قصّة قلسطينيّة
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
قصّة قلسطينيّة
القِنْدِيل الصّغير
(2)
وفجْأة قرّرت أن تَستدعِي قائد الحرس. كان قائد الحرس رجلا قوِيّا خَدَم في القصْر أكثرَ من عشر سنوات. وحين دخل إلى الغُرفة سألته عن الرّجل العجوز الّذي طرده الحُرّاس، وهل جاء إلى القصر قبل ذلك؟
فقال قائد الحَرَس:
-إنّ الرّجل العجوز يأتي كلّ مساء، إلاّ أنّ الحُرّاس يَمْنَعونه من الدُّخول لأنّهم يعتقدون أنّه رجل مَجنون.
قالت الأميرة:
-صِفْه لي!
فقال القائد:
-إنّه رجل فقير يَحْمِل قِنْدِيلا صَغِيرا دائما..."
قالت الأمِيرة: "إذا جاء الرّجل العجوز غدا فاسمَحوا له أن يدخل.
إلاّ أنّ الرّجل العجوز لم يأتِ في اليوم التّالي وعادت الأميرة إلى حزنها ويَأسها. وبينما كانت الأميرة في غرفتها تبكي، شاهَدت ورقة أخرى تحت الباب، فركضت إليها وفتحتها وقرأت فيها:
"الوقت ضيّق...الشّمْعة الكبيرة على وَشْك أن تذُوب. إنّ البُكاء والحزن لا يحُلاّن المَشاكل."
أحسّت الأميرة الصّغيرة بأنّها يجِب أن تفعَل شيئا وإلاّ قضَت حياتها في صُندوق مغلَق. وفجأة استدعت قائد الحرس وقالت له:
-أريد أن تحضِروا إلى القصر كلّ رجل في المَمْلكة يحمل قِنديلا صغيرا.
فقال قائد الحَرَس متعجِّبا:
-كلّ ذلك من أَجْل العَجوز الْمَجْنون؟
فقالت الأميرة:
-يجب أن أجرِّب ذلك العجوز فقد يكون الْحَلّ عنده.
وفي الصّباح الباكِر وَزَّع قائد الحَرَس كلّ الحُرّاس في جميع أرْجاء الْمَمْلكة وأمرهم أن ينتظِروا حتّى المساء، فإذا حلّ الظّلام فإنّ عليهم أن يُلْقوا القَبْض على كلّ رجُل يحمِل فانُوسا صَغِيرا وأن يُرْسِلوه فَوْرا إلى الْقَصْر.
وعند المساء جلست الأميرة أمام النّافذة تنظُر إلى الشّارع، وتنتظِر قُدُوم الرّجال الّذين يَحْمِلون الْقنادِيل الصّغِيرة. وفجأة شاهدت الأميرة مَنْظَرا عَجِيبا، ففي الأُفُق المُظِلم البعيد كان آلاف الرّجال يَحْمِلون الْقَنادِيل ويتقدَّمون نَحْوَ القَصْر من كافَّة النَّوَاحِي. وبعد قليل، وَصل الجميع إلى أبواب القصر الّتي كانت صغيرة ومُغْلَقة وازْدَحَموا أمامها.
وفي كلّ لَحْظة، كان الرِّجال حَمَلةُ القناديل يتكاثَرون دون أن يستطيعوا الدّخول بسبب الأبواب الصَّغِيرة، فطلَبت الأَمِيرة من الخَدَم أن يَهْدِموا الأسْوار العالِية، وأن يُوَسِّعُوا الأَبْواب كي يتيَسَّر للجميع الدُّخُولُ إلى باحَة القصر.
ونزلت الأميرة من غرفتها إلى باحة القصر وإلى جانبها قائد الحرس لِيَدُلَّها على الرّجل العجوز. وحين وصلت إلى الباحة، كان الضَّوْء يتوهَّج كأَنَّه الشَّمْس لكثرة الرِّجال والقناديل. وقال قائد الحَرَس:
-أيَّتها الأَميرة، لن أستطيع أن أتعرَّف على العجوز لأنّ الُوجوه جميعها هنا تتشابه.
وكانت الأميرة لا تستطيع أن تفتَح عينها جيّدا لكثرة الضَّوء. وقالت لقائد الحَرَس:
- لم أكن أتصوّر أنّه يوجد في مَمْلكتي كلّ هذه القناديل.
فقال قائد الحَرَس:
-إنّهم يخافون من اللُّصوص.
إلاّ أنّ الحكيم العجوز قال:
-كلاَّ...حين يهبِط الظَّلام يحمِل كلّ رجل قِنْديله الصَّغِير ليتعرَّف على طَريقه.
ونظر الحكيم العجوز إلى الأميرة وقال:
-هل تستطيعين أن تحمِلي كلّ هذه القناديل دَفْعة واحدة؟
قالت الأميرة:
-طبعا لا!
فقال الحكيم:
-وكذلك الشّمس...إنّها أكبر من أن يُمسكها رجل واحد أو امرأة واحدة.
قالت الأميرة:
لقد فهِمت كلّ شيء الآن...إنّ القناديل الصّغيرة مُجْتمِعةً هي الشّمس الّتي قصَدَها والِدي.
فقال الحكيم:
-نعم، لكن انظُري إلى هناك.
وأشار إلى النّافذة. كانت الشّمس قد بدأت تُشرق وتدخل أشعَّتها إلى القصْر. وصاحت الأميرة:
-شيء عجيب! هذا يحدُث لأوّل مرّة!
فقال الحكيم:
-نعم، هذا يحدُث لأوّل مرّة لأنّك هدَمت الأسْوار والأَبوْاب...هل نسِيت؟ لقد كانت تلك الأَسْوَار هي الّتي تحجُب أَشِعَّةَ الشّمس وتمنَع من دُخُول القصْر.
وبعد لحظة، ألْبَسَها الحكيم التَّاج الْمُزَنَّرَ بالْجَواهِر وقال لها:
-أَصبحت ملكة لأنّك نَفَّذت وصِيَّة والِدك واستطعت أ تحمِلي الشّمْس إلى القصر.
غَسّان كَنَفاني
(2)
وفجْأة قرّرت أن تَستدعِي قائد الحرس. كان قائد الحرس رجلا قوِيّا خَدَم في القصْر أكثرَ من عشر سنوات. وحين دخل إلى الغُرفة سألته عن الرّجل العجوز الّذي طرده الحُرّاس، وهل جاء إلى القصر قبل ذلك؟
فقال قائد الحَرَس:
-إنّ الرّجل العجوز يأتي كلّ مساء، إلاّ أنّ الحُرّاس يَمْنَعونه من الدُّخول لأنّهم يعتقدون أنّه رجل مَجنون.
قالت الأميرة:
-صِفْه لي!
فقال القائد:
-إنّه رجل فقير يَحْمِل قِنْدِيلا صَغِيرا دائما..."
قالت الأمِيرة: "إذا جاء الرّجل العجوز غدا فاسمَحوا له أن يدخل.
إلاّ أنّ الرّجل العجوز لم يأتِ في اليوم التّالي وعادت الأميرة إلى حزنها ويَأسها. وبينما كانت الأميرة في غرفتها تبكي، شاهَدت ورقة أخرى تحت الباب، فركضت إليها وفتحتها وقرأت فيها:
"الوقت ضيّق...الشّمْعة الكبيرة على وَشْك أن تذُوب. إنّ البُكاء والحزن لا يحُلاّن المَشاكل."
أحسّت الأميرة الصّغيرة بأنّها يجِب أن تفعَل شيئا وإلاّ قضَت حياتها في صُندوق مغلَق. وفجأة استدعت قائد الحرس وقالت له:
-أريد أن تحضِروا إلى القصر كلّ رجل في المَمْلكة يحمل قِنديلا صغيرا.
فقال قائد الحَرَس متعجِّبا:
-كلّ ذلك من أَجْل العَجوز الْمَجْنون؟
فقالت الأميرة:
-يجب أن أجرِّب ذلك العجوز فقد يكون الْحَلّ عنده.
وفي الصّباح الباكِر وَزَّع قائد الحَرَس كلّ الحُرّاس في جميع أرْجاء الْمَمْلكة وأمرهم أن ينتظِروا حتّى المساء، فإذا حلّ الظّلام فإنّ عليهم أن يُلْقوا القَبْض على كلّ رجُل يحمِل فانُوسا صَغِيرا وأن يُرْسِلوه فَوْرا إلى الْقَصْر.
وعند المساء جلست الأميرة أمام النّافذة تنظُر إلى الشّارع، وتنتظِر قُدُوم الرّجال الّذين يَحْمِلون الْقنادِيل الصّغِيرة. وفجأة شاهدت الأميرة مَنْظَرا عَجِيبا، ففي الأُفُق المُظِلم البعيد كان آلاف الرّجال يَحْمِلون الْقَنادِيل ويتقدَّمون نَحْوَ القَصْر من كافَّة النَّوَاحِي. وبعد قليل، وَصل الجميع إلى أبواب القصر الّتي كانت صغيرة ومُغْلَقة وازْدَحَموا أمامها.
وفي كلّ لَحْظة، كان الرِّجال حَمَلةُ القناديل يتكاثَرون دون أن يستطيعوا الدّخول بسبب الأبواب الصَّغِيرة، فطلَبت الأَمِيرة من الخَدَم أن يَهْدِموا الأسْوار العالِية، وأن يُوَسِّعُوا الأَبْواب كي يتيَسَّر للجميع الدُّخُولُ إلى باحَة القصر.
ونزلت الأميرة من غرفتها إلى باحة القصر وإلى جانبها قائد الحرس لِيَدُلَّها على الرّجل العجوز. وحين وصلت إلى الباحة، كان الضَّوْء يتوهَّج كأَنَّه الشَّمْس لكثرة الرِّجال والقناديل. وقال قائد الحَرَس:
-أيَّتها الأَميرة، لن أستطيع أن أتعرَّف على العجوز لأنّ الُوجوه جميعها هنا تتشابه.
وكانت الأميرة لا تستطيع أن تفتَح عينها جيّدا لكثرة الضَّوء. وقالت لقائد الحَرَس:
- لم أكن أتصوّر أنّه يوجد في مَمْلكتي كلّ هذه القناديل.
فقال قائد الحَرَس:
-إنّهم يخافون من اللُّصوص.
إلاّ أنّ الحكيم العجوز قال:
-كلاَّ...حين يهبِط الظَّلام يحمِل كلّ رجل قِنْديله الصَّغِير ليتعرَّف على طَريقه.
ونظر الحكيم العجوز إلى الأميرة وقال:
-هل تستطيعين أن تحمِلي كلّ هذه القناديل دَفْعة واحدة؟
قالت الأميرة:
-طبعا لا!
فقال الحكيم:
-وكذلك الشّمس...إنّها أكبر من أن يُمسكها رجل واحد أو امرأة واحدة.
قالت الأميرة:
لقد فهِمت كلّ شيء الآن...إنّ القناديل الصّغيرة مُجْتمِعةً هي الشّمس الّتي قصَدَها والِدي.
فقال الحكيم:
-نعم، لكن انظُري إلى هناك.
وأشار إلى النّافذة. كانت الشّمس قد بدأت تُشرق وتدخل أشعَّتها إلى القصْر. وصاحت الأميرة:
-شيء عجيب! هذا يحدُث لأوّل مرّة!
فقال الحكيم:
-نعم، هذا يحدُث لأوّل مرّة لأنّك هدَمت الأسْوار والأَبوْاب...هل نسِيت؟ لقد كانت تلك الأَسْوَار هي الّتي تحجُب أَشِعَّةَ الشّمس وتمنَع من دُخُول القصْر.
وبعد لحظة، ألْبَسَها الحكيم التَّاج الْمُزَنَّرَ بالْجَواهِر وقال لها:
-أَصبحت ملكة لأنّك نَفَّذت وصِيَّة والِدك واستطعت أ تحمِلي الشّمْس إلى القصر.
غَسّان كَنَفاني
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
عبد القادر- عضو مشارك
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 05/09/2010
العـــــمـــــر : 45
عـــدد المساهمـــات : 63
الـمــــــــــــزاج : مذبذب
مواضيع مماثلة
» قصّة فلسطينيّة
» عرق ناشف (قصّة حقيقيّة)
» قصّة و عبرة : الحصان و البئر
» قصّة و عبرة: اللهم ارزقنا من فضلك
» عرق ناشف (قصّة حقيقيّة)
» قصّة و عبرة : الحصان و البئر
» قصّة و عبرة: اللهم ارزقنا من فضلك
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 08 فبراير 2016, 19:32 من طرف أبو إلياس
» الله هو الغنيُّ المطلق والخلق فقراء محتاجون إليه
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:29 من طرف أبو إلياس
» صفة من صفات أهل الإسلام
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:27 من طرف أبو إلياس
» آداب الإنترنت: فنون المعاتبة .. ومعالجة الأخطاء
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:26 من طرف أبو إلياس
» مركز اللغات بجامعة المدينة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 18:35 من طرف أبو إلياس
» مجلة جامعة المدينة العالمية المحكمة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 00:34 من طرف Nassima Tlemcen
» aidez-moi vite svp
الثلاثاء 12 يناير 2016, 16:30 من طرف أبو إلياس
» حوليات وزارة التربية 2012 في العلوم الطبيعية
الجمعة 04 ديسمبر 2015, 13:04 من طرف lynda2013
» لمـــــــــــــــــــاذا تبـــــــكي النّســـــــــــــــــــاء
الأربعاء 18 نوفمبر 2015, 18:46 من طرف أبو إلياس