عبد الحميد بن باديس
5 مشترك
منتديات بني ورثيلان التعليمية :: القســــــــــم العـــــــــــــــــــام :: إبداعات الأعضاء و إصداراتهم
صفحة 1 من اصل 1
عبد الحميد بن باديس
اِبْنُ بَادِيسَ
سَأَلْتُ:
-وَأَنَّى لَكِ أَنْ تَعْرِفِي ابْنَ بادِيسَ وَأَنْتِ الَّتِي مَا وَطِئَتْ قَدَمُكِ قَطُّ عَتَبَةَ مَدْرَسَةٍ وَلاَ كَانَ لِعَيْنِكِ شُعاَعٌ يَشُقُّ رُمُوزَ الْحُرُوفِ فَتَنْبَلِجَ لَهَا الْمَعَانِي وَلاَ تَنَاوَلَتْ يَدَاكِ كِتَاباً إِلاَّ لِتُلاَمِسَ أَوْرَاقَهُ بِشَوْقٍ وَتَمَنٍّ وَلَكِنَّ أَفْكَارَهُ أُغلِقَتْ دُونَ ذِهْنِكِ الأُمِّيِّ، أَبَداً لاَ يَنْفَكُّ لَكِ عِقَالُهَا فَمَكَثْتِ عَلَى لَهْفَتِكِ لاَ تَقْنَعِينَ؟
قَالَتْ جَدَّتِي وَقَدْ غَشَّى وَجْهَهَا سِتَارٌ مِنَ الْحَيَاءِ وَالتَّوَاضُعِ أَوْ الإِعْجَابِ وَالجِدِّ عَلَى غِرَارِ جُمْلَةِ الْفَلاَّحِينَ وَسُكَّانِ الْجِبَالِ عِنْدَمَا يَحْضُرُهُمُ الْحَدِيثُ عَنْ شَخْصِيَّةٍ مَا ذَاتِ شُهْرَةٍ وَصِيتٍ:
- وَمَاذَا تَصَوَّرْتِ؟… ألَعَلَّكِ عَدَدْتِنَا قَوْماً بُوراً لاَ حَقَّ لَنَا فِي عِشْرَةِ ذَوِي الْمَجْدِ وَالْحِكْمَةِ أَمْ رَتَّبْتِنَا ضِمْنَ الْهَوَامِّ الْمَقْطُوعَةِ فِي أَصَاطِبِهَا بَعِيداً عَنِ الْعَقْلِ وَالتَّحْبِيرِ بِمُجَرَّدِ سُكْنَانَا شِعَافَ الْجِبَالِ؟ وَلَمَّا حُرِمْنَا الْمَدَارِسَ وَالْكَتَاتِيبَ، اِسْتَخْلَصْتِ أَنَّا مَبْتُورُونَ عَمَّا يَنْفَعُ الْبَشَرَ الْفَاهِمِينَ مِثْلِكِ وَرِفَاقِكِ مِنَ الْجَامِعَاتِ بَلْ وأَغْنِيَاءُ عَنِ الطَّمَعِ فِيهِ وَبِذَلِكَ يَئِسْتِ أَنْ تَنْجَعَ فِينَا مُصَاحَبَةُ الْعُلَمَاءِ.
أَمَّا فَاعْلَمِي أَنَّ الشَّيْخَ ابْنَ بَادِيسَ لمْ يَكُنْ مِثْلَكِ وَلَمْ يَكُنْ يَنْظُرُ إِلَيْنَا بِالْمِنْظَارِ الْبَخْسِ الَّذِي تَطَّلِعِينَ مِنْ خِلاَلِهِ إِلَيْنَا بَلْ إِنَّهُ، رَحِمَهُ اللهُ، كَانَ يَقِيسُنَا بِمِقْيَاسِ الآدَمِيِّينَ، أنْدَادٍ لَكُمْ، لاَ فَرْقَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ طَلَبَتِهِ الَّذِينَ كَانَ يُدَرِّسُ لَهُمْ فِي جَامِعِهِ بِقَسَنْطِينَةَ.
لَقَدْ كَانَ عَالِماً قَرَأَ فِي كِتَابِ رَبِّهِ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ مُتَسَاوُونَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ إِنَّمَا يُمَيِّزُ بَيْنَهُمْ فِعْلُهُمْ إِنْ طَيِّباً أَوْ سَيِّئاً وَأَنَّ الدَّاعِيَةَ الْهَادِيَ مَسْؤُولٌ عَنِ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ لاَ عَادِيَ وَلاَ مَعْدُوَّ.
أَمَّا أَنْتُمْ فَلَقَدْ اِشْتَطَطْتُمْ شَتَّى وَعَانَدْتُمْ وَاسْتَكْبَرْتُمْ وَعَلَيْهِ فَلَمْ تَبْلُغُوا شَأْوَ ذَلِكَ الشَّيْخِ الْمُبَجَّلَةِ جَوَانِبُهُ أَنْوَاراً وَقَّادَةً وَلَمْ تَخْلُصُوا إِلَى السُّؤْدُدِ الَّذِي حُلِّيَتْ بِهِ عَمَامَتُهُ السَّاطِعَةُ مِنْ لُجَيْنٍ وَفِضَّةٍ وَلَمْ تَرْتَسِمْ عَلَى جِبَاهِكُمْ غَيْرُ الْبَلاَهَةِ وَالْغَطْرَسَةِ فَلاَ بَهَاءَ اِرْتَسَمَ بَيْنَ خُطُوطِهَا وَلاَ مَرَايَا ناصِعَةً بِالذَّكَاءِ سَطَعَتْ عَلَى محَُيَّاهُ إِنَّمَا خُلاَصَتُهُ أَبُو الدَّغْفاءِ يُصَعِّرُ خَدَّهُ فِي النَّاسِ كِبْراً.
أَنْتِ لاَ تُصَدِّقِينَنِي طَبْعاً وَتَعْتَبِرِينَ حَدِيثِي ضَرْباً مِنَ التَّخْرِيفِ. اِسْمَعِي! لَقَدْ نَيَّفْتُ عَلَى التِّسْعِينَ إيْ نَعَمْ ودَنَوْتُ مِنَ الْقَرْنِ بَلَى، أَمَّا فَإنَّنِي لَمْ أَشْرُدْ عَنْ ذِهْنِي كُلِّيَّةً ومَا زِلْتُ أَحْفَظُ سَهْماً وَافِراً مِنْ إِدْرَاكِي وَتَمْيِيزِي كَمَا أَنَّ اللهَ حَبَانِي بِذَاكِرَةٍ حَيَّةٍ لَمْ يَمُتْ إِلاَّ شَطْرُهَا فَتَجَمَّعَتْ لَدَيَّ حُجَجٌ أَدْفَعُ بِهَا مَا تَرْمِينَنِي بِهِ مِنْ هَبَلٍ أَوْ نَقْصٍ.
وَلْيَكُنْ فِي بَالِكِ أَنَّ الشَّيْخَ ابْنَ بَادِيسَ لَمْ يَعَفَّنَا وَلَمْ يَشْمَئِزَّ مِنْ صُحْبَتِنَا بَلْ زَارَنا هُنَا بِرُبُوعِنَا، يَتَكَرَّمُ عَلَيْنَا بِخُطْوَتِهِ الْمَيْمُونَةِ وَيُسْعَدُ بِلُقْيَانَا فَكَانَ يَوْماً مَرْمُوقاً، مُحَجَّلاً، مُبَجَّلاً.
أَجَلْ...كَذَلِكَ بُنَيَّةُ…تِلْكَ مُفَاجَأَةٌ أَلْقَيْتُ بِهَا إِلَيْكِ فَتَلَقَّفِيهَا وَامْكُثِي بَكْمَاءَ لاَ تُحِيرِينَ الْمَحَجَّةَ وَاجِمَةً…
إِيْ نَعَمْ!… إِنَّ الشَّيْخَ الإِمَامَ وَفَدَ عَلَى جَارَتِنا " بُوقَاعَةَ" . جَاءَنَا يَخْطُبُ فِينَا وَيُنَبِّهُ الْجَوَارِحَ النَّائِمَةَ جَوْفَنَا وَيَجْعَلُ مِنَّا نَشْئاً حَيّاً بَعْدَ أَنْ بَلَغَ مِنَّا السُّبَاتُ مَبْلَغَهُ فَصِرْنَا كَالدَّوَابِّ الْخَرْصَاءِ. عَلَى أَنَّ الإِمَامَ الْجَلِيلَ لَمْ يَسْتَصْغِرْنَا وَقَصَدَنا بَيْنَما حَقَّ الرَّحِيلُ إِلَيْهِ.
أَذْكُرُ أَنَّ الرِّجَالَ صَنَعُوا لَهُ فِي مَيْدَانِ الْقَرْيَةِ مِنْبَراً مِنْ عَرِيشٍ. كُلُّهُ قَصَبٌ وَحَطَبٌ وَحِجَارَةٌ ثُمَّ، فِي الْمَوْعِدِ الْمَضْرُوبِ، تَسَلَّحُوا بِمَسَاحِيهِمْ وَمَدَارِيهِمْ وَمَجَارِفِهِمْ وَهَراوَاتِهِمْ وَفُؤُوسِهِمْ وَانْطَلَقُوا مُلْتَفِّينَ وَفُرادَى صَوْبَ جَبَلِ طَافَاتٍ لاِسْتِقْبَالِ الإِمَامِ وَالاِرْتِوَاءِ بِكَلِمَاتِهِ النَّفِيسَةِ الَّتِي تَنْبُعُ مِنْ فَيْضِ فَصَاحَتِهِ وصِدْقِ إِيمَانِهِ وَوَرَعِهِ. كَلِمَاتٌ كُلُّهَا سُقْيَا نافِعَةٌ تُنْعِشُ الضَّمْآنَ بَعْدَ صَدًى بَالِغٍ، مُهْلِكٍ وَتُورِقُ جَنَبَاتُهُ خَضْرَاءَ مُعْشَوْشِبَةً.
لِمَ تَسَلَّحَ الرِّجَالُ؟… لأَنَّهُمْ كَانُوا يَخْشَوْنَ عَلَى الْمُصْلِحِ الْعَظِيمِ مِنْ أَوْلاَدِ عَبِيدٍ . اِعْلَمِي أَنَّهُمْ كَانُوا عَرْشاً يُقِيمُ بِأَحْوَازِ هِضَابِنَا. جُلُّهُمْ مِنَ الْحَرْكَى مُخْلِصِي الذِّمَّةِ لِفِرَنْسَا. إِنَّ أَوْلاَدَ عَبِيدٍ هَؤُلاَءِ كَانُوا رَهْطاً مِنَ الْمَرَدَةِ ذَبَّحُوا الأَجِنَّةَ فِي الْمُهُودِ وَإِنَّ الشَّعْرَ يَنْتَصِبُ عَلَى الأَقْفاءِ لِمُجَرَّدِ ذِكْرِهِمْ يَا بُنَيَّتِي!… كَمَا أَنَّنِي أُفَضِّل عَدَمَ تَفَكُّرِهِمْ لِمَا يُثِيرُونَهُ أَمَامَ عَيْنَيَّ مِنْ صُوَرٍ مَهُولَةٍ بَشِعَةٍ.
وَبِقَدْرِ مَا كَانَ الشَّعْبُ مُتَعَلِّقاً بِالشَّيْخِ الإِمَامِ وَيُخْلِصُ لَهُ التَّشيُّعَ وَالْمُبَايَعَةَ، بِقَدْرِ مَا كَانَتْ تَمْقُتُهُ فِرَنْسَا وَمَنْ دَانَ لَهَا ذَيْلاً مُنَكَّساً مِنَ اللِّئامِ والْغِرْبَانِ النَّاعِقَةِ ومِنْ بَيْنِهِمْ رِجَالُ الطُّرُقِيَّةِ وَذَوُو الْقَنانِيرِ . وَإِنَّهُمْ لَقَّبُوهُ "ابْنَ بَالِيسَ" وَأَهْدَرُوا دَمَهُ وَتَوَعَّدُوا بِهِ شَرّاً لَوْ هُمْ وَجَدُوا إِلَيْهِ سَبِيلاً. وَلَكِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، كَبَّلَ أَيْدِيَهُمْ عَنِ الْكَيْدِ لَهُ وَلَمَّا ثَبَّجَ رُسُومَهُمُ الْوَاشِيَةَ، اِنْقَلَبُوا خَاسِئِينَ.
لأَجْلِ تِلْكَ الأَسْبَابِ كُلِّهَا، كَانَ الرِّجَالُ يَتَخَوَّفُونَ جَانِبَ أَوْلاَدِ عَبِيدٍ وَيَتَوَقَّعُونَ مِنْهُمُ الشَّرَّ فَصَنَعُوا حَوْلَ الإِمَامِ سِيَاجاً بِأَرْوَاحِهِمْ وَأَسْلِحَتِهِمِ الْبَسِيطَةِ وَوَعَدُوا اللهَ أَنْ يُدَافِعُوا عَنْ مُجاهِدِهِ الأَكْبَرِ أوْ يَمُوتُوا دُونَهُ.
وَحَضَرَ الإِمَامُ حَسَبَ الْمَوْعِدِ وَصَعَدَ عَلَى مِنْبَرِ التِّبْنِ وَالْقَشِّ وَخَطَبَ فِي الشَّعْبِ الَّذِي تَرَاصَّ مُحْتَشِداً وَأَوْقَدَ الْعَزائِمَ وَحَرَّكَ الْهِمَمَ وَأَيْقَظَ الْقُلُوبَ وَالأَفْئِدَةَ.
أَمَّا وَإِنْ كَانَ الإِمَامُ فِي إِجَارَةِ رِجَالِنَا وَرِعَايَتِهِمْ فَإِنَّا، نَحْنُ النِّسَاءَ فِي دَشْرَتِنَا، بَلَغَ مِنَّا الْخَوْفُ مَبْلَغَهُ وَهَزَأَ بِنَا وَضَحِكَ وَدَارَ حَوْلَنَا دَوْرَاتِهِ اللَّعُوبِ جِنِّيّاً بَهْلَوَانَ لاَ يَكْتَفِي مَسْخَرَةً وَتَفَكُّهاً مِنَّا.
وَكَيْفَ لاَ يَا بُنَيَّةُ وَقَدْ خَلَتْ شَوَارِعُنَا مِنْ كُلِّ بَعْلٍ أَوْ ذَكَرٍ؟…إِنَّا لَمْ نَرَ مِثْلَ تِلْكَ مِنْ قَبْلُ مُنَاسَبَةً وَإِنَّ الشُّيوُخَ وَالْغِلْمَانَ قَعَدُوا فِي مُؤَانَسَتِنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَثْناءَ ثَوْرَةِ التَّحْرِيرِ. لَكِنَّهُمْ رَفَضُوا أنْ يَتَخَلَّفُوا فِي ذَلِكَ اللِّقَاءِ وَإِذَا بِنَا –نَحْنُ الْحُرْمَاتِ- نَبْقَى وَحْدَنا مُنْعَزِلاَتٍ فِي الْبُيُوتِ، لاَ يَحْمِي حَوْضَنَا أَحَدٌ فَتَوَجَّسْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا أَيْضاً مِنْ أَوْلاَدِ عَبِيدٍ خِيفةً أَوْ مِنْ بَعْضِ الشَّيَاطِينِ يُعَامِلُنَا مُعَامَلَةَ السَّبَايَا وَيَهْتِكُ أَعْرَاضَنَا.
كُلُّ الرِّجَالِ صَعِدُوا إِلَى لُقْيَا الأَثِيرِ شَيْخِ قَسَنْطِينَةَ وَلَمْ يَمْكُثْ فِي أَحْوَاشِنَا سِوَى رِيحِ الشَّهِيلِيِّ لَهَا هُبُوبٌ فَظِيعٌ بَيْنَ دُرُوبِ الدُّوَّارِ الْخَالِيَةِ وَمَا هُمَا إِلاَّ الرُّعْبُ وَالْوَحْشَةُ يَعُمَّانِ عَلَى الدِّيَارِ ويَسْتَحْوِذَانِ عَلَى الْعُقُولِ وَغَدَوْنَا قَلِقَاتِ الْقُلُوبِ نَشْرَئِبُّ بِأَعْنَاقِنَا إِلَى الأَبْوَابِ – دُونَ أَنْ نَجْسُرَ عَلَى الْخُرُوجِ- دَائِماً مِنْ أَمَاكِنِنَا حَيْثُ جَلَسْنَا، نَتَرَصَّدُ عَوْدَةَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَسْنُدُونَ ظُهُورَنَا وَيَشُدُّونَ أَزْرَنَا ويَسْتُرُونَنَا.
وَلَمَّا مَالَتِ الشَّمْسُ إِلَى الْمَغِيبِ وَأَطْلَقَتْ أَلْسِنَتَهَا الْحَمْراءَ تَلْحَسُ دَمَ الأُفُقِ، سَمِعْنَا خُطْوَاتٍ نَشِيطَةً فِي الشَّوَارِعِ وَاسْتَأْنَسْنَا غَمْغَةَ رِجَالِنَا يَؤُوبُونَ إِلَيْنَا ثُمَّ دَلَفُوا إِلَيْنَا مُحْمَرِّي الْوَجَنَاتِ، مُتَّقِدِي الْعَزَمَاتِ، مُتَلأْلِئِي الأَحْدَاقِ وَالْمَآقِي.
وَجَلَسُوا حَوَالَيْنَا يَصِفُونَ لَنَا مَا شَاهَدُوا وَيُعِيدُونَ عَلَى مَسَامِعِنَا حَدِيثَ الشَّيْخِ الأَكْرَمِ وَقَدِ اِنْتَصَبَتْ فِي هَامَاتِهِمُ الْكِبْرِيَاءُ شَامِخَةً وَجَاشَتْ صُدُورُهُمْ بِالْوَطَنِيَّةِ وَالْكَرَامَةِ الَّتِي نَفَخَهَا فِيهِمُ الْمُصْلِحُ الْعَظِيمُ.
وَصَمَتَتْ جَدَّتِي عَنِ الْحَدِيثِ وَصَمَتُّ أَنَا أَيْضاً وَقَدْ عَجِبْتُ مِنْ ذَلِكَ الشَّعْبِ الْمَجِيدِ جُلُّهُ ثُلَّةٌ مِنَ الْفَلاَّحِينَ الأُميِّيِنَ، قَدْ تَحَكَّمَ فِيهِمُ الْجَهْلُ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَجَذَّرْ وَرُكِلُوا إِلَى زَوَايَا الإِجْحَافِ وَالْعَمَى وَالظُّلُمَاتِ وَلَكِنَّهُمْ، يَوْمَ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِمُ الشَّيْخُ الْمُصْلِحُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَادِيسَ، يَسْتَقْبِلُونَهُ اسْتِقْبَالَ الْعَارِفِينَ بِقَدْرِهِ، الذَّائِدِينَ عَنْهُ مَا يَذُودُونَهُ عَنْ أَبْنَائِهِمْ وَفِلْذَاتِ أَكْبَادِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَفْقَهُوا لِقَوْلِهْ الْكَثِيرَ...
وَيَا لَعَظَمَةِ ذَلِكَ الشَّيْخِ الأَغَرِّ الَّذِي، وَإنْ تَبَحَّرَ عِلْماً وَقَدْراً، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَنْكِفِ التَّوَجُّهَ إِلَى بَعْضِ الرُّبُوعِ الضَّائِعَةِ، حَيْثُ لاَ يُمَيَّزُ بَيْنَ الْهَوَامِّ وَأَصْحَابِهَا إِلاَّ بِشِقِّ التَّمَعُّنِ فَيُحَدِّثَ النَّاسَ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، غَيْرَ قَانِتٍ مِنْهُمْ، رَاجِياً فِيهِمْ خَيْراً لِذَلِكَ الدِّينِ وَتِلْكَ الْبِلاَدِ…
فَرَحِمَ اللهُ ابْنَ بَادِيسَ الإِمَامَ وَرَحِمَ أُولَئِكَ الْقَرَوِيِّينَ الْجَهَلةَ الَّذِينَ حَمَلُوا ذَاتَ يَوْمٍ مَسَاحِيَهُمْ وَمَدَارِيَهُمْ وَانْطَلَقُوا إِلَى سَفْحِ جَبَلِ "طَافَاتٍ" يَصْنَعُونَ لِشَيْخِهِمْ مِنْبَراً مِنْ قَشٍّ وَلَكِنَّهُ مِنَ الصَّلاَبَةِ أَنْ وَطَّدَ بَيْنَهُمَا أَوَاصِرَ لَمْ تَنْخَرِمْ إِلَى حَدِّ السَّاعَةِ.
-وَأَنَّى لَكِ أَنْ تَعْرِفِي ابْنَ بادِيسَ وَأَنْتِ الَّتِي مَا وَطِئَتْ قَدَمُكِ قَطُّ عَتَبَةَ مَدْرَسَةٍ وَلاَ كَانَ لِعَيْنِكِ شُعاَعٌ يَشُقُّ رُمُوزَ الْحُرُوفِ فَتَنْبَلِجَ لَهَا الْمَعَانِي وَلاَ تَنَاوَلَتْ يَدَاكِ كِتَاباً إِلاَّ لِتُلاَمِسَ أَوْرَاقَهُ بِشَوْقٍ وَتَمَنٍّ وَلَكِنَّ أَفْكَارَهُ أُغلِقَتْ دُونَ ذِهْنِكِ الأُمِّيِّ، أَبَداً لاَ يَنْفَكُّ لَكِ عِقَالُهَا فَمَكَثْتِ عَلَى لَهْفَتِكِ لاَ تَقْنَعِينَ؟
قَالَتْ جَدَّتِي وَقَدْ غَشَّى وَجْهَهَا سِتَارٌ مِنَ الْحَيَاءِ وَالتَّوَاضُعِ أَوْ الإِعْجَابِ وَالجِدِّ عَلَى غِرَارِ جُمْلَةِ الْفَلاَّحِينَ وَسُكَّانِ الْجِبَالِ عِنْدَمَا يَحْضُرُهُمُ الْحَدِيثُ عَنْ شَخْصِيَّةٍ مَا ذَاتِ شُهْرَةٍ وَصِيتٍ:
- وَمَاذَا تَصَوَّرْتِ؟… ألَعَلَّكِ عَدَدْتِنَا قَوْماً بُوراً لاَ حَقَّ لَنَا فِي عِشْرَةِ ذَوِي الْمَجْدِ وَالْحِكْمَةِ أَمْ رَتَّبْتِنَا ضِمْنَ الْهَوَامِّ الْمَقْطُوعَةِ فِي أَصَاطِبِهَا بَعِيداً عَنِ الْعَقْلِ وَالتَّحْبِيرِ بِمُجَرَّدِ سُكْنَانَا شِعَافَ الْجِبَالِ؟ وَلَمَّا حُرِمْنَا الْمَدَارِسَ وَالْكَتَاتِيبَ، اِسْتَخْلَصْتِ أَنَّا مَبْتُورُونَ عَمَّا يَنْفَعُ الْبَشَرَ الْفَاهِمِينَ مِثْلِكِ وَرِفَاقِكِ مِنَ الْجَامِعَاتِ بَلْ وأَغْنِيَاءُ عَنِ الطَّمَعِ فِيهِ وَبِذَلِكَ يَئِسْتِ أَنْ تَنْجَعَ فِينَا مُصَاحَبَةُ الْعُلَمَاءِ.
أَمَّا فَاعْلَمِي أَنَّ الشَّيْخَ ابْنَ بَادِيسَ لمْ يَكُنْ مِثْلَكِ وَلَمْ يَكُنْ يَنْظُرُ إِلَيْنَا بِالْمِنْظَارِ الْبَخْسِ الَّذِي تَطَّلِعِينَ مِنْ خِلاَلِهِ إِلَيْنَا بَلْ إِنَّهُ، رَحِمَهُ اللهُ، كَانَ يَقِيسُنَا بِمِقْيَاسِ الآدَمِيِّينَ، أنْدَادٍ لَكُمْ، لاَ فَرْقَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ طَلَبَتِهِ الَّذِينَ كَانَ يُدَرِّسُ لَهُمْ فِي جَامِعِهِ بِقَسَنْطِينَةَ.
لَقَدْ كَانَ عَالِماً قَرَأَ فِي كِتَابِ رَبِّهِ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ مُتَسَاوُونَ بَيْنَ يَدَيِ اللهِ إِنَّمَا يُمَيِّزُ بَيْنَهُمْ فِعْلُهُمْ إِنْ طَيِّباً أَوْ سَيِّئاً وَأَنَّ الدَّاعِيَةَ الْهَادِيَ مَسْؤُولٌ عَنِ الْخَلْقِ كُلِّهِمْ بِصِفَةٍ وَاحِدَةٍ لاَ عَادِيَ وَلاَ مَعْدُوَّ.
أَمَّا أَنْتُمْ فَلَقَدْ اِشْتَطَطْتُمْ شَتَّى وَعَانَدْتُمْ وَاسْتَكْبَرْتُمْ وَعَلَيْهِ فَلَمْ تَبْلُغُوا شَأْوَ ذَلِكَ الشَّيْخِ الْمُبَجَّلَةِ جَوَانِبُهُ أَنْوَاراً وَقَّادَةً وَلَمْ تَخْلُصُوا إِلَى السُّؤْدُدِ الَّذِي حُلِّيَتْ بِهِ عَمَامَتُهُ السَّاطِعَةُ مِنْ لُجَيْنٍ وَفِضَّةٍ وَلَمْ تَرْتَسِمْ عَلَى جِبَاهِكُمْ غَيْرُ الْبَلاَهَةِ وَالْغَطْرَسَةِ فَلاَ بَهَاءَ اِرْتَسَمَ بَيْنَ خُطُوطِهَا وَلاَ مَرَايَا ناصِعَةً بِالذَّكَاءِ سَطَعَتْ عَلَى محَُيَّاهُ إِنَّمَا خُلاَصَتُهُ أَبُو الدَّغْفاءِ يُصَعِّرُ خَدَّهُ فِي النَّاسِ كِبْراً.
أَنْتِ لاَ تُصَدِّقِينَنِي طَبْعاً وَتَعْتَبِرِينَ حَدِيثِي ضَرْباً مِنَ التَّخْرِيفِ. اِسْمَعِي! لَقَدْ نَيَّفْتُ عَلَى التِّسْعِينَ إيْ نَعَمْ ودَنَوْتُ مِنَ الْقَرْنِ بَلَى، أَمَّا فَإنَّنِي لَمْ أَشْرُدْ عَنْ ذِهْنِي كُلِّيَّةً ومَا زِلْتُ أَحْفَظُ سَهْماً وَافِراً مِنْ إِدْرَاكِي وَتَمْيِيزِي كَمَا أَنَّ اللهَ حَبَانِي بِذَاكِرَةٍ حَيَّةٍ لَمْ يَمُتْ إِلاَّ شَطْرُهَا فَتَجَمَّعَتْ لَدَيَّ حُجَجٌ أَدْفَعُ بِهَا مَا تَرْمِينَنِي بِهِ مِنْ هَبَلٍ أَوْ نَقْصٍ.
وَلْيَكُنْ فِي بَالِكِ أَنَّ الشَّيْخَ ابْنَ بَادِيسَ لَمْ يَعَفَّنَا وَلَمْ يَشْمَئِزَّ مِنْ صُحْبَتِنَا بَلْ زَارَنا هُنَا بِرُبُوعِنَا، يَتَكَرَّمُ عَلَيْنَا بِخُطْوَتِهِ الْمَيْمُونَةِ وَيُسْعَدُ بِلُقْيَانَا فَكَانَ يَوْماً مَرْمُوقاً، مُحَجَّلاً، مُبَجَّلاً.
أَجَلْ...كَذَلِكَ بُنَيَّةُ…تِلْكَ مُفَاجَأَةٌ أَلْقَيْتُ بِهَا إِلَيْكِ فَتَلَقَّفِيهَا وَامْكُثِي بَكْمَاءَ لاَ تُحِيرِينَ الْمَحَجَّةَ وَاجِمَةً…
إِيْ نَعَمْ!… إِنَّ الشَّيْخَ الإِمَامَ وَفَدَ عَلَى جَارَتِنا " بُوقَاعَةَ" . جَاءَنَا يَخْطُبُ فِينَا وَيُنَبِّهُ الْجَوَارِحَ النَّائِمَةَ جَوْفَنَا وَيَجْعَلُ مِنَّا نَشْئاً حَيّاً بَعْدَ أَنْ بَلَغَ مِنَّا السُّبَاتُ مَبْلَغَهُ فَصِرْنَا كَالدَّوَابِّ الْخَرْصَاءِ. عَلَى أَنَّ الإِمَامَ الْجَلِيلَ لَمْ يَسْتَصْغِرْنَا وَقَصَدَنا بَيْنَما حَقَّ الرَّحِيلُ إِلَيْهِ.
أَذْكُرُ أَنَّ الرِّجَالَ صَنَعُوا لَهُ فِي مَيْدَانِ الْقَرْيَةِ مِنْبَراً مِنْ عَرِيشٍ. كُلُّهُ قَصَبٌ وَحَطَبٌ وَحِجَارَةٌ ثُمَّ، فِي الْمَوْعِدِ الْمَضْرُوبِ، تَسَلَّحُوا بِمَسَاحِيهِمْ وَمَدَارِيهِمْ وَمَجَارِفِهِمْ وَهَراوَاتِهِمْ وَفُؤُوسِهِمْ وَانْطَلَقُوا مُلْتَفِّينَ وَفُرادَى صَوْبَ جَبَلِ طَافَاتٍ لاِسْتِقْبَالِ الإِمَامِ وَالاِرْتِوَاءِ بِكَلِمَاتِهِ النَّفِيسَةِ الَّتِي تَنْبُعُ مِنْ فَيْضِ فَصَاحَتِهِ وصِدْقِ إِيمَانِهِ وَوَرَعِهِ. كَلِمَاتٌ كُلُّهَا سُقْيَا نافِعَةٌ تُنْعِشُ الضَّمْآنَ بَعْدَ صَدًى بَالِغٍ، مُهْلِكٍ وَتُورِقُ جَنَبَاتُهُ خَضْرَاءَ مُعْشَوْشِبَةً.
لِمَ تَسَلَّحَ الرِّجَالُ؟… لأَنَّهُمْ كَانُوا يَخْشَوْنَ عَلَى الْمُصْلِحِ الْعَظِيمِ مِنْ أَوْلاَدِ عَبِيدٍ . اِعْلَمِي أَنَّهُمْ كَانُوا عَرْشاً يُقِيمُ بِأَحْوَازِ هِضَابِنَا. جُلُّهُمْ مِنَ الْحَرْكَى مُخْلِصِي الذِّمَّةِ لِفِرَنْسَا. إِنَّ أَوْلاَدَ عَبِيدٍ هَؤُلاَءِ كَانُوا رَهْطاً مِنَ الْمَرَدَةِ ذَبَّحُوا الأَجِنَّةَ فِي الْمُهُودِ وَإِنَّ الشَّعْرَ يَنْتَصِبُ عَلَى الأَقْفاءِ لِمُجَرَّدِ ذِكْرِهِمْ يَا بُنَيَّتِي!… كَمَا أَنَّنِي أُفَضِّل عَدَمَ تَفَكُّرِهِمْ لِمَا يُثِيرُونَهُ أَمَامَ عَيْنَيَّ مِنْ صُوَرٍ مَهُولَةٍ بَشِعَةٍ.
وَبِقَدْرِ مَا كَانَ الشَّعْبُ مُتَعَلِّقاً بِالشَّيْخِ الإِمَامِ وَيُخْلِصُ لَهُ التَّشيُّعَ وَالْمُبَايَعَةَ، بِقَدْرِ مَا كَانَتْ تَمْقُتُهُ فِرَنْسَا وَمَنْ دَانَ لَهَا ذَيْلاً مُنَكَّساً مِنَ اللِّئامِ والْغِرْبَانِ النَّاعِقَةِ ومِنْ بَيْنِهِمْ رِجَالُ الطُّرُقِيَّةِ وَذَوُو الْقَنانِيرِ . وَإِنَّهُمْ لَقَّبُوهُ "ابْنَ بَالِيسَ" وَأَهْدَرُوا دَمَهُ وَتَوَعَّدُوا بِهِ شَرّاً لَوْ هُمْ وَجَدُوا إِلَيْهِ سَبِيلاً. وَلَكِنَّ اللهَ، عَزَّ وَجَلَّ، كَبَّلَ أَيْدِيَهُمْ عَنِ الْكَيْدِ لَهُ وَلَمَّا ثَبَّجَ رُسُومَهُمُ الْوَاشِيَةَ، اِنْقَلَبُوا خَاسِئِينَ.
لأَجْلِ تِلْكَ الأَسْبَابِ كُلِّهَا، كَانَ الرِّجَالُ يَتَخَوَّفُونَ جَانِبَ أَوْلاَدِ عَبِيدٍ وَيَتَوَقَّعُونَ مِنْهُمُ الشَّرَّ فَصَنَعُوا حَوْلَ الإِمَامِ سِيَاجاً بِأَرْوَاحِهِمْ وَأَسْلِحَتِهِمِ الْبَسِيطَةِ وَوَعَدُوا اللهَ أَنْ يُدَافِعُوا عَنْ مُجاهِدِهِ الأَكْبَرِ أوْ يَمُوتُوا دُونَهُ.
وَحَضَرَ الإِمَامُ حَسَبَ الْمَوْعِدِ وَصَعَدَ عَلَى مِنْبَرِ التِّبْنِ وَالْقَشِّ وَخَطَبَ فِي الشَّعْبِ الَّذِي تَرَاصَّ مُحْتَشِداً وَأَوْقَدَ الْعَزائِمَ وَحَرَّكَ الْهِمَمَ وَأَيْقَظَ الْقُلُوبَ وَالأَفْئِدَةَ.
أَمَّا وَإِنْ كَانَ الإِمَامُ فِي إِجَارَةِ رِجَالِنَا وَرِعَايَتِهِمْ فَإِنَّا، نَحْنُ النِّسَاءَ فِي دَشْرَتِنَا، بَلَغَ مِنَّا الْخَوْفُ مَبْلَغَهُ وَهَزَأَ بِنَا وَضَحِكَ وَدَارَ حَوْلَنَا دَوْرَاتِهِ اللَّعُوبِ جِنِّيّاً بَهْلَوَانَ لاَ يَكْتَفِي مَسْخَرَةً وَتَفَكُّهاً مِنَّا.
وَكَيْفَ لاَ يَا بُنَيَّةُ وَقَدْ خَلَتْ شَوَارِعُنَا مِنْ كُلِّ بَعْلٍ أَوْ ذَكَرٍ؟…إِنَّا لَمْ نَرَ مِثْلَ تِلْكَ مِنْ قَبْلُ مُنَاسَبَةً وَإِنَّ الشُّيوُخَ وَالْغِلْمَانَ قَعَدُوا فِي مُؤَانَسَتِنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَثْناءَ ثَوْرَةِ التَّحْرِيرِ. لَكِنَّهُمْ رَفَضُوا أنْ يَتَخَلَّفُوا فِي ذَلِكَ اللِّقَاءِ وَإِذَا بِنَا –نَحْنُ الْحُرْمَاتِ- نَبْقَى وَحْدَنا مُنْعَزِلاَتٍ فِي الْبُيُوتِ، لاَ يَحْمِي حَوْضَنَا أَحَدٌ فَتَوَجَّسْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا أَيْضاً مِنْ أَوْلاَدِ عَبِيدٍ خِيفةً أَوْ مِنْ بَعْضِ الشَّيَاطِينِ يُعَامِلُنَا مُعَامَلَةَ السَّبَايَا وَيَهْتِكُ أَعْرَاضَنَا.
كُلُّ الرِّجَالِ صَعِدُوا إِلَى لُقْيَا الأَثِيرِ شَيْخِ قَسَنْطِينَةَ وَلَمْ يَمْكُثْ فِي أَحْوَاشِنَا سِوَى رِيحِ الشَّهِيلِيِّ لَهَا هُبُوبٌ فَظِيعٌ بَيْنَ دُرُوبِ الدُّوَّارِ الْخَالِيَةِ وَمَا هُمَا إِلاَّ الرُّعْبُ وَالْوَحْشَةُ يَعُمَّانِ عَلَى الدِّيَارِ ويَسْتَحْوِذَانِ عَلَى الْعُقُولِ وَغَدَوْنَا قَلِقَاتِ الْقُلُوبِ نَشْرَئِبُّ بِأَعْنَاقِنَا إِلَى الأَبْوَابِ – دُونَ أَنْ نَجْسُرَ عَلَى الْخُرُوجِ- دَائِماً مِنْ أَمَاكِنِنَا حَيْثُ جَلَسْنَا، نَتَرَصَّدُ عَوْدَةَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَسْنُدُونَ ظُهُورَنَا وَيَشُدُّونَ أَزْرَنَا ويَسْتُرُونَنَا.
وَلَمَّا مَالَتِ الشَّمْسُ إِلَى الْمَغِيبِ وَأَطْلَقَتْ أَلْسِنَتَهَا الْحَمْراءَ تَلْحَسُ دَمَ الأُفُقِ، سَمِعْنَا خُطْوَاتٍ نَشِيطَةً فِي الشَّوَارِعِ وَاسْتَأْنَسْنَا غَمْغَةَ رِجَالِنَا يَؤُوبُونَ إِلَيْنَا ثُمَّ دَلَفُوا إِلَيْنَا مُحْمَرِّي الْوَجَنَاتِ، مُتَّقِدِي الْعَزَمَاتِ، مُتَلأْلِئِي الأَحْدَاقِ وَالْمَآقِي.
وَجَلَسُوا حَوَالَيْنَا يَصِفُونَ لَنَا مَا شَاهَدُوا وَيُعِيدُونَ عَلَى مَسَامِعِنَا حَدِيثَ الشَّيْخِ الأَكْرَمِ وَقَدِ اِنْتَصَبَتْ فِي هَامَاتِهِمُ الْكِبْرِيَاءُ شَامِخَةً وَجَاشَتْ صُدُورُهُمْ بِالْوَطَنِيَّةِ وَالْكَرَامَةِ الَّتِي نَفَخَهَا فِيهِمُ الْمُصْلِحُ الْعَظِيمُ.
وَصَمَتَتْ جَدَّتِي عَنِ الْحَدِيثِ وَصَمَتُّ أَنَا أَيْضاً وَقَدْ عَجِبْتُ مِنْ ذَلِكَ الشَّعْبِ الْمَجِيدِ جُلُّهُ ثُلَّةٌ مِنَ الْفَلاَّحِينَ الأُميِّيِنَ، قَدْ تَحَكَّمَ فِيهِمُ الْجَهْلُ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَتَجَذَّرْ وَرُكِلُوا إِلَى زَوَايَا الإِجْحَافِ وَالْعَمَى وَالظُّلُمَاتِ وَلَكِنَّهُمْ، يَوْمَ يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِمُ الشَّيْخُ الْمُصْلِحُ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ بَادِيسَ، يَسْتَقْبِلُونَهُ اسْتِقْبَالَ الْعَارِفِينَ بِقَدْرِهِ، الذَّائِدِينَ عَنْهُ مَا يَذُودُونَهُ عَنْ أَبْنَائِهِمْ وَفِلْذَاتِ أَكْبَادِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَفْقَهُوا لِقَوْلِهْ الْكَثِيرَ...
وَيَا لَعَظَمَةِ ذَلِكَ الشَّيْخِ الأَغَرِّ الَّذِي، وَإنْ تَبَحَّرَ عِلْماً وَقَدْراً، فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَنْكِفِ التَّوَجُّهَ إِلَى بَعْضِ الرُّبُوعِ الضَّائِعَةِ، حَيْثُ لاَ يُمَيَّزُ بَيْنَ الْهَوَامِّ وَأَصْحَابِهَا إِلاَّ بِشِقِّ التَّمَعُّنِ فَيُحَدِّثَ النَّاسَ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ، غَيْرَ قَانِتٍ مِنْهُمْ، رَاجِياً فِيهِمْ خَيْراً لِذَلِكَ الدِّينِ وَتِلْكَ الْبِلاَدِ…
فَرَحِمَ اللهُ ابْنَ بَادِيسَ الإِمَامَ وَرَحِمَ أُولَئِكَ الْقَرَوِيِّينَ الْجَهَلةَ الَّذِينَ حَمَلُوا ذَاتَ يَوْمٍ مَسَاحِيَهُمْ وَمَدَارِيَهُمْ وَانْطَلَقُوا إِلَى سَفْحِ جَبَلِ "طَافَاتٍ" يَصْنَعُونَ لِشَيْخِهِمْ مِنْبَراً مِنْ قَشٍّ وَلَكِنَّهُ مِنَ الصَّلاَبَةِ أَنْ وَطَّدَ بَيْنَهُمَا أَوَاصِرَ لَمْ تَنْخَرِمْ إِلَى حَدِّ السَّاعَةِ.
نجمة سيّدأحمد
(حكايات جدّتي)[/left]
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
رد: عبد الحميد بن باديس
أضحت الجدّة يا نجمة على دراية بكل الأمور ، فهي على أمّيتها تعرف
كلّ ما يتّصل برائد النهضة الجزائرية ، و بحوزتها معلومات لا يتوفّر عليها
جل شباب اليوم الذين لا يعرفون عن ابن باديس إلا بيته الشعري:
شعب الجزائر مسلم ...و إلى العروبة ينتسب
و يعرفون كذلك يوم 16 أفريل لإقامة الزرد و حفلات الأغاني و ...
كلّ ما يتّصل برائد النهضة الجزائرية ، و بحوزتها معلومات لا يتوفّر عليها
جل شباب اليوم الذين لا يعرفون عن ابن باديس إلا بيته الشعري:
شعب الجزائر مسلم ...و إلى العروبة ينتسب
و يعرفون كذلك يوم 16 أفريل لإقامة الزرد و حفلات الأغاني و ...
رد: عبد الحميد بن باديس
هو ذاك والله يا أخي بلا مبالغة. بل وقد اتّفق أن زرت آثار بني حمّاد في جبل المعاضيد بالمسيلة، فدهشت بشيخ هناك أمّيّ، من قرية البشارة الموجودة أسفل جبل ثاكَرْبُوسْت، شغله أن يحرس المكان، دُهشت به يروي لي تاريخ الدّولة من ألفها إلى يائها، مع ذكر لأسماء الملوك وتواريخهم أن أَفحم أساتذة الجامعة المختصّين، وما كنت تعلّمت ذلك طيلة دراستي الرّسميّة.
أخشى ما أخشاه يا أخي إيراهيم أن يموت أولئك الأجداد فتذهب ذاكرة شعب برمّته وقد أَصاب خرّيجي المعاهد العليا وأصحاب الشّهادت فقر فكريّ ومبدئيّ فظيع.
حفظنا الله وعافانا وترك لنا مثل هذا المنتدى يشجّع فيه بعضنا بعضا فلا نكون شأن المسلم بين النّصارى كما قال الشّاعر قديما.
أخشى ما أخشاه يا أخي إيراهيم أن يموت أولئك الأجداد فتذهب ذاكرة شعب برمّته وقد أَصاب خرّيجي المعاهد العليا وأصحاب الشّهادت فقر فكريّ ومبدئيّ فظيع.
حفظنا الله وعافانا وترك لنا مثل هذا المنتدى يشجّع فيه بعضنا بعضا فلا نكون شأن المسلم بين النّصارى كما قال الشّاعر قديما.
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
رد: عبد الحميد بن باديس
جيل اليوم مهتم بالتسريحات و الأغاني و الموضة و تقليد لاعبو البطولات الاوروبية
اما الشان الادبي و و الثقافي فتركوه لاهل الاختصاص
شكرا على موضوعك و ابن باديس فرق كل اعتبار
اما الشان الادبي و و الثقافي فتركوه لاهل الاختصاص
شكرا على موضوعك و ابن باديس فرق كل اعتبار
anis- عضو نشيط
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 25/06/2009
العـــــمـــــر : 41
عـــدد المساهمـــات : 176
الـمــــــــــــزاج : عصبي
رد: عبد الحميد بن باديس
شكرا على المرور.
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
رد: عبد الحميد بن باديس
ألفنا يا نجمة إبداعك وتألقك دمت هكذا وأكثر
المشرفة العامة- المشرفة
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 27/08/2009
العـــــمـــــر : 30
عـــدد المساهمـــات : 1509
الـمــــــــــــزاج : هادئ
رد: عبد الحميد بن باديس
زيارتك أَيَّتَها المشرفة.
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
ilyes- عضو نشيط
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 20/01/2010
العـــــمـــــر : 25
عـــدد المساهمـــات : 122
الـمــــــــــــزاج : جيد
مواضيع مماثلة
» شعر عبد الحميد بن باديس 1
» رائد النهضة الاصلاحية العلامة عبد الحميد ابن باديس
» بمناسبة الذكرى الثانية والسبعين لوفاة الإمام العلامة الشيخ عبد الحميد ابن باديس رحمه الله ـ 16
» عبد الحميد بن هدوقة
» رائد النهضة الاصلاحية العلامة عبد الحميد ابن باديس
» بمناسبة الذكرى الثانية والسبعين لوفاة الإمام العلامة الشيخ عبد الحميد ابن باديس رحمه الله ـ 16
» عبد الحميد بن هدوقة
منتديات بني ورثيلان التعليمية :: القســــــــــم العـــــــــــــــــــام :: إبداعات الأعضاء و إصداراتهم
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 08 فبراير 2016, 19:32 من طرف أبو إلياس
» الله هو الغنيُّ المطلق والخلق فقراء محتاجون إليه
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:29 من طرف أبو إلياس
» صفة من صفات أهل الإسلام
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:27 من طرف أبو إلياس
» آداب الإنترنت: فنون المعاتبة .. ومعالجة الأخطاء
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:26 من طرف أبو إلياس
» مركز اللغات بجامعة المدينة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 18:35 من طرف أبو إلياس
» مجلة جامعة المدينة العالمية المحكمة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 00:34 من طرف Nassima Tlemcen
» aidez-moi vite svp
الثلاثاء 12 يناير 2016, 16:30 من طرف أبو إلياس
» حوليات وزارة التربية 2012 في العلوم الطبيعية
الجمعة 04 ديسمبر 2015, 13:04 من طرف lynda2013
» لمـــــــــــــــــــاذا تبـــــــكي النّســـــــــــــــــــاء
الأربعاء 18 نوفمبر 2015, 18:46 من طرف أبو إلياس