانَ الْحَدِيدِ وَأَضْرَمَتِ النَّارَ لِتَصْلاَهَا!
فَحَثَّ الشِّبَالِيَّ عَلَى التَّزَحْلُقِ أَسْرَعَ ثُمَّ كَرَّرَ الْمَسْأَلَةَ:
-وَالآنَ أَيْنَ هِيَ؟
أَرْدَفَتْ مُرْتَعِشَةً:
- فَإِنَّهَا قَدْ حَمَلَتِ الْقُضْبَانَ وَلَحِقَتْ بِنَا تُبِيدُنَا!
فَضَرَبَ حَسَنٌ الْجَرَّةَ مِنْ جَوْفِهَا بِقَدَمَيْهِ كَأَنَّه يُطْلِقُ فِيهَا كُلَّ طَاقَتِهِ الْبَاطِنِيَّةِ فَثَارَتْ تَتَكَوَّرُ كَالشِّهَابِ يَحْرِقُ الأَجْوَاءَ وَقَدْ بدَتْ شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْحِجَارَةِ عَلَى الطَّرِيقِ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْمَرْأَةِ يَقُولُ:
-فأََيْنَ صَارَتِ الآنَ؟
قَالَتْ:
- لَمَّا دَخَلَتِ الدَّارَ تَلْتَمِسُنا وَلَمْ تَجِدْنَا كَدَّسَتْ جُيُوشَ الْمَرَدَةِ وَالأَشْبَاحِ تَتَقَفَّى آثَارَنَا!
فَنَدَرَ حَسَنٌ مِنَ الزِّيرِ وَضَرَبَ الأَرْضَ بِعَصَاهُ فَخَرَجَتْ ثُكْنَةٌ مِنَ الْجَيْشِ صَدَمَتْ جَيْشَ الْجِنِّيَّةِ الْقَبِيحَةِ تُبَارِزُهُ فَابْتَهَلَهَا الرَّجُلُ جَلَبَةً وَخَشَّ فِي الْجَرَّةِ مِنْ جَدِيدٍ وَابْتَعَدَ.
اِنْقَلَبَ آلُ الْجَرَّةِ طَوِيلاً قَبْلَ أَنْ يَمِيلَ حَسَنٌ عَلَى امْرَأَتِهِ وَيَسْتَعْلِمَ:
- وَأُخْتُكِ الآنَ أَيْنَ خَبَرُهَا؟
قَالَتْ تَتَأَسَّى:
-فَإِنَّ جَيْشَهَا غَلَبَ جَيْشَنَا!
فَنَدَرَ حَسَنٌ مَرَّةً أُخْرَى وَفَلَقَ الأَرْضَ بِعَصَاهُ فَخَرَجَ جَيْشٌ عَظِيمٌ مِنَ الْجِنِّ أَثْخَنَ فِي الْعَدُوِّ جِرَاحاً وَبَزَّ فَاغْتَنَمَ حُجُبَ النَّقْعِ وَلَجَبَةَ الصِّدَامِ وَبَرَّزَ بِزِيرِهِ بَعِيداً، بَعِيداً حَتَّى إِذَا بَدَا لَهُ الْمِشْوَارُ كَافِياً اِسْتَفْهَمَ مِنْ جَدِيدٍ:
-وَفِي أَيِّ طَوْرٍ أُخْتُكِ ذَا الْوَقَتَ؟
قَالَتْ:
-فَإِنَّ جَيْشَهَا بَزَّ جَيْشَنَا!
فَتَمَلَّصَ حَسَنٌ مِنْ مَرْكَبِهِ وَغَرَسَ عُكَّازَهُ فِي الثَّرَى مَرَّتَيْنِ مُتَتالِيَتَيْنِ فَبَرَزَ عَسْكَرَانِ رَهِيبَانِ وَلاَ جَيْشَيْ تَيْمُورَ وَالإِسْكَنْدَرِ فَانْدَفَعَا يَسْحَقَانِ جَيْشَ سِلْفَتِهِ وَبَيْنَمَا الدُّنْيَا فِي غَمْغَمَةٍ وَهَمْهَمَةٍ اِخْتَفى حَسَنٌ فِي الزِّيرِ وَجَعَلَ يَتَكَرْتَحُ حَتَّى ضَرَبَتْ زَوْجُهُ فِي يَدَيْها مُزَغْرِدَةً:
- فَإِنَّ جَيْشَنَا غَلَبَ يَا حَسَنُ!
اِسْتَمَرَّ حَسَنٌ يَقُودُ الشِّبَالِيَّ عَلَى طَرِيقِ النَّجَاةِ، يَجْرِفُ الأَتْرِبةَ تحْتَهُ جَرْفاً كَأَنَّه السَّيْلُ الْعَرِمُ ثُمَّ مَالَ عَلَى زَوْجِهِ:
- عَشَمِي أَنْ تَكُونَ قَدْ خَلَّتْ عَنَّا الآنَ!
قَالَتْ زَافِرَةً:
- يا حَسْرَةُ!…إِنَّمَا تَلْتَمِسُنَا بِإِلْحَاحٍ!
فَانْطَلَقَ حَسَنٌ يَرْكُلُ الْجَرَّةَ بِكَعْبَيْهِ كَأَنَّه يَحُثُّ دَابَّةً فَانْطَلَقَ الزِّيرُ كَالسَّهْمِ يَشُقُّ الشِّعَابَ تِلْوَ الشِّعَابِ حَتَّى تَجَاوَزَ جَبَلَ الثَّعَابِينِ ثُمَّ الْعَقَارِبِ فَالنَّارِ فَخَلَصَ إِلَى قَصْرِ الْعَمَّةِ فَدَهَمَ عَلَيْهَا كَمَا أَوْصَتْ فَفَرِحَتْ بِهِمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ طَرَحُوا أَثْنَاءَهَا وَصَبَ الْمُغَامَرَةِ ثُمَّ فَعَلُوا كَذَلِكَ مَعَ كُلٍّ مِنَ الأَعْمَامِ الثَّلاَثِ.
عِنْدَئِذٍ، أَقْلَعُوا إِلَى سَرَايَا الأَخَوَاتِ السَّبْعِ فَاسْتَقْبَلْنَهُمْ خَيْرَ اسْتِقْبَالٍ وَحَضَّرْنَ لَهُمُ الْحَمَّامَاتِ بِمَاءِ الْعِطْرِ وَالْيَاسَمِينِ يَغْتَسِلُوا مِنْ أَدْرَانِ الذُّلِّ وَيَتَخَلَّصُوا مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ فَنَبَذْنَ إِلَيْهِمْ أَشْهَى الأَطْبَاقِ فَشَبِعُوا بَعْدَ حِرْمَانٍ وَنَعِمُوا بَعْدَ ضَيْرٍ وَلَمْ يُغْفَلْ عَنِ الصَّغِيرَيْنِ فَاعْتُنِيَ بِهِمَا وَعُوِّضَا عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا فَقَداَ مِنْ بَرَاءَةِ الطُّفُولَةِ ثُمَّ اسْتَحْلَفُوا الزَّوْجَ فَوَعَدَتْ أَلاَّ تَخُونَ الْعَهْدَ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَداً.
وَبَيْنَمَا الْكُلُّ يَرْفُلُ فِي بَحْبُوحَةٍ، مَالَتِ الْكُبْرَى عَلَى أَخِيهَا وَطَفِقتْ تَنْصَحُهُ:
-مَهْماً يَكُنْ فَتِلْكَ أُمُّكَ يَا حَسَنُ وَلاَ طَفْرةَ مِنْ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهَا!
ازْوَرَّ حَسَنٌ فَاحْمَرَّتْ صُورَتُهُ من الْغَضَبِ وَصَاحَ:
- كَلاَّ!…أَبَداً!…مُحالٌ أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْهَا!
أَلَحَّتْ:
- وَلَكِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَإِنَّ الأُمُورَ قَدِ اسْتَوَتْ نِهَائِيَّاً فَلاَ مَفَرَّ مِنْ زِيَارَتِهَا وَحَرَامٌ أَنْ تُجَافِيَهَا!…بَلْ سَنُزُورُهَا جَمِيعاً!
فَأَرْخَى أَطْرَافَهُ كِنَايَةً عَنِ الاِسْتِسْلاَمِ فَانْبَرَيْنَ يُحَضِّرْنَ مِنْ كُلِّ النَّفَائِسِ أَغْلاَهَا وتَوَجَّهُوا أَجْمَعُهُمْ أَكْتَعُونَ إِلَى حَيِّهَا الْعَتِيقِ بِالْبَصْرَةِ فَصَادَفُوهَا تَبْكِي، تُعَانِي الْحَرَجَ وَالْحَيْفَ فَارْتَمَتْ عَلَيْهَا الْجِنِّيَّاتُ وَصِرْنَ يُهَدِّئْنَ مِنْ رَوْعِهَا وَيَعِدْنَهَا خَيْراً صَائِحَاتٍ:
- ولَّى الْهَمُّ الآنَ يَا خَالَةُ!…أَمَّا هَذَا فَابْنُكِ وَأَمَّا نَحْنُ فَبَناتُكِ وَأَمَّا هَارُونُ الرَّشِيدُ الْمُتَسَبِّبُ فِي كُلِّ هُمُومِكِ فَسَنَقْضِي عَلَيْهِ!
وَمَا إِنِ اسْتَيْقَظَ الْبَصْرِيُّونَ مَعَ نُضْرَةِ الإِشْرَاقِ حَتَّى وَجَدُوا الْمَكَانَ مُتَغَيِّراً وَكُوخَ الْعَجُوزِ أُمِّ حَسَنٍ مُخْتَفِياً وَقَدْ نَشَأَ مَكَانَهُ صَرْحٌ سَامِقٌ…أَصْبَحَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَفْرِكُونَ الأَعْيُنَ وَيَرْمِشُونَ ثُمَّ يَجْحَظُونَ فَيَسْألُ بَعْضُهُمْ بَعْضاً:
- مَا الَّذِي حَدَثَ؟…هَلْ تَنْبُتُ الْجَوَاسِقُ فِي الْبَصْرةِ كَالغَرْسِ وَتَنْخَسِفُ الأَكْوَاخُ هَكَذَا بِنَقْرَةِ الأَصَابِعِ؟…وَأيْنَ أُمُّ حَسَنٍ؟…الْمَغْبُونَةُ…لَعَلَّ الأَرْضَ جَرَضَتْهَا أَيْضاً!؟
وَبَيْنَمَا الْخَلْقُ يَضْرِبُ أَخْمَاساً بِأَسْدَاسِ، لاَ يَعْقِلُونَ كَيْفَ يَصِيرُ ذَلِكَ بَيْنَ عَشِيَّةٍ وَضُحَاهَا، هَرْوَلَ الْحُرَّاسُ إِلَى السُّلْطَانِ يُنْبِئُونَهُ بِالأُعْجُوبَةِ فَطَارَ إِلَى ذَلِكَ الْبُرْجِ الْعَجِيبِ فَتَسَمَّرَ عِنْدَهُ فَاغِراً فَاهُ، مُقَلِّباً عَيْنَيْنِ زَائِغَتَيْنِ، مُتَحَيِّراً مِنْ ضَخَامَتِهِ وَحُسْنِ تَشْيِيدِهِ فَضَاقَتْ نَفْسُهُ إِذْ وَجَدَهُ أَجْمَلَ وَأَبْهَى مِنْ سَرَايَاهُ وَقَدْ كَانَ أَمْسِ أرْذَلَ مَضْرِبٍ بِالْبَصْرَةِ يَعَافُ الْحَمامُ أَنْ يُرَوِّثَ فِيهِ.
فَجَعَلَ يَجُولُ بَيْنَ أَجْنِحَتِهِ وَأَرْوِقَتِهِ، يَعْتَلِجُ الْغَيْرَةَ وَالْحَسَدَ فَإِذَا بِالْجِنِّيَّاتِ يُطْلِلْنَ عَلَيْهِ بَغْتَةً فنَسَفْنَ بِهِ فَمَاتَ وَعَاشَ حَسَنٌ سَعِيداً، هَانِئاً بَيْنَ أُمِّه وَزَوْجِهِ وبَنِيهِ وَأَخَواتِهِ.
خَتَمَ الْمَدَّاحُ قَالَ: أَنَا أُحْجِيَتِي أُحْجِيَةُ الْوَادِي الْوَادِي، أَنَا أُحَاجِيهَا أَوْلاَدَ الأَجْوَادِ!
نجمة سيّد أحمد
(أحاجي الأجواد، باب: "أغوال وسحر")
(أحاجي الأجواد، باب: "أغوال وسحر")
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
رد: حكاية "حسن البصريّ" لأختنا الهادية
هديتك غالية ومتميزة يانجمة المنتدى المضيئة ... في كل عبارة منها حكمة وموعظة.... اشكرك ولك مني
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الهادية- عضو مشارك
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 28/01/2011
العـــــمـــــر : 60
عـــدد المساهمـــات : 62
الـمــــــــــــزاج : الحمد لله
ilyes- عضو نشيط
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 20/01/2010
العـــــمـــــر : 25
عـــدد المساهمـــات : 122
الـمــــــــــــزاج : جيد
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
مواضيع مماثلة
» حكاية "حسن البصريّ" لأختنا الهادية
» رحبوا معي باستاذتنا المحترمة الموقرة الهادية باحلى ترحيب
» حكاية وعظة
» رحبوا معي باستاذتنا المحترمة الموقرة الهادية باحلى ترحيب
» حكاية وعظة
منتديات بني ورثيلان التعليمية :: القســــــــــم العـــــــــــــــــــام :: إبداعات الأعضاء و إصداراتهم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 08 فبراير 2016, 19:32 من طرف أبو إلياس
» الله هو الغنيُّ المطلق والخلق فقراء محتاجون إليه
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:29 من طرف أبو إلياس
» صفة من صفات أهل الإسلام
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:27 من طرف أبو إلياس
» آداب الإنترنت: فنون المعاتبة .. ومعالجة الأخطاء
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:26 من طرف أبو إلياس
» مركز اللغات بجامعة المدينة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 18:35 من طرف أبو إلياس
» مجلة جامعة المدينة العالمية المحكمة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 00:34 من طرف Nassima Tlemcen
» aidez-moi vite svp
الثلاثاء 12 يناير 2016, 16:30 من طرف أبو إلياس
» حوليات وزارة التربية 2012 في العلوم الطبيعية
الجمعة 04 ديسمبر 2015, 13:04 من طرف lynda2013
» لمـــــــــــــــــــاذا تبـــــــكي النّســـــــــــــــــــاء
الأربعاء 18 نوفمبر 2015, 18:46 من طرف أبو إلياس