البعد الحضاري في السنة النبوية (الجزء 3)
2 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
البعد الحضاري في السنة النبوية (الجزء 3)
أ.د. جمال- كلية التربية- جامعة الأزهر/
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين. أستاذنا جزاك الله خير الجزاء فالإنسان يشعر بالأمل طالما في الأمة أمثال أستاذنا ونسأل الله –سبحانه وتعالى- أن يبارك لكم ويطيل عمركم حتى تكملوا مشروعكم إن شاء الله.
بالنسبة للبعد الحضاري في السنة النبوية فقد استوقفتني عبارة قالها أستاذنا وهي أن النظام السياسي في تاريخ الأمة الإسلامية كانت له انعكاسات إما سلبية أو إيجابية على حضارة الأمة سواء كان العلم الفقهي وعلم الكلام والعلم الشرعي أو سواء كان العلم الذي يتناول الجانب السياسي في حياة الأمة الإسلامية أي أنه من خلال الصراعات التي كانت موجودة بين الدولة الأموية والدولة العباسية كان لا يستطيع أحد أن يقترب مما تتناوله الآن إلا على استحياء. فالسؤال هنا هذه الانعكاسات نجدها في كثير من جوانب الفقه الإسلامي وخاصة في الجوانب التي تتعرض لقضايا المرأة المسلمة وبعض الأمور الفقهية كحد الردة الذي قرأنا بعض الكتابات عنه أنه أُلف في أوائل قيام الدولة العباسية لأغراض سياسية وكثير من الاجتهادات، ولذلك فإننا نسمع صيحات تقول بأننا لا يجوز أن نُقدس ما كتبه السلف ويجب علينا أن نراجعه وننقحه لأنه كُتب في عصره مصبوغًا بصبغة تاريخية وسياسية فهل هذه الدعوات التي تدعو إلى ذلك هل هي دعوات صحيحة وتحمل النية الصحيحة والصريحة لخدمة الإسلام والمسلمين؟ ونحن قرأنا لأستاذنا الشيخ محمد الغزالي -رحمة الله عليه- في اجتهاداته حول بعض الأحاديث النبوية وقرأنا لبعض الذين كتبوا مثل الدكتور أحمد صبحي منصور الذي له بعض علامات الاستفهام كتب عن حد الردة دراسة أصولية وغيره الكثير وإن كان الله أعلم بالنيات ولكن هل نحن فعلاً بحاجة إلى تنقيح هذا التراث الفقهي والتراث الفكري الحضاري الموجود في سنة النبي وسيرة النبي ؟.
أ.د. محمد عمارة/
نحن لدينا نوعان من التراث: القرآن والسنة وهو مقدس وبالتالي لا يمكن مراجعته ونحن نقول القرآن وصحيح السنة وبعض الناس يتحرج إلى تسميته بالتراث ولكننا لدينا في القرآن ﴿أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ﴾ فاستخدم القرآن مصطلح الميراث والتراث بالنسبة للقرآن. أما الفكر الإسلامي فهو اجتهادات المسلمين في إطار الإسلام وفي فهم الإسلام فعندما أقول الإسلام والفنون الجميلة أو الإسلام والسياسة فهذا قولي وفهمي للإسلام إذن الإسلام وضْع إلهي ثابت مقدس معصوم بينما فكر المسلمين ليس معصومًا ولكن هل معنى ذلك أن نترك هذا الفكر وهذا التراث؟ لا. لأن هناك أشخاص يريدون وضع فقه جديد فهناك شخص يُدعى "جمال البنا" يريد وضع فقه جديد وقد أقمت حوارًا معه على قناة أوربت لمدة ساعتين فسألته أنت تقول إننا ليس لدينا مجتهدين ومجددين فعندما نلغي ما لدينا ولا يوجد لدينا من يضع البديل من أين سنأتي بالفقه؟ ولكن هناك تجديد فهناك فرق بين إلغاء ما لدي وبين التجديد لأن الفقه والفكر يتناول الفروع وفهم الإنسان واجتهاداته وعقل الإنسان نسبيّ الإدراك وغير معصوم. إذن لابد من التمييز بين القرآن وصحيح السنة الذي هو مقدس وملزم، وبين الفكر استقي منه ما احتاج إليه لكن عندما يكون لدي اجتهادات أرى أن لها ظروف وواقع. فلماذا يتغير الفقه ويتطور؟ لأن القضايا المستجدة تحتاج إلى الاجتهاد فيها بفقه جديد فبالتالي الفروع، والاجتهادات، والفكر، والتراث بالمعنى البشري هذا ليس مُقدسًا وليس مُلزِمًا ولكن هذا لا يعني أن نهدره فأنا أسمع أحيانًا بعض الناس -ليس لهم فقه أو علم حقيقيّ- يتحدثون عن الفقه الإسلامي باستهانة شديدة وعندما أقرأ لشخص مثل السنهوري باشا -أبو القانون المدني- وما كتبه عن الفقه الإسلامي شيء يجعل الإنسان يعتز بهذا الفقه فأهل الصنعة يقدرون تراثنا دون تقديس فهناك فرق بين تقدير التراث وبين تقديس التراث بأن نستفيد من التراث ولدينا كنوز من التراث وحضارة استفادت الدنيا كلها منه وقد بُنيت الحضارة الأوربية على أساس هذا التراث ولذلك هناك فرق بين أن نقدر تراثنا وبين أن نقدس هذا التراث.
بالنسبة لموضوع الردة فقد حدث جدل كبير فيه وهناك اجتهادات كثيرة وقد كتبت في هذا كثيرًا فلا يوجد حد للردة في القرآن الكريم والحد الذي أقامه رسول الله كان على جريمة حرابة -جريمة مركبة- على أشخاص قاموا بسرقة إبل وقتلوا الغلمان ومثلوا بهم وكفروا، وإنما لو شخص بينه وبين نفسه ألحد أو شك وأشرك فالعلماء يعتبرون أن الإلحاد والردة مرض يعتل العقل مثل الجراثيم مرض يعتل الجسم فعندما تعتل الجراثيم الجسم لا يقتل الشخص المصاب بها وإنما ننصحه بالذهاب للطبيب، فإذا جاء لشخص شكوك في الدين ننصحه بالذهاب للعلماء مثلما الطب المادي يُعالج الجراثيم المادية والأمراض العضوية العلم يُعالج الجراثيم والأمراض العقلية والفكرية وهناك علماء قالوا بأن يتم استتابته ثلاثة أيام، وعلماء آخرين قالوا نستتيبه أكثر من شهر، وعلماء آخرين قالوا نستتيبه أبدًا أي نحاوره حتى يمت وإذا لم يقتنع -وهذا موجود لدى أهل السنة- فإذا شك شخص في إيمانه ننصحه بمناقشة العلماء وقراءة الكتب فإذا ظل طول حياته لم يقصر وبذل كل ما يستطيع فلم يقتنع أهل السنة يقولون هو من الناجين فما الذي يستطيع فعله ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ فقد بذل كل جهده فلم يقتنع وإذا هددته بالقتل سيتحول إلى منافق والإيمان تصديق قلبي يبلغ مرتبة اليقين ولا يتأتى بدون اقتناع وإنما قتل الناس وتخويفهم يوجد النفاق والنفاق أشد من الشرك والكفر.
ودائمًا أقول أن آية ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ ليست فقط نهي عن الإكراه في الدين وإنما نفي لإمكانية أن يكون هناك دين مع الإكراه فالإكراه يثمر نفاق، وهناك الكثير ممن كتبوا في حد الردة ومنهم الدكتور طه جابر العلواني، وكتابي "الغزو الفكري: وهم أم حقيقة" كتبت في هذا ومن أواخر ما كتبت دراسة عن "حقيقة الجهاد والقتال والإرهاب" تحدثت فيها عن الجزية.
وبالنسبة لموضوع حقوق غير المسلمين وأنا لدي سؤال حول موضوع الإسكندرية والبابا شنودة يريد أن ينشئ حزب ويخرج المسلمين من مصر ولذلك لم تحدث حوادث عنف وفتنة طائفية في مصر إلا عندما جاء البابا شنودة فهو جاء عام 1971م وبدأت الحوادث منذ 1972م وقد قلت هذا الكلام أمس في قناة BBC وأول أمس في الفضائية فما يحدث اليوم رد فعل للهيمنة الغربية ومحاولة الغرب لتفكيك المصري فهم يعملون على البهائيين والأقباط والنوبيين وعلى شهود يهوا وعلى الشيعة خمس فرق يريدون تفكيك المجتمع المصري بهم هذا هو السبب الذي يحدث تفجرات في المجتمع.
بالنسبة للموقف من غير المسلمين فأنصح بقراءة كتاب لي بعنوان "الإسلام والأقليات: الماضي والحاضر والمستقبل" به رأي الإسلام فيما يتعلق بموضوع الأقليات في مكتبة الشروق، وقد نشرت عهد رسول الله لنصارى نجران في كتاب بعنوان "الإسلام والآخر"، ولي كتاب ثالث "في المسألة القبطية: حقائق وأوهام" أناقش ما يقال من قبل الأقباط بخصوص الحقوق والكنائس وكل هذه الكتب تجدونها في مكتبة الشروق، والكتاب الأخير "حقيقة الجهاد والقتال والإرهاب" وبه حديث عن الجزية وعن الردة وكل هذه المسائل، وشيخنا الغزالي قد كتب في هذا الموضوع والشيخ يوسف القرضاوي والعديد من العلماء كتبوا. وقد وثقت الموضوع بمقولات للشيخ سيد سابق.
وبالنسبة لموضوع التنصير فهي حرب تشن على المسلمين –حرب حقيقية- ليس مجرد أن شخص يغير عقيدته فهو حر إنما ما نواجهه اليوم هو حرب معلنة على الإسلام والمسلمين وما يفعله زكريا بطرس على قناة الحياة حرب بتمويل من "شنودة" ومن الغرب وهناك كتاب صدر من يومين ردًا على زكريا بطرس وقد وضعت المقدمة الخاصة به وقد صدر في مكتبة النافذة بعنوان "الرد على افتراءات وأكاذيب زكريا بطرس: أجوبة على أسئلة...." فهو رجل مصري يعيش في كندا وقد أُخرِج لنا من تحت الأرض وأنا لا أعرفه ولكنه تناول الحلقات الخاصة بزكريا بطرس حلقة حلقة وكلمة كلمة بعلمٍ غزير وأدبٍ جم وصبرٍ شديد ورد عليه. كل ما أريد أن أقوله أننا لا نتركهم في كل هذه الأمور والسؤال هنا لماذا هم يستخدمون قوتهم؟ لأن الدولة ضعيفة وأمريكا قوية. ولكن هل كان يتصور أحد أن يأتي البابا شنودة ليقول أنه فوق القانون وقد ذكرت ذلك في قناة BBC فالأولاد في الكنيسة يهتفون بأن يحميهم شارون ولم ينهاهم أحد عن ذلك، وعدلي أبادير يخرج على الفضائيات بأنه سينشئ دارفور جديدة في مصر ولم ينهاه أحد، وبإذن الله المقاومة العراقية ستأتي بأنف أمريكا في التراب وستكون فاتحة لتحسن الأوضاع.
أ.د. رفعت العوضي/
بارك الله في أستاذنا الكبير، وقد أشرت إلى رفاعة الطهطاوي وغيره، ونحن لدينا في هذا المعهد مشروع طرق النهوض بالأمة ونتتبع من خلال هذا المشروع جميع هذه المدارس والأشخاص الذين حاولوا أن يقدموا شيء لهذه الأمة لنتعرف على ماذا فعلوا وما الذي يمكن أن نواصل المسيرة معه؟.
فيما يتعلق بالنقطة الأخيرة التي أشار لها أستاذنا أحب أن أشير إلى أنه لن تكون حادثة الإسكندرية آخر الحوادث وفي الفكر العالمي الآن مصطلح جديد اسمه "الدول المنتظرة" وهذا يعني أن أمريكا أعدت قائمة بالدول الإسلامية كلها بحيث أنها تحدد موقفها وما يجب فعله تجاه كل دولة والمشكلة أن هذا المصطلح موجود في الأدبيات السياسية العالمية ولا نظن أن ينتهي الأمر عندنا أو عند السودان وإنما يشمل كل الدول الإسلامية ولا نظن أنه مثلما أرسل جيش للعراق سيرسل جيش مماثل لمصر. وإنما سيكون له وسيلة أخرى للتعامل مع مصر فهذه العبارة دائمًا ما أكررها لتحذير هذه الأمة، فأمريكا وضعت دور لكل دولة ولكننا لا نعرف متى يأتي دور كل دولة وكيف؟، وهذه قضية لابد أن تكون معروفة وإذا لم نعرف هذا سنفاجئ بكل ما نراه حولنا سواء في مصر أو خارج مصر.
أ.د. محمد عمارة/
يسأل شخص عن نظرية ساعي البريد. فمن يطلقون على أنفسهم بالقرآنيين وأنهم ينكروا السنة النبوية نحن نعرف أن آفة كل شيء في الدنيا الغيوم فهناك أناس يأخذون كل ما في الكتب على أنه سنة –مثلما ذكرت سابقًا عن السنة التشريعية وغير التشريعية، وهناك من يريد إهدار السنة ونحن لا نريد ذلك، ولكننا نقول إن الله أوحى لنا بالقرآن والسنة النبوية هي البيان النبوي للبلاغ القرآني ولا يمكن أن يكون البيان مختلف عن القرآن والشرح لا يمكن أن يكون مختلف عن المتن وبالتالي من يهدر السنة النبوية مثلما قال الشيخ الغزالي –رحمه الله- أن الناس تتصور أن الرُسل سعاة بريد وأنهم يقومون بتوصيل الوحي فقط فهذا ليس صحيحًا وفيه امتهان لصور النبوات والرسالات. ولذلك لا يمكن أن تكون السنة حاكمة على القرآن. بالنسبة لموضوع النسخ فهو موضوع يحتاج إلى أن يعاد النظر فيه ولكنه موضوع آخر. وما أريد أن أقوله أن السنة النبوية ركيزة أساسية في الدين الإسلامي والفقه الإسلامي والثقافة الإسلامية بشرط أن يتم تحقيق السنة النبوية بمعنى أن لا يتم الاكتفاء بالرواية فلابد من الدراية وسأضرب مثلاً لإعمال العقل: في محاضرة من المحاضرات أثرت قضية أن كل الناس تروي أنه عندما توفي رسول الله وقالوا أن محمد ذهب إلى الرفيق الأعلى فسيدنا عمر أشهر سيفه وقال أن من سيقول أن محمدًا قد مات سأقطع رقبته فهو ذهب إلى موسى وسيعود ثانيةً؛ فمن الذي يملك العقل ويصدق أن هذا الكلام يصدر من سيدنا عمر لماذا؟ فسيدنا عمر كان الوزير الثاني وكان ملازمًا لسيدنا رسول الله مع أبو بكر وعايش رسول الله على فراش المرض لحظة بلحظة ولدينا في المرويات يقولون أن الرسول عندما غلبه الوجع فطلب ورقة حتى يكتب كتابًا فسيدنا عمر قال: إن رسول الله قد غلبه الوجع وعندنا كتاب الله.. إذن عمر عايش مرض رسول الله إلى أن كان قريبًا من النزع الأخير هل من الممكن لمثل عمر أن يصدم ويفاجئ بموت رسول الله فيشهر سيفه؟ فهذا كلام دُلس على عمر ويبين سيدنا عمر أنه لم يقرأ في القرآن ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾!، فعندما أعمل العقل أثناء قراءة هذه المرويات بصرف النظر عن راويها فالإمام أحمد بن حنبل وهو إمام أهل السلف كان يقول على أحد الرواة: كذاب يأتي بالمتون الواهية فينسبها للرواة العدول. فأنا من الممكن أكذب على الشيخ الغزالي وأنسب له ما لم يقله فأنت تصدق لثقتك في الشيخ الغزالي، إذن هناك من يأتي بأحاديث ضعيفة أو موضوعة وينسبها للرواة وهذا ما قاله أحمد بن حنبل إمام أهل السلف وأهل السنة إذن لا نكتفي في الحديث بالرواية، وعلماء الحديث ذكروا ذلك فهناك رواية وهناك دراية أي إعمال العقل في المتن وهذا ليس مهمة جمهور الناس وإنما هو مهمة العلماء إذن من يهدر السنة النبوية جاهل أو مغرض، ومن يأخذ كل المرويات دون أن تعرض على الدراية ودون أن ننظر ما إذا كان هناك مخالفة للقرآن أم لا فهذا غير جائز.
إذن التوسط وترك الغلو هو ما يجعلنا نُنقي السنة والشيخ الغزالي عندما وضع كتابه "السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث" وهوجم فكان الشيخ الغزالي يقول إن لدي كومة من القمح بها بعض الحصوات فإذا أخرجت هذه الحصوات فلن تضر بكومة القمح. ونحن لدينا في العلم والفقه الإسلامي حلول لهذه المسائل فنجد الفقهاء الأربعة نجد حديث أخذ به أحدهم ولم يأخذ به الآخر فنجد أن مالك قام بالتدقيق وأخرج الموطأ، والبخاري كان لديه ستمائة ألف حديث دقق فيهم إلى أن أخرج ثلاثة آلاف، الإمام أحمد جمع حوالي تسعة وعشرين ألفًا. إذن جمهور العلماء تفاوتوا في قبول أو في رفض الأحاديث؛ فحجية السنة النبوية لاشك فيها إنما أن يقوم العلماء بالاجتهاد والفرز والمقارنة شيء مطلوب، ولكن إهدار السنة جهل، والقبول بكل المرويات على علاتها دون تفريق بين الصحيح وغير الصحيح نوع من الجهل.
أ.د. رفعت العوضي/
لدينا سؤالين أحدهما عن السنة والآخر عن الأقليات وقد أشار أستاذنا إلى هذين الموضوعين. وهناك سؤال مكتوب للدكتور عمارة عن أن انتقال المعلومة من مكان إلى آخر يؤدي إلى الحصول على شهادات وهذا موجود في نظام التعليم لدينا وحديث سيادتكم عن المؤسسات وبنائها على العلم يدفعنا إلى السؤال عن فهم الناس لفكرة نقل المعلومة من شخص كبير إلى شخص أصغر منه يستطيع به أن ينتقل إلى المرحلة التالية وبالتالي تقوم المؤسسة ويقوم الترتيب. من وجهة نظر سيادتكم كيف تنتقل المعلومة من كتاب إلى امتحان كما هو مطروح في جميع مراحلنا التعليمية كيف ترى أن نجعل قيمة الإنسان في استخدامه للمعلومة وليس كم المعلومات الموجودة لديه والتي تكون لدينا آفة احتكار المعلومات؟.
أ.د. محمد عمارة/
هذه نقطة من النقاط التي لها علاقة بموضوع المحاضرة أحد قديسي النصرانية يدعى "أنسل" واستعان بكلامه الإمام محمد عبده في كتابه "الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية" حيث يقول: "عليك أن تؤمن بما يلقى إلى قلبك دون إعمال عقل، فإن الإيمان لا يحتاج إلى إعمال عقل" أما نحن في الإسلام عرفنا الله بالعقل قبل القرآن أو النبوة من خلال التأمل في المصنوع لنعرف الصانع، وطالما الصانع راعٍ لخلقه ولطيف بهم إذن لابد أن يرسل لهم كتاب ورسول أي أنه قبل الإيمان بالنبوة والإيمان بالكتاب لابد أن نؤمن بالله عن طريق العقل إذن مقام العقل في الإسلام مقام كبير -وهناك فرق ما بين العقل وما بين الهوى حيث إن هناك تيار إسلامي متحجر لا يميز بين العقل وبين الهوى- نحن لدينا في العلم الإسلامي ما يسمى بالشك المنهجي والمفسرين يتحدثون عن سيدنا إبراهيم ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ فهذا منهج في التفكير ولذلك أصبح في التراث الإسلامي ما يسمى بالشك المنهجي وهناك فرق بين الشك المنهجي والشك العبثي فالشك العبثي هو أن تشك في كل شيء أما الشك المنهجي في الأمور التي من المفروض أن تشك فيها فالجاحظ له كلام نفيس وقد نشرته يقول: "فتعلم الشك في المشكوك فيه تعلُما فإنه لم يكن يقينٌ إلا وقد سبقه شك" فعندما تفكر تضع فروض وتختبرها فتشك أولاً ثم تجرب وتتعقل وتصل إلى اليقين علمائنا قالوا ما هو أول واجب على الإنسان: قالوا: النظر والتفكر والتدبر فالإسلام له منهج في التعلم وليس أخذ المعلومة فقط وإنما إعمال العقل فكما قلنا أنه مثلما هناك رواية هناك دراية ولذلك في التعليم أو نقل المعلومات لابد أن يكون هناك تعديل لأشياء كثيرة لعل ذلك يكون قريب مما سألت عنه.
أ.د. رفعت العوضي/
نسأل الله تعالى أن يجزيكم خير الجزاء ونسعد أن نختم موسمنا الثقافي عن سيدنا رسول الله بهذه المحاضرة وأنا أشهدكم أن الموسم القادم سيكون حول القرآن ونحن نعتذر لأنه كان من المفترض أن نبدأ بالقرآن ثم السنة ولكن هناك ظروف حالت دون ذلك ومن المتوقع أن تكون المحاضرة الأولى في الموسم القادم للأستاذ الدكتور علي جمعة -مفتي الجمهورية- وهو وافق مبدئيًا ونحاول الترتيب معه وستكون المحاضرة الأولى في شهر أكتوبر وشكرًا كثيرًا لأستاذنا. وندعو الله سبحانه وتعالى أن يجزيك خير الجزاء وأن يجعلك ذخرًا لأمتك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين. أستاذنا جزاك الله خير الجزاء فالإنسان يشعر بالأمل طالما في الأمة أمثال أستاذنا ونسأل الله –سبحانه وتعالى- أن يبارك لكم ويطيل عمركم حتى تكملوا مشروعكم إن شاء الله.
بالنسبة للبعد الحضاري في السنة النبوية فقد استوقفتني عبارة قالها أستاذنا وهي أن النظام السياسي في تاريخ الأمة الإسلامية كانت له انعكاسات إما سلبية أو إيجابية على حضارة الأمة سواء كان العلم الفقهي وعلم الكلام والعلم الشرعي أو سواء كان العلم الذي يتناول الجانب السياسي في حياة الأمة الإسلامية أي أنه من خلال الصراعات التي كانت موجودة بين الدولة الأموية والدولة العباسية كان لا يستطيع أحد أن يقترب مما تتناوله الآن إلا على استحياء. فالسؤال هنا هذه الانعكاسات نجدها في كثير من جوانب الفقه الإسلامي وخاصة في الجوانب التي تتعرض لقضايا المرأة المسلمة وبعض الأمور الفقهية كحد الردة الذي قرأنا بعض الكتابات عنه أنه أُلف في أوائل قيام الدولة العباسية لأغراض سياسية وكثير من الاجتهادات، ولذلك فإننا نسمع صيحات تقول بأننا لا يجوز أن نُقدس ما كتبه السلف ويجب علينا أن نراجعه وننقحه لأنه كُتب في عصره مصبوغًا بصبغة تاريخية وسياسية فهل هذه الدعوات التي تدعو إلى ذلك هل هي دعوات صحيحة وتحمل النية الصحيحة والصريحة لخدمة الإسلام والمسلمين؟ ونحن قرأنا لأستاذنا الشيخ محمد الغزالي -رحمة الله عليه- في اجتهاداته حول بعض الأحاديث النبوية وقرأنا لبعض الذين كتبوا مثل الدكتور أحمد صبحي منصور الذي له بعض علامات الاستفهام كتب عن حد الردة دراسة أصولية وغيره الكثير وإن كان الله أعلم بالنيات ولكن هل نحن فعلاً بحاجة إلى تنقيح هذا التراث الفقهي والتراث الفكري الحضاري الموجود في سنة النبي وسيرة النبي ؟.
أ.د. محمد عمارة/
نحن لدينا نوعان من التراث: القرآن والسنة وهو مقدس وبالتالي لا يمكن مراجعته ونحن نقول القرآن وصحيح السنة وبعض الناس يتحرج إلى تسميته بالتراث ولكننا لدينا في القرآن ﴿أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ﴾ فاستخدم القرآن مصطلح الميراث والتراث بالنسبة للقرآن. أما الفكر الإسلامي فهو اجتهادات المسلمين في إطار الإسلام وفي فهم الإسلام فعندما أقول الإسلام والفنون الجميلة أو الإسلام والسياسة فهذا قولي وفهمي للإسلام إذن الإسلام وضْع إلهي ثابت مقدس معصوم بينما فكر المسلمين ليس معصومًا ولكن هل معنى ذلك أن نترك هذا الفكر وهذا التراث؟ لا. لأن هناك أشخاص يريدون وضع فقه جديد فهناك شخص يُدعى "جمال البنا" يريد وضع فقه جديد وقد أقمت حوارًا معه على قناة أوربت لمدة ساعتين فسألته أنت تقول إننا ليس لدينا مجتهدين ومجددين فعندما نلغي ما لدينا ولا يوجد لدينا من يضع البديل من أين سنأتي بالفقه؟ ولكن هناك تجديد فهناك فرق بين إلغاء ما لدي وبين التجديد لأن الفقه والفكر يتناول الفروع وفهم الإنسان واجتهاداته وعقل الإنسان نسبيّ الإدراك وغير معصوم. إذن لابد من التمييز بين القرآن وصحيح السنة الذي هو مقدس وملزم، وبين الفكر استقي منه ما احتاج إليه لكن عندما يكون لدي اجتهادات أرى أن لها ظروف وواقع. فلماذا يتغير الفقه ويتطور؟ لأن القضايا المستجدة تحتاج إلى الاجتهاد فيها بفقه جديد فبالتالي الفروع، والاجتهادات، والفكر، والتراث بالمعنى البشري هذا ليس مُقدسًا وليس مُلزِمًا ولكن هذا لا يعني أن نهدره فأنا أسمع أحيانًا بعض الناس -ليس لهم فقه أو علم حقيقيّ- يتحدثون عن الفقه الإسلامي باستهانة شديدة وعندما أقرأ لشخص مثل السنهوري باشا -أبو القانون المدني- وما كتبه عن الفقه الإسلامي شيء يجعل الإنسان يعتز بهذا الفقه فأهل الصنعة يقدرون تراثنا دون تقديس فهناك فرق بين تقدير التراث وبين تقديس التراث بأن نستفيد من التراث ولدينا كنوز من التراث وحضارة استفادت الدنيا كلها منه وقد بُنيت الحضارة الأوربية على أساس هذا التراث ولذلك هناك فرق بين أن نقدر تراثنا وبين أن نقدس هذا التراث.
بالنسبة لموضوع الردة فقد حدث جدل كبير فيه وهناك اجتهادات كثيرة وقد كتبت في هذا كثيرًا فلا يوجد حد للردة في القرآن الكريم والحد الذي أقامه رسول الله كان على جريمة حرابة -جريمة مركبة- على أشخاص قاموا بسرقة إبل وقتلوا الغلمان ومثلوا بهم وكفروا، وإنما لو شخص بينه وبين نفسه ألحد أو شك وأشرك فالعلماء يعتبرون أن الإلحاد والردة مرض يعتل العقل مثل الجراثيم مرض يعتل الجسم فعندما تعتل الجراثيم الجسم لا يقتل الشخص المصاب بها وإنما ننصحه بالذهاب للطبيب، فإذا جاء لشخص شكوك في الدين ننصحه بالذهاب للعلماء مثلما الطب المادي يُعالج الجراثيم المادية والأمراض العضوية العلم يُعالج الجراثيم والأمراض العقلية والفكرية وهناك علماء قالوا بأن يتم استتابته ثلاثة أيام، وعلماء آخرين قالوا نستتيبه أكثر من شهر، وعلماء آخرين قالوا نستتيبه أبدًا أي نحاوره حتى يمت وإذا لم يقتنع -وهذا موجود لدى أهل السنة- فإذا شك شخص في إيمانه ننصحه بمناقشة العلماء وقراءة الكتب فإذا ظل طول حياته لم يقصر وبذل كل ما يستطيع فلم يقتنع أهل السنة يقولون هو من الناجين فما الذي يستطيع فعله ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ فقد بذل كل جهده فلم يقتنع وإذا هددته بالقتل سيتحول إلى منافق والإيمان تصديق قلبي يبلغ مرتبة اليقين ولا يتأتى بدون اقتناع وإنما قتل الناس وتخويفهم يوجد النفاق والنفاق أشد من الشرك والكفر.
ودائمًا أقول أن آية ﴿لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾ ليست فقط نهي عن الإكراه في الدين وإنما نفي لإمكانية أن يكون هناك دين مع الإكراه فالإكراه يثمر نفاق، وهناك الكثير ممن كتبوا في حد الردة ومنهم الدكتور طه جابر العلواني، وكتابي "الغزو الفكري: وهم أم حقيقة" كتبت في هذا ومن أواخر ما كتبت دراسة عن "حقيقة الجهاد والقتال والإرهاب" تحدثت فيها عن الجزية.
وبالنسبة لموضوع حقوق غير المسلمين وأنا لدي سؤال حول موضوع الإسكندرية والبابا شنودة يريد أن ينشئ حزب ويخرج المسلمين من مصر ولذلك لم تحدث حوادث عنف وفتنة طائفية في مصر إلا عندما جاء البابا شنودة فهو جاء عام 1971م وبدأت الحوادث منذ 1972م وقد قلت هذا الكلام أمس في قناة BBC وأول أمس في الفضائية فما يحدث اليوم رد فعل للهيمنة الغربية ومحاولة الغرب لتفكيك المصري فهم يعملون على البهائيين والأقباط والنوبيين وعلى شهود يهوا وعلى الشيعة خمس فرق يريدون تفكيك المجتمع المصري بهم هذا هو السبب الذي يحدث تفجرات في المجتمع.
بالنسبة للموقف من غير المسلمين فأنصح بقراءة كتاب لي بعنوان "الإسلام والأقليات: الماضي والحاضر والمستقبل" به رأي الإسلام فيما يتعلق بموضوع الأقليات في مكتبة الشروق، وقد نشرت عهد رسول الله لنصارى نجران في كتاب بعنوان "الإسلام والآخر"، ولي كتاب ثالث "في المسألة القبطية: حقائق وأوهام" أناقش ما يقال من قبل الأقباط بخصوص الحقوق والكنائس وكل هذه الكتب تجدونها في مكتبة الشروق، والكتاب الأخير "حقيقة الجهاد والقتال والإرهاب" وبه حديث عن الجزية وعن الردة وكل هذه المسائل، وشيخنا الغزالي قد كتب في هذا الموضوع والشيخ يوسف القرضاوي والعديد من العلماء كتبوا. وقد وثقت الموضوع بمقولات للشيخ سيد سابق.
وبالنسبة لموضوع التنصير فهي حرب تشن على المسلمين –حرب حقيقية- ليس مجرد أن شخص يغير عقيدته فهو حر إنما ما نواجهه اليوم هو حرب معلنة على الإسلام والمسلمين وما يفعله زكريا بطرس على قناة الحياة حرب بتمويل من "شنودة" ومن الغرب وهناك كتاب صدر من يومين ردًا على زكريا بطرس وقد وضعت المقدمة الخاصة به وقد صدر في مكتبة النافذة بعنوان "الرد على افتراءات وأكاذيب زكريا بطرس: أجوبة على أسئلة...." فهو رجل مصري يعيش في كندا وقد أُخرِج لنا من تحت الأرض وأنا لا أعرفه ولكنه تناول الحلقات الخاصة بزكريا بطرس حلقة حلقة وكلمة كلمة بعلمٍ غزير وأدبٍ جم وصبرٍ شديد ورد عليه. كل ما أريد أن أقوله أننا لا نتركهم في كل هذه الأمور والسؤال هنا لماذا هم يستخدمون قوتهم؟ لأن الدولة ضعيفة وأمريكا قوية. ولكن هل كان يتصور أحد أن يأتي البابا شنودة ليقول أنه فوق القانون وقد ذكرت ذلك في قناة BBC فالأولاد في الكنيسة يهتفون بأن يحميهم شارون ولم ينهاهم أحد عن ذلك، وعدلي أبادير يخرج على الفضائيات بأنه سينشئ دارفور جديدة في مصر ولم ينهاه أحد، وبإذن الله المقاومة العراقية ستأتي بأنف أمريكا في التراب وستكون فاتحة لتحسن الأوضاع.
أ.د. رفعت العوضي/
بارك الله في أستاذنا الكبير، وقد أشرت إلى رفاعة الطهطاوي وغيره، ونحن لدينا في هذا المعهد مشروع طرق النهوض بالأمة ونتتبع من خلال هذا المشروع جميع هذه المدارس والأشخاص الذين حاولوا أن يقدموا شيء لهذه الأمة لنتعرف على ماذا فعلوا وما الذي يمكن أن نواصل المسيرة معه؟.
فيما يتعلق بالنقطة الأخيرة التي أشار لها أستاذنا أحب أن أشير إلى أنه لن تكون حادثة الإسكندرية آخر الحوادث وفي الفكر العالمي الآن مصطلح جديد اسمه "الدول المنتظرة" وهذا يعني أن أمريكا أعدت قائمة بالدول الإسلامية كلها بحيث أنها تحدد موقفها وما يجب فعله تجاه كل دولة والمشكلة أن هذا المصطلح موجود في الأدبيات السياسية العالمية ولا نظن أن ينتهي الأمر عندنا أو عند السودان وإنما يشمل كل الدول الإسلامية ولا نظن أنه مثلما أرسل جيش للعراق سيرسل جيش مماثل لمصر. وإنما سيكون له وسيلة أخرى للتعامل مع مصر فهذه العبارة دائمًا ما أكررها لتحذير هذه الأمة، فأمريكا وضعت دور لكل دولة ولكننا لا نعرف متى يأتي دور كل دولة وكيف؟، وهذه قضية لابد أن تكون معروفة وإذا لم نعرف هذا سنفاجئ بكل ما نراه حولنا سواء في مصر أو خارج مصر.
أ.د. محمد عمارة/
يسأل شخص عن نظرية ساعي البريد. فمن يطلقون على أنفسهم بالقرآنيين وأنهم ينكروا السنة النبوية نحن نعرف أن آفة كل شيء في الدنيا الغيوم فهناك أناس يأخذون كل ما في الكتب على أنه سنة –مثلما ذكرت سابقًا عن السنة التشريعية وغير التشريعية، وهناك من يريد إهدار السنة ونحن لا نريد ذلك، ولكننا نقول إن الله أوحى لنا بالقرآن والسنة النبوية هي البيان النبوي للبلاغ القرآني ولا يمكن أن يكون البيان مختلف عن القرآن والشرح لا يمكن أن يكون مختلف عن المتن وبالتالي من يهدر السنة النبوية مثلما قال الشيخ الغزالي –رحمه الله- أن الناس تتصور أن الرُسل سعاة بريد وأنهم يقومون بتوصيل الوحي فقط فهذا ليس صحيحًا وفيه امتهان لصور النبوات والرسالات. ولذلك لا يمكن أن تكون السنة حاكمة على القرآن. بالنسبة لموضوع النسخ فهو موضوع يحتاج إلى أن يعاد النظر فيه ولكنه موضوع آخر. وما أريد أن أقوله أن السنة النبوية ركيزة أساسية في الدين الإسلامي والفقه الإسلامي والثقافة الإسلامية بشرط أن يتم تحقيق السنة النبوية بمعنى أن لا يتم الاكتفاء بالرواية فلابد من الدراية وسأضرب مثلاً لإعمال العقل: في محاضرة من المحاضرات أثرت قضية أن كل الناس تروي أنه عندما توفي رسول الله وقالوا أن محمد ذهب إلى الرفيق الأعلى فسيدنا عمر أشهر سيفه وقال أن من سيقول أن محمدًا قد مات سأقطع رقبته فهو ذهب إلى موسى وسيعود ثانيةً؛ فمن الذي يملك العقل ويصدق أن هذا الكلام يصدر من سيدنا عمر لماذا؟ فسيدنا عمر كان الوزير الثاني وكان ملازمًا لسيدنا رسول الله مع أبو بكر وعايش رسول الله على فراش المرض لحظة بلحظة ولدينا في المرويات يقولون أن الرسول عندما غلبه الوجع فطلب ورقة حتى يكتب كتابًا فسيدنا عمر قال: إن رسول الله قد غلبه الوجع وعندنا كتاب الله.. إذن عمر عايش مرض رسول الله إلى أن كان قريبًا من النزع الأخير هل من الممكن لمثل عمر أن يصدم ويفاجئ بموت رسول الله فيشهر سيفه؟ فهذا كلام دُلس على عمر ويبين سيدنا عمر أنه لم يقرأ في القرآن ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ﴾!، فعندما أعمل العقل أثناء قراءة هذه المرويات بصرف النظر عن راويها فالإمام أحمد بن حنبل وهو إمام أهل السلف كان يقول على أحد الرواة: كذاب يأتي بالمتون الواهية فينسبها للرواة العدول. فأنا من الممكن أكذب على الشيخ الغزالي وأنسب له ما لم يقله فأنت تصدق لثقتك في الشيخ الغزالي، إذن هناك من يأتي بأحاديث ضعيفة أو موضوعة وينسبها للرواة وهذا ما قاله أحمد بن حنبل إمام أهل السلف وأهل السنة إذن لا نكتفي في الحديث بالرواية، وعلماء الحديث ذكروا ذلك فهناك رواية وهناك دراية أي إعمال العقل في المتن وهذا ليس مهمة جمهور الناس وإنما هو مهمة العلماء إذن من يهدر السنة النبوية جاهل أو مغرض، ومن يأخذ كل المرويات دون أن تعرض على الدراية ودون أن ننظر ما إذا كان هناك مخالفة للقرآن أم لا فهذا غير جائز.
إذن التوسط وترك الغلو هو ما يجعلنا نُنقي السنة والشيخ الغزالي عندما وضع كتابه "السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث" وهوجم فكان الشيخ الغزالي يقول إن لدي كومة من القمح بها بعض الحصوات فإذا أخرجت هذه الحصوات فلن تضر بكومة القمح. ونحن لدينا في العلم والفقه الإسلامي حلول لهذه المسائل فنجد الفقهاء الأربعة نجد حديث أخذ به أحدهم ولم يأخذ به الآخر فنجد أن مالك قام بالتدقيق وأخرج الموطأ، والبخاري كان لديه ستمائة ألف حديث دقق فيهم إلى أن أخرج ثلاثة آلاف، الإمام أحمد جمع حوالي تسعة وعشرين ألفًا. إذن جمهور العلماء تفاوتوا في قبول أو في رفض الأحاديث؛ فحجية السنة النبوية لاشك فيها إنما أن يقوم العلماء بالاجتهاد والفرز والمقارنة شيء مطلوب، ولكن إهدار السنة جهل، والقبول بكل المرويات على علاتها دون تفريق بين الصحيح وغير الصحيح نوع من الجهل.
أ.د. رفعت العوضي/
لدينا سؤالين أحدهما عن السنة والآخر عن الأقليات وقد أشار أستاذنا إلى هذين الموضوعين. وهناك سؤال مكتوب للدكتور عمارة عن أن انتقال المعلومة من مكان إلى آخر يؤدي إلى الحصول على شهادات وهذا موجود في نظام التعليم لدينا وحديث سيادتكم عن المؤسسات وبنائها على العلم يدفعنا إلى السؤال عن فهم الناس لفكرة نقل المعلومة من شخص كبير إلى شخص أصغر منه يستطيع به أن ينتقل إلى المرحلة التالية وبالتالي تقوم المؤسسة ويقوم الترتيب. من وجهة نظر سيادتكم كيف تنتقل المعلومة من كتاب إلى امتحان كما هو مطروح في جميع مراحلنا التعليمية كيف ترى أن نجعل قيمة الإنسان في استخدامه للمعلومة وليس كم المعلومات الموجودة لديه والتي تكون لدينا آفة احتكار المعلومات؟.
أ.د. محمد عمارة/
هذه نقطة من النقاط التي لها علاقة بموضوع المحاضرة أحد قديسي النصرانية يدعى "أنسل" واستعان بكلامه الإمام محمد عبده في كتابه "الإسلام والنصرانية مع العلم والمدنية" حيث يقول: "عليك أن تؤمن بما يلقى إلى قلبك دون إعمال عقل، فإن الإيمان لا يحتاج إلى إعمال عقل" أما نحن في الإسلام عرفنا الله بالعقل قبل القرآن أو النبوة من خلال التأمل في المصنوع لنعرف الصانع، وطالما الصانع راعٍ لخلقه ولطيف بهم إذن لابد أن يرسل لهم كتاب ورسول أي أنه قبل الإيمان بالنبوة والإيمان بالكتاب لابد أن نؤمن بالله عن طريق العقل إذن مقام العقل في الإسلام مقام كبير -وهناك فرق ما بين العقل وما بين الهوى حيث إن هناك تيار إسلامي متحجر لا يميز بين العقل وبين الهوى- نحن لدينا في العلم الإسلامي ما يسمى بالشك المنهجي والمفسرين يتحدثون عن سيدنا إبراهيم ﴿رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ فهذا منهج في التفكير ولذلك أصبح في التراث الإسلامي ما يسمى بالشك المنهجي وهناك فرق بين الشك المنهجي والشك العبثي فالشك العبثي هو أن تشك في كل شيء أما الشك المنهجي في الأمور التي من المفروض أن تشك فيها فالجاحظ له كلام نفيس وقد نشرته يقول: "فتعلم الشك في المشكوك فيه تعلُما فإنه لم يكن يقينٌ إلا وقد سبقه شك" فعندما تفكر تضع فروض وتختبرها فتشك أولاً ثم تجرب وتتعقل وتصل إلى اليقين علمائنا قالوا ما هو أول واجب على الإنسان: قالوا: النظر والتفكر والتدبر فالإسلام له منهج في التعلم وليس أخذ المعلومة فقط وإنما إعمال العقل فكما قلنا أنه مثلما هناك رواية هناك دراية ولذلك في التعليم أو نقل المعلومات لابد أن يكون هناك تعديل لأشياء كثيرة لعل ذلك يكون قريب مما سألت عنه.
أ.د. رفعت العوضي/
نسأل الله تعالى أن يجزيكم خير الجزاء ونسعد أن نختم موسمنا الثقافي عن سيدنا رسول الله بهذه المحاضرة وأنا أشهدكم أن الموسم القادم سيكون حول القرآن ونحن نعتذر لأنه كان من المفترض أن نبدأ بالقرآن ثم السنة ولكن هناك ظروف حالت دون ذلك ومن المتوقع أن تكون المحاضرة الأولى في الموسم القادم للأستاذ الدكتور علي جمعة -مفتي الجمهورية- وهو وافق مبدئيًا ونحاول الترتيب معه وستكون المحاضرة الأولى في شهر أكتوبر وشكرًا كثيرًا لأستاذنا. وندعو الله سبحانه وتعالى أن يجزيك خير الجزاء وأن يجعلك ذخرًا لأمتك. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نجمة سيّدأحمد- عضو مميز
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 04/12/2010
العـــــمـــــر : 56
عـــدد المساهمـــات : 695
الـمــــــــــــزاج : حادّ
رد: البعد الحضاري في السنة النبوية (الجزء 3)
شكرا على الافادة بهذه الاراء النيرة لدكاترة في الاختصاص
فيض الخاطر- عضو مشارك
- الجـــنـــس :
تاريخ التسجيل : 02/04/2011
العـــــمـــــر : 31
عـــدد المساهمـــات : 87
الـمــــــــــــزاج : مريح
مواضيع مماثلة
» البعد الحضاري في السنة النبوية (الجزء 1)
» البعد الحضاري في السنة النبوية (الجزء 2)
» الشيعة وموقفهم من السنة _ الدفاع عن السنة النبوية _
» السيرة النبوية العطرة
» (مقتطفات من السيرة النبوية)
» البعد الحضاري في السنة النبوية (الجزء 2)
» الشيعة وموقفهم من السنة _ الدفاع عن السنة النبوية _
» السيرة النبوية العطرة
» (مقتطفات من السيرة النبوية)
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الإثنين 08 فبراير 2016, 19:32 من طرف أبو إلياس
» الله هو الغنيُّ المطلق والخلق فقراء محتاجون إليه
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:29 من طرف أبو إلياس
» صفة من صفات أهل الإسلام
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:27 من طرف أبو إلياس
» آداب الإنترنت: فنون المعاتبة .. ومعالجة الأخطاء
الإثنين 08 فبراير 2016, 18:26 من طرف أبو إلياس
» مركز اللغات بجامعة المدينة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 18:35 من طرف أبو إلياس
» مجلة جامعة المدينة العالمية المحكمة
الثلاثاء 19 يناير 2016, 00:34 من طرف Nassima Tlemcen
» aidez-moi vite svp
الثلاثاء 12 يناير 2016, 16:30 من طرف أبو إلياس
» حوليات وزارة التربية 2012 في العلوم الطبيعية
الجمعة 04 ديسمبر 2015, 13:04 من طرف lynda2013
» لمـــــــــــــــــــاذا تبـــــــكي النّســـــــــــــــــــاء
الأربعاء 18 نوفمبر 2015, 18:46 من طرف أبو إلياس