لأُعلِّمَنَّ الْبِنْتَ وَالذَّكَرَ!
4 مشترك
منتديات بني ورثيلان التعليمية :: القســــــــــم العـــــــــــــــــــام :: إبداعات الأعضاء و إصداراتهم
صفحة 1 من اصل 1
لأُعلِّمَنَّ الْبِنْتَ وَالذَّكَرَ!
لأُعلِّمَنَّ الْبِنْتَ وَالذَّكَرَ!
قَالَتْ جَدَّتِي:
- جَلَسْنَ حَوْلِي كَالتَّمَاثِيلِ وَنَفَخْنَ صُدُورَهُنَّ كَفِرَاخ الطَّاوُوسِ ثُمَّ أَمَلْنَ رُؤُوسَهُنَّ الْفَارِغَةَ يَمْنَةً وَيَسْرَةً كَالأَفَاعِي الْمَسْمُومَةِ فَهَزَزْنَ أَذْرُعَهُنَّ الْمُكَبَّلَةَ بِالذَّهَبِ كَأَنَّهُنَّ يَرْقُصْنَ رِقْصَةَ الْمَعَابِدِ فٍي حَضْرَةِ الْكُهَّانِ فَقُلْنَ لِي غَامِزَاتٍ، نَابِزَاتٍ:
- مَا كُنَّا نَحْسِبُكِ يَا زَهْرَةُ، يَا امْرَأَةَ الْقَاضِي، بَعْدَ أَنْ وَطِئَتْ قَدَمَاكِ هَذَا الْبَيْتَ الشَّرِيفَ، تُطْلِقِينَ اللِّجَامَ لابْنَتِكِ، ابْنَةِ الْحَسَبِ وَالنَّسَبِ، تَهِيمُ فِي الْجِبَالِ بَيْنَ الدُّومِ وَالأَحْرَاشِ وَتَنَامُ فِي الْكُهُوفِ بَيْنَ الذِّئَابِ وَالْخَنَازِيرِ بَيْنَمَا كَانَ خَلِيقاً بِكِ أَنْ تَرُصِّي صَدْرَهَا وَسَائِرَ جَسَدِهَا بِالتِّبْرِ وَالْمُجَوْهَرَاتِ النَّفِيسَةِ! قَطْعاً، إِنَّ هَذَا أَلْيَقُ بِالْبِنْتِ يَا زَهْرَةُ وَأَفْيَدُ لَهَا مِنْ تِلْكَ السَّبِيلِ الَّتِي سَلَكَتْهَا فَتَاتُكِ…وَلَكِنَّهَا "البِنْتُ طَلَعَتْ لأُمِّهَا" وَيَكْفِي أَنْ نَنْظُرَ فَقْرَكِ وَعَطَلَكِ فَنَسْتَخْلِصَ الْعِبَرَ. وَهَاأَنْتِ، رُغْمَ بُعْدِ الشُّقَّةِ بَيْنَكِ وبَيْنَ دَشْرَتِكِ، لَمْ تَتَحَضَّرِي وَلَمْ تَنْعُمْ حَوَاشِيكِ كَمَا أَنَّكِ لاَ زِلْتِ تَدْرُجِينَ عَلَى سِيرَةِ أُولَئِكَ الْفَلاَّحِينَ الَّذِينَ خَلَّفْتِ فِي إِجْذَارَنَ!
ثُمَّ اسْتَمْرَرْنَ كَذَلِكَ يُعَيِّرْنَنِي بِتِلْكَ الْكَلِمَاتِ الْجَارِحَاتِ وَيَعِبْنَ خَالَتَكِ الَّتِي الْتَحَقَتْ باِلْجَبَلِ لِتَخْدُمَ الْوَطَنَ ضِمْنَ صُفُوفِ الْمُجَاهِدِينَ الأَحْرَارِ وَتُخَلِّصَ شَعْبَهَا مِنْ نِيرِ الاِسْتِعْمَارِ، بَلْ وَادَّعَيْنَ أَنَّنِي سَبَّلْتُهَا لِرِجَالِ الْجَبْهَةِ يَنْتَهِكُونَ شَرَفَهَا بَيْنَمَا كَانَ أَوْلَى أَنْ أُنْشِئَهَا عَلَى صِرَاطِ الدَّمَالِجِ الرَّنَّانَةِ وَالأَقْرَاطِ الْبَرَّاقةِ، الْمَحْشُوَّةِ بِاللُّؤْلُؤِ وَالْفِضَّةِ.
وَبَيْنَا أَنَا كَذَلِكَ أَعُضُّ عَلَى شَفَتِي، خَانِقَةً أَلَمِي بَيْنَ ضُلُوعِي، اِنْفَلَتَتْ إِلَيْهِنَّ حُجَّةُ أُمِّكِ - وَكَانَتْ بَعْدُ يَافِعةَ السِّنِّ - فَقَالَتْ:
- إِنَّ الذَّهَبَ الَّذِي كَسَتْنَا أُمُّنَا بِهِ كَنْزٌ فِي الصُّدُورِ لاَ يَفْنَى! إِنَّهُ الْعِلْمُ الَّذِي أَهْدَتْنَا إِيَّاهُ بِفَضْلِ تَضْحِيَاتِهَا وَفِدَائِهَا. أَمَّا ذَلِكَ الَّذِي تَعْرِضْنَهُ عَلَى أَثْدَائِكُنَّ الضَّخْمَةِ فَمِنْ وَسَخِ الدُّنْيَا وَأَدْرَانِهَا وَإِنَّهُ دُائِلٌ إِلَى بَوَارٍ مِثْلُكُنَّ تَمَاماً فَلاَ تَفْخَرْنَ بِهِ شَطَطاً!
***
قَالَتْ جَدَّتِي:
- أَجَلْ حَبِيبَتِي! لَقَدْ أَعْطَيْتُكُمْ كَنْزاً لاَ يَفْنَى مَا فَنِيَ الزَّمَانُ، وَلَقَدْ كَلَّفَنِي ذَلِكَ مَا بَيْنَ الرَّمْشِ وَالْعَيْنِ!
قُلْتُ:
- أَمَّا فَأَخْبِرِينِي، هَلاَّ فَعَلَ جَدِّي عَبْدُ الْكَرِيمِ شَيْئاً فِي سَبِيلِ تَعْلِيمِ أَبْنَائِهِ؟ أَلَمْ يَكُنْ بِالآخِرِ مُتَعَلِّماً وَقَاضِيَ زَمانِهِ؟
أَجَابَتْ:
- بَلَى، عِنْدَمَا وَصَلَ بِكْرُهُ إِلَى مَرْحَلَةِ الثَّانَوِيَّةِ، بَاعَ بَعْضاً مِنْ تُرَابِهِ حَتَّى نَشْتَرِيَ لَهُ كُسْوَةً جَدِيدَةً وَنَدْفَعَ لَهُ تَذْكِرَةَ الْحَافِلَةِ الَّتِي تُلْحِقُهُ بِمَعْهَدِه فِي سَطِيفَ. أَمَّا فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَحْدُثْ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ كَبُرَ وَاشْتَعَلَ الشَّيْبُ بِرَأْسِهِ!…
تَنَهَّدَتْ جَدَّتِي ثُمَّ قَالَتْ:
-إيهِ بُنَيَّةُ! كُنْتُ أَبِيعُ حَلِيبَ بَقَرَتِي وَأَحْتَفِظُ بِالنُّقَيْدَاتِ فِي وِعَاءٍ مِنَ الْجَامُوسِ عَلَى رَفٍّ عَالٍ مِنْ خِزَانَةِ الْمَوَاعِينِ تِلْكَ الَّتِي تَرَيْنَ قُدَّامَكِ. وَكُنْتُ أَبِيعُ اللِّتْرَ بِخَمْسَةِ صُورْدِيٍّ ثُمَّ جَمَعْتُ الصُّورْدِيَّ عَلَى الصُّورْدِيِّ حَتَّى صَارَ عِنْدِي مَبْلَغٌ بِأَرْبَعَةِ آلاَفِ فِرَنْكٍ فِرَنْسِيٍّ فَاكْتَتَبْتُ لَدَى مَدْرَسَةٍ خَاصَّةٍ بِفِرَنْسَا فَطَفِقَتْ تَبْعَثُ دُرُوساً إِلَى أَبْنَائِي. وَهَذَا خَالُكِ حَمُّودٌ يُحَصِّلُ، بِفَضْلِ تِلْكَ الْمُرَاسَلَةِ، عَلَى شَهَادَةِ الْبَكَالُورْيَا بِدَرَجَةٍ حَسَنَةٍ جِدّاً وَلَكِنَّهُ، فِي يَوْمِ فَوْزِهِ، أَلْقَى بِكَرَارِيسِهِ عَرْضَ الْحَائِطِ وَآثَرَ الاِلْتِحَاقَ بِالْجِهَادِ الَّذِي لَمْ يُعْتِقْهُ فَأَوْدَى بِشَبَابِهِ وَحَيَاتِهِ عَلَى السَّوَاءِ.
مَهْماً يَكُنْ فَإِنِّي ظَلَلْتُ كَذَلِكَ أَدَّخِرُ، أَرْعَى أَمَلاً وَأَبْتَسِمُ لِحُلْمٍ لَذِيذٍ يُصَوِّرُ لِي أَوْلاَدِي جَالِسِينَ عَلَى مَقَاعِدِ الطُّلاَّبِ.
لَكِنَّ جَدَّكِ أَفْطَنَ إِلَى الْكَنْزِ الَّذِي كَانَ بِحَوْزَتِي وَقَدْ أَبْصَرَ بِي أَبِيعُ الْحَلِيبَ فَجَاءَنِي كَفِرْعَوْنَ مُزَمْجِراً، مُدَمْدِماً - وَكَانَ فِي شَبَابِهِ صَعْبَ الْمِرَاسِ- فَأَقْسَمَ ، غَفَرَ اللهُ لَهُ، أَلاَّ يَحْدُثَ خَيْرٌ لَوْمَا سَلَّمْتُهُ الصُّرَّةَ وَمَا حَمَلَتْ. فَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهَا قَهْراً ثُمَّ اِنْفَلَتُّ إِلَى بَعْضِ الْجِيرَانِ أَسْتَلِفُ مِنْهُمُ الْمَبْلَغَ اللاَّزِمَ فَسَدَّدْتُ بِهِ مَا كَانَ عَلَيَّ مِنْ مَرَاسِيمِ التَّسْجِيلِ فِي ذَلِكَ الْمَعْهَدِ الْفِرَنْسِيِّ.
وَجَعَلْتُ، انْطِلاَقاً مِنْ تِلْكَ الْحَادِثَةِ، أَبِيعُ الْحَلِيبَ مُتَدَرِّقَةً، مُتَسَتِّرةً. تَارَةً أَدْفَعُ بِنِصْفِ اللِّتْرِ وَتَارَةً بِرُبْعِهِ حَتَّى لاَ يَنْتَبِهَ إِلَيَّ الشَّيْخُ فَيَعُودَ إِلَيَّ غَاصِباً. وَأَوْسَعْتُ مَجَالَ الإِنْتَاجِ فَأَنْشَأْتُ "أُقَرْدِشُ" الصُّوفَ وَأَغْزِلُهُ وَأَنْسُجُ الْبَرَانِسَ وَالْقَشَاشِبَ لِلنَّاسِ مُقَابِلَ أَجْرٍ زَهِيدٍ، ثُمَّ خَطَرَ لِي أَنْ أَبِيعَ قُفْطَانِي فَفَعَلْتُ، وَكَذَلِكَ جُبَّةَ الفَرْغَانِيِّ ، وَكُلَّ حُلَيِّ الْفِضَّةِ وَخَلاَخِيلِي-وَكَانَ مِنْهَا أَرْبَعَةُ أَزْوَاجٍ- وَبِعْتُ عِصَابَةَ الرَّأْسِ، وَدَفَعْتُ بِكُلِّ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ الْكُتُبِ وَالدَّفَاتِر. ثُمَّ لَمْ أَتَوَانَ عَنْ سَهَرِ اللَّيَالِي فَحِكْتُ الصُّوفَ عَلَى نَوْلِي قُمْصَانَ لِصِغَارِي وَبَذْلاَتٍ دَافِئَةً فَكَانَ الْمُعَلِّمُ الْفِرَنْسِيُّ يَقُولُ لِمَنْ حَوْلَهُ:
- اُنْظُرُوا إِلَى أَبْنَاءِ "ابْنِ ..." كَيْفَ يَبْدُو عَلَيْهِمُ الطُّهْرُ وَالنَّظَافَةُ عَكْسَ أَطْفَالِ هَذَا الدُّوَّارِ! أَلاَ فَأَخْبِرُونِي كَيْفَ تَصْنَعُ أُمُّهُمْ هَذَا بَيْنَمَا لاَ تَمْلِكُ قُوتَ لَيْلَتِهَا؟ وَلِمَاذَا لاَ تَقْدِرُون عَلَيْهِ أَنْتُمْ؟
فلو أَدْرَكَ ذلك الْمُعَلِّمُ الْمُتَحَضِّرُ بِأَنّي كنتُ أَغْسِلُ تلك الْمَلابِسَ بِالرَّماد لَمَا صَدَّق!؟…
وَهَؤُلاَءِ هُمْ أَخْوَالُكِ حَوْلَكِ قَدْ تَأَدَّبُوا كُلُّهُمْ بِحَمْدِ اللهِ. مِنْهُمْ مَنِ اسْتُشْهِدَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَرَاهُ إِزَائِي يَقْرَأُ بَعْضَ الْكُتُبِ وَيَكْتُبُ بَعْضَهَا الآخَرَ فِي حِينٍ لاَ زِلْتُ أَنَا تِلْكَ الأُمِّيَّةَ الَّتِي تَعْجِزُ عَنْ شَارِحٍ يُفَسِّرُ لَهَا حَدِيثَ نَشْرَةِ الأَخْبَارِ…!
صَمَتَتْ جَدَّتِي عَلَى مَضَضٍ ثُمَّ أَرْدَفَتْ مُمْتَقِعَةَ اللَّوْنِ كَأَنَّهَا تَلُوكُ حَنْظَلاً:
- بَلَى بُنَيَّةُ، وَجَدْتُ آلَ ...، لَمَّا زُفِفْتُ إِلَيْهِمْ، أَهْلَ عِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ. وَالْمُرَابِطُونَ، كَمَا عَلِمْتِ، قَوْمٌ وَرِثُوا عَنِ الأَجْدَادِ شَرَفَ الْعِرْقِ وَالْعِلْمِ وَالتَّدَيُّنِ عَلَى السَّوَاءِ. وَكَانَ آلُ الزَّيْنِ يُقِيمُونَ فِي أَحْوَاشِهِمْ حَلْقَاتٍ لِلصِّبْيَانِ، يُلَقِّنُونَهُمُ الْقُرْآنَ وَبَعْضَ مَبَادِئِ الشَّرِيعَةِ الْحَنِيفَةِ حَتَّى يَشْتَدَّ عُودُهُمْ فَعِنْدَئِذٍ يَلْتَحِقَ أَفْحَلُهُمْ بِزَاوِيَةِ "القُلَيْعَةِ" أَوْ "شَلاَّطَةَ" أَوْ غَيْرِهِمَا مِنَ الزَّوَايَا الْمَرْمُوقَةِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ.
وَكُنْتُ مُولَعَةً بِالْعِلْمِ مِنْ نُعُومَةِ أَظَافِرِي لِكَثْرَةِ مَا جَاوَرْتُ مِنْ مُثَقَّفِينَ فِي بَنِي شَبَانَةَ. لاَ زِلْتُ أَتَمَثَّلُ جَدِّي مُحَمَّدَ الشَّرِيفِ بَيْنَ كُتُبِهِ الْجَمَّةِ وَلَمْ أَبْرَحْ أَتَصَوَّرُهُ يَمِيلُ عَلَيْنَا فَيُمْتِعَنَا مِنْ إِحْدَى تِلْكَ النُّسَخِ، بِحِكَايَةٍ مِنْ حِكَايَاتِ أَلْفِ لَيْلَةٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ قِصَّةٍ مِنْ قِصَصِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ أَفْضَلُ السَّلاَمِ.
بَلْ إِنَّ الْفِرَنْسِيِّينَ هُمُ الَّذِينَ دَعَوْا وَالِدِي بِلَقَبِ "كَتَّابٍ" فَصَارَ اسْمِيَ الْعَائِلِيَّ لَمَّا أَلْفَوْهُ قَاعِداً فِي جَامِعٍ مِنَ الْجَوَامِعِ يَكْتُبُ عَلَى الأَلْوَاحِ وَيَنْسَخُ بَعْضَ الأَشْيَاءِ. إِنَّمَا كُنَّا نُعْرَفُ قَبْلَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَلَفِنَا: السَّيِّدِ إِدِير أُو الْحَاجِ.
عَلَى أَنَّنِي رَسَبْتُ فِي مُسْتَنْقَعِي أُمِّيَّةً، وَسَطَ تِلْكَ التُّرْبَةِ الخِْصْبَةِ، لأَنَّنِي زُوِّجْتُ صَغِيرَةً وَلأَنَّ الْبَنَاتِ لَمْ يَكُنْ يَجُوزُ لَهُنَّ التَّعْلِيمُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ الْمُظْلِمِ رُغْمَ تِلْكَ الْمَصَابِيحِ الْمُتَّقِدَةِ هُنَا وَهُنَاكَ.
ثُمَّ، لَمَّا انْتَقَلْتُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى بَنِي وَرْثِيلاَنَ، اِغْتَبَطْتُ كُلَّ الاِغْتِبَاطِ عِنْدَمَا وَجَدْتُ صُفُوفَ الدَّرْسِ تُعَمَّرُ فِي قُعْرِ الْبَيْتِ فَرَأَيْتُهَا فُرْصَةً سَانِحَةً لِتَكْوِينِي، فَجَعَلْتُ أَلْتَصِقُ بِالصِّبْيَةِ الْمُجْتَمِعِينَ فِي حَلَقَاتِهِمْ وَأَتَسَلَّلُ بَيْنَ الطَّلَبَةِ فِي صُفُوفِهِمْ أَحْفَظُ بَيْنَهُم مَا تَيَسَّرَ، يَحْدُونِي فِي ذَلِكَ طُمُوحٌ عَظِيمٌ وَيَمْلأُنِي حُبُورٌ عَارِمٌ. إِلاَّ أَنَّ حَمَاتِي، غَفَرَ اللهُ لَهَا، كَانَتْ تَنْتَهِرُنِي بِعَصَا صَائِحَةً:
- إِنَّا لَمْ نَمْهُرْكِ عِنْدَ أُمِّكِ بِتِلْكَ النُّقُودِ فَنُعَلِّمَكِ. اِنْصَرِفِي إِلَى مَا يَنْتَظِرُكِ مِنْ أَشْغَالٍ!
لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْمَهْرُ يَا بُنَيَّةُ يَعْدُو خَمْسَةَ دَرَاهِمَ عَارِيَةً، حَافِيَةً، وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْعَجُوزَ مَنَّتْ بِهَا عَلَيَّ وَاعْتَبَرَتْهَا مُبَرِّراً لِمُحَاشَاتِي مِنَ الْعِلْمِ فَبَقِيتُ مَحْرُومَةً مِنْ نُورِ الْمَعْرِفَةِ طُولَ حَيَاتِي. إِنْ هِيَ إِلاَّ قَصْعَةُ الْغَسْلِ وَقَعْبُ الْحَلِيبِ تَحْتَ ضَرْعِ الْبَقَرَةِ أَمْضَيْتُ بَيْنَهُمَا زَهْرَةَ شَبَابِي، أَسْتَرِقُ السَّمْعَ إِلَى حَلْقَةِ الصِّبْيَانِ فَحَفِظْتُ مَا أَعْرِفُهُ مِنْ يَسِيرِ الْقُرْآنِ، أَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي صَلاَتِي إِلَى حَدِّ الْيَوْمِ.
أَجَلْ، إِنَّهنَّ آيَاتٌ يَتِيمَاتٌ اِخْتَطَفْتُهُنَّ اخْتِطَافاً. وَلَوْ سُنِحَ لِحَمَاتِي فَأُوتِيَتِ السَّطْوَةَ عَلَى سَمْعِي وَفُؤَادِي لَشَجَبَتْ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ مِنَ الْفُرْقَانِ مِنْ خَلَدِي فَحَجَبَتْنِي فِي مِرْطٍ مِنَ الْجَهْلِ غَلِيظٍ!
أَمَّا فَلَئِنْ حُرِمْتُ الْعِلْمَ فَإِنَّ تِلْكَ الْحَرْوَةَ وَلَّدَتْ فِي فُؤُادِي عَزْماً عَنِيفاً وَإِرَادَةً جَيَّاشَةً جَعَلاَنِي أَنْذِرُهُ وَعْداً لأُعَلِّمَنَّ الْبِنْتَ وَالذَّكَرَ مَهْماً تَكَبَّدْتُ مِنْ مَشَاقَّ، وَاللهُ شَهِيدِي، لَقَدْ بَرَرْتُ بِالْوَعْدِ وَمَا تَوَانَيْتُ!
صَمَتَتْ جَدَّتِي صَمْتاً عَمِيقاً فَرِيسةَ الأَلَمِ وَالْفَخْرِ ثُمَّ أَضَافَتْ:
- يَا لَتَعْسِ أَهْلِنَا وَشَقَاءِ آبَائِنَا! مَا عَسَى اللهُ أَنْ يَفْعَلَ بِهِمُ الآنَ وَقَدْ بَاتُوا بَيْنَ يَدَيْهِ؟ أَلَمْ يَمْنَعُونَا نُورَ الْمَعْرِفَةِ وَيَحْبِسُونَا فِي غَيَاهِبِ الْجَهْلِ وَظُلُمَاتِ النِّسْيَانِ؟ مَا أَرَى الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ إِلاَّ مُعَذِّبَهُمْ أَلَيْسَ كَذَلِكَ؟
قُلْتُ:
- وَلَكِنَّهُمْ، إِيْ جَدَّةُ، أَبْرِيَاءُ مِنْ أَكْثَرِ مَا تَرْمِينَهُمْ بِهِ. كُنْتُمْ تَعِيشُونَ بِشِعَافِ الْجِبَالِ وَبِقُرَى مَعْزُولَةٍ لاَ حَوْلَ لَهَا وَلاَ قُوَّةَ، وَكَذَلِكَ تَرَعْرَعْتُمْ فِي عَهْدٍ يَكْبِتُ أَنْفَاسَ الأُنْثَى وَلاَ يَلْتَفِتُ إِلَيْهَا إِلاَّ خُلْسَةً فَكَيْفَ عَسَى أَنْ يَدْفَعُوا بِكِ إِلَى الْمَدَارِسِ وَمَا كُنْتُمْ تَعْرِفُون لَهَا وُجُوداً بَيْنَ تِلْكَ الْبِقَاعِ الْيَبَابِ؟
قَالَتْ جَدَّتِي:
- وَمَعَ ذَلِكَ فَإِنِّي أَتَمَثَّلُهُمْ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ غَاضِباً عَلَيْهِمْ، عَابِساً؛ وَكَذَلِكَ أَشُكُّ أَنْ أَلْقَاهُمْ عِنْدَهُ تَعَالَى
صَافِيَةَ السَّرِيرَةِ، غَافِرَةً لَهُمْ كُلِّيَّةً!
فَجْأَةً، ضَرَبَتْ جَدَّتِي بَيْنَ يَدَيْهَا وَنَادَتْ كَأَنَّهَا تَسْتَيْقِظُ مِنْ نُعَاسٍ فَانْتَبَهَتْ إِلَى الْحَيَاةِ النَّشِيطَةِ حَوْلَهَا فَقَالَتْ:
- وَلَكِنْ أَخْبِرِينِي: مَا هَذَا الْهَبَلُ الَّذِي نَرَاهُ فِي هَذَا التِّلْفَازِ؟…تَبّاً لِلزَّمَانِ وَالأَقْدَارِ اللَّعُوبِ! فَلَوْ كُنْتُ أَعْرِفُ الْخَطَّ لانْتَقَدْتُ ذَلِكَ. هَلاَّ كَتَبْتُمْ لِي رِسَالَةً أَبْعَثُهَا إِلَى رَئِيسِ الْحُكُومَةِ أُفْهِمُهُ فِيهَا مَا بِخَاطِرِي وَأَدْعُوهُ إِلَى جَادَّةِ الصَّوَابِ؟…أُفٍّ! عَلَّمْتُكُمْ وَمَا أَجِدُ بِكُمْ خَيْراً! يَا لَلْجُحُودِ! يَا لَهَوَانِي! يَا لَزَمَانٍ مُعْوَجٍّ لاَ يَجِدُ لَهُ تَقْوِيماً! أَفَلاَ كَتَبْتُمْ إِلَى مُدِيرِ الإِذَاعَةِ وَأَفْصَحْتُمْ لَهُ عَمَّا يَجُولُ بِخَاطِرِي؟…
نجمة سيّد أحمد
(حكايات جدّتي)
(حكايات جدّتي)
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
رد: لأُعلِّمَنَّ الْبِنْتَ وَالذَّكَرَ!
التعليم في ذلك الوقت ضرب من الخيال بالنسبة للذكور ، فكيف الحال إذا تعلّق الأمر بالإناث؟
لأن الاستدمار منعهم من ذلك ، عدا تغاضيه عن حفظ الصبية للقرآن في الكتاتيب دون فهمه.
أما الجدة فلا نرى لها مثيلا من نساء هذا الزمان ، ذلك أن عهدها قد ولّى
عهد الحشمة و الأنفة و الكلمة و المروءة ...
وُددت لو عرفت ما يجول بخاطرها بخصوص ذلك الهبل الذي شاهدته في التلفاز
و أرادت تبليغه رئيس الحكومة و مدير إذاعته.
لأن الاستدمار منعهم من ذلك ، عدا تغاضيه عن حفظ الصبية للقرآن في الكتاتيب دون فهمه.
أما الجدة فلا نرى لها مثيلا من نساء هذا الزمان ، ذلك أن عهدها قد ولّى
عهد الحشمة و الأنفة و الكلمة و المروءة ...
وُددت لو عرفت ما يجول بخاطرها بخصوص ذلك الهبل الذي شاهدته في التلفاز
و أرادت تبليغه رئيس الحكومة و مدير إذاعته.
رد: لأُعلِّمَنَّ الْبِنْتَ وَالذَّكَرَ!
ربّما حدّثتك عنه ذات يوم أخي المدير، ولو انّه في الحقيقة معظم ما كان يعرض في ذلك الصّندوق العجيب.
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
عاشق الجنه- عضو فضي
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 27/03/2010
عـــدد المساهمـــات : 1234
ilyes- عضو نشيط
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 20/01/2010
العـــــمـــــر : 25
عـــدد المساهمـــات : 122
الـمــــــــــــزاج : جيد
منتديات بني ورثيلان التعليمية :: القســــــــــم العـــــــــــــــــــام :: إبداعات الأعضاء و إصداراتهم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 08 فبراير 2016, 19:32 من طرف أبو إلياس
» الله هو الغنيُّ المطلق والخلق فقراء محتاجون إليه
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:29 من طرف أبو إلياس
» صفة من صفات أهل الإسلام
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:27 من طرف أبو إلياس
» آداب الإنترنت: فنون المعاتبة .. ومعالجة الأخطاء
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:26 من طرف أبو إلياس
» مركز اللغات بجامعة المدينة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 18:35 من طرف أبو إلياس
» مجلة جامعة المدينة العالمية المحكمة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 00:34 من طرف Nassima Tlemcen
» aidez-moi vite svp
الثلاثاء 12 يناير 2016, 16:30 من طرف أبو إلياس
» حوليات وزارة التربية 2012 في العلوم الطبيعية
الجمعة 04 ديسمبر 2015, 13:04 من طرف lynda2013
» لمـــــــــــــــــــاذا تبـــــــكي النّســـــــــــــــــــاء
الأربعاء 18 نوفمبر 2015, 18:46 من طرف أبو إلياس