منتديات بني ورثيلان التعليمية
عبد القادر بن أعراب 339101
عبد القادر بن أعراب 543305
في منتديــات بني ورثيـــلان التعليميــــة.

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بالدخول إذا كنت عضوا معنا
أو التسجيل إن كنتَ زائرا و ترغب في الانضمام إلى أسرتنا
سنتشرف كثيرًا بتسجيلك . شكرًا
الإدارة
عبد القادر بن أعراب 583860
عبد القادر بن أعراب 588542



انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

منتديات بني ورثيلان التعليمية
عبد القادر بن أعراب 339101
عبد القادر بن أعراب 543305
في منتديــات بني ورثيـــلان التعليميــــة.

عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بالدخول إذا كنت عضوا معنا
أو التسجيل إن كنتَ زائرا و ترغب في الانضمام إلى أسرتنا
سنتشرف كثيرًا بتسجيلك . شكرًا
الإدارة
عبد القادر بن أعراب 583860
عبد القادر بن أعراب 588542

منتديات بني ورثيلان التعليمية
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

عبد القادر بن أعراب

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

new عبد القادر بن أعراب

مُساهمة من طرف نجمة سيّدأحمد الأحد 27 فبراير 2011, 14:54

وُلد الدّكتور عبد القادر بن أعراب في مدينة سطيف. أحرز شهادة ليسانس في اللّغة الفرنسيّة من جامعة قسنطينة ودكتوراه في الآداب الفرنسيّة من جامعة السّوربون بباريس وماجستيرا في اللّغة العربيّة من جامعة السّوربون الجديدة وهو الآن أستاذ وباحث في مركز الدّراسات والبحوث المقارنة بجامعة السّوربون الثّالثة.
له عدّة مؤّلّفات بالعربيّة والفرنسيّة منها:
*Les Voix de l’Exil, Ed. L’Harmattan 1995 (صوت المنفى)
*Les Mots, Ed. L’Harmattan 1996 (الكلمات)
* Maghrébins de France, Ed Privat 2004 (ouvrage collectif) , Prix de la sélection (مغاربة فرنسا)
*franco-arabe en 2005. (فرنسي- عربيّ)
*Frantz Fanon L’Homme de Rupture, Ed alfAbarre 2010 (افرانْتْزْ فانُون رجل القطيعة)
* Nouvelle sur la guerre d’Algérie en préparation. (قصّة قصيرة عن الثّورة الجزائريّة)
* Nombreux articles dans la presse nationale et internationale. (عدّة مقالات صحفيّة)
كما أنّه مهتمّ بعدّة بحوث مركزيّة مثل:
*الهجرة: انشغال خاصّ بأدب الشّباب (العربيّ) المولود بفرنسا: روايات، شهادات، مذكّرات شخصيّة، شعر ومسرح.
* أدب المغرب العربيّ سواء أكان مكتوبا باللّغة العربيّة أو الفرنسيّة: مواضيعه وخصوصيّاته.
* آراء حول التّعليم العالي بالجزائر: هل يمكن إصلاح الجامعة الجزائريّة؟

ومن بين ما ألّف باللّغة العربيّة، اصطفينا لكم المقالات التّالية:

فـي الـلــغـة الأم

بقلم: عبد القادر بن أعراب *


"[right]اللسان هو العضو الذي يدلّ على حال صاحبه، فيعرف منه الأطباء أمراض الجسم، والفلاسفة أمراض النفس" كما يقول مونتينيوMontaigne . واللسان، هنا، هو العضو الهضمي، أفلا يدلّ اللسان الكلامي، أيضاً على "حال" صاحبه؟ أليس سلساً طوفان الكلمات هذا، وموزوناً هذا الكلام في فمنا، يداعبه هذا اللسان الذي يوَلّد العبارة ولا يكف عن الامتزاج بها؟ في اللغات الأوروبية، أصل الكلمة اليوناني/اللاتيني (langue و language) قريب من الأصل السنسكريتي الذي يسمّي اللسان "leh" التي تعني "اللس" أو "اللش" (وباللاتينية:lecher) أي اللحس. من هنا الحنوّ الذي يرعى العلاقة العاطفية بين اللسان والأم، ومن هنا "اللسان الأم". حتى أن القرآن الكريم، كي يدلّ على معنى اللغة، يستخدم حصراً، عبارة "لسان"، أي العضو الهضمي، دون أية عبارة أخرى بهذا المعنى، فلا يستخدم عبارة "لغة" مثلاً، بل عبارة "لغو" وبمعنى "الكلام الفارغ".
ليست لديّ النية الآن، أن أبحث في إشكالية اللغة من منظور ألسني وصفي، وإنما إلى معالجتها بخاصة بوصفها مكوّناً من مكوّنات الذات، منذ الولادة. فهذه اللغة بالذات، وهي المكان الذي تتشكّل فيه أحاسيسنا وأفكارنا المكتسبة، هي التي تحدد لاحقاً ما ستكون عليه شخصيتنا. فهي انصهار جسدي واتصال هو أقرب إلى الاتحاد بل التوحّد، ليس له تعريف ولا تحديد، في هذا الخط الأمومي، ولم تنتقل إلينا في شكلها التعبيري لأنها خلوٌ من المعنى في هذا الطور الجنيني من العمر، وبلا مرجعية تعريفية، وإنما عبر كلام خصوصي توشوش به التوترات الحميمة التي تربطنا بها "في هذا العالم المظلم من العلاقات الجنسية المؤنثة" (فرويد). فإذا كان البحث قد جرى زمناً طويلاً لمعرفة ما إذا كان ثمة لغة واحدة كان يتكلمها البشر جميعاً، فإنه يمكن القول، مع روسّو، إن تلك اللغة هي بالضبط هذه اللغة التي يتكلمها الأطفال قبل أن يتعلموا النطق والكلام، ولكن في محل معنى الكلمة، تحلّ اللهجة أو l'accent النغمة التي ترافقها. وإذاً، فإن اللغة هي ذلك البطن الأمومي، الجيب الذي يتكوّن فيه جسمنا، وتتحقق فيه ولادتنا، وتنمو فيه فرديتنا.
فيها يندرج التصور الذي ينشأ لدينا عن الكون المحيط بنا، وكذلك أسلوبنا في بناء العلاقات، فهي تعيّن أساليبنا في فهم الواقع، هذه الأساليب التي هي بمثابة عكازين نتكئ عليهما، أو سور حاجز يقينا السقوط عندما يختلّ بنا التوازن. وهي تغدو جنسيتنا وراية انتمائنا، إذ تقينا مرارة الضياع في عوالم paysage أخرى. إنها مصدر الشهوات المكبوتة الصامتة التي تغذي تفكيرنا، وتخلق حركاتنا اليومية، وقصصنا الخصوصية، قبل أن تتحوّل إلى موضوع قواعد وجمل تامّة وخطاب ذي معنى، وفي ما يتعدّى مزاياها الإبداعية.
هذا المعلف الأمومي يولّد عدداً لا حدّ له من |لأحاسيس المرهفة غير المدرَكة، التي تتطلّب لغتها الخصوصية الاستخدام التعبيري للفكر من دون أن يتلفها، بتناغم تام مع مخيلتنا. إن الطفل الذي لم يسبح في لغته الأم، ولم تهدهده وشوشتها العاطفية وأنغامها الموزونة على وقع أصواتها، لم يتلقَّ في المقابل سوى كلام هش يفتقر إلى النعومة واللطف. وسيظل تاريخه الشخصي ودلالاته مطبوعة بعقابيل هذا المرض الذي يزيده خطورةً كلامٌ مصطنع مفروض، لا نستطيع أن نعبّر به ـ إلا على نحو منقوص ـ عن الآلام التي نتلقاها، حتى عندما نشعر بمفاعيلها الجارحة في الكلام الذي ولدنا فيه. كل تعبير يتمّ بقوة الكلمات النابعة من الرحم الأصل، الأم، هذه القوة تمنح الكلام طرحاً متآلفاً مع محيطنا، لكنها حين تضيع ولا تحل محلها أخرى تعادلها وتضارعها، فإن هذه الأخيرة ستترك عندنا نظرة إلى الواقع مجزوءة، وسيكون لمفاعيلها دور الرقيب، لأن الكلام الذي تعبّر به يصبح مرغِماً ملزِماً، وتصبح القدرة التعبيرية عاجزة عن تسمية التغيّرات الذاتية، إلا بموضوعية اللغة المفروضة.
أية لغة يمكن لها أن تلتقط وشوشاتنا الحميمة وأن تسجّل همسنا الداخلي الذي لا صوت له يُسمَع، غير اللغة الأم؟ فتلك تعابير لا يمكن لها إلا أن تتكسّر على أسنّة اللغة الأجنبية الحادّة، فتقطّعها وتمزقها. عندما أكتب بالفرنسية مثلاً، أدرك هذا اللجوء إليها ـ الإرادي واللاإرادي في آن ـ على أنه ضياع لملفي الشخصي، وفقدان لطبيعيتي يعوَّض جزئياً بخضوع صارم لقواعد هذه اللغة التي أكتب وأعبّر بها. إن همّي المزدوج في التملّك والإتقان يحنو على آداب هذا التعبير الفردي وحسّه الاجتماعي، بواسطة جمالية تقليد ذات مستوى رفيع، خدمةً لهذه اللغة الأجنبية جداً والحميمة جداً في آن معاً. ولكن في الوقت نفسه ينبعث من أعماقي الشعور بأنها غير ناجزة، لأن "أنا"ي التي لا يمكن التعبير عنها، لا يمكن أن تحقق ذاتها وتعبر عن مكنونها إلا من خلال القاع الشهواني الانفعالي للغة الأم الخصوصية.
بكل مرارة وأسى، نرى هذا القلق لدى الأولاد الأجانب، لدى أولئك الأولاد الذين يئسوا من تعلّم لغتهم الأم، بعدما أضاعوا فرصة تعلّمها، بسبب الإهمال في بعض الأحيان، وبسبب الجهل في معظم الأحيان. إن تعلّم لغة ثانية واستخدامها عملياً في ما بعد، عبر مادة اصطناعية لكلام محروم من مصدر غذائه، الكفيل وحده ببناء الفرد وشحنه بمدنيّة إنسانية وفكرية. هؤلاء الأولاد المفطومون مبكّراً جداً، والذين سقطوا عن أحصنتهم، وفقدوا توازنهم بهذا النقص العاطفي، لم يبقَ أمامهم سوى النمو الغفل، وسط ضباب انتماء غير محدّد، في سيل ثقافي يرصدهم ويحثهم في الشهوانية العلائقية. لغة الأم هي الشرط الأولي للمكتسب الثقافي ورمزيته، التي من دونها نجد أنفسنا مصابين بتشويه ناجم عن فوات فرصة الاندماج العائلي، وعن اندماج اجتماعي غير ناجح وكأنه قصاص اجتماعي ترتّب على ذلك النقص.
وأخيراً، بالنظر إلى السياسات الثقافية المغاربية بعامة، آن الأوان لتشاور جادّ في شأن اللغات الأم لئلا ننسى فضائل التوازن اللغوي، إذ أن اللغات المحكية محلياً عندما تكتسَب، تفتح الطريق إلى اللغات الوطنية والأجنبية دونما خوف من أشباح النزعات الانفصالية التي لا تراود إلا أخيلة الجهّال.

*************************************************************
أزمة الجامعة الجزائرية

بقلم: عبد القادر بن أعراب*


تعيش الجزائر تغيرات ملموسة على الصعيد السياسي، كما على الصعيدين الاجتماعي والثقافي. فهل يعني ذلك أن في الأفق وضعاً جديداً يبشر بفكر فعال، أم أنه سيؤدي إلى انغلاق في المجال الفكري؟

لم تنهك المثقف الجزائري بعدُ، الجهودُ التي بذلها؛ فهو أياً كانت همومه وقناعاته وميوله السياسية، كان حاضراً على الدوام في كل اللحظات المهمة من تاريخه. لقد أنبتت فيه حرب التحرير، هذه الفترة التاريخية الخصوصية، روحية نقدية على مستوى الحدث الذي يعيشه، فالتزم موقف الإسهام والمشاركة، وعاد إلى أحداث التاريخ التي كان يحاول بكل ما أوتِيَ من جهد، أن يكون له دور فاعل فيها. لم يدّخر جهداً في مواصلة النضال بأشكاله المختلفة. كان هذا المثقف سياسياً وروائياً وأستاذاً جامعياً، ولم يقتصر دوره على توقيع العرائض أو كتابة بيانات في المناسبات تحتج على الأنظمة. وإذ كان يغلي عزيمةً ضدّ الاستعمار، كانت يقظته العارمة تزيده إيماناً بالعدالة والإصلاح الاجتماعي، وتطرح أمامه خيارات قائمة على المنطق النضالي ضدّ مظالم اللامساواة وانعدام تكافؤ الفرص التي كان يرزح تحتها الشعب. والأمثلة على ذلك كثيرة وكثيرة جداً، أذكر منها الذين التزموا العمل النضالي. تلك مثلاً، كانت حال فرحات عباس وعبد الحميد بن باديس وكاتب ياسين، وإن على نحو مختلف عنهما. لكن هؤلاء جميعاً كانوا في خدمة العامة والجماهير. ولم تنطفئ جذوة حماسهم أو ينقطع لهيبها إلا عندما كان يُـقبَض عليهم ويودَعون غياهب السجون أو عندما تحين الساعة فيذهب أحدهم ضحية الغدر والاغتيال أو يُنفى إلى مكان ناء معزول. غير أن التأثير الكبير الذي كان يتركه نضالهم في المجتمع، كان يزيده حيوية ونضالاً بسبب المعنى الحيّ الذي تتضمنه كلماتهم وخطاباتهم وتزيدهم قدسية على قدسية في نظر الشعب.
نتساءل الآن عمّا بقي من تلك الخطابات التاريخية التي التزمت النضال، هذه العظمة الخطابية النضالية المهابة التي كانت للخطاب النضالي الملتزم خدمة القضايا الكبرى التي كانت هي الأخرى مسكونة بنزاعات التاريخ وتقلباته. ذلك أن حدثاً تاريخياً كحرب الجزائر، على الرغم من سكونه الذاكرة التاريخية المقدسة، على الدوام، فإنه كان أيضاً قطيعة وحدثاً فريداً كان بمثابة علامة أولية في التغيير وتمهيداً لوضع معرفي جديد. هذا المثقف عينه، أو هذا المثقف الجديد، المفكر، الطبيب، الباحث، المحامي.. والذي نفض عن نفسه، ولو بمقدار بسيط، غبار ماضٍ ما، يجد نفسه اليوم، وجهاً لوجه، أمام نفسه وأمام تاريخه، في مواجهة المسألة الاجتماعية والثقافية، مرغماً على الاستجابة لها وتقديم إجابته.
لقد أدرك في النهاية، سواء كان فاعلاً أو مراقباً، تبعاً للظرف الذي هو فيه، ومهما كان مستوى نباهته، أدرك في النهاية مبلغ القلق العميق الذي ينتابه، وأن الأزمة التي يعيشها إنما تعبّر عن تراخيه وعزلته. لقد أثارت قراءته الشغوفة للتاريخ ونظرته المشوّهة إلى التاريخ، الكثير من الانفعالات في وعيه. ولئن كان في الماضي قد تحرّك بصرامة، في وجه الهيمنة والسيطرة، من أجل "عدم القابلية للاستعمار"، فإن الضرورات الملحّة المستعجلة جعلته اليوم يعي علاقته المبهمة بالمستقبل والتاريخ. فهل طبعته حِدثان التاريخ الجزائري بطابعها الذي لا يمَّحي؟

فكر جامد

إن ما يمكن ملاحظته في الوقت الحالي، هو ولادة فكر معرفي حتمية، في إطار أحادية خطِرة، في مجال تفسير واستخدام الوقائع المتصلة بالثقافة أو بالمجتمع. هذا المنشط الثقافي آخذٌ في التجذر، يعيّن حدوده، يعرّف نفسه بدقة، تبعاً لتكوينه وملكاته النامية . أليس على المثقف أن يجنح إلى الحقيقة وفضيلتها أنها تخدم المصلحة العامة، وهدفها إشاعة المعرفة في المجتمع؟ تثبِت المناقشات التي تعصف بالساحة الجزائرية في مجال اللغة والثقافة، والعلاقات التي تواكب تلك المناقشات وانعكاساتها الاجتماعية، تثبت عدم قدرة المثقف ـ إن لم يكن عجزه التام، وأقول هذا بصراحة ـ عن فصل التحليل العلمي عن طابع العنف والجموح العاطفي. هذا الطابع ما زال يهادن إنتاج التضخم الكلامي العنيف، والفارغ الأجوف، لأن الحجة فيه ليست سوى هتاف بالنضال ليس إلا. وهي هتاف مرضي هش حيناً، وعنفيّ حيناً آخر، يُذكي نار الخلافات العقيمة بين الاتجاهين اللغويين. لقد أثبت هذا الفكر السلبي مرة أخرى، أنه غير عملي، عديم الفائدة، وأنه غير صالح لاستقبال الأجيال الصاعدة وإعدادها. فالأحادية تبقي الموضوع معلّقاً إلى ما لا نهاية، وتجترّ قناعة بأنه ملك لها وحدها؛ وتلك إرادة وحيدة تُلغي كل ما عداها، وترمي بتهمة العنصرية كل ما يخالفها أو يختلف عنها. وليس أفضل للدلالة على ذلك، ممّا هو حاصل الآن من ممارسات لغوية.
لنأخذ على سبيل المثال، النخبة التي تتكلم العربية: مرجعها العربية (اللغة)، وجذرها العميق المشترك الإسلام (الدين). علاقة هاتين الدائرتين المتداخلتين، الدين واللغة، تُرجعنا إلى واقع تاريخي ولّدته جماعة كانت تعي تداخل القيمتين وفائدته في مواكبة تطوّر كلّ منهما، بغية تفجير الطاقة الكامنة فيه. وحيث أن كلاً منهما كان يخدم الآخر، تحرت اللغة من إسارها وأصبحت الأولوية لاستخدامها مستقلّةً عن مفهوم الشعب والعرق. ومع ذلك، فإن المفكر المحبّذ للغة العربية، ما زال متعلّقاً بماضٍ مضى وانقضى، لكنه رغم ذلك، يعظّم على الدوام، في تحليلاته المشحونة عاطفةً ورومانسية، أمجاد ذلك الماضي تعظيماً لا مثيل له، في إزاء حاضر خانع. هذه الرغبة في استعادة عظمة الماضي والاحتماء بها، ناجمة عن الخشية من حداثة تتمثل في غرب متعطش للهيمنة والسيطرة.
ولننظر الآن في حال المثقف "الفرنكوفوني" ذي النزعة اللغوية الفرنسية؛ هذا المثقف يقفز عن ذلك الماضي إياه، مستخفاً دوره، مستهيناً به، متجاهلاً علاقته بالحاضر، وينطلق راكضاً على طريق الحداثة التقنية، متأبطاً بعض عناصرها التي يحاول، حتى من دون أن يقيّمها حق قيمتها، إقحامها عنوةً داخل حدوده الثقافية. وتلك لعمري ممارسة دينية تطبَّق في استخدام تلك المفاهيم الجديدة المقطوفة من أمام أبواب الأجنبي، لتصل ذابلة إلى جامعاتنا التي لا تحصد إلا الرماد الباقي بعدما يخبو اللهب.
أدوات تحليل وقواعد قراءة مستوردة آلياً، نظن أنها ستنوّرنا وتزوّدنا بمعرفة جديدة، لكن حين نطبقها نجد أننا لا نجني ثمارها ونتائجها الإيجابية، وكأنها لا تتوافق مع واقع يتضح عبر التجربة أنه مختلف عن سياق إنتاج هذه المفاهيم نفسها. هذا التقليد المعرفي الطفولي، لا بل هذه الببغائية المعرفية، تطول المجالات المعرفية كلها عندنا، فينتج عن ذلك فكر هامشي يكتفي بفضلات موائد المعرفة ولا يأكل من أطباقها الشهية المغذية. بيد أن اللغة، في ما يتعدّى إثراءها عبر التثاقف أي تلقيحها بما لدى الثقافات الأخرى، تستوجب رؤية متطلّباتها الداخلية، وطاقتها الحميمة الكامنة في "قواها الفردية الذاتية" عبر "الطريق المؤدّي من الاحتمال إلى الواقع، واقع الذات، الأصيل"، بحسب عبارة سيمّيل Simmel الرائعة.

إشكالية اللغات

تنطوي الثقافة الجزائرية، في أساسها العربي/البربري ـ هذا المركّب الأساسي في الشخصية الجزائرية ـ إلى جانب الثقافة الفرنسية، على تشكيلة متنوعة في الواقع اليومي. فإذا فكرنا في جوانب هذا الواقع، وساءلناه بلا انقطاع، نكون بذلك قد أسهمنا في تحريره من المفردات والألفاظ المنحازة إلى جماعة معينة ومن التفسيرات الجامدة. على أنه لا بدّ من القناعة والرضى عن فعل ذلك، كما لا بدّ من امتلاك الأداة الضرورية للمعرفة. أريد أن أتحدّث هنا عن اللغات. إن امتلاك اللغات القومية والأجنبية هو أمر ضروري في المطلق، ولا بدّ منه. إن سياسة تربوية تقوم على فهم عملي للتعدد اللغوي، هي في حدّ ذاتها ثروة كبرى. وهل نسينا الأهمية التربوية الجلّى التي كان يوليها المترجمون في طليطلة لمعرفة اللغات الأوروبية؟ بفضل هذه المعرفة والاهتمام بها، استطاعت المعرفة الأندلسية أن تكتسح أوروبا حتى حدودها الشمالية، حاملة معها كونية محققة. وما زالت هذه الكونية مرتبطة بأسماء كبرى مثل الكندي والفارابي اللذين كانا في عداد الرواد الذين أسسوا حركة دراسة اللغات الأخرى ومعرفتها وامتلاكها. إن عمل الباحث يقوم على المعرفة باللغات واستخدامها الذي يشكل معياراً أساسياً لا بدّ منه من اجل التنسيق والمقارنة في مجال الأبحاث والدراسات الجامعية. لن أطيل الوقوف عند العلاقة بين اللغة والثقافة. أسوق فقط مثلاً على ذلك، الأدب الرومانسي الجزائري، بعامة، والمكتوب بإحدى اللغتين إما الفرنسية وإما العربية. فالنتاج الأدبي في كل من هاتين اللغتين لا يعرف النتاج في الأخرى، يتجاوران تجاور الغرباء، إذ يجهل كل منهما الآخر ويبقى غريباً عنه، وفي هذا ما فيه من عيب فاضح.
يمكن لنا أن نفكّر أيضاً، في ما عنى التاريخ، بالانقسام اللغوي، زمن الاستعمار؛ فعلى الرغم من اتصال هذا الانقسام أحياناً بالتناقض الصارخ بين اللغتين (العربية والفرنسية) فإنه حظي بوساطةٍ بذل فيها جهوداً مشكورة أنس أمثال أ. بن يحيى وم. بن رحال وعلي برهمت وسواهم.. وكان همّهم التقريب بين اللغتين، بتطوير اللغة العربية وتعليمها في إطار المنافسة مع اللغة الفرنسية.
بالعودة إلى الأدب الجزائري، نجد أن نتاجه، في اللغتين، ينطلق من الواقع نفسه، ويستند إلى مجموعة من المرجعيات نفسها، ويعالج مخيالاً تبقى حساسياته متقاربة. إلا أن نسبة الذاتية المرتفعة وانعدام المبادرة إلى الحوار، يجعلان المعالجة غير سوية في كلتي اللغتين.
وقد تسنى لي أن ألاحظ، من خلال عملي، أن الجامعات المراكشية والتونسية واللبنانية تستخدم في أبحاثها العربية والفرنسية والإنجليزية في آن معاً. إن الأبحاث والمنشورات التي تصدر عن هذه الجامعات في ميدان الألسنية والشعرية والسيميولوجيا، متقدمة جميعاً، كما أن النصوص العربية تتناسب تماماً مع قواعد التحليل المعروفة في علم النصوص.
تلك هي الجوانب المختلفة للأزمة التي تعرفها الجامعة الجزائرية اليوم. وأودّ أن أقول إن الدراسات المقارنة الأدبية والعلمية والتمكّن من اللغات هي أمور لا مفرّ منها إن أردنا اللحاق بالركب العالمي في ميادين العلوم والآداب. ونحن نعيش اليوم فخاً أطبق على ثقافتنا بالذات. ويزداد الأمر سوءاً وخطورةً مع استمرار ولادة أجيال من الطلاب والجامعيين العرجان، يسيرون على قدم واحدة. ولئن كان التدريس قد عانى ما عاناه من هذه الأزمة في جوانبها المختلفة، فلأن ثمة قوى أرغمته على الخضوع لمؤسسات تربوية متحكمة و"مونوقراطية".
هكذا نرى أن المفكر الجزائري قلّل من أهمية هذا العامل وبخسه قدره، حين ترك تفكيره ينقاد لقضايا سياسية ويخضع لها، بدلاً من أن يجعله في خدمة العلم والمعرفة ويبذل جهداً فكرياً يُعلي transcande الخطاب الـ fonctionnalisé للتبعيّة الغبية، وإبراز الـ raison التاريخي. في هذه المرحلة، لا بدّ من بناء جسر للعبور بين اللغات، بما فيها اللغات المحلية، إذا ما شئنا تحسين صحة واقعنا المريض وكي لا تأتي قوة وحشية تحطّم كل إبداع وتمنع كل جديد؛ ذلك لأن الضياع الفكري والقبول بالاتجاه الاجتماعي والسياسي السائد، يقلّصان حدود الفكر الذي سيكون أصحابه philistins à l'époque prosaïque .
موجة جديدة

شهدت تسعينيات القرن الماضي بروز فئة من المثقفين الجدد، يقيم معظمهم في فرنسا، همّها الأساسي همٌّ نرجسي في المقام الأول، وهو حبّ الظهور في الأوساط العامة ولاسيما الأوساط الإعلامية، خير ضمانة للبروز وأفضل وسيلة للشهرة والظهور الاجتماعي. هؤلاء الناشدون للـ peroraison المشهدي آثروا كتمرين ostensible أن يكشفوا كل أسرار المجتمع الذي جاؤوا منه، وأن يهتكوا كل محرّماته. وهم في ذلك بارعون في الإفادة من الظروف والأوضاع والغايات المتصلة بها، إذ يحوّلون أنفسهم إلى خبراء في قضايا الساعة (الحجاب، أو بالأحرى "الفولار الإسلامي"، الإرهاب، الخ..) أو في المواضيع المشهدية المثيرة (الحب، الجنس في الإسلام، إلخ..) أو في esbroufe أخرى (حقوق المرأة، الديموقراطية، إلخ..) وتلك الموضوعات غالباً ما تمليها مصالح شخصية محض حيث الرغبة في استعراض الذات أمام الجمهور، تسوّغ leur figuration hyperbolique ، فيقترحون حلولاً غير صالحة، لأنها لا تكون حلولاً جذرية ودائمة، وإنما تخدم الظرف الآني والمصلحة الفورية، ما دامت القضايا المطروحة ترضي بعض المشاهدين أو توافق رغبات قرّاء ينتظرون اكتشافاً أو يتوقعون جديداً.. فأولئك مثقفون تحوّلوا فجأة إلى parangons الإنسانية، ومدافعين عن ضحايا الظلاميّة وفرعها الإسلامي الذي دمّر الجزائر في السنوات العشر الأخيرة.. لكن هؤلاء الـ versifcateurs ألا يتذكرون زمناً كانت فيه خطابات الساسة الجزائريين تلقى بركات هؤلاء الباباوات إياهم، الذين كان همّهم الدائم وشغلهم الشاغل تعزيز سلطة النظام القائم؟

**********************************************************************


ترجمة المعارف ونقلها

بقلــم: عـبـــد الـقــــادر بــن أعــراب *


ل
ا تشذ الحدود الثقافية عن الانفتاح العالمي وعن سوق التبادل العالمية، على نحو ما نراها تغيّر كل يوم ملامح العالم. والترجمة هي أحد الأنشطة التي لا تقلّ عن سواها أهمية، وتبقى في عداد الأنشطة الأساسية، على الرغم من الميل إلى التقليل من شأنها. وأبدأ بذكر بعض الأرقام لتبيان أهمية هذا العمل في بناء المعرفة وتطوّر الإنسانية. بعض المصادر يُثبِت أن العالم ترجم في العام 1982 ما مجموعه 150 مليون صفحة (المرجع: (Système Systran) la Société Gachot). هذه المساحة الهائلة من المعرفة الكتبية شملت عملياً اللغات كافة، وشجعت كأفضل ما يكون التشجيع على التجديد الفكري، من طريق تلاقي الثقافات وتلاقحها، ولكنها لم تتناول إلا النزر اليسير من التراث الفكري القومي، علماً بأن المؤلفات المكتوبة باللغات العلمية، في العالم كله، كانت لا تشكل إلا حوالي ثلاثة في المائة من الترجمات الهزيلة إلى العربية، على سبيل المثال. لا بدّ من إعادة الاعتبار إلى هذا العمل الإنساني والاجتماعي الذي يُسهم في السجالات العلمية الكبرى. فالترجمة هي عمل وسيط موضوعه المعارف كي يُخرِج منها جوهراً جديداً يشكّل محتواه تكيّفاً مع المعرفة لا يتوقف. إن أسلوب الترجمة هو حلقة وصل بين مختلف المناخات الثقافية، لا مجرّد نقل شيء من حقل المعنى في لغة إلى ما يعادله في حقل المعنى في لغة أخرى.
إن التقارب المباشر بين اللغات والفروع المعرفية التي تعبّر عنها والفائدة الفقهية اللغوية ( الفيلولوجية philologique ) المتصلة بها، تتعدّى مفهوم المعادل اللغوي في المعنى المحض، بفضل قانون إعادة التفسير الفعّال الذي يولّد معارف جديدة. وتلك هي فضيلة الترجمة التي هي في الوقت نفسه خلق وإبداع في جغرافيا النص الخصبة.
من هذا الموقع التبادلي، يُفلح المترجم في تحلية الانتاج الثقافي الذي يتكاثر بسرعة كبيرة، بالنظر إلى اختلاف الأمزجة المجتمعية/الاجتماعية والقومية/الإثنية. فالتاريخ الأدبي يداخل التاريخ الاجتماعي، في ما يتعدّى الفائدة اللغوية والجمالية للنصوص المترجَمة. وعبر الترجمة، تُرسى أُسس التقارب بين الشعوب، بين عواطفهم ومشاعرهم وتصوّراتهم، بغية هدم الحواجز بين أنظمة القيم التمركزية، وخدمة حركة التواصل الأوسع. تنمو عملية الترجمة جنباً إلى جنب مع نمو البحث الذي يتيح تبادلاً إعلامياً منتظماً حول إمكانات الآخر الاختبارية، وحول قدرات الذات على التعبير عنها وقدراتها على التجديد والابتكار. في الوقت نفسه، تـُـثري قواميس المفردات الخاصة بميادين العمل المختلفة، بعضها بعضاً فتتطوّر على إيقاع التقدم الصناعي والتكنولوجي. ولكن لا يكفي، من أجل ذلك، أن نفكّر في المفاهيم النظرية للمادّة المترجمَة، بل يلزم أيضاً وضع أسس عمادها مؤسسات تُنشأ لهذا الغرض، كإنشاء وحدات حقيقية مُدمجة في الجامعات، مثلاً، ويكون دورها الرئيسي إلزام الباحثين، تبعاً للمهمّات الموكَلَة إليهم، بتحديد طبيعة الحاجة إلى إبداعات علمية، وما أكثرها، في واقع الأمر.
في ما عنى الترجمة والنقل من الأعمال الأجنبية إلى العربية، ما زال هناك الكثير الكثير من المشكلات المطروحة التي تتصل لغوياً بظاهرة تسمية المفردات (مشكلة العثور على المفردات الملائمة)؛ إذ سرعان ما يصطدم المترجم بشحّ المفردات وأدوات الاتصال على مستوى المرجعيات في اللغة العلمية المترجَم إليها، وذلك لأن كثرة المعاني، بما فيها المجازية، للمفردات القاموسية، قلّما تجد معادلاً لها في اللغة المترجَم إليها. من هنا ضرورة اللجوء إلى اختراع مفردات جديدة، والتشاور في تسمية واعتماد المفردات المطلوبة.
يحدث أحياناً أن يكون بالإمكان إضفاء ما أسميه "هوية قومية صوتية" ("nationalité phonétique") على بعض الألفاظ التي لا وجود لما يقابلها في اللغة المترجَم إليها، للدلالة على أشياء أو مفاهيم معيّنة، وذلك عندما يُمكن لعبارة أو مفردة إنجليزية مثلاً أن تُفرنَس، أو لمفردة فرنسية أن تُعرَّب. ولكن، لكي نتخطّى هذه الألفاظ المعتمدة مؤقتاً، ونصوّتها بلغتنا كما نسمعها صوتياً بلغات أخرى، ريثما نعتمَد لها ألفاظ دائمة، لا بدّ من جهود أكاديمية تظهر إلى حيّز الوجود، لتجاوز مرحلة استعارة المفردات كما هي، ومباشرة تجديد حقيقي متصل بالاختراعات التكنولوجية وتطور المجتمع ونمو اللغة بعامة، علماً بأن المعنى الجديد يتعيّن أكاديمياً.
لم يعد ممكناً اليوم تجاهل وسائل الاتصال بالآخرين، إذا كنا ما نزال نجهل لغته، وما نزال لا نتيح له فرص التعرّف على لغتنا. علينا أن نتذكّر الغزوات الإسبانية في "أسبانيا الجديدة" وكيف أسهمت في إنجاحها إلى حدّ كبير المنظمات الدينية التي تعلّمت وترجمت التعاليم الدينية والقوانين الكنسية إلى اللغات المحكية المحلية، لخطب ودّ الجماعات المحلية واستمالتها. على هذا النحو تحوّل الهنود بسرعة إلى الدين الجديد ونجح الغزو الأسباني في القرن السادس عشر. قبل قرون من ذلك، وفي أسبانيا نفسها، من طليطلة، المدينة الإسلامية، انطلقت المعارف وانتشرت في أوروبا، بفضل علماء مترجمين جعلوا من أسبانيا منارة للعلم توافرت لها فروع المعارف جميعاً. وفي الختام يطيب لي أن أُردّد أبياتاً نظمها الشاعر المصري حافظ إبراهيم في العربية وطاقاتها الكامنة التي تستجيب للترجمة ولكن على يد مترجمين غوّاصين، خلافاً لما يُشيعه أعداء هذه اللغة:
رموني بعقم في الشباب ولـيتني **** عقمـــت فلم أجزع لقول عداتي
حويت كتاب الله لفظاً وغــايةً **** فكيف أضيق عن أسماء مخترعات
أنا البحر في أحشائه الدرّ كامنٌ **** فهل سألوا الغوّاص عن صدفاتـي


نجمة سيّدأحمد
عضو مميز
عضو مميز

الجـــنـــس : انثى
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 55
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: عبد القادر بن أعراب

مُساهمة من طرف aissa.b الأحد 27 فبراير 2011, 16:28

Neutral على المعلومات و على مجهودك Cool
aissa.b
aissa.b
عضو برونزي
عضو برونزي

الجـــنـــس : ذكر
تاريخ التسجيل : 19/11/2010
العـــــمـــــر : 28
عـــدد المساهمـــات : 885
الـمــــــــــــزاج : هادىء

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

new رد: عبد القادر بن أعراب

مُساهمة من طرف نجمة سيّدأحمد الأحد 27 فبراير 2011, 16:37

بل أنا الّتي أشكر لك اهتمامك بالموضوع.

نجمة سيّدأحمد
عضو مميز
عضو مميز

الجـــنـــس : انثى
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 55
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
أوقات الصلاة للجزائر العاصمة وضواحيها
اختر لغة المنتدى من هنا
----------------------------------------------------------------------------