قصّة فلسطينيّة
4 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
قصّة فلسطينيّة
القِنْدِيل الصّغير
(1)
صَحَت المدينة ذات صباح على خَبَر أليم مُحزن. لقد مات الملِك الطّيّب العجوز الّذي حَكَم طَوَال عمره بالعدْل وأحبّه كافَّة النّاس. وقد حزِن الجميع أكثرَ لأنّ الملِك لم يكن قد ترَك سوى ابنة صغيرة ليس بِوُسْعها أن تحكُم. ولكنّ الملِك كان قد ترك أيضا وصِيّة لابنته الصّغيرة قال فيها شيئا قليلا جدّا...
قال: "كي تُصبحي ملِكة يجب أن تحمِلي الشّمس إلى القَصْر."
وقال الملك في وَصِيّته القصيرة أيضا: "وإذا لم تستطيعي حَمْل الشّمْس إلى القَصْر فإنّك ستقْضِين حياتك في صُندوق خشبيّ مغلَق عِقابا لك.
وبعد أن قرأت الأميرة الصّغيرة الوصيّة استدعَت حكيم القصر وأخبَرته أنّ أباها قد كلّفها بمَهَمَّة عَسِيرة وأنّها لا تريد أن تكون ملكة أبدا. إلاّ أنّ الحكيم العَجوز قال لها إنّ قَوانين المَمْلكة المكتوبة منذ زمن بعيد تُحَرّم على الأمير أو الأميرة أن يرفُضا الحُكْم وقال الحَكِيم العجوز:
-إنّ ابنة الملِك لا تستطيع إلاّ أن تكون أميرة...وقد عاشت مَمْلكتنا بسعادة دائمة لأنّ كلّ واحد فيها يعرِف واجبَه ولا يهرُب منه، وقد كان والِدك الملِك حكيما حين قال لك إنّ عليك إحضارَ الشّمس إلى القصْر أو العيشَ في صُندوق وفي صباح اليوم التّالي قرّرت الأميرة أن تتسلّق الجبل العالي الّذي تمُرّ من جانِبِه الشّمس في كلّ يوم، وقد سألت الأميرة الحكيم عن رأيه وخُطَّتها فقال لها الحكيم:
-أيّتها الأميرة الصّغيرة يجب أن تُحضري الشّمس دون مُساعدة أحد.
وهكذا بدأت الأميرة تتسلّق الجبل العالي...ولكنّ الأميرة حين وصلت إلى قمّة الجبل، اكتشفت أنّ الشّمس ما تزال بعيدة وأنّه لا يمكن لإنسان أن يُمْسِك الشّمس، فعادت إلى القصر حزينة وأغلقت غرفتها بالمفتاح وأخذت تبكي.
وبعد يومين شاهَدت الأميرة الحزينة ورقة صغيرة تحت باب غرفتها فركَضت وأخذت تقرأها. كان فيها جملة صغيرة هي: "لن تستطيعي أن تجِدي الشّمس في غرفة مُغلَقة." واحتارت الأميرة لأنّها لم تعرِِف صاحب الخَطّ الّذي كتب تلك الجملة الصّغيرة، ولكنّها قرّرت أن تُواصل بَحْثها عن الشّمس ولو اضطُرّت لِتَسَلُّق الجبل كلّ يوم.
وفي الوقت نفسه، علَّقت الأميرة على جُدران القصر الخارجيّة بَيانا قالت فيه إنّ إيَّ رجل يستطيع أن يُساعدها في حَمْل الشّمس إلى القصر سينال مُكافأة من المُجَوْهَرات.
وفي أيّام قليلة، عرف كلّ النّاس أنّ الأميرة الصّغيرة تُريد حمْل الشّمس إلى القصر، ولكنّ أحَدا لم يستطِع أن يُساعدها، وقرّر بعض النّاس أنّ الأميرة مَجنونة لأنّها تطْمَع في شيء مُستَحيل، وقرّر آخرون أنّها أميرة حَكِيمة لأنّها تُريد أن تُحقِّق شيئا "مُسْتَحِيلا" ولكنّ الجميع عَجَزوا عن مُساعدتِها.
وفي صباح اليوم التّالي جاء الحكيم العجوز إلى الأميرة وقال لها إنّ الفُرْصة الّتي أُعْطِيت لها تُوشك أن تنتهِي، وشرح العجوز ذلك فقال:
-إنّ أباك الملِك كان قد أوْصاني قبل وفاته أن لأُشْعِل شَمْعة كبيرة مُباشرة بعد وَفاتاه، فإذا ذابت قبل أن تهْتَدِي إلى الشّمس فإنّ عِقابك يصِيرُ واجبا.
وحين خرج الحكيم من الغرفة، حزِنت الأميرة حُزْنا شَديدا وعرَفت أنّه لن يتيسَّر لها أبدا أن تصير ملكة، وأخذت تتَخَيَّل نفسها في المَلابِس المَلَكِيّة الّتي لن تستطيع أن تلبسها أبدا.
وبينما هي غارِقة في حُزْنها كان رجُل عَجوز جِدّا يُحاوِل أن يدخُل إلى القصر، ولكنّ الْحُرّاس كانوا يمنَعُونه من الدّخول ويُحاوِلون طَرْده بِشَتّى الْوسائل، إلاّ أنّ الْعَجُوز كان عَنِيداً.
وشَهِدت الأمِيرة من شُبّاك غرفتها ذلك المَنْظَر، ثمّ سَمِعت صَوْت العَجوز يَصِيح بِالْحَرَس:
-أريد أن أدخُل لأُساعِد الأميرة.
وسمِعت صوت الحَرَس:
-هل تستطيع أنت أيّها العجوز الهَرِم؟
وعادت تَسْمَع صَوْت الْعَجوز وهو يَصِيح:
-حسناً...قولوا لها إنّه إذا لم يكن بوُسْع إنسان عَجُوز أن يدخُل إلى قصْرها فكيف تطمَع أن تُدْخِل الشَّمْس إليه؟
وفي تلك اللَّحْظة أدار العجوز ظَهره ومضى، وحاوَلت الأميرة أن تُنادِيه إلاّ أنّه كان قد اختفى في الزُّقاق المُجاوِر، وحين طلبت من الحَرَس أن يبحَثوا عنه كان العجوزُ قد صار بعيدا جدّا.
عادت الأميرة إلى غرفتها حزينة يائسة. وأخذت تفكِّر فيما قاله العجوز لِلحُرّاس. إلاّ أنّها لم تستطِع أن تعرِف ما الّذي قَصَده.
غَسّان كَنَفاني
غسّان كنَفاني: وُلد في عَكَّا عام 1936م. نَزَح عام 1948م إلى سُورِيا، ثمّ الكُوَيت وأخيرا لُبنان. ألّف عدّة رِوِايات ومجموعات قَصَصِيّة ودِراسات حول الثّقافة الفِلَسطِينِيّة. كان مديرا لجريدة فِلَسْطِينيّة هامّة. تَمَّ اغِتِيالُه من طَرَف المُخابَرات الإسْرائيلِيّة في 8 يونْيو 1972م.
(1)
صَحَت المدينة ذات صباح على خَبَر أليم مُحزن. لقد مات الملِك الطّيّب العجوز الّذي حَكَم طَوَال عمره بالعدْل وأحبّه كافَّة النّاس. وقد حزِن الجميع أكثرَ لأنّ الملِك لم يكن قد ترَك سوى ابنة صغيرة ليس بِوُسْعها أن تحكُم. ولكنّ الملِك كان قد ترك أيضا وصِيّة لابنته الصّغيرة قال فيها شيئا قليلا جدّا...
قال: "كي تُصبحي ملِكة يجب أن تحمِلي الشّمس إلى القَصْر."
وقال الملك في وَصِيّته القصيرة أيضا: "وإذا لم تستطيعي حَمْل الشّمْس إلى القَصْر فإنّك ستقْضِين حياتك في صُندوق خشبيّ مغلَق عِقابا لك.
وبعد أن قرأت الأميرة الصّغيرة الوصيّة استدعَت حكيم القصر وأخبَرته أنّ أباها قد كلّفها بمَهَمَّة عَسِيرة وأنّها لا تريد أن تكون ملكة أبدا. إلاّ أنّ الحكيم العَجوز قال لها إنّ قَوانين المَمْلكة المكتوبة منذ زمن بعيد تُحَرّم على الأمير أو الأميرة أن يرفُضا الحُكْم وقال الحَكِيم العجوز:
-إنّ ابنة الملِك لا تستطيع إلاّ أن تكون أميرة...وقد عاشت مَمْلكتنا بسعادة دائمة لأنّ كلّ واحد فيها يعرِف واجبَه ولا يهرُب منه، وقد كان والِدك الملِك حكيما حين قال لك إنّ عليك إحضارَ الشّمس إلى القصْر أو العيشَ في صُندوق وفي صباح اليوم التّالي قرّرت الأميرة أن تتسلّق الجبل العالي الّذي تمُرّ من جانِبِه الشّمس في كلّ يوم، وقد سألت الأميرة الحكيم عن رأيه وخُطَّتها فقال لها الحكيم:
-أيّتها الأميرة الصّغيرة يجب أن تُحضري الشّمس دون مُساعدة أحد.
وهكذا بدأت الأميرة تتسلّق الجبل العالي...ولكنّ الأميرة حين وصلت إلى قمّة الجبل، اكتشفت أنّ الشّمس ما تزال بعيدة وأنّه لا يمكن لإنسان أن يُمْسِك الشّمس، فعادت إلى القصر حزينة وأغلقت غرفتها بالمفتاح وأخذت تبكي.
وبعد يومين شاهَدت الأميرة الحزينة ورقة صغيرة تحت باب غرفتها فركَضت وأخذت تقرأها. كان فيها جملة صغيرة هي: "لن تستطيعي أن تجِدي الشّمس في غرفة مُغلَقة." واحتارت الأميرة لأنّها لم تعرِِف صاحب الخَطّ الّذي كتب تلك الجملة الصّغيرة، ولكنّها قرّرت أن تُواصل بَحْثها عن الشّمس ولو اضطُرّت لِتَسَلُّق الجبل كلّ يوم.
وفي الوقت نفسه، علَّقت الأميرة على جُدران القصر الخارجيّة بَيانا قالت فيه إنّ إيَّ رجل يستطيع أن يُساعدها في حَمْل الشّمس إلى القصر سينال مُكافأة من المُجَوْهَرات.
وفي أيّام قليلة، عرف كلّ النّاس أنّ الأميرة الصّغيرة تُريد حمْل الشّمس إلى القصر، ولكنّ أحَدا لم يستطِع أن يُساعدها، وقرّر بعض النّاس أنّ الأميرة مَجنونة لأنّها تطْمَع في شيء مُستَحيل، وقرّر آخرون أنّها أميرة حَكِيمة لأنّها تُريد أن تُحقِّق شيئا "مُسْتَحِيلا" ولكنّ الجميع عَجَزوا عن مُساعدتِها.
وفي صباح اليوم التّالي جاء الحكيم العجوز إلى الأميرة وقال لها إنّ الفُرْصة الّتي أُعْطِيت لها تُوشك أن تنتهِي، وشرح العجوز ذلك فقال:
-إنّ أباك الملِك كان قد أوْصاني قبل وفاته أن لأُشْعِل شَمْعة كبيرة مُباشرة بعد وَفاتاه، فإذا ذابت قبل أن تهْتَدِي إلى الشّمس فإنّ عِقابك يصِيرُ واجبا.
وحين خرج الحكيم من الغرفة، حزِنت الأميرة حُزْنا شَديدا وعرَفت أنّه لن يتيسَّر لها أبدا أن تصير ملكة، وأخذت تتَخَيَّل نفسها في المَلابِس المَلَكِيّة الّتي لن تستطيع أن تلبسها أبدا.
وبينما هي غارِقة في حُزْنها كان رجُل عَجوز جِدّا يُحاوِل أن يدخُل إلى القصر، ولكنّ الْحُرّاس كانوا يمنَعُونه من الدّخول ويُحاوِلون طَرْده بِشَتّى الْوسائل، إلاّ أنّ الْعَجُوز كان عَنِيداً.
وشَهِدت الأمِيرة من شُبّاك غرفتها ذلك المَنْظَر، ثمّ سَمِعت صَوْت العَجوز يَصِيح بِالْحَرَس:
-أريد أن أدخُل لأُساعِد الأميرة.
وسمِعت صوت الحَرَس:
-هل تستطيع أنت أيّها العجوز الهَرِم؟
وعادت تَسْمَع صَوْت الْعَجوز وهو يَصِيح:
-حسناً...قولوا لها إنّه إذا لم يكن بوُسْع إنسان عَجُوز أن يدخُل إلى قصْرها فكيف تطمَع أن تُدْخِل الشَّمْس إليه؟
وفي تلك اللَّحْظة أدار العجوز ظَهره ومضى، وحاوَلت الأميرة أن تُنادِيه إلاّ أنّه كان قد اختفى في الزُّقاق المُجاوِر، وحين طلبت من الحَرَس أن يبحَثوا عنه كان العجوزُ قد صار بعيدا جدّا.
عادت الأميرة إلى غرفتها حزينة يائسة. وأخذت تفكِّر فيما قاله العجوز لِلحُرّاس. إلاّ أنّها لم تستطِع أن تعرِف ما الّذي قَصَده.
غَسّان كَنَفاني
غسّان كنَفاني: وُلد في عَكَّا عام 1936م. نَزَح عام 1948م إلى سُورِيا، ثمّ الكُوَيت وأخيرا لُبنان. ألّف عدّة رِوِايات ومجموعات قَصَصِيّة ودِراسات حول الثّقافة الفِلَسطِينِيّة. كان مديرا لجريدة فِلَسْطِينيّة هامّة. تَمَّ اغِتِيالُه من طَرَف المُخابَرات الإسْرائيلِيّة في 8 يونْيو 1972م.
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
رد: قصّة فلسطينيّة
فلسطين اتلها اليهود و مزقتها الطوائف من ابنائها.اخنلط الحابل بالنابل
شكرا على الموضوع
شكرا على الموضوع
mourad- عضو مشارك
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 22/11/2009
العـــــمـــــر : 39
عـــدد المساهمـــات : 75
الـمــــــــــــزاج : هادئ جدا
رد: قصّة فلسطينيّة
شكرا على الموضوع
aissa.b- عضو برونزي
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 19/11/2010
العـــــمـــــر : 29
عـــدد المساهمـــات : 885
الـمــــــــــــزاج : هادىء
رد: قصّة فلسطينيّة
أتمنّى يا عيسى، وأنت القارئ الوفيّ، أن تذكر لي المغزى من هذه القصّة؟ ماذا فهمت منها؟
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
عاشق الجنه- عضو فضي
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 27/03/2010
عـــدد المساهمـــات : 1234
مواضيع مماثلة
» قصّة قلسطينيّة
» عرق ناشف (قصّة حقيقيّة)
» قصّة و عبرة : الحصان و البئر
» قصّة و عبرة: اللهم ارزقنا من فضلك
» عرق ناشف (قصّة حقيقيّة)
» قصّة و عبرة : الحصان و البئر
» قصّة و عبرة: اللهم ارزقنا من فضلك
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 08 فبراير 2016, 19:32 من طرف أبو إلياس
» الله هو الغنيُّ المطلق والخلق فقراء محتاجون إليه
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:29 من طرف أبو إلياس
» صفة من صفات أهل الإسلام
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:27 من طرف أبو إلياس
» آداب الإنترنت: فنون المعاتبة .. ومعالجة الأخطاء
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:26 من طرف أبو إلياس
» مركز اللغات بجامعة المدينة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 18:35 من طرف أبو إلياس
» مجلة جامعة المدينة العالمية المحكمة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 00:34 من طرف Nassima Tlemcen
» aidez-moi vite svp
الثلاثاء 12 يناير 2016, 16:30 من طرف أبو إلياس
» حوليات وزارة التربية 2012 في العلوم الطبيعية
الجمعة 04 ديسمبر 2015, 13:04 من طرف lynda2013
» لمـــــــــــــــــــاذا تبـــــــكي النّســـــــــــــــــــاء
الأربعاء 18 نوفمبر 2015, 18:46 من طرف أبو إلياس