البعد الحضاري في السنة النبوية (الجزء 1)
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
البعد الحضاري في السنة النبوية (الجزء 1)
تقديم د: رفعت العوضي
أ.د. رفعت العوضي/
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
مرحبًا بأستاذنا الكبير الأستاذ الدكتور/ محمد عمارة ومرحبًا بكم في هذا اللقاء الذي نختم به موسمنا الثقافيّ لهذا العام، وكما تعرفون أن هذا الموسم تم تخصيصه لموضوع "السنة النبوية" وندعو الله -سبحانه وتعالى- أن نكون قد وُفِقنا خلال هذا العام أن نقدم شيئًا يشفع لنا عند سيدنا رسول الله وتنتفع به الأمة.
موضوع المحاضرة التي سيتفضل بإلقائها أستاذنا الدكتور/ محمد عمارة عن "البعد الحضاري في السنة النبوية" ولعلكم تلحظون أن هذا الموضوع هو ما نختم به هذا الموسم الثقافي.
لا أحب أن أتحدث عن الجانب الحضاري للإسلام وقضية الحضارة وحوار الحضارات بيننا وبين الغرب في حضور أستاذنا الدكتور محمد عمارة لكن أحببنا أن ننتهي بهذا الموضوع كخاتمة للقول في موضوع السنة النبوية في هذا العام.
لا أطيل عليكم وإنما أرحب بأستاذنا الدكتور محمد عمارة ولا أستطيع أن أقدم له فأنتم تعرفونه جميعًا فهو رجلٌ حمل هموم الدعوة وحمل هموم الأمة وواحد من كبار المفكرين في هذا العصر الذين يقودون الفكر الإسلامي.
واستسمحكم بأن أقول شيئًا بسيطًا عنه فهو ليس عالم فقط وإنما نحن في أمتنا دائمًا نفخر بالعالم العامل وأستاذنا الدكتور محمد عمارة هو من العلماء العاملين وهذه صفة يجب أن أذكرها في الذين لم يقفوا عند حد أن يكتبوا فقط وإنما هم خاضوا أمورًا كثيرة جدًا في مجال الفكر وفي مجال الدعوة ولازال.
فليتفضل أستاذنا الدكتور محمد عمارة في إلقاء محاضرته عن البعد الحضاري في السنة النبوية وأستسمحكم الوقت الذي يراه هو 45 دقيقة هو زمن المحاضرة وبعد المحاضرة نفتح الحوار لمدة نصف ساعة والوقت المتاح لأستاذنا كما يرى فليتفضل.
أ.د. محمد عمارة/
مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلاة وسلامًا على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحابته أجمعين. اسمحوا لي أبدأ الحديث معكم بطرفة حقيقية كان الشيخ محمد عبده -عليه رحمة الله- عندما يُلقي درس في تفسير القرآن في الجامع الأزهر فكان يقول أنه يذهب متوكلاً على الله ولكن ما يجعله يحسن القول أو يسيئه هو الجمهور فعندما ينظر للجمهور يوحي له بضر أو يجد الجمهور غير متجاوب فيجعله لا يحسن القول لكني أرى اليوم أن الجمهور -إن شاء الله- واعٍ ومدرك لأهمية الموضوع، وأنا لا أكتمكم السر أنا غير متخصص في علوم السنة، طبعًا السنة بالنسبة لي حاضرة في كل ما أكتب لكن من جانب التخصص الأكاديمي لست متخصصًا في هذا المجال ولكني إن شاء الله سأعتمد على الجمهور فيما يفتح به الله -سبحانه وتعالى- في هذا المقام.
تعريف السنة
سنقف أولاً كمنهج علمي عند المصطلحات فقبل أن نتحدث عن الموضوع لابد أن نحرر مضامين المصطلحات لأنه قد يتحدث العلماء عن أشياء ويكون في ذهنها شيء، والسامع في ذهنه شيء آخر، فالمصطلح مثل الإناء كل الناس تشرب فيه ولكن يُختلف فيما بداخله.
ما هو مفهوم المصطلح أو معنى المصطلح؟ هو الذي يختلف عليه وهو ما يسبب مشكلات كثيرة بالذات عند الحديث عن المصطلحات والمفاهيم التي لها نظائر في الحضارة الغربية، فعندما نتحدث عن السياسة فنجد لدينا مفهوم السياسة والغرب لديه مفهوم السياسة، حتى الدين لنا مفهوم للدين والغرب له مفهوم للدين، الإقطاع عندنا له مفهوم وعند الغرب له مفهوم وهذا ما جعلني ألفت ضمن ما ألفت كتابًا حول "معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام".
كلنا نعرف تعريف السنة أنها هي الطريقة فسنة رسول الله هي طريقة رسول الله، فيها قول، وفيها فعل، وفيها إقرار هذا هو التعريف الدقيق، السنة في جوهرها وفي معناها هي تطبيق رسول الله للقرآن الكريم مثلما كان الشيخ الغزالي -عليه رحمة الله- يتكلم عن من يسمون أنفسهم قرآنيين ويقول أنهم أغبياء فهم يتصورون أن الرسول بمثابة ساعي بريد وصّل رسالة دون أن يعيها، إنما القرآن نجد لدينا بلاغ قرآني وبيان نبوي للبلاغ القرآني، والسنة هي البيان النبوي للبلاغ القرآني فالله -سبحانه وتعالى- أنزل الكتاب وتعهد بحفظ الكتاب ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (سورة الحجر: 9) هذه مهمة الذات الإلهية أنزل الكتاب وتعهد بحفظه، ولكن إقامة الدين عُهدت هذه المهمة لنا حيث قال تعالى: ﴿أَقِيمُوا الدِّينَ﴾ (الشورى: 13) أي أن التطبيق أي السنة النبوية هذه هي مهمة رسول الله أنه حول هذا القرآن إلى بيان عمليّ في أرض الواقع، جسد البلاغ القرآني حياة مدنية وحضارة ولذلك فإن هذا هو بداية الخيط والبعد الحضاري للسنة النبوية هو التطبيق النبوي للبلاغ القرآني، ونرى ذلك عندما سُألت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله قالت: "كان خلقه القرآن" تحول القرآن إلى خلق إلى سجايا إلى طبيعة، وأحيانًا أضرب مثلاً بمن يقود السيارة فعندما يتدرب على القيادة تتحول القيادة لشيء بدهي فقد يشرد قليلاً ولكنه يظل قائدًا للسيارة ويتحكم فيها لأنه أصبحت جزء من طبيعة الإنسان أنه يمارسها حتى بدون تفكير فتحولت إلى طبيعة وإلى سجية، والرجل الذي يتحلى بحسن الخلق فهو يمارس الخلق دون أن يفكر في أن هذا الخلق سيؤدي به إلى الجنة أو سيبعده عن النار فأصبح جزء من طبيعته أنه لا يتصرف إلا بالسلوك الطيب فتحول القرآن إلى خلق لرسول الله هذا هو التطبيق النبوي والبيان العملي لرسول الله الذي وضعه للقرآن الكريم هذا هو معنى السنة النبوية.
فقد أُنزل القرآن لكنه لم يكن مجرد كتابٍ موجود بين دفتيه سور وآيات فهو ليس كتاب في الفلسفة وليس كتاب نظريات ولكنه تحول إلى واقع وإلى مدنية وإلى حضارة. وهذه الخصيصة لم تحدث إلا لرسول الله بين الأنبياء والمرسلين فكل الأنبياء والمرسلين لم يقم أحدهم بإنشاء دولة ومدينة وحضارة وتاريخ فكل هذا غير موجود حتى فكرة التاريخ -والتاريخ جزء من الحضارة وجزء من العلوم الحضارية- فعندما نتساءل أين يوجد سيدنا موسى عليه السلام؟ نحن نعرف أنه توفى بمصر في سيناء لكن أين قبره، وأين التاريخ الحقيقي؟ كل هذا غير موجود حتى أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام وكل الأماكن التي نسمع عنها كلها مجرد اجتهادات تقريبية ولكن الدين الوحيد الذي أصبح له تاريخ دقيق مكتوب موثق هو الشريعة الإسلامية والرسالة المحمدية رسالة رسول الله وبالطبع كل ذلك لحكمة إلهية، لماذا؟ لأن هذا هو الدين الخاتم، الدين الخالد، الدين الوارث لكل النبوات والرسالات السابقة ولذلك لابد أن يكون التوثيق فيه قائمًا.
ولكي يعيش الدين ويظل موجوداً كان لابد من وجود دولة لأن الدولة والخلافة تعريفاتها عند علمائنا أنها "نظام السلطة والسلطان الذي يحرس الدين ويساس بهذا الدين" فبدون الدولة من الممكن أن تكون أي دعوة من الدعوات، فعندما تجد شخص لديه أفكار جيدة ولا يجد من يحفظ هذه الأفكار ويطبقها تضيع الأفكار، ولو نرى عدد الأئمة الفقهاء الذين كان لهم مذاهب نجد أن عددهم كبير جدًا فلماذا الأئمة الأربعة هم الذين اشتهروا؟ لأن هناك من حفظ مذهبهم وتحول المذهب إلى كيان وإلى فرقة وجماعة إلى علماء إلى مؤسسة...الخ ولذلك نجد أن شخص مثل الليث بن سعد كان فقيهًا وكان أفقه من الإمام مالك لكن أصحابه لم ينهضوا به وبالتالي لم يتحول فقهه إلى مذهب كما تحول أبو حنيفة والشافعي والإمام أحمد والإمام مالك.
إذن الإسلام –لأنه الدين الخاتم، لأنه الدين العالمي، لأنه الدين الخالد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها- تحول إلى كيان حضاري وإلى مدنية وإلى ثقافة لأنه خطابه للقلب، فقمة إقامة النصرانية أن تكون راهبًا أي تعتزل الدنيا وتعيش في مغارة وجبل وأشياء من هذا القبيل، ولكن الإسلام دين لا يقام إلا في جماعة، لا يقام إلا في وطن، لا يقام إلا في نظام، لا يقام إلا في دولة. لماذا؟ لأنه جمع بين التكاليف الفردية وبين التكاليف الاجتماعية، فلدنيا مثلاً تكاليف فردية ولكن هناك أيضًا تكاليف اجتماعية فالزكاة مثلاً فريضة وركن من أركان الإسلام لا تقام الزكاة إلا إذا كان هناك من يعطي ومن يأخذ ومؤسسات وعاملين عليها ونظام ويكون هناك تنمية للزكاة... الخ، الجهاد لا يقام إلا في أمة وفي جماعة وفي قيادة وفي إمامة وفي دولة... الخ، حتى التكاليف الفردية في الإسلام إذا أديت في جماعة يكون ثوابها أكبر فالصلاة تكليف فردي لكن إذا أوديت في جماعة يكون ثوابها أكبر، والحج تكليف فردي ومع ذلك فإنه يؤدى في مهرجان في مؤتمر في موكب إذن الإسلام من خصائصه وهي جزء من الحضارة المدنية أقام حضارة منذ اللحظة الأولى لظهور الإسلام فالفترة المكية كانت فترة تأسيسية وقد امتدت ثلاثة عشر عامًا شملت إعادة صياغة الإنسان بالتربية وتحويل الإنسان من إنسان جاهلي إلى إنسان مسلم. عندما تكونت الجماعة وأعيدت صياغة الإنسان جاءت موضوع الدولة وتأسيس الدولة حتى أولوا العزم من الرسل غير رسول الله محمد لم يُقم أحد منهم دولة ولا نظام...الخ
أقسام السنة النبوية
نأتي لكي نستكمل تعريف كلمة ومصطلح السنة هناك نقطة هامة جدًا يغفل عنها كثير من الناس ذوي الثقافة الإسلامية وهي فكرة أقسام السنة النبوية فلكي نعرف السنة لابد أن نعرف أقسام السنة النبوية لأن هذا يسبب خلط لدى كثير من الناس وأريد أن أحيل إلى بعض المراجع التي تحدثت عنها:
فهناك سنة تشريعية، وسنة غير تشريعية. فهناك سنة متعلقة بالسياسة والسياسة من الفروع ومن المتغيرات إذن الأحاديث التي وردت في السياسة ليس بالضرورة أن تكون ملزمة للوقت الراهن.
السنة جزء منها دين فالسنة مفسرة وشارحة للقرآن المنزل من عند الله، وهناك سنة متعلقة بأمور متغيرة ليس بالضرورة أن تكون ثابتة أو دائمة فالدين تعريفه هو: "وضع إلهي ثابت"، إذن الدين لا يتغير بتغير الزمن والمكان، والشريعة الإسلامية أيضًا وضع إلهي لا يتغير لكن انظر مثلاً إلى الفقه الذي هو علم الفروع يتغير بتغير الزمان والمكان وباجتهادات الأئمة والمصالح والاحتياجات.
إذن هناك فارق بين ثبات الدين وبين تغير علوم الفروع، العلوم التي هي أصول وهي من أصول الدين الثابت التي هي أصول الإيمان وأركان الإسلام...الخ، ولكن الفقه الذي هو علم الفروع هو عبارة عن اجتهادات الفقهاء المحكومة بثوابت في الشريعة الإسلامية فهي ليست أي اجتهادات وليست قانون نابليون إنما لابد أن تكون محكومة بثبات الشريعة وبأصولها.
إذن السنة فيها أنواع وسأضرب بعض الأمثلة الواقعية لكي نقرب الموضوع إلى الذهن فالرسول كان يمارس أمورًا – نحن قلنا أن السنة هي القول والفعل والإقرار- وكانت له أفعال ليست دينًا بمعنى أنها ليست ملزمة للمسلمين على مر الزمان والمكان، مثلاً في الطعام كان يحب أشياء ولا يحب أشياء أخرى هل هذا دين؟ لا. فمثلاً عندما يقول الرسول: "خير اللحم ما جاور العظم" هل معقول أن نذهب جميعًا للجزار ونطلب ما هو بجانب العظم باعتبار أنه سنة؟ لا يمكن، كان هذا بحكم العادة والبيئة التي نشأ فيها ، هناك أشياء يألفها وأشياء لا يألفها فعندما مثلاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أهدت أم حفيد خالة ابن عباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم اقطا وسمنا وأضبا فأكل النبي صلى الله عليه وسلم من الأقط والسمن وترك الضب تقذرا قال ابن العباس فأكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولو كان حرامًا ما أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم. (صحيح النسائي).
وورد في حديث ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه الصحيح، وحديث أم سلمه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قدم له ضب فقالت أم سلمه: أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قدم له، فأخبروه فرفع يده صلى الله عليه وسلم، قالوا: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا. ولكن أجد نفسي تعافه. وفي لفظ: لا أجده في أرض قومي. فالضب لا يعيش في مكة ولا في جبال مكة، والرسول صلى الله عليه وسلم عافته نفسه؛ لأنه لا يوجد في أرض قومه، ولذلك قال أهل الطب: أنفع ما يأكله الإنسان لصحته ما ينبت في أرضه من النبات وما يعيش من الحيوانات في أرضه.
ونحن لم يحرم لدينا في الفقه الإسلامي لحم الخيل، ولكن ليس من طعام أهل مصر ولذا لن تجد نفس تهفو إليه، الكلاب عند كثير الفقهاء حلال وفي الفقه الإمام مالك كنا ندرس بيت شعر يقول:
وليس عند مالك يعاب أن تؤكل الحيات والكلاب
فالكلاب والحيات تؤكل ولكن هناك عادات في المجتمع وهي ليست دينًا فهناك من يأكلها وهناك من لا يأكلها لكنها ليست دينًا بحيث أننا نقول أن هذا حلال أو حرام.
الزي مثلاً الجزء الأكيد فيه ومن أسس الدين أنه يجب أن يستر العورة فهذا دين، إنما أن يكون عمامة أو أبيض أو غير أبيض أو بنطال كل هذا لا علاقة له بالدين وليس ثابتًا، فالبلدان الحارة يمكنها أن تتصرف بطريقة والبلاد الباردة تتصرف بطريقة أخرى ولذلك نجد أن الرسول في عاداته لبس أنواعًا كثيرة من الأزياء مثل الجبة الرومية والجبة الفارسية...الخ.
أ.د. رفعت العوضي/
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
مرحبًا بأستاذنا الكبير الأستاذ الدكتور/ محمد عمارة ومرحبًا بكم في هذا اللقاء الذي نختم به موسمنا الثقافيّ لهذا العام، وكما تعرفون أن هذا الموسم تم تخصيصه لموضوع "السنة النبوية" وندعو الله -سبحانه وتعالى- أن نكون قد وُفِقنا خلال هذا العام أن نقدم شيئًا يشفع لنا عند سيدنا رسول الله وتنتفع به الأمة.
موضوع المحاضرة التي سيتفضل بإلقائها أستاذنا الدكتور/ محمد عمارة عن "البعد الحضاري في السنة النبوية" ولعلكم تلحظون أن هذا الموضوع هو ما نختم به هذا الموسم الثقافي.
لا أحب أن أتحدث عن الجانب الحضاري للإسلام وقضية الحضارة وحوار الحضارات بيننا وبين الغرب في حضور أستاذنا الدكتور محمد عمارة لكن أحببنا أن ننتهي بهذا الموضوع كخاتمة للقول في موضوع السنة النبوية في هذا العام.
لا أطيل عليكم وإنما أرحب بأستاذنا الدكتور محمد عمارة ولا أستطيع أن أقدم له فأنتم تعرفونه جميعًا فهو رجلٌ حمل هموم الدعوة وحمل هموم الأمة وواحد من كبار المفكرين في هذا العصر الذين يقودون الفكر الإسلامي.
واستسمحكم بأن أقول شيئًا بسيطًا عنه فهو ليس عالم فقط وإنما نحن في أمتنا دائمًا نفخر بالعالم العامل وأستاذنا الدكتور محمد عمارة هو من العلماء العاملين وهذه صفة يجب أن أذكرها في الذين لم يقفوا عند حد أن يكتبوا فقط وإنما هم خاضوا أمورًا كثيرة جدًا في مجال الفكر وفي مجال الدعوة ولازال.
فليتفضل أستاذنا الدكتور محمد عمارة في إلقاء محاضرته عن البعد الحضاري في السنة النبوية وأستسمحكم الوقت الذي يراه هو 45 دقيقة هو زمن المحاضرة وبعد المحاضرة نفتح الحوار لمدة نصف ساعة والوقت المتاح لأستاذنا كما يرى فليتفضل.
أ.د. محمد عمارة/
مقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلاة وسلامًا على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحابته أجمعين. اسمحوا لي أبدأ الحديث معكم بطرفة حقيقية كان الشيخ محمد عبده -عليه رحمة الله- عندما يُلقي درس في تفسير القرآن في الجامع الأزهر فكان يقول أنه يذهب متوكلاً على الله ولكن ما يجعله يحسن القول أو يسيئه هو الجمهور فعندما ينظر للجمهور يوحي له بضر أو يجد الجمهور غير متجاوب فيجعله لا يحسن القول لكني أرى اليوم أن الجمهور -إن شاء الله- واعٍ ومدرك لأهمية الموضوع، وأنا لا أكتمكم السر أنا غير متخصص في علوم السنة، طبعًا السنة بالنسبة لي حاضرة في كل ما أكتب لكن من جانب التخصص الأكاديمي لست متخصصًا في هذا المجال ولكني إن شاء الله سأعتمد على الجمهور فيما يفتح به الله -سبحانه وتعالى- في هذا المقام.
تعريف السنة
سنقف أولاً كمنهج علمي عند المصطلحات فقبل أن نتحدث عن الموضوع لابد أن نحرر مضامين المصطلحات لأنه قد يتحدث العلماء عن أشياء ويكون في ذهنها شيء، والسامع في ذهنه شيء آخر، فالمصطلح مثل الإناء كل الناس تشرب فيه ولكن يُختلف فيما بداخله.
ما هو مفهوم المصطلح أو معنى المصطلح؟ هو الذي يختلف عليه وهو ما يسبب مشكلات كثيرة بالذات عند الحديث عن المصطلحات والمفاهيم التي لها نظائر في الحضارة الغربية، فعندما نتحدث عن السياسة فنجد لدينا مفهوم السياسة والغرب لديه مفهوم السياسة، حتى الدين لنا مفهوم للدين والغرب له مفهوم للدين، الإقطاع عندنا له مفهوم وعند الغرب له مفهوم وهذا ما جعلني ألفت ضمن ما ألفت كتابًا حول "معركة المصطلحات بين الغرب والإسلام".
كلنا نعرف تعريف السنة أنها هي الطريقة فسنة رسول الله هي طريقة رسول الله، فيها قول، وفيها فعل، وفيها إقرار هذا هو التعريف الدقيق، السنة في جوهرها وفي معناها هي تطبيق رسول الله للقرآن الكريم مثلما كان الشيخ الغزالي -عليه رحمة الله- يتكلم عن من يسمون أنفسهم قرآنيين ويقول أنهم أغبياء فهم يتصورون أن الرسول بمثابة ساعي بريد وصّل رسالة دون أن يعيها، إنما القرآن نجد لدينا بلاغ قرآني وبيان نبوي للبلاغ القرآني، والسنة هي البيان النبوي للبلاغ القرآني فالله -سبحانه وتعالى- أنزل الكتاب وتعهد بحفظ الكتاب ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ (سورة الحجر: 9) هذه مهمة الذات الإلهية أنزل الكتاب وتعهد بحفظه، ولكن إقامة الدين عُهدت هذه المهمة لنا حيث قال تعالى: ﴿أَقِيمُوا الدِّينَ﴾ (الشورى: 13) أي أن التطبيق أي السنة النبوية هذه هي مهمة رسول الله أنه حول هذا القرآن إلى بيان عمليّ في أرض الواقع، جسد البلاغ القرآني حياة مدنية وحضارة ولذلك فإن هذا هو بداية الخيط والبعد الحضاري للسنة النبوية هو التطبيق النبوي للبلاغ القرآني، ونرى ذلك عندما سُألت السيدة عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله قالت: "كان خلقه القرآن" تحول القرآن إلى خلق إلى سجايا إلى طبيعة، وأحيانًا أضرب مثلاً بمن يقود السيارة فعندما يتدرب على القيادة تتحول القيادة لشيء بدهي فقد يشرد قليلاً ولكنه يظل قائدًا للسيارة ويتحكم فيها لأنه أصبحت جزء من طبيعة الإنسان أنه يمارسها حتى بدون تفكير فتحولت إلى طبيعة وإلى سجية، والرجل الذي يتحلى بحسن الخلق فهو يمارس الخلق دون أن يفكر في أن هذا الخلق سيؤدي به إلى الجنة أو سيبعده عن النار فأصبح جزء من طبيعته أنه لا يتصرف إلا بالسلوك الطيب فتحول القرآن إلى خلق لرسول الله هذا هو التطبيق النبوي والبيان العملي لرسول الله الذي وضعه للقرآن الكريم هذا هو معنى السنة النبوية.
فقد أُنزل القرآن لكنه لم يكن مجرد كتابٍ موجود بين دفتيه سور وآيات فهو ليس كتاب في الفلسفة وليس كتاب نظريات ولكنه تحول إلى واقع وإلى مدنية وإلى حضارة. وهذه الخصيصة لم تحدث إلا لرسول الله بين الأنبياء والمرسلين فكل الأنبياء والمرسلين لم يقم أحدهم بإنشاء دولة ومدينة وحضارة وتاريخ فكل هذا غير موجود حتى فكرة التاريخ -والتاريخ جزء من الحضارة وجزء من العلوم الحضارية- فعندما نتساءل أين يوجد سيدنا موسى عليه السلام؟ نحن نعرف أنه توفى بمصر في سيناء لكن أين قبره، وأين التاريخ الحقيقي؟ كل هذا غير موجود حتى أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام وكل الأماكن التي نسمع عنها كلها مجرد اجتهادات تقريبية ولكن الدين الوحيد الذي أصبح له تاريخ دقيق مكتوب موثق هو الشريعة الإسلامية والرسالة المحمدية رسالة رسول الله وبالطبع كل ذلك لحكمة إلهية، لماذا؟ لأن هذا هو الدين الخاتم، الدين الخالد، الدين الوارث لكل النبوات والرسالات السابقة ولذلك لابد أن يكون التوثيق فيه قائمًا.
ولكي يعيش الدين ويظل موجوداً كان لابد من وجود دولة لأن الدولة والخلافة تعريفاتها عند علمائنا أنها "نظام السلطة والسلطان الذي يحرس الدين ويساس بهذا الدين" فبدون الدولة من الممكن أن تكون أي دعوة من الدعوات، فعندما تجد شخص لديه أفكار جيدة ولا يجد من يحفظ هذه الأفكار ويطبقها تضيع الأفكار، ولو نرى عدد الأئمة الفقهاء الذين كان لهم مذاهب نجد أن عددهم كبير جدًا فلماذا الأئمة الأربعة هم الذين اشتهروا؟ لأن هناك من حفظ مذهبهم وتحول المذهب إلى كيان وإلى فرقة وجماعة إلى علماء إلى مؤسسة...الخ ولذلك نجد أن شخص مثل الليث بن سعد كان فقيهًا وكان أفقه من الإمام مالك لكن أصحابه لم ينهضوا به وبالتالي لم يتحول فقهه إلى مذهب كما تحول أبو حنيفة والشافعي والإمام أحمد والإمام مالك.
إذن الإسلام –لأنه الدين الخاتم، لأنه الدين العالمي، لأنه الدين الخالد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها- تحول إلى كيان حضاري وإلى مدنية وإلى ثقافة لأنه خطابه للقلب، فقمة إقامة النصرانية أن تكون راهبًا أي تعتزل الدنيا وتعيش في مغارة وجبل وأشياء من هذا القبيل، ولكن الإسلام دين لا يقام إلا في جماعة، لا يقام إلا في وطن، لا يقام إلا في نظام، لا يقام إلا في دولة. لماذا؟ لأنه جمع بين التكاليف الفردية وبين التكاليف الاجتماعية، فلدنيا مثلاً تكاليف فردية ولكن هناك أيضًا تكاليف اجتماعية فالزكاة مثلاً فريضة وركن من أركان الإسلام لا تقام الزكاة إلا إذا كان هناك من يعطي ومن يأخذ ومؤسسات وعاملين عليها ونظام ويكون هناك تنمية للزكاة... الخ، الجهاد لا يقام إلا في أمة وفي جماعة وفي قيادة وفي إمامة وفي دولة... الخ، حتى التكاليف الفردية في الإسلام إذا أديت في جماعة يكون ثوابها أكبر فالصلاة تكليف فردي لكن إذا أوديت في جماعة يكون ثوابها أكبر، والحج تكليف فردي ومع ذلك فإنه يؤدى في مهرجان في مؤتمر في موكب إذن الإسلام من خصائصه وهي جزء من الحضارة المدنية أقام حضارة منذ اللحظة الأولى لظهور الإسلام فالفترة المكية كانت فترة تأسيسية وقد امتدت ثلاثة عشر عامًا شملت إعادة صياغة الإنسان بالتربية وتحويل الإنسان من إنسان جاهلي إلى إنسان مسلم. عندما تكونت الجماعة وأعيدت صياغة الإنسان جاءت موضوع الدولة وتأسيس الدولة حتى أولوا العزم من الرسل غير رسول الله محمد لم يُقم أحد منهم دولة ولا نظام...الخ
أقسام السنة النبوية
نأتي لكي نستكمل تعريف كلمة ومصطلح السنة هناك نقطة هامة جدًا يغفل عنها كثير من الناس ذوي الثقافة الإسلامية وهي فكرة أقسام السنة النبوية فلكي نعرف السنة لابد أن نعرف أقسام السنة النبوية لأن هذا يسبب خلط لدى كثير من الناس وأريد أن أحيل إلى بعض المراجع التي تحدثت عنها:
فهناك سنة تشريعية، وسنة غير تشريعية. فهناك سنة متعلقة بالسياسة والسياسة من الفروع ومن المتغيرات إذن الأحاديث التي وردت في السياسة ليس بالضرورة أن تكون ملزمة للوقت الراهن.
السنة جزء منها دين فالسنة مفسرة وشارحة للقرآن المنزل من عند الله، وهناك سنة متعلقة بأمور متغيرة ليس بالضرورة أن تكون ثابتة أو دائمة فالدين تعريفه هو: "وضع إلهي ثابت"، إذن الدين لا يتغير بتغير الزمن والمكان، والشريعة الإسلامية أيضًا وضع إلهي لا يتغير لكن انظر مثلاً إلى الفقه الذي هو علم الفروع يتغير بتغير الزمان والمكان وباجتهادات الأئمة والمصالح والاحتياجات.
إذن هناك فارق بين ثبات الدين وبين تغير علوم الفروع، العلوم التي هي أصول وهي من أصول الدين الثابت التي هي أصول الإيمان وأركان الإسلام...الخ، ولكن الفقه الذي هو علم الفروع هو عبارة عن اجتهادات الفقهاء المحكومة بثوابت في الشريعة الإسلامية فهي ليست أي اجتهادات وليست قانون نابليون إنما لابد أن تكون محكومة بثبات الشريعة وبأصولها.
إذن السنة فيها أنواع وسأضرب بعض الأمثلة الواقعية لكي نقرب الموضوع إلى الذهن فالرسول كان يمارس أمورًا – نحن قلنا أن السنة هي القول والفعل والإقرار- وكانت له أفعال ليست دينًا بمعنى أنها ليست ملزمة للمسلمين على مر الزمان والمكان، مثلاً في الطعام كان يحب أشياء ولا يحب أشياء أخرى هل هذا دين؟ لا. فمثلاً عندما يقول الرسول: "خير اللحم ما جاور العظم" هل معقول أن نذهب جميعًا للجزار ونطلب ما هو بجانب العظم باعتبار أنه سنة؟ لا يمكن، كان هذا بحكم العادة والبيئة التي نشأ فيها ، هناك أشياء يألفها وأشياء لا يألفها فعندما مثلاً عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أهدت أم حفيد خالة ابن عباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم اقطا وسمنا وأضبا فأكل النبي صلى الله عليه وسلم من الأقط والسمن وترك الضب تقذرا قال ابن العباس فأكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولو كان حرامًا ما أكل على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم. (صحيح النسائي).
وورد في حديث ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه الصحيح، وحديث أم سلمه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قدم له ضب فقالت أم سلمه: أخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قدم له، فأخبروه فرفع يده صلى الله عليه وسلم، قالوا: أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا. ولكن أجد نفسي تعافه. وفي لفظ: لا أجده في أرض قومي. فالضب لا يعيش في مكة ولا في جبال مكة، والرسول صلى الله عليه وسلم عافته نفسه؛ لأنه لا يوجد في أرض قومه، ولذلك قال أهل الطب: أنفع ما يأكله الإنسان لصحته ما ينبت في أرضه من النبات وما يعيش من الحيوانات في أرضه.
ونحن لم يحرم لدينا في الفقه الإسلامي لحم الخيل، ولكن ليس من طعام أهل مصر ولذا لن تجد نفس تهفو إليه، الكلاب عند كثير الفقهاء حلال وفي الفقه الإمام مالك كنا ندرس بيت شعر يقول:
وليس عند مالك يعاب أن تؤكل الحيات والكلاب
فالكلاب والحيات تؤكل ولكن هناك عادات في المجتمع وهي ليست دينًا فهناك من يأكلها وهناك من لا يأكلها لكنها ليست دينًا بحيث أننا نقول أن هذا حلال أو حرام.
الزي مثلاً الجزء الأكيد فيه ومن أسس الدين أنه يجب أن يستر العورة فهذا دين، إنما أن يكون عمامة أو أبيض أو غير أبيض أو بنطال كل هذا لا علاقة له بالدين وليس ثابتًا، فالبلدان الحارة يمكنها أن تتصرف بطريقة والبلاد الباردة تتصرف بطريقة أخرى ولذلك نجد أن الرسول في عاداته لبس أنواعًا كثيرة من الأزياء مثل الجبة الرومية والجبة الفارسية...الخ.
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
رد: البعد الحضاري في السنة النبوية (الجزء 1)
موضوع جد مفيد ، و أماط اللثام عن كثير من الأمور الخفية عنا في ديننا الحنيف
مواضيع مماثلة
» البعد الحضاري في السنة النبوية (الجزء 2)
» البعد الحضاري في السنة النبوية (الجزء 3)
» الشيعة وموقفهم من السنة _ الدفاع عن السنة النبوية _
» السيرة النبوية العطرة
» (مقتطفات من السيرة النبوية)
» البعد الحضاري في السنة النبوية (الجزء 3)
» الشيعة وموقفهم من السنة _ الدفاع عن السنة النبوية _
» السيرة النبوية العطرة
» (مقتطفات من السيرة النبوية)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 08 فبراير 2016, 19:32 من طرف أبو إلياس
» الله هو الغنيُّ المطلق والخلق فقراء محتاجون إليه
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:29 من طرف أبو إلياس
» صفة من صفات أهل الإسلام
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:27 من طرف أبو إلياس
» آداب الإنترنت: فنون المعاتبة .. ومعالجة الأخطاء
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:26 من طرف أبو إلياس
» مركز اللغات بجامعة المدينة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 18:35 من طرف أبو إلياس
» مجلة جامعة المدينة العالمية المحكمة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 00:34 من طرف Nassima Tlemcen
» aidez-moi vite svp
الثلاثاء 12 يناير 2016, 16:30 من طرف أبو إلياس
» حوليات وزارة التربية 2012 في العلوم الطبيعية
الجمعة 04 ديسمبر 2015, 13:04 من طرف lynda2013
» لمـــــــــــــــــــاذا تبـــــــكي النّســـــــــــــــــــاء
الأربعاء 18 نوفمبر 2015, 18:46 من طرف أبو إلياس